دوافع وأهداف التقارب الإيراني الموريتاني

عبد المنعم على

 

ثّم هناك تطورًا ملحوظًا في العلاقات الموريتانية الإيرانية اتضحت معالمها بجولات متعددة كان في مقدمتها زيارة “حسين أمير اللهيان” وزير الخارجية الإيراني الرسمية على رأس وفد رفيع المستوى إلى موريتانيا مطلع شهر فبراير من العام الجاري، تبعها لقاء جمع بين وزير خارجية إيران و”الداه ولد سيدي أعمر” وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي الموريتاني في أبريل 2023 على هامش مشاركته في المعرض الدولي للقرآن المنعقد في طهران.

هذا الانفتاح سبق وأن مهّدت له طهران منذ عام 2019 على ضوء زيارة وزير الدفاع الإيراني حينذاك “امير حاتمي” إلى نواكشوط، ثّم الدعوة الرسمية للرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” للرئيس الموريتاني “محمد ولد الغزواني” سلمّها المبعوث الخاص للرئيس الإيراني “محمد مهدي إسماعيلي” – وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي- إلى موريتانيا مطلع العام الجاري. ولعل هذا الأمر يستدعى النظر في الدعائم التي عززّت بصورة كبيرة في نقل العلاقات سريعًا إلى نقطة متقدمة، إلى جانب الأهداف المختلفة التي تتطلع لتحقيقها إيران من هذا التقارب.

دوافع موريتانية

لم يأتي تطور العلاقات الموريتانية الإيرانية من العدم، بل يتزامن مع جملة من المتغيرات المُحفّزة لهذا التقارب كالتالي:

  • التراجع النسبي في العلاقات المغربية الموريتانية: هناك حالة من الفتور في علاقات الرباط ونواكشوط راجعة بالأساس للاصطفاف الملحوظ من جانب الأخيرة لصالح قضية الصحراء الغربية والاستقطاب الراهن لصالح الجزائر في ظل الشواغل الأمنية المشتركة من بوابة الحدود الجنوبية، كما تبرز حالة تواجد/ زيارات قيادات جبهة البوليساريو مثلما هو الحال بالنسبة لزيارة وزير الداخلية للجمهورية الصحراوية عضو البوليساريو “عمر منصور” إلى موريتانيا مطلع أكتوبر 2022 وإطلاق تصريحات تتعلق باستخدام وتوظيف الدرونز في إطار تصعيدها مع القوات الملكية المغربية، إضافة إلى استقبال الرئيس “ولد الغزواني” لــ “محمد سالم ولد السالك” ممثل جبهة البوليساريو في مارس 2023، مؤشرًا عن ذلك الاصطفاف، ويعكس حالة الفتور في العلاقات المغربية الموريتانية، وهو هامش مناورة استطاعت أن توّظفه إيران بصورة كبيرة لصالح تواجدها.
  • ذوبان الجليد في العلاقات الخليجية الإيرانية: واحدة من بين دعائم الانفتاح الموريتاني الإيراني هو حالة التبدل الجيوستراتيجي التي شهدّتها الدائرة الشرق أوسطية، وبصورة خاصة حالة الانفتاح السعودي الإيراني والمتغيرات الأخرى المماثلة الناجمة عن هذا التقارب، إذ أن إعادة استئناف العلاقات السعودية الإيرانية في مارس 2023 مثّل مُعطى هام في رفع الحرج على الجانب الموريتاني من أجل رفع مستوى التنسيق مع الجانب الإيراني، ولعل دعائم هذا التحرك جاءت متماشية مع حالة التطور المماثلة بين السعودية والجزائر في الآونة الأخيرة منذ أن اختارها الرئيس عبد المجيد تبون كأول دولة عربية يزورها بعد صعوده للسلطة.
  • الفراغ الأمني في إقليم الساحل الأفريقي: على ضوء خطة إعادة الانتشار التي تشهدها مناطق التوتر في الساحل والصحراء وحالة التحولات التي يشهدها ملف مكافحة الإرهاب، كما هو الحال بالنسبة لخفض واشنطن تواجدها العسكري في تلك المنطقة إلى جانب لإنهاء فرنسا لعملية برخان وكذلك الإعلان مؤخرًا عن انسحاب قواتها من بوركينافاسو، بات المشهد ملائمًا للتحركات الأمنية لشغل هذا الفراغ الأمني من ناحية وبما يتكامل مع التمدد الروسي في تلك المنطقة، ومن ناحية موريتانيا فهي تتطلع للبحث عن شركاء إقليميين من أجل تعزيز امنها وهندسة دورها في تلك المنطقة، لذلك فإن تلك الانسحابات وخطة إعادة الانتشار المتبعة حديثًا مثّلت بيئة خصبة حيال تقارب إيراني مع دول الشمال والغرب الإفريقي.

أهداف إيرانية

إن المتأمل للتحركات الإيرانية حيال موريتانيا يجد أنها تتحرك وفق لجملة من المصالح والأهداف التي تتعلق بحيز تنافسها الإقليمي والغربي؛ ويمكن توضيح ذلك في النقاط التالية:

  • تدارك تغلغل الناتو: على وقِع تغير العقيدة الاستراتيجية لحلف شمال أطلسي في مسار دمج شرق المتوسط وشمال إفريقيا وكذلك منطقة الساحل ضمن تلك الاستراتيجية، بات هناك حالة من التقارب بين الحلف وموريتانيا تجلت في دعوته للمشاركة في الاجتماع الذي انعقد في يونيو 2022 وما تبعها من تحوّل نواكشوط إلى شريك رئيسي ووحيد للناتو في منطقة الساحل – وذلك وفقًا لم عبّر عنه “خافيير كولومينا” الأمين العام المساعد الملف بالشؤون الأمنية في حلف الناتو-  علاوة على مساعي دول الناتو لتعزيز القدرات العسكرية والتسليحية لموريتانيا؛ في إطار العمل على تحقيق الأمن الإقليمي وكذلك لتحويلها لمركز عمليات الناتو الميدانية في إقليم الساحل، لذلك تستهدف إيران عدم ترك الساحة خاوية أمام دول الناتو كورقة ضغط على مصالح الغرب في غرب إفريقيا في إطار معادلة المساومات الراهنة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني.
  • توسيع دائرة الحلفاء لخلق موطأ قدم في الساحل والصحراء: واحدة من بين أهداف التحرك الإيراني في دائرة الشمال العربي هو تشبيك العلاقات المتجذرة مع الجزائر وفتح شراكات مستجدة مع موريتانيا بغرض إحداث اختراق لتلك البيئة الجغرافية الهامة؛ ليس هذا فحسب بل يمتد تطلعها إلى تعظيم مكاسبها من حالة التخبط والإرباك داخل الساحل والصحراء من أجل إحداث اختراق مماثل في غرب إفريقيا ضمن الجهود الاستباقية الذي تتحرك في ضوئه طهران للتحكم في الوضع داخل تلك المنطقة، على ضوء التعقيدات الصعبة في تلك المنطقة وتراجع مستوى ملف الأمن والتعاون العسكري في إطار تراجع القوى العسكرية الغربية المتواجدة وفي مقدمتها فرنسا، في ظل انشغالها بالصراع الدائر بين أوكرانيا وروسيا.

ولعل مؤشرات ذلك برّزت في الجولة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني قبيل زيارة موريتانيا؛ إذ أنه قام بزيارة كل من مالي والنيجر وتشاد وبوركينافاسو، مما يعزز من الطّرح الخاص بمساعي إيرانية لفتح مجالات نفوذ جديدة في تلك المنطقة، بالاستناد إلى حليفها الاستراتيجي (الجزائر)، للقيام بدور أكبر في تلك المنطقة التي تشهد هشاشة أمنية.

  • موازنة التعاون الاستراتيجي الإسرائيلي المغربي: منذ استئناف العلاقات الإسرائيلية المغربية وما تبعها من تطورات نوعية في القطاعات الأمنية والاستخباراتية والعسكرية وكذلك الاقتصادية، بات هناك تحرك إيراني متنام في تلك الدائرة، الأمر الذي يفتح المجال أمام نقل دائرة الصراع داخل تلك الدائرة خاصةً وأنها تحوّلت لبنك أهداف إيراني- إسرائيلي، وتغييرًا تكتيكًا يؤشر إلى إعادة النظر في الأبعاد الاستراتيجية لمواجهة تل أبيب في إطار الحرب بالوكالة.

وفي التقدير؛ هناك محور استراتيجي ووظيفي بات يُشكل في الحيز الشمالي لإفريقيا دعائمه إيران والجزائر ومؤخرًا موريتانيا، تستهدف كل طرف تحقيق مصالحها، فتتقارب طهران والجزائر في حتمية تطويق المغرب وإسرائيل وعدم ترك الساحة أمام تحركاتهما، بينما تأتي مصالح موريتانيا في تعزيز قدراتها الأمنية والتسليحية انتقالاً للدور المستجد الذي ستحظى به كدولة شريكة للناتو في معالجة القضايا الأمنية داخل منطقة الساحل والصحراء، كما أنه من المحتمل تتزايد وتيرة العلاقات الإيرانية بالدائرة الموريتانية وكذلك حيزها المتلاصق في عمق الساحل والصحراء مثلما هو الحال بالنسبة للنيجر وتشاد وبوركينافاسو ومالي.

في مقابل ذلك، فإن مستوى التنسيق الراهن بين نواكشوط والرباط سوف يتأثر نسبيًا بتلك التطورات، ونظرًا لأهمية موريتانيا في معادلة الصحراء تُسارع المغرب لتعزيز تقاربها مع موريتانيا منعًا لتعقد علاقتها معها وتخوفًا من سحب نواكشوط إلى الانخراط في محور إقليمي مع الجزائر وإيران وروسيا، وبرّز ذلك في  الزيارة (غير المعلنة) من جانب “ناصر بوريطة” وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج إلى موريتانيا في أبريل 2023.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/34365/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M