د. أحمد سيد أحمد
تعكس جولة الرئيس بايدن للشرق الأوسط، منتصف الشهر المقبل والتى تشمل إسرائيل والأراضى الفلسطينية والسعودية، وتتضمن المشاركة فى القمة الخليجية، و تضم أيضا مصر والأردن والعراق، تحولا مهما فى السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، والتى اتسمت خلال العام ونصف العام الماضى بالتهميش والتراجع فى الأولويات مع انشغال إدارة بايدن بمواجهة واحتواء الصين كمنافس استراتيجى، ثم الانشغال بالحرب الروسية الأوكرانية التى أعادت ترتيب الكثير من الأوراق والمعادلات العالمية والإقليمية، ومنها علاقة أمريكا بالشرق الأوسط. كما اتسمت العلاقات الأمريكية مع بعض دول المنطقة المركزية مثل مصر والسعودية خلال الفترة الماضية بحالة من الفتور، والذى يعود بشكل أساسى إلى السياسة الأمريكية ذاتها وتبنيها مقاربات وتوجهات تتعارض بالضرورة مع العلاقات الإستراتيجية التقليدية التى تربط أمريكا بدول المنطقة، حيث سعت إدارة بايدن إلى الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، وإعادة التموضع فى مناطق أخرى وهو ما يتنافى مع المصالح الأمريكية المتشابكة فى المنطقة، ومنها محاربة الإرهاب، وتحقيق الاستقرار الإقليمى ومواجهة التهديدات المختلفة، والتى تعد مصر والسعودية محور ارتكاز أساسى فيها، كما أن توظيف إدارة بايدن لقضية حقوق الإنسان والديمقراطية لتحقيق أهداف سياسية وأدوات لممارسة الضغوط تسبب أيضا فى فتور العلاقات. ولذلك فإن زيارة بايدن الأولى للمنطقة تعكس نهجا واقعيا وعودة لصلب السياسة الأمريكية التى سادت خلال العقود الماضية والتى تقوم على أهمية الشرق الأوسط كمنطقة محورية فى أجندة السياسة الأمريكية، وأهمية العلاقات الإستراتيجية التقليدية مع مصر والسعودية والإمارات وهى علاقات متشابكة ومتعددة المستويات وتعكس الأهمية الإستراتيجية لكل منهما للآخر. لقد أظهرت الحرب الروسية الأوكرانية أهمية الشرق الأوسط فى السياسة الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بأمن الطاقة العالمى ودور السعودية فى ضبط أسواق النفط العالمية فى ظل الارتفاع الكبير فى أسعار الطاقة، وكذلك السلع الغذائية وتصاعد التضخم بشكل غير مسبوق فى أمريكا والدول الأوروبية بسبب العقوبات الغربية على روسيا وتأثر سلاسل الإمداد العالمية وصعوبة تصدير المحاصيل من أوكرانيا مثل القمح والأسمدة، بالتالى يريد بايدن من السعودية زيادة إنتاج النفط لتقليل الأسعار العالمية، لكن هذا مرتبط بالعرض والطلب وسياسة أوبك. كما يريد بايدن دعم اتفاقات التطبيع مع إسرائيل. كما تستهدف الجولة أيضا زيادة مبيعات الأسلحة الأمريكية لدول المنطقة لتنشيط الاقتصاد الأمريكى، كذلك التأكيد على أمن إسرائيل فى مواجهة التهديدات المختلفة، وزيادة الدعم العسكرى لإسرائيل لـ 39 مليار دولار خلال السنوات العشر القادمة، كذلك دعم منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية. وفى المقابل تريد دول المنطقة من إدارة بايدن أن يتم تعزيز العلاقات الإستراتيجية مع دول المنطقة، وأن يكون هناك دور أمريكى أكثر فاعلية فى مواجهة التهديدات الأمنية للمنطقة، وكذلك دور أكثر فاعلية فى عملية السلام، وان يتجاوز الدور الأمريكى مرحلة الدعم المعنوى والاعتراف بحق الفلسطينيين فى العيش بسلام وازدهار وكرامة، إلى الانخراط الفعلى فى مفاوضات تقود لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967، ووقف كل أشكال الاستيطان الإسرائيلى والانتهاكات ضد المسجد الأقصى. كما تريد دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات، أن يراعى أى اتفاق بشأن البرنامج النووى الإيرانى، مخاوفها بشأن التهديدات الأمنية الخاصة بانتشار الأسلحة النووية، كذلك التهديدات الناتجة عن البرامج الصاروخية الإيرانية، وانتشار الميليشيات المسلحة فى المنطقة، خاصة ميليشيا الحوثى التى هددت بأعمالها الإرهابية كلا من السعودية والإمارات. وفى الوقت الذى اتخذت فيه إدارة بايدن موقفا حاسما وانتفضت لدعم أوكرانيا ضد التدخل العسكرى الروسى، فإنها تغاضت عن الأعمال الإرهابية الحوثية ومن يدعمها ضد السعودية والإمارات، بل قامت بالتراجع عن تصنيف الحوثى كمنظمة إرهابية مما شجعها على الاستمرار فى عدوانها على الشعب اليمنى وعلى دول المنطقة ورفض الحلول السياسية، ولذلك تريد السعودية موقفا أمريكيا أكثر حزما فى الضغط على الحوثى لتحقيق السلام فى اليمن.
العلاقات الأمريكية مع دول المنطقة، رغم حالة الفتور التى انتابتها بسبب سياسة إدارة بايدن خلال الفترة السابقة، إلا أنها علاقات إستراتيجية ممتدة على جميع المستويات الاقتصادية والعسكرية والأمنية والسياسية وتمتد لعقود، لذلك يأتى بايدن للشرق الأوسط فى ظل ظروف ومعطيات مختلفة أبرزها تبنى دول المنطقة خاصة مصر والسعودية والإمارات سياسة الحياد الإيجابى فى الأزمة الأوكرانية وعدم الدخول فى الاستقطاب العالمى الناتج عنها. كما أن الدول الثلاث لديها علاقات متوازنة ومتعددة مع القوى الدولية البارزة قى النظام الدولى فى إطار التنوع والاستقلالية والتوازن فى سياساتها الخارجية، ولديها العديد من الأوراق السياسية والاقتصادية التى تمكنها من لعب دور مؤثر فى تفاعلات النظام الدولى بما يعظم مصالحها أولا، خاصة أن الشرق الأوسط هو إحدى الساحات الرئيسية للتنافس الدولى بين القوى الكبرى. إضافة إلى امتلاك الدول الثلاث مقومات القوة الشاملة الاقتصادية والعسكرية والسياسية، وهو ما دفع إدارة بايدن لإعادة مراجعة سياساتها تجاه المنطقة، وإعادة الانخراط العسكرى والسياسى فيها لمواجهة التهديدات المختلفة، وذلك من خلال التنسيق والتعاون مع الدول المحورية مثل مصر والسعودية والإمارات، وتأكيد الشراكة التقليدية التى تجمع أمريكا مع هذه الدول، لكن هذا يتطلب تغييرا حقيقيا فى السياسة الأمريكية لترميم العلاقات مع هذه الدول بما يعزز الأمن والاستقرار فى المنطقة.
نقلا عن جريدة الاهرام بتاريخ 20 يونيو 2022
.
رابط المصدر: