دعوات الجهوزية: قراءة في خطاب مقتدى الصدر يوم “الجمعة الموحدة”

نرمين سعيد

 

في خطوة مثلت المزيد من الضغط على الإطار التنسيقي، دعا مقتدى الصدر “زعيم التيار الصدري” إلى إقامة صلاة الجمعة الموحدة ويرجع هذا التقليد إذا شئنا التعبير إلى العام 1998، حيث دعا إليها والد مقتدى المرجع الديني الراحل “محمد صادق الصدر” في سياق عملية استعراضية موجهة لنظام الرئيس الراحل صدام حسين حينها.

الجمعة الموحدة التي كانت بغداد على موعد معها منذ أيام، شهدت تجمع الآلاف من أنصاره في غير حضوره مما يعكس سمات شخصية سياسية  طاغية، وهي الخطوة التي جاءت تالية لانسحاب الصدر ونوابه من البرلمان العراقي، في رسالة حملت إشارات ضمنية مفادها أن انسحاب التيار الصدري من البرلمان لا يعني ترك المجال السياسي مفتوحًا أمام خصومه، وأنه لا ينبغي فهم هذه الخطوة إلا في إطار أخذ موقع مختلف في الخريطة السياسية العراقية، أو إعادة تموضع تؤهل التيار الصدري لتوظيف استحقاقه الانتخابي الذي حاول الإطار التنسيقي تفويته عليه عن طريق الدفع بآلية الثلث المعطل.

ربما كانت أكثر الصور المنعكسة عن صلاة الجمعة الموحدة “وضوحًا”، الأعداد الغفيرة التي حضرتها والتي تشير ضمن ما تشير إليه أن مقتدى الصدر لازال قادرًا حتى وهو خارج اللعبة السياسية على حشد الآلاف بطلب واحد، وأنه إذا شاء يمكن أن يوجههم أيضًا، مشكلًا ضغوطات إضافية على الإطار التنسيقي الذي تضربه الخلافات، وفشل حتى الآن في تشكيل حكومة ائتلافية.

ويمكن تحميل صلاة الجمعة الموحدة في جانب انعقادها فقط بعدد من الدلالات كالتالي:

  • يشكل الآلاف الذين اجتمعوا في الساحة لأداء صلاة الجمعة الموحدة عامل ردع لنوري المالكي وإطاره التنسيقي، خصوصًا في ظل مساعٍ حثيثة من قبل ائتلاف دولة القانون لفرض إرادته السياسية ووضع المالكي أو شخصية مقربة منه يسهل توجيهها على رأس الحكومة العراقية القادمة، وهو الأمر الذي يفرغ منصب رئيس الوزراء من منصبه في دولة تعتمد النظام البرلماني.
  • كان هناك تشديد خلال المراسم التي شهدها يوم صلاة الجمعة الموحدة على عدم رفع أي علم سوى العلم العراقي، وعدم التلويح بأي شعارات سياسية أو طائفية، مما يؤكد على أن مقتدى الصدر عاقد العزم على عدم اللعب على وتر الطائفية والمحاصصة، وإلا لما كان قد رفض تشكيل حكومة ائتلافية منذ البداية، وفي ذلك إعلاء لمبدأ الداخل أولًا وعدم الانسياق وراء أي قوة داخلية أو خارجية على العكس من منهج الإطار التنسيقي. ولم تشهد فعاليات اليوم رفع أي نوع من أنواع السلاح، وفي ذلك دحض للمزاعم التي أشارت إلى أن مقتدى الصدر إنما أراد استعراض عضلاته من ناحية التسلح.
  • مثلت صلاة الجمعة الموحدة سلاحًا ذا حدين، خصوصًا في هذا التوقيت الحساس الذي قد يقود البلاد إلى منعطف خطير، حتى أن البعض بالغ في مخاوفه عندما اعتقد أن الآلاف الذين احتشدوا كانوا سيتوجهون إلى المنطقة الخضراء لإسقاط العملية السياسية. ولكن لا يبدو حتى الآن أن زعيم ائتلاف دولة القانون لا يدرك حجم المقامرة التي يقدم عليها، والدليل أنه لا يزال يصر أن يحكم قبضته على التشكيل الحكومي، في الوقت الذي بدا فيه زعيم تيار الفتح هادي العامري أكثر إدراكًا ووعيًا حينما أشار إلى النأي بنفسه عن التشكيلة الحكومية القادمة؛ ذلك أنه يمتلك تصورًا عن مآلات الأمور ولا يريد أن ينتهي الأمر إلى تفكك الإطار التنسيقي، وهو ما تبعه فيه حيدر العبادي رئيس الحكومة العراقية الأسبق الذي أكد أنه لن يكون جزءًا من أي تشكيلة إقصائية للحكومة.

قراءة في خطبة مقتدى الصدر:

  • بداية، استطاع مقتدى الصدر حشد مئات الآلاف من أنصاره في صلاة الجمعة الموحدة على الرغم من أنه لم يكن حاضرًا، ويفهم من ذلك السمات الشخصية السياسية الطاغية التي يتميز بها الرجل، والتي يعزى جزء كبير منها إلى المرجعية الدينية، علاوة على أنه إذا كان قادرًا على حشد هذه الأعداد في ساحة لم يكن حاضرًا فيها فكيف الحال إذا كان حاضرًا. الأمر تضمن بشكل كبير بالونة اختبار من الصدر نفسه على مدى قدرته ونجاحه في عملية التحشيد السياسي.
  • ولكن ما يهم هنا بدرجة أكبر هو محتوى الخطبة التي ألقاها نيابة عنه الشيخ ” محمود الحباشي”، والتي تم توجيهها بشكل أساسي إلى خصوم الصدر السياسيين الذين لا يحسن الظن بهم والذين تم تجربتهم سابقًا ولم يفلحوا، وهو ما تمت الإشارة إليه في الخطبة.
  • تضمنت الخطبة عددًا من النقاط التي بدا إيصالها ببعض وكأنما يرسم خارطة طريق سياسية للعراق، في عكس لكل ما قيل عن مغادرة الصدر وتياره للعملية السياسية.
  • لعل أبرز ما ركز عليه الخطاب هو مسألة الميليشيات والسلاح المنفلت -مع الإشارة إلى أنه لا يمكن أن تقوم في العراق حكومة قوية في وقت يكون السلاح فيه في يد الجميع- وعليه فقد طالب الصدر في الخطبة التي ألقيت نيابة عنه بحل جميع الفصائل المسلحة، مع التأكيد على أنه إذا عاد الاحتلال فإن هذه الفصائل ستعود؛ ولذلك يُطرح تساؤل هنا حول ما إذا كان القصد هو حل الفصائل المسلحة ونزع سلاحها، أم مجرد تحييدها ووضعها على وضع الاستعداد.
  • وعلى حدة، اختصت الخطبة بالذكر الحشد الشعبي الذي يضم فصائل مسلحة موالية لإيران، فقد أشار مقتدى الصدر إلى أنه في سبيل تحسين سمعة هذا الفصيل فينبغي أن تتم “إعادة تنظيمه- ترتيبه- تصفية جسده” من العناصر غير المنضبطة، وهو ما يبعث برسالة قوية مفادها أنه لا مهادنة مع إيران. وهو ما أثار انتقادات ضد الصدر، خصوصًا في الجزئية التي أشار فيها أنه لا منة ولا فضل للحشد الشعبي في تحرير الأراضي العراقية من تنظيم داعش، وهو ما عده البعض إجحافًا في حق الحشد.
  • أكد الصدر خلال الخطبة التي ألقيت نيابة عنه على دور الجيش والشرطة وأهمية دعمهم في القيام بأدوارهم، خصوصًا أن عدم اعتراف المالكي بقوات الجيش والشرطة يعني عدم اعترافه بالدولة، وتعني أنه يمضي مُصرًا في طريقه لتكوين دولة موازية.
  • النقاط التي جاءت في خطبة الصدر ليست جديدة، ولكن دلالتها تأتي في إعادة التأكيد عليها مرة أخرى أمام هذه الحشود الغفيرة.
  • ربما تعد صلاة الجمعة الموحدة مؤشرًا على تحرك جماهيري موسع في الأيام المقبلة في ظل حالة الانسداد السياسي التي يعيشها العراق، وهو ما يتطلب حالة كبيرة من ضبط النفس من قبل جميع التيارات، خصوصًا بعد أن شكل انسحاب الصدر من البرلمان إغلاقًا لأبواب الحل السياسي وأن يحل محله اللجوء إلى الشارع، ما يثير قلقًا من تحول الأمور إلى احتراب داخلي.
  • دعا الصدر خلال خطابه إلى محاربة الفساد، مما أثار انتقادات تجاهه، تضمنت أنه في الوقت الذي يدعو فيه لمحاربة الفساد فإنه يتحالف مع قوى تلطخت أيديها، بجانب أنه يتحالف مع مسعود بارزاني الذي يرفض قرارات المحكمة الاتحادية والمتعلقة بتحديد أحقية كردستان في استغلال النفط، في الإقليم بعيدًا عن الحكومة المركزية.
  • جاءت صلاة الجمعة الموحدة في وقت يشهد فيه الشارع العراقي تسريبات تم نسبها إلى نوري المالكي وجه فيها الكثير من الانتقادات لمقتدى الصدر، وهي التسريبات التي أشار إليها مقتدى الصدر خلال تغريدة له قائلًا إنه لا يقيم لها وزنًا.

ختامًا؛ تضمن تحشيد الصدر لأنصاره في الجمعة الموحدة حركة احتجاجية على حالة الانسداد السياسي دون الخروج في مظاهرات فعلية؛ أو بمعنى آخر التظاهر عن طريق التحشيد السياسي وليس عن طريق النزول للشارع. وهنا يؤكد الصدر مجددًا على احتكاره لأداة الاحتجاج وتوظيفها في الوقت المناسب، وهو ما لا تتمتع به الأطراف الأخرى في العراق بما فيها القوى “التشرينية”. 

وكذلك وضع الصدر مجموعة من الشروط التي أملاها على الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة المقبلة تضمنت بنودًا تعجيزية، منها محاسبة الفاسدين والدفع بهم بعيدًا عن الحكومة، وهو يدرك بذلك أنه يقطع الطريق على نوري المالكي  الذي رشح نفسه رئيسًا للحكومة؛ وذلك لأن التسريبات تعد حجر الزاوية في استبعاد المالكي من رئاسة الوزراء، لأن قوى الإطار التنسيقي ستحجم عن دعمه لما يشكله ذلك من حرج لها أمام التيار الصدري، ولذلك فقد يكون الحل في مرشح آخر أو الانتظار حتى جلسة البرلمان في نهاية الشهر الجاري، والتي من المفترض أن تشهد تسمية رئيس جمهورية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/71530/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M