- جورج شولتز
- مايكل بوسكين
- جون تايلور
ستانفورد ــ كان الإغلاق غير المسبوق لقسم كبير من الاقتصاد الأميركي الذي فرضته الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات والحكومات المحلية في الولايات المتحدة مفهوما في ضوء الاحتياج إلى إبطاء انتشار فيروس كورونا. ولكن في كثير من الأحيان، تتسبب التدخلات الحكومية الحسنة النوايا والطويلة الأمد غالبا في منع الأسواق من العمل على النحو اللائق وهي بالتالي تضر أكثر مما تنفع. حتى في أوقات الأزمات، تحل الأسواق المشاكل بشكل جيد، لأنها توفر الحوافز المناسبة لاستخدام الموارد بشكل فعّـال.
لذا، ينبغي لصناع السياسات الذين يتعاملون مع جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19 COVID-19) أن يبذلوا كل جهد ممكن للإبقاء على الأسواق عاملة والحوافز الخاصة قوية. ومن الممكن أن نستعين بالتاريخ كدليل مفيد في هذا الصدد.
بادئ ذي بدء، يجب أن تفرض الحكومات الحد الأدنى من القيود على الشركات والموظفين عند تسخير القطاع الخاص لأغراض الطوارئ المؤقتة ــ سواء لإنتاج الدبابات في الحرب العالمية الثانية أو أجهزة مساعدة التنفس الآن. تتسبب السياسات الحكومية العَرَضية المفرطة في العدوانية غالبا في عرقلة التعافي والإضرار بصحة الاقتصاد في الأمد البعيد. في أغلب الحالات (مع بعض الاستثناءات المعقولة)، يكون الإقلال من التنظيم وصفة جيدة للنجاح الاقتصادي. اليوم، على سبيل المثال، لماذا لا نخفف شروط الترخيص المهني للمتقاعدين من الأطباء وأطقم التمريض للمساعدة في تخفيف الضغوط عن المستشفيات المرتبكة بسبب الأعداد المفرطة من المرتادين؟
والحفاظ على المسؤولية الفردية أمر بالغ الأهمية أيضا. كانت التدخلات الحكومية المتكررة في المنازعات العمالية الكبرى أثناء إدارتي الرئيس جون كينيدي والرئيس ليندون جونسون تنتهي دوما إلى التسوية في البيت الأبيض. وقد تسبب ذلك في تدمير المساومة الخاصة، لأن المسؤولين التنفيذيين والنقابات لم يقدموا أفضل ما لديهم من عروض حتى وصلوا إلى واشنطن. ولكن عندما وجد الرئيس ريتشارد نيكسون نفسه في مواجهة إضراب من قِبَل عمال الموانئ في عام 1969، أخبر الأطراف جميعها أنهم لابد أن يتحملوا المسؤولية وأن يتوصلوا إلى تسوية الأمر بأنفسهم؛ وبمجرد تلقيهم تلك الرسالة فعلوا ذلك حقا.
ثانيا، لا ينبغي لصناع السياسات أن يتدخلوا في التسعير. بعد أن ورثت ضغوطا تضخمية في مختلف قطاعات الاقتصاد، فرضت إدارة نيكسون في نهاية المطاف ضوابط إلزامية على الأجور والأسعار في عام 1971، بدعم واسع من الحزبين. ورغم أن هذه التدابير بدت وكأنها ناجحة في البداية، فإنها انتهت إلى إلحاق الأذى بالاقتصاد. على النقيض من ذلك، عاد الرئيس رونالد ريجان إلى سياسات الاقتصاد الكلي المجربة والحقيقة، فرفع الأعباء التنظيمية، وسارع إلى خفض معدلات الضرائب ــ وكل هذه التدابير نجحت في ما فشلت فيه التدخلات الحكومية السابقة.
يتلخص مبدأ مرشد آخر في السماح للأسواق بالتكيف. في صيف عام 1971، تسبب الإنفاق بالعجز والتضخم المحلي في الولايات المتحدة في المبالغة في تقدير قيمة الدولار، مما أدى إلى التكالب على الخزانة العامة في حين بدأت الدول الأوروبية في استرداد عملاتها بسعر ثابت للذهب. ثم أغلق نيكسون نافذة الذهب وبدأ يتحرك نحو نظام عالمي لأسعار الصرف المرنة.
بعد كفاح في مستهل الأمر في الدفاع عن النظام الجديد، انتهى الأمر إلى نجاحه في العمل على نحو جيد. كما أوضح في وقت لاحق الاقتصادي ميلتون فريدمان: “لنفترض أننا واصلنا العمل بنظام أسعار الصرف الثابتة… عندما اندلعت الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1973، وعندما بدأ حظر النفط، كانت لتحدث أزمة مالية دولية كبرى… لكن ذلك لم يحدث. لماذا لم يحدث؟ لأن نظاما حرا للأسعار كان مطبقا”.
على نحو مماثل، لا ينبغي لصناع السياسات أن يتركوا شهامة عامة الناس تحل محل الأسواق الخاصة. بعد فترة وجيزة من سقوط سور برلين، انزلق زعيم الاتحاد السوفييتي ميخائيل جورباتشوف إلى ورطة سياسية لأن اقتصاد بلاده كان في انهيار. وفي محاولة لتجنب “خسارة روسيا”، حث قادة العالم الولايات المتحدة على قيادة عملية إنقاذ ضخمة، بما في ذلك إرسال كميات ضخمة من القمح الفائض لدى الحكومة الأميركية. لكن هذا كان ليدمر الزراعة السوفييتية، التي كانت تحررت جزئيا من ضوابط وقيود المخططين. بدلا من ذلك، عمدت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش الأب إلى تقليص مساعداتها، وتولت الأسواق حل الأزمة.
يتعين على المزيد من الحكومات أن تستوعب حقيقة مفادها أن الأسواق المفتوحة تعمل على تحسين النتائج الاقتصادية. عندما غزا الرئيس العراقي صدّام حسين الكويت في عام 1990، ارتفعت أسعار النفط إلى ما يعادل نحو 200 دولار للبرميل اليوم. جاءت فترتا الركود الأشد عمقا في الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية في أعقاب زيادات درامية مماثلة في أسعار النفط، بسبب حظر النفط العربي والثورة الإسلامية في إيران. الواقع أن أحد المقترحات كان يتمثل في إغلاق سوق النفط الآجلة. ولكن بعد مداولات مكثفة ومناقشات حادة، ساد العقل، وظلت الأسواق مفتوحة.
من الأهمية بمكان الآن حل التدخلات الجارية في السوق اليوم. في بعض الأحيان، يتعين على الحكومة أن تعمل على منع إساءة استخدام التدابير الحكومية التي كانت مرغوبة سابقا والسماح لها بتهديد عمل الأسواق الحيوية.
كانت هذه هي الحال عندما حلت الحكومة الأميركية كارثة المدخرات والقروض في أوائل تسعينيات القرن العشرين. كان تمرير تركيبة تتألف من التأمين على الودائع الفيدرالية ومعاشات التقاعد كافيا لتمكين العديد من مؤسسات المدخرات والقروض المعسرة من الإبقاء على أبوابها مفتوحة، مما سمح لها بخوض مخاطر استثمارية أعلى في حين تمكنت من دفع أسعار فائدة متزايدة الارتفاع على الودائع للحفاظ على تدفق الأموال. كان هذا يشكل تهديدا لشريان حياة المؤسسات المالية القادرة على الوفاء بديونها، وعلى هذا فإن الاستيلاء بسرعة على العديد من مؤسسات المدخرات والقروض العاجزة عن الوفاء بديونها كان ضروريا للحد من حجم الضرر النهائي، وإن لم يحظ ذلك بقدر كبير من الشعبية.
يتعين على الحكومات أن تتوخى الحذر وأن تحرص على أن يكون تدخلها لائقا. في أعقاب الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، عملت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش على الإبقاء على الأسواق مفتوحة. وكانت المهمة المباشرة تتلخص في قطع التمويل عن تنظيم القاعدة دون تعطيل التدفقات المالية العالمية اللازمة لدعم النمو الاقتصادي. وقد أثبتت تلك الاستراتيجية نجاحها: فلم يتأثر الاقتصاد، وفي قت لاحق، منحت لجنة الحادي عشر من سبتمبر/أيلول استجابة السياسة الاقتصادية التي قدمتها الإدارة أعلى تقديراتها على الإطلاق.
أخيرا، يتعين على صناع السياسات أن يركزوا على التأثير الاقتصادي. خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2008، أقر الكونجرس الأميركي حزمة “تحفيز” مؤقتة من الخصومات الضريبية، بينما بدأت عقلية الإنقاذ في وقت سابق من ذلك العام بإنقاذ بنك بير شتيرنز الاستثماري. لكن الناس ادخروا الخصومات الضريبية في الأغلب، واستمر الاقتصاد في الانهيار. ولهذا، أثناء جائحة كوفيد-19، يجب تشجيع دافعي الضرائب الأميركيين على إنفاق الدفعات النقدية المؤقتة التي يتلقونها من الحكومة الفيدرالية ــ بما في ذلك في أجزاء من الاقتصاد لا تزل تعمل وقد تنمو في المستقبل، مثل المبيعات عبر الإنترنت والعمل عن بُـعـد.
إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من حتميات الصحة العامة اليوم، يتعين على الولايات المتحدة أن تعمل على تطوير استراتيجية اقتصادية لا تتجاوز عمل الأسواق. وسوف يتطلب التنفيذ الفعّال لمثل هذه السياسات التفاعل المستمر بين الحكومة والقوى الفاعلة في القاع الخاص، خشية أن يتسبب الجمود البيروقراطي والروتين غير الضروري في إبطاء الأمور. كان هذا هو الدرس الرئيسي المستفاد من أزمات عديدة على مدار الزمن: حافظوا على انفتاح الأسواق وقوة الحوافز الخاصة.
رابط المصدر: