دلالات الهجوم العسكري الإسرائيلي الأخير على إيران

وجهت إسرائيل، صبيحة يوم 26 أكتوبر 2024، 3 موجات من الضربات العسكرية ضد إيران، شملت استهداف مواقع عسكرية تابعة للحرس الثوري ومراكز لتصنيع المسيرات والصواريخ الباليستية في غرب وجنوب غرب العاصمة طهران وفي محافظتي إيلام (الكردية) وخوزستان (العربية أو ما يُطلق عليها أيضًا الأحواز).

جاءت تلك العمليات ردًا على الهجمات التي شنتها إيران ضد إسرائيل في الأول من أكتوبر من الشهر نفسه واستهدافت مواقع عسكرية ومدنية في إسرائيل، وهو ما كان قد جاء بدوره ردًا على استهداف إسرائيل وقتلها لعدد كبير من قادة الحرس الثوري والجماعات الموالية لإيران في الإقليم، وكان أبرزهم الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، ونائب قائد العمليات في الحرس الثوري الإيراني عباس نيلفروشان الذي توعدت إيران إسرائيل بالرد على مقتله.

ونُفّذت العمليات الإسرائيلية الجوية الأخيرة على إيران بعد أسابيع من دعاية إعلامية دولية ضخمة حول “ضخامة” العمل العسكري المنتظر من جانب إسرائيل، والذي ذهبت بعض التقديرات الغربية والإقليمية والإسرائيلية فيه إلى الاعتقاد بأن إسرائيل سوف تهاجم المنشآت النووية الإيرانية ومواقع الطاقة ومن بينها المصافي النفطية في البلاد، إلا أن ذلك لم يحدث وكان الهجوم الإسرائيلي محدودًا و”غير مستفز” لإيران.

يبعث حجمُ ومدى تأثير هذه العمليات الإسرائيلية “الرمزية” بدلالات معينة نتطرق إليها فيما يلي:

  • نجاح الضغوط الأمريكية على إسرائيل بتنفيذ عمليات محدودة:  

تمثل محدودية الضربة الإسرائيلية الأخيرة على إيران صبيحة يوم 26 أكتوبر 2024 نجاحًا كبيرًا وعمليًا للضغوط الأمريكية على إسرائيل من أجل عدم توسيع نطاق الضربة على إيران لتشمل منشآت نووية أو نفطية أو حتى الإقدام على اغتيال شخصيات سياسية أو عسكرية أو أمنية بارزة في النظام، كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد تحدثت عنها وأشارت إلى أن من بينهم المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، نفسه.

فعلى الرغم من أن المدة الزمنية للحوار والمناقشات الأمريكية الإسرائيلية بشأن نطاق الرد الإسرائيلي على إيران قد استمرت منذ اليوم الأول في شهر أكتوبر 2024 وحتى يوم 25 أكتوبر فإن الضغوط الإسرائيلية على واشنطن لم تنجح وحالف التوفيقُ الضغوطَ الأمريكية في هذا الصدد، ما يدل أيضًا على مدى إمكانية إجبار واشنطن لإسرائيل على اتخاذ قراراتٍ بعينها.

  • رفض واشنطن لسيناريو التصعيد الإقليمي الشامل للحفاظ على مصالحها:  

تشير طبيعة الضربة الإسرائيلية على إيران إلى رفض استراتيجي من جانب واشنطن لدخول منطقة الشرق الأوسط في حالة الحرب الشاملة؛ حفاظًا على المصالح الأمريكية الاقتصادية والأمنية في المنطقة. فإذا أقدمت إسرائيل، على سبيل المثال، على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية أو اغتيال شخصيات كبرى في منظومة الحكم بطهران، فإن احتمالات اندلاع حرب حقيقية بين إيران ووكلائها من جانب وإسرائيل وحلفائها من جانب آخر كانت ستتحول إلى واقع، ما يضر حتمًا بالمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة والدول الغربية، خاصة ما يتعلق بالتجارة الدولية وصادرات النفط.

فإذا اندلعت مثل هذه الحرب، حتى لو استمرت لأيام قليلة تقوم من خلالها إسرائيل بضرب منشآت نووية إيرانية وتخرج على الفور من الأراضي الإيرانية، فإن رد الفعل الإيراني كان سيرفع حتمًا من أسعار النفط العالمية لمستويات غير مسبوقة منذ سنوات طويلة، حيث كان من المتوقع للغاية أن تُقدم إيرنا على إغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي والإضرار بحركة الملاحة الدولية في الخليج العربي وربما إيقاف حركة نقل النفط من أغلب مناطق الشرق الأوسط إلى الخارج.

وكان من المؤكد أن ذلك سيصيب الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبرى، بصدمة اقتصادية كبرى ستقود لتداعيات سلبية للغاية في الشارع الغربي وعلى الحكومات الغربية التي من بينها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن. ومن ناحية أخرى، فإن الولايات المتحدة في ظل هذا السيناريو كانت على الأغلب ستضطر إلى محاربة إيران عن طريق قواعدها العسكرية في المنطقة؛ ذلك لأن احتمالات مهاجمة إيران ووكلائها لهذه القواعد العسكرية ستكون متزايدة، ما يعني خسارة كبرى لواشنطن على الناحيتين الاقتصادية والأمنية.

  • فعالية التحركات السياسية والدبلوماسية الإيرانية الخارجية لمنع حرب أوسع ضد طهران:  

في الواقع، مثّلت الضربة العسكرية الإسرائيلية المحدودة على إيران يوم 26 أكتوبر نجاحًا للتحركات السياسية والدبلوماسية الإيرانية خلال الأسابيع الأخيرة والتي كان هدفها الرئيس منع توجيه إسرائيل هجومًا واسع النطاق ضد إيران. ويُعد هذا انعكاسًا لتحركات وزير الخارجية الإيراني على وجه التحديد، عباس عراقجي، الذي قاد حملة دبلوماسية إقليمية ودولية التقى خلالها مع عدد كبير من رؤساء ووزراء خارجية الدول الأجنبية بهدف رئيس وهو التوسط لدى إسرائيل والولايات المتحدة بشكل مباشر أو غير مباشر من أجل كبح جماح طموحات الإسرائيليين العسكرية فيما يخص الأهداف المحتمل مهاجمتها في إيران.

  • تجنب الدول الإقليمية حالة التصعيد مع إيران:  

خلال مساراتها الجوية لمهاجمة إيران، سلكت أكثر من 100 طائرة مقاتلة إسرائيلية الأجواء العراقية ولم تمر عبر أجواء دول أخرى مثل عدد من الدول الخليجية أو الأردن، ما يعكس تجنبًا من دول الإقليم لحدوث تصعيد سياسي أو عسكري أو أمني مع إيران، خاصة بعد التحسن في العلاقات بين إيران وعدد كبير من دول المنطقة خلال العامين الماضيين. فقد أرادت أغلب دول المنطقة تبني الحياد فيما يتعلق بالضربات الإسرائيلية الأخيرة على إيران؛ من أجل عدم انزلاق المنطقة مجددًا لحالة مستحدثة من التوترات الأمنية أو العسكرية المستقبلية.

  • سعي نتنياهو لاسترضاء الداخل الإسرائيلي عبر توجيه ضربة ولو محدودة لإيران:

يبدو من حجم الضرب الإسرائيلية الأخيرة على إيران أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لم يكن يريد –على أغلب الظن- توجيه ضربة عسكرية لإيران “في الوقت الراهن” على الأقل، أو أنه كان مجبرًا على مهاجمة إيران في الوقت الحالي. ويمكن تفسير ذلك بأن إقدامه على هذا العمل العسكري ضد طهران يمثل مسعى من جانبه لاسترضاء كل من الداخل الإسرائيلي العام والسياسيين اليمينيين في حكومته وفي الداخل أيضًا.

ويفتح هذا المجال واسعًا أمام احتمالات أخرى قد تقودنا إلى أن تيقن “نتنياهو” من عدم قدرة إسرائيل، سياسيًا الآن وعسكريًا وحدها، على مهاجمة المواقع النووية الإيرانية أو شن هجمات مؤثرة للغاية تلبي طموحاته قد دفعه إلى توجيه هجوم ضعيف لإيران؛ منعًا لانتقادات الداخل العام والسياسي والعسكري أيضًا؛ بعد الهجوم الذي أطلقته إيران ضد إسرائيل في الأول من أكتوبر 2024. قد يشير هذا إلى أن إسرائيل قد “هندست” هجومًا محدودًا لعلمها رفض واشنطن مهاجمة المنشآت النووية والنفطية الإيرانية في الوقت الحالي.

  • تأثير الانتخابات الرئاسية الأمريكية على نطاق الضربة الإسرائيلية على إيران:

لعل من بين العوامل المهمة في تحديد نطاق الضربة الإسرائيلية الأخيرة على إيران تأتي الانتخابات الرئاسية الأمريكية الجارية فعالياتُها منذ أشهر والمزمع عقدُها في 5 نوفمبر 2024. إذ إن سعي إدارة جو بايدن الديمقراطية، والحزب الديمقراطي الأمريكي، في عدم تهديد فرص فوز المرشحة كامالا هاريس أمام المرشح الجمهوري دونالد ترامب، قد دفع “بايدن” إلى تبني التهدئة في الشرق الأوسط وعدم الانجرار وراء طموح “نتنياهو” في ضرب المنشآت النووية أو النفطية الإيرانية؛ ذلك لأن مثل هذا السيناريو سيصب في صالح الجمهوريين في ظل رفض شعبي أمريكي وغربي لاندلاع حرب شاملة جديدة ضد إحدى دول الشرق الأوسط منذ تجربة حرب العراق عام 2003.

لا تعني محدودية الضربة الإسرائيلية الأخيرة على إيران أن إسرائيل قد أقلعت عن فكرة مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية أو إضعاف البرنامج الصاروخي الإيراني بشكل كامل وإلى الأبد. إن هذا يمثل خطأ في التقدير؛ ذلك لأن ما دفع “نتنياهو” بالأساس إلى عدم الإقدام على ذلك هو رفض إدارة الرئيس الأمريكي “بايدن” تنفيذ هذا المشروع (ربما في الوقت الراهن تحديدًا)، وليس اعتقادًا خاصًا من جانبه.

يعني هذا أن إسرائيل قد تنفذ مخططاتها ضد إيران، باستهداف البرنامج النووي والصاروخي، في وقت لاحق ربما يكون في عهد ولاية جديدة للمرشح الجمهوري “ترامب” الذي أكد في أكثر من مناسبة خلال الأشهر الأخيرة على دعمه لقصف البرنامج النووي الإيراني، بل إنه حث “نتنياهو” على ذلك، أو قد تشرع إسرائيل في ذلك حينما تمتلك القدرات العسكرية الكافية لتنفيذ هذا المخطط.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M