دور الحرب الإلكترونية في دعم قوات الدفاع الجوي خلال عمليات أكتوبر 1973

تزايدت أهمية أعمال الحرب الإلكترونية حتى باتت تتبوأ مكانًا مميزًا بين مختلف الأنشطة العسكرية، كما حظيت بكثير من الاهتمام الذي أسفر عن تطوير وسائلها وأساليب استخدامها بالنظر إلى تعدد توظيفاتها في مجالي الدفاع والهجوم حتى باتت “وسيلة حسم” في المعارك الحديثة؛ لقدرتها على تعويض الفارق النوعي بين تسلح خصمين، بل وقدرة الوسائل الدفاعية منها على تقديم لمحة شاملة عن تحركات الخصم في ساحات المعارك والعمليات بجانب معداته وتمركزاته ونظم اتصالاته وشبكات معلوماته، بجانب قدرة الوسائل الهجومية منها على تدمير مراكز الحرب الإلكترونية المعادية. وفي هذا الإطار، يسلط هذا المقال الضوء على الدور الذي لعبته الحرب الإلكترونية في دعم قوات الدفاع الجوي المصرية في حرب أكتوبر 1973 كأحد النماذج البارزة الذي برز فيها ذلك الدور.

تعود فكرة وسائل الحرب الإلكترونية إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى مع الانتشار الواسع والتوسع في استخدام الأجهزة اللاسلكية، وبالتالي سهولة التنصت على المحادثات والاتصالات. أما أعمال الإعاقة والتشويش، فكانت محدودة نظرًا لصعوبتها، كما أن الحصول على المعلومات كان له الأسبقية لمعرفة النوايا والأهداف.

وفي عام 1939، نجح البريطانيون في إنتاج شرائح من رقائق الألومينيوم قادرة على التشويش على الرادارات الألمانية لتظهر على شاشات الرادارات الألمانية كما لو كانت أهدافًا حقيقية عديدة. ومن هذا التاريخ بدأ تطوير وإنتاج وسائل متطورة وإيجابية ضد مختلف الوسائل الإلكترونية.

وعلى صعيد الحالة المصرية، فقد أصدر الرئيس الأسبق والراحل “محمد أنور السادات” قرارًا تاريخيًا بإنشاء سلاح الحرب الإلكترونية في عام 1970 لمواكبة التقدم العالمي السريع للحروب الحديثة، وللاستعداد لحرب تحرير سيناء المتوقعة.

وبشكل عام، تُعرف الحرب الإلكترونية بأنها هي “مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى إرباك أو تعطيل الوسائل الإلكترونية المعادية وفي الوقت نفسه حماية وتأمين الوسائل الإلكترونية الصديقة”. وانطلاقًا من هذا التعريف، فإن الحرب الإلكترونية تنقسم إلى قسمين؛ يمكن الوقوف على كل منهما على النحو التالي:

  1. القسم الإيجابي: وهو الإجراءات الإلكترونية المضادة (Electronic Counter Measurements-ECM )
  2. القسم السلبي: وهو الإجراءات الإلكترونية المضادة للإجراءات الإلكترونية المعادية ECCM) Electronic Counter-Counter Measurements)

حيث يهدف القسم الإيجابي أو ما يُعرف اختصارًا باسم (ECM) إلى تعطيل وإرباك وإسكات النظم الإلكترونية المعادية كالأجهزة اللاسلكية والرادارات بأنواعها سواء كانت أرضية أو محمولة جوًا أو بحرًا. أما القسم السلبي أو ما يعرف اختصارًا باسم (ECCM)، فيهدف إلى حماية وتأمين النظم الإلكترونية الصديقة من الإجراءات الإلكترونية المعادية باستخدام أجهزة يصعب إعاقتها وإرباكها أو كشفها كما هو الحال في الطائرات الشبحية التي يصعب كشفها راداريًا نظرًا لتصميم جسم الطائرة الذي يعمل على تشتيت الموجات الرادارية بدلًا من عكسها في اتجاه الرادار أو تغطية جسم الطائرة بمواد ماصة لأشعة الرادار. كما يعد الدخان من أهم الوسائل التي تعيق استخدام الصواريخ أو القنابل التليفزيونية أو الليزرية، كما تعتبر المشاعل الجاذبة للصواريخ الباحثة عن الحرارة من أهم الوسائل السلبية لتأمين الطائرات، أما الرقائق المعدنية فتُستخدم لتضليل الصواريخ الرادارية.

بدأ تشكيل وحدات الحرب الإلكترونية في مصر في يوليو 1970 بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي؛ الذي أوفد خبراءه إلى مدرسة الحرب الإلكترونية (والتي شرُفت بتولي قيادتها آنذاك)، حيث تم تدريب الضباط والصف والجنود على استخدام المعدات والوسائل المختلفة وفقًا لنوعية ومهام كل وحدة، سواء كانت استطلاع وإعاقة لا سلكية أو كشف راداري أرض-أرض أو سطع وإعاقة لا سلكية أرض-جو أو استطلاع وإعاقة رادارية أرض-جو. وعلى ذلك، تم إيفاد عدد كبير من الضباط إلى الاتحاد السوفيتي للتدريب سواء فنيًا أو تكتيكيًا على استخدام الوحدات ميدانيًا.

واستعدادًا للعمليات المنتظرة، أصدرت القيادة العامة توجيهاتها في يناير 1973 والتي تضمنت مهام الحرب الإلكترونية لدعم ومعاونة أعمال قتال الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، وكذا لدعم أعمال قتال الجيوش الميدانية عند شن العملية الشاملة لتحرير شبه جزيرة سيناء. وسيُكتفى بسرد مقتطفات عن دور الحرب الإلكترونية في دعم قوات الدفاع الجوي، حيث لا يتسع المجال لذكر مهام الحرب الإلكترونية في المجالات الأخرى. فمما لا شك فيه أن قوات الدفاع الجوي يعود إليها الفضل الأكبر في اتخاذ قرار الحرب لتعويض تفوق القوات الجوية الإسرائيلية وتأمين الجيوش الميدانية ودعمها لتنفيذ مهامها القتالية في عبور قناة السويس، واقتحام وتدمير خط بارليف الحصين، وتأمين رءوس الكباري شرق قناة السويس.

  1. الإعاقة اللا سلكية:

خلال عمليات أكتوبر، شرُفت بكوني قائدًا لكتيبة الإعاقة اللاسلكية الاستراتيجية، وهي كتيبة واحدة على مستوى القوات المسلحة ضمن تشكيل الفوج 701 سطع وإعاقة لا سلكية، وقد كانت هي الكتيبة المسئولة عن استطلاع وإعاقة الاتصالات اللا سلكية للمستوى الاستراتيجي للجيش الإسرائيلي. وقد كانت فترة حرب الاستنزاف فرصة كبيرة لاستطلاع وكشف نظم الاتصالات اللا سلكية وتحديد أماكنها بما يُمكّن من توجيه أعمال إعاقة مُوجّهة مؤثرة.

ولتحقيق ذلك، قامت الكتيبة بإنشاء حقل هوائيات مُوجّهة ضخمة بما يُمكّن الكتيبة من استطلاع وتحديد أماكن أهدافها وتوجيه إعاقة مُؤثرة، وذلك ضد الشبكات اللا سلكية لرئاسة أركان الجيش الإسرائيلي والمناطق العسكرية والقواعد البحرية والقواعد الجوية والمطارات، وقد تحقق ذلك مع بداية العمليات يوم 6 أكتوبر، فقد نجحت الكتيبة في تحقيق هذه المهام، ما أصاب قوات العدو بالإرباك لأكثر من يومين، ما كان له أكبر الأثر في نجاح القوات المسلحة المصرية في اقتحام المانع المائي وتدمير خط بارليف الحصين وإنشاء خمسة رءوس كباري شرق قناة السويس. والجدير بالذكر أن تأثير أعمال الإعاقة كان له تأثير كبير لدرجة أن العاملين على شبكاتهم اللا سلكية لقبونا بلقب “المتوحشين على التردد” عند سماعهم لنبضات التشويش والإعاقة على شبكاتهم اللا سلكية. وعند تحويل تردداتهم إلى ترددات احتياطية أخرى، كانت وسائلنا تلاحقهم بمجرد انتقالهم إليها.

A map of the earthDescription automatically generated

يتضح من الكروكي السابق أنه لتحقيق مهام الاستطلاع والإعاقة بدرجة فاعلة ومؤثرة، فإنه يلزم إجراء حسابات دقيقة ومعقدة، تخضع للعوامل التالية:

  • أماكن الأهداف المعادية.
  • ارتفاع طبقة الإيونوسفير والتي ستنعكس عليها موجات الإعاقة (حيث يتغير هذا الارتفاع تبعًا لليل والنهار وفصول السنة).
  • أنواع هوائيات أجهزة الإعاقة.
  • مكان ومواقع أجهزة الإعاقة.
A screen shot of a television screenDescription automatically generated
  1. الإعاقة الرادارية أرض جو:

لتحقيق تأمين أهدافنا الحيوية، تم دعم وحدات الدفاع الجوي المسئولة عن حماية وتأمين العاصمة والأهداف الحيوية بفوج استطلاع وإعاقة رادارية أرض-جو، وذلك لتعمية وإرباك رادارات التنشين المحمولة جوًا بالطائرات المُغِيرة بما لا يمكّنها من استخدام هذه الرادارات من توجيه صواريخها نحو أهدافها، كما قامت هذه الوحدة بدفع مفارز سطع وإعاقة رادارية إلى نطاق الجيشين الثاني والثالث لحماية وتأمين معابر وكباري الجيوش الميدانية ضد القصف المشن راداريًا ضد هذه المعابر. لذا، فقد تم دعم الجيش الثاني الميداني بثلاث مفارز والجيش الثالث بمفرزتين.

وقد قامت هذه المفارز بإعاقة الطائرات التي حاولت تدمير المعبر وتعطيل تدفق القوات شرقًا وتأمين رءوس كباري الجيوش الميدانية، وذلك من خلال إعاقة رادارات التنشين بأعمال الإعاقة الضوضائية، وكذا بأعمال الإعاقة الخداعية. حيث تقوم الإعاقة الضوضائية بزيادة شدة إضاءة شاشة الرادار بدرجة يصعب معها تمييز الأهداف، بينما تهدف الإعاقة الخداعية إلى إظهار أهداف وهمية أو خداعية مُماثلة تمامًا للهدف الأصلي، ما يقلل من احتمالات إصابته؛ كما يتضح من الصور التالية:

فقد أثرت الإعاقة الضوضائية على شاشة رادار التنشين بالطائرة بزيادة إضاءة الشاشة، بحيث لا يتمكن الطيار من تمييز الأهداف المستهدفة التي يتم التنشين عليها.

وقد نجحت هذه المفارز في تحقيق مهامها في تعمية وخداع رادارات الطائرات التي حاولت مهاجمة الكباري والمعابر، مما أسهم في نجاح القوات المسلحة المصرية في عبور قناة السويس شرقًا.

  1.  الإعاقة اللا سلكية أرض-جو:

في السياق نفسه، ولضمان إعاقة وإرباك الطائرات المُغِيرة، تم تكليف كتيبتي استطلاع وإعاقة لا سلكية أرض-جو بالعمل بنطاق الجيوش الميدانية لإعاقة قنوات التوجيه للطائرات المُغِيرة بإعاقة قنوات التوجيه والشبكات اللا سلكية المستخدمة في السيطرة على الهجمات الجوية المعادية سواء كانت هذه القنوات مع الموجهين الأرضيين أو كانت على مستوى التشكيل الجوي القائم بالهجوم.

وعلى ذلك، فإن الطيار المهاجم لم يتمكن من رؤية الأهداف والمعابر أو الكباري المُكلف بتدميرها فضلًا عن عدم تمكنه من الاتصال اللا سلكي أو سماع إشارات التوجيه والسيطرة، وبالتالي يحدث له حالة من الارتباك وفقدان السيطرة؛ مما أتاح للقوات الدفاعية تدمير عدد كبير من الطائرات المهاجمة خلال الأيام الأولى من القتال.

ختامًا، ظهرت الأهمية البالغة لدور الحرب الإلكترونية في حرب أكتوبر 1973، فقد أكدت تقارير المعلومات كافة أن القوات الجوية الإسرائيلية قد تكبدت خسائر فادحة في عدد الطائرات التي حاولت مهاجمة قواتنا المسلحة التي تمكنت من العبور وتأمين رءوس الكباري شرق القناة، وكذا الطائرات المعادية التي حاولت تدمير المعابر المقامة على قناة السويس.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M