أمنية باسم سعدي / باحثة
الملخص التنفيذي:
يعطي اقتصاد المعرفة المستهلكَ ثقةً أكبر، وخيارات أوسع، ويحقِّق التبادل إلكترونياً، ويغيِّر الوظائف القديمة، ويستحدث أخرى جديدة، ويقوم على نشر المعرفة وإنتاجها في مجالات عديدة، ويفرض على المؤسسات التجديد والإبداع، والاستجابة السريعة لاحتياجات الزبائن.
عدم الاهتمام باقتصاد المعرفة والثنايا التي يتشكَّل منها، أي: إنَّنا سنشهد في العراق ذوبان الثقافة، والقيم المجتمعية أمام المد الكبير الذي تخلقه الأنماط الخارجية، إذ يتسم المد المعرفي الثقافي في العراق بأنَّه نمط استهلاكي تقليدي غير قادر على صناعة المحتوى، أو حتى الحفاظ على الهوية الوطنية.
يمتلك العراق مقومات كبيرة للنهوض باقتصاد المعرفة، منها: القدرات الشبابية، والنسبة العالية من الشباب، فضلاً عن توفُّر الإرادة لدى هؤلاء الشباب في تطوير المهارات، وتبنِّي الأنماط الحديثة من الأعمال. كما توفِّر الموارد المالية التي تمتلكها الدولة العراقية متسعاً مالياً مرناً في الإنفاق على البرامج التي تعنى بخلق المهارات، وتوفير البنى التحتية، والإنفاق على البرامج المعنية بهذا الأمر.
يطبَّق أفضل نموذج في العراق عن طريق الاستثمار، وعن طريق هيئة الاستثمار الوطني في بناء ما يسمَّى بالمدن الذكية التي تتبنَّى أنماطاً عاليةً من التعليم، والبرامج الذكية في الإدارة، وإنتاج التطبيقات الذكية. وتعمل هذه المدن على استقطاب المهارات من المناطق الأخرى للسكن فيها، وعدِّها أنموذجاً ريادياً قابلاً للتطبيق في المناطق الأخرى عن طريق المحاكاة، وعدوى النمو.
المقدمة:
شهد العالم مجموعة من التغيرات في ميادين الحياة كافة، ويعدُّ العالم -مع هذه التغيرات- قريةً صغيرةً اخْتُصِرَت فيه المسافات بين الدول، وأصبحت المعلومات والتكنولوجيا أهم مفاتيح الإنتاج، وبات يُنَظر إلى المعرفة بأنَّها مورد اقتصادي أساسي قادر على خلق شروط النمو، واستيعاب العمالة، ورفع معدل الدخل القومي، والذي بات يوماً بعد يوم يشكِّل الاقتصاد المعرفي ركناً رائداً في النمو، ومؤشراً للتطور والتنويع الاقتصادي، فقد غيَّرتِ التحوُّلات الاقتصادية والتطوُّرات التقنية والمعلوماتية ملامح الحياة، وغيَّرت عديداً من الأنماط الحياتية التي كانت سائدة في الماضي في ظل التطوُّرات التي شهدها العالم إبَّان العقدين من القرن العشرين. أدَّى هذا التطور إلى تغييرات هائلة عن القرون التي سبقت، وكان لهذا التغيير أثر كبير في المجتمعات الإنسانية لا سيَّما في المجالات الاقتصادية.
ومن أجل بيان دور التحوُّلات المعرفية في التحوُّل من اقتصاد تقليدي إلى الاقتصاد المعرفي علينا الإجابة عن التساؤل الآتي: كيف يمكن للتحوُّلات المعرفية في الاقتصاد عبر تاريخ البشرية أن تقود التطوُّر الاقتصادي؟
أولاً: التحوُّلات المعرفية في الاقتصاد عبر تاريخ البشرية
تغيَّرت أسس القوة الاقتصادية ومحاورها للأمم والشعوب عبر التاريخ، إذ بدأت بالقوة البخارية، وانتهت بالاقتصاد المعرفي، ومنذ العام 1990: اتسمت هذه المرحلة بسيطرة الحواسيب، والأجهزة الإلكترونية على القوة الاقتصادية للدول، وأصبح يُطلق على الدول المُخترعة والمطورة لأنظمة الحواسيب والمعلومات بالدول ذات الاقتصاد المعرفي، أي: أصبح الاقتصاد المعرفي هو أحد أهم المعايير الأساسية المحددة لتطوُّر الدول وتقدمها.
ما انبلجت مرحلة ظهور الاقتصاد المبني على العلم والمعرفة والتكنولوجيا (اقتصاد المعرفةKnowledge Economy) بين عشية وضحاها، فقد سبقتها مراحل متعددة كانت لها الأثر الكبير في ظهورها وتطورها؛ ولفهم نشأة «اقتصاد المعرفة» فقد ميَّزت ثلاث مراحل أساسية تطوُّرَ المجتمعات البشرية، أو ما يُطلق عليها اصطلاحاً تسمية «الموجات الثلاث»، فمن المجتمع الزراعي إلى المجتمع الصناعي؛ وصولاً إلى المجتمع المعرفي:
التحوُّل الأول: المجتمع الزراعي أو «اقتصاد الطبيعة”: قد يشكِّل وصف المرحلة التي اعتمد فيها الإنسان بصورة أساسية على الطبيعة بالتحول الأول، بوصف أنَّ الإنسان ومنذ نزوله إلى الأرض على الطبيعة كان يعتمد على الطبيعة، ومواردها اعتماداً تلقائياً، وبذلك، تُعدُّ مرحلة المجتمع الزراعي امتداداً طبيعياً ونتاجاً فطرياً للسلوك البشري هذا من ناحية علم التاريخ، ولكن للتاريخ الاقتصادي معايير أخرى اعْتُمِدَ عليها لوصف مرحلة ما سُمِّيَ بالثورة الزراعية، والتي أنجبت مجتمعها الزراعي بوصفها التحوُّل الأول في ظل اقتصاد الطبيعة. كان هذا التحول مرتبطاً على نحوٍ كبيرٍ بالتغيير من أسلوب حياة الصياد إلى أسلوب أكثر استقراراً؛ إذ يقوم على الزراعة مع بداية تدجين أنواع نباتية وحيوانية مختلفة، اعتماداً على الأنواع المتوفرة محلياً فضلاً عن تأثير الثقافة المحلية أيضاً، وتشير الأبحاث الأثرية الحديثة إلى أنَّ الانتقال من الصيد إلى الزراعة كان عن طريق إنشاء المدن والتكتلات البشرية. ففي قرون طويلة من الزمن لم يتشكَّل بالمفهوم الاقتصادي ذلك التكتل البشري الذي قد يُعدُّ مجتمعاً يحمل في طياته بذور نموذج اقتصادي متكامل، فعدد السكان كان قليلاً ومبعثراً، والنشاط الاقتصادي كان معدوماً ولا يتجاوز حدود الاكتفاء الفردي، إنَّ التحوُّل الأول والذي عُرِفَ بـ»الاقتصاد الزراعي» إذ عُدَّتِ الزراعة في هذه الحقبة المصدر الرئيس للإنتاج والثروة، وتركزت «المعرفة الزراعية» في مناطق محددة، وأصبح التوصل إلى فكرة، أو الابتكار، أو اكتشاف معين حكر على من اكتشفها، ممَّا أدَّى إلى تباطؤ تطوُّر المعرفة، وضياع كثير من أسرارها وإنجازاتها.
لقراءة المزيد اضغط هنا
.
رابط المصدر: