قام رئيس الصومال، حسن شيخ محمود، بزيارة رسمية إلى إثيوبيا لمدة يومين في أواخر شهر سبتمبر 2022، بعد تلقيه دعوة من رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد. وأجرى الرئيس ورئيس الوزراء محادثات بحثت القضايا المشتركة بين البلدين، لا سيما التعاون في مكافحة الإرهاب والتطرف وتعزيز الاقتصاد والتكامل الإقليمي. وتُعد تلك الزيارة بمثابة نقطة انطلاق لمعرفة آفاق العلاقات الصومالية- الاثيوبية في ظل المستجدات التي طرأت على الساحة الصومالية بعد عودة حسن شيخ محمود إلى موقع الرئاسة في 15 مايو 2022، إلى جانب التوترات التي يشهدها الداخل الإثيوبي بعد تجدد القتال منذ أواخر أغسطس 2022بين قوات جبهة تحرير تيجراي من ناحية والقوات الإثيوبية وميليشيات الأمهرا التابعة لها من ناحية أخرى، وهو ما يعنى انهيار الهدنة التي استمرت خمسة أشهر في إقليم التيجراي، وعودة الضغوط الدولية على طرفي الصراع للدخول في مفاوضات للتوصل الى وقف دائم لإطلاق النار.
تحديات مُشتركة
ترتكز السياسة الخارجية للرئيس الصومالي على مبدأ تصفير المشاكل والبعد عن خلق توترات في علاقاته الخارجية بشكل عام ودول الجوار بشكل خاص؛ إذ إن أي توتر ستكون له انعكاسات في الداخل الصومالي، ولذلك هناك حرص صومالي على إجراء مباحثات مع الجانب الإثيوبي. ونأخذ في الحسبان عامل الجوار الجغرافي؛ فإثيوبيا تتشارك مع الصومال في حدودها الشرقية، والتي يبلغ طولها 1640كم، وتعد أطول خطوط الحدود التي تربط إثيوبيا بدول جوارها الست، والتي تبلغ اجمالا 5925كم، وهو ما يحتم تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين لمعالجة التحديات المشتركة.
وبالفعل نتج عن القمة الصومالية- الإثيوبية إبرام اتفاق تعاون ثنائي بين البلدين تضمن بنودًا عشرة تركزت حول التعاون بين الأجهزة الأمنية المشتركة في مكافحة الإرهاب والتطرف، بوصفه عدوًا مشتركًا لكلا البلدين، وتكثيف الجهود لمكافحة التحديات البيئية المشتركة كالجفاف؛ فالبلدان يواجهان موجات جفاف متكررة تهدد حياة السكان، وهو ما يتطلب ضرورة تكثيف الجهود للتصدي لهذه التحديات، وحث الأصدقاء الدوليين لتقديم الدعم للبلدان المتضررة من الجفاف. وكذلك الاتفاق بشأن توسيع التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والاتصالات والأمن والسياسة، بالإضافة إلى زيادة المنح التعليمية والتدريبية التي تقدمها إثيوبيا للشعب والعاملين وقوات الأمن والمؤسسات الصومالية.
ويعكس هذا الاتفاق حرص البلدين على معالجة التحديات المُشتركة، والتي يمكن استعراضها على النحو التالي:
● تهديدات الإرهاب والتطرف: يعد تسلل حركة الشباب الإرهابية من الصومال إلى داخل الأراضي الإثيوبية في يوليو 2022 مؤشرًا خطيرًا على رغبة حركة الشباب في التمدد بالخارج، وهو ما يتطلب تعزيز التعاون العسكري بين البلدين للتصدي لهجمات الحركة. ونجد أن حركة الشباب استغلت عدم الاستقرار السياسي والاضطراب في إثيوبيا بفعل الحرب بين الحكومة المركزية والجبهة الشعبية لتحرير التيجراى. ويمكن القول إن الهجمات الإرهابية الأخيرة من حركة الشباب الإرهابية في العمق الإثيوبي والحرب الدائرة بين الجيش الصومالي وحركة الشباب تُحتم على البلدين التعاون في مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخباراتية. وفى سبيل التصدي للتهديد الأمني، دعا رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لرفع حظر الأسلحة المفروض على الصومال منذ أكثر من 30 عامًا، كرد فعل على تدهور الأوضاع الإنسانية.
● الملف الاقتصادي: يسعى البلدان إلى حلحلة التحديات الاقتصادية، ونجد أن الصراع في إثيوبيا تسبب في تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم وتراجع المستوى المعيشي إلى جانب هروب الاستثمار الأجنبي. ويعاني الصومال كذلك من تحديات اقتصادية تنعكس على الأوضاع المعيشية للمواطنين؛ إذ ترتفع أسعار السلع الغذائية والوقود جراء الجفاف الذي يشهده الصومال. وقد ساعدت الزيارة التي قام بها الرئيس الصومالي إلى إثيوبيا في تعزيز التعاون الاقتصادي؛ فقد تم الإعلان عن توسيع التعاون في مجالات التجارة والاقتصاد وتنمية البنية التحتية كالموانئ والطرق، والاستفادة من القدرات والفرص الاقتصادية، وتم الاتفاق على الاستثمار المشترك في أربعة موانئ على البحر الأحمر لجذب الاستثمار الأجنبي إلى بلديهما.
● الجفاف: يعاني الصومال وإثيوبيا من تدهور الأمن الغذائي، ويعود ذلك الى الظروف الطبيعية بالإضافة إلى الاضطرابات الأمنية، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
– إثيوبيا: تسبب كل من الجفاف والحرب في اضطرار ملايين الإثيوبيين إلى النزوح داخليًا، ويُقدر عددهم بنحو 5.8 ملايين شخص، ويعيش أغلبهم في مخيمات تفتقر إلى الخدمات الأساسية، وذلك بسبب قيام الحكومة الإثيوبية بعرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى المنطقة.
– الصومال: نجد أن الأوضاع الأمنية المضطربة في الصومال بفعل الهجمات التي تشنها حركة الشباب الإرهابية، بالإضافة إلى تفاقم موجة الجفاف التي يتعرض لها الصومال، وارتفاع أسعار السلع الغذائية؛ يؤدي إلى تعرض 4.3 ملايين شخص للجوع، ونجد أن انعدام الأمن الغذائي مُحفز للتنافس على أراضي الرعي الشحيحة والحصول على المياه.
إشكاليات العلاقات الثنائية
نجد أن هناك إشكاليات تواجه العلاقات الثنائية قد تؤدى إلى حدوث فتور في العلاقات الثنائية في المستقبل، فقد كانت الإدارة الإثيوبية في عهد آبي أحمد تطمح لفوز محمد عبد الله فرماجو في الانتخابات الرئاسية الصومالية الأخيرة التي أُجريت في مايو 2022، حيث يحتفظ بعلاقات قوية مع إثيوبيا في ضوء انخراطه في التحالف الإقليمي الذي دشنه آبي أحمد منذ وصوله إلى السلطة في عام 2018، والذي شمل إثيوبيا وإريتريا والصومال. لكن نجد أن الساحة السياسية الصومالية قد شهدت تغيرًا برحيل فرماجو وإعادة انتخاب حسن شيخ محمود لرئاسة الصومال لولاية ثانية، وهو ما يثير مخاوف إدارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي احمد، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
● التقارب مع جبهة التيجراى: تتخوف إدارة آبى أحمد من العلاقات القوية التي يحتفظ بها حسن شيخ محمود منذ ولايته الرئاسية الأولى (2012-2017) بنخبة التيجراى التي كانت تسيطر على مفاصل الحكم في إثيوبيا خلال تلك الفترة الزمنية، وهو ما اتضح في مسارعة زعيم الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي، ديبرتسيون جبريمايكل، لتهنئة الرئيس حسن شيخ محمود بفوزه في الانتخابات الرئاسية، وألمح إلى أنه يتطلع لتعزيز التعاون المُشترك مع القيادة الصومالية الجديدة.
واتضح هذا التوجس كذلك من خلال مناقشة أحد البرامج الإخبارية التابعة لشركة الإذاعة الإثيوبية المملوكة للدولة (EBC) التحديات التي تواجه القيادة الصومالية الجديدة، وأشار البرنامج إلى العلاقات القوية التي تجمع الرئيس حسن شيخ محمود بجبهة تحرير التيجراى عندما كانت تتولى مقاليد الأمور في إثيوبيا قبل عام 2018، وأن استمرار التقارب سيؤدى الى عرقلة جهود تحسين العلاقات بين البلدين. والجدير بالذكر أن الخارجية الإثيوبية قد تنصلت من التغطية الإخبارية، وأن ما ورد من مناقشات لا يعكس واقع العلاقات الثنائية بين البلدين.
● تباين المواقف: سعت إثيوبيا إلى استمالة مواقف دول القرن الأفريقي لتأييد موقفها إزاء القضايا الإقليمية المختلفة، ولا سيما ملف سد النهضة. ونجد أنه كان هناك تقارب في هذا الملف بين إثيوبيا والرئيس الصومالي السابق محمد عبد الله فرماجو ما يبرهن عليه تحفظ الصومال على قرار جامعة الدول العربية في يونيو 2020 الداعم لموقف دولتي المصب مصر والسودان والذي طالب إثيوبيا بالامتناع عن البدء في ملء خزان سد النهضة من دون التوصل إلى اتفاق مع القاهرة والخرطوم حول قواعد ملء وتشغيل السد.
أما الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود فنجد أنه حرص على إحداث تقارب مع مصر، عكسته زيارته إلى القاهرة في يوليو 2022 التي التقى خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي وكان هناك توافق في مواقفهما إزاء عدد من الملفات الإقليمية محل الاهتمام المشترك، ومنها ملف سد النهضة الذي أكد بشأنه الرئيسان خطورة السياسات الأحادية عند القيام بمشروعات على الأنهار الدولية، وضرورة وحتمية الالتزام بمبدأ التعاون والتشاور المسبق بين الدول المشاطئة لضمان عدم التسبب في ضرر لأي منهما، وضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة. ومن هنا يظهر توجس لدى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد من التقارب المصري الصومالي، ولذلك يسعى إلى استمالة موقف الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لصالح وجهة النظر الإثيوبية.
وفي الختام، يمكن القول إن القيادة الصومالية تدرك أن من مصلحتها فتح قنوات تواصل مع إثيوبيا، وتعزيز التعاون في القضايا المشتركة، وعدم خلق أي نوع من التوتر في العلاقات الثنائية حتى لا يعود بالسلب على الداخل الصومالي، والعمل على تحييد إثيوبيا فيما يتعلق بالتدخل في الشأن الداخلي الصومالي من خلال جعلها تتراجع عن سياسة استمالة عدد من رؤساء الولايات الإقليمية الصومالية من أجل تقوية سلطتها على حساب الحكومة الصومالية المركزية.
.
رابط المصدر: