تحاول بعض الجهات الدخيلة والغريبة تغيير المفاهيم الأصيلة لأبناء الشعب العراقي وثقافته الدينية بأن يهمشوا دور المرجعية التي قدمت القربات تلو القربات كي توصل الى أبناء الأمة الدين الحقيقي ومحاربة التزييف وتسلق المنافقين الى مواقع بريئة منهم .
هذه الجهات هي جهات دولية معروفة بعدائها للأصالة الدينية للشعب العراقي ساندتها جهات داخلية لها نفس الغرض وتعمل بأمرة الأولى مدعومة بماكنة إعلامية ضخمة تغذى من أموال البترول ، وللأسف يسند تلك الجهات المغرضة بعض الجهال ( من شخصيات ومؤسسات ) ممن ينتمون للمرجعية الدينية من قريب أو بعيد بقصد أو بدون قصد وبحسن نية أو سوئها ، كل ذلك من أجل سحب البساط من تحت أقدام قادة الشعب العراقي الحقيقيين وقادة قلوبهم وعقولهم ألا وهم مراجع الدين العاملين .
وهذه الجهات تسعى بعدة اتجاهات وباستخدام عدة آليات لتحقيق غاياتهم ومن هذه الآليات هو اعتبار دور المرجعية الدينية هو دور استشاري أو محاولة تصوير ذلك للناس حتى لا تتقبل الأمة أي تدخل من قبل المرجعية في سياسة الدولة بأي شكل من الأشكال فيتولد عقل جمعي نحو هذا الاتجاه فتتقيد المرجعية من بيان الحق ووضع برامج عمل لتأسيسه وبيان الباطل ووضع برامج عمل لقلعه .
وتحاول هذه الجهات ومن يقف وراءها ويساندها ويدعمها أن يحجّم دور المرجعية بإعطائها وظيفة النصح والإرشاد ولكن ليس من شأنها أن تتدخل في السياسة ( بحجة أن المرجعية أسمى من ذلك وأنظف والسياسة قذرة لا تلائم المكانة المقدسة للمرجعية ) وهم بذلك يكشفون – من حيث لا يعلمون – القذارة السياسية التي يريدوها ، وبالتالي فإنهم يدعون المرجعية الدينية – من حيث لا يشعرون – الى تنظيف هذه القذارة بسياستها الحكيمة إذ ليس من المعقول أن تكون هناك قذارة وانحراف في مجال من مجالات الحياة وتبقى المرجعية الدينية متفرجة وهي وريثة الأنبياء ، لا أن تتكلم فقط وتقول هذا خطأ وهذا انحراف وإلا هذا ما تريده تلك الجهات ومن يقف معها ، وإنما المرجعية الدينية العاملة عندما ترى انحرافاً تعالجه علاجاً عملياً علمياً لا كلامياً وهذا ما لا يروق لهذه الجهات المغرضة .
على الجميع أن يعلم إن دور المرجعية الدينية ليس استشاري بل هو أساسي ومحوري لأننا نعلم أن رأي المستشار غير ملزم وهو ما تريده الجهات المروجة لفصل الدين عن سياسة الدولة ، فهم يروجون لأن يكون دور المرجعية هو النصح والإرشاد فقط وبالتالي من أراد أن يلتزم فهو حر ومن أراد أن لا يلتزم فهو حر ، وإنما دور المرجعية هو وضع الحلول العملية الحكيمة لتطبق هذه النصائح والإرشادات وهذا طبعاً لا يعني إجبار أحد على حكم شرعي معين وإنما بيان الحكم ووضع آلية لتطبيقه كما حدث ذلك في وجوب المشاركة في الانتخابات فلم تجبر المرجعية أحداً على الذهاب للانتخابات ولكن هذا لا يعني أنها لا تصدر فتوى بذلك .
أنا اليوم أريد أن أبين دور المرجعية الدينية العاملة في إرساء أسس العملية السياسية بعد 2003 إذ لم تكتفِ بتقديم النصح والإرشاد لكتابة الدستور ووجوب التصويت عليه بل سعت الى أن تساهم مساهمة فعالة وبمتابعة مباشرة وإشراك ممثلين عنها لوضع وإدخال ما يمكن إدخاله للمحافظة على حقوق العراقيين ومستقبلهم وثوابتهم الدينية ، وكان تدخلها هذا قد أربك المغرضين المريدين لتهميش المرجعية واختزالها بالنصح والإرشاد .
بل لم تقف المرجعية عند ذلك لأننا نعلم أن الدستور يرسم الخطوط العامة وكما يقال ( الشيطان يكمن في التفاصيل ) فإن أكثر من50 مادة من مواد الدستور تركت لتشرع قانون لوضع تفاصيلها ، ومن دون أن تُضبَط هذه القوانين وفق ما يرسمه الدستور وبما يضمن تحقيق رغبة المرجعية فإن ذلك سيجعل الدستور هامشياً لذا أطلقت المرجعية على مراحلة تشريع القوانين المنظمة لبعض مواد الدستور (مرحلة وضع النقاط على الحروف) .
ومثال ما تقدم فإن المرجعية ركّزت على أن يكون ( الإسلام مصدر أساسي للتشريع ) ليقر في الدستور ولكن إذا لم يُتابع الأمر من قبل أذرع المرجعية في الأروقة السياسية فإن ما طالبت المرجعية به (الإسلام مصدر أساسي للتشريع ) سوف يُنسف بالمرة ، وهنا لا بد من الإشارة الى أن الأحزاب الإسلامية والسياسيين الإسلاميين المشاركين في العملية السياسية لا ينصاعون ويطيعون أمر المرجعية 100% إلا القليل ، وبالتالي فإن وجود كيانات سياسية وشخصيات إسلامية ضمن العملية السياسية مطيعة لأوامر المرجعية وفتاواها ونرجع لها في كل الأمور هو السلاح الذي تمتلكه المرجعية الدينية وبدونه لا يمكن أن للمرجعية أن تحقق مبتغاها في إرساء أسس الحكم العادل في العراق ، لذا نجد أن المرجعية التي لها ذراع سياسي استطاعت أن تنجز ما خططت له في مرحلة كتابة الدستور ، فمبدأ (الإسلام مصدر أساسي للتشريع ) لا يكفي بمجرد كتابته في الدستور بل لا بد أن يترجم على شكل تشريعات ومنها قانون (المحكمة الاتحادية) ، فإذا لم يشرّع قانون (المحكمة الاتحادية) بما يتوافق وتطبيق مبدأ (الإسلام مصدر أساسي للتشريع ) فذلك يعني أن كل جهود المرجعية التي بُذِلت على هذه المادة ستذهب هباءً منثوراً .
بينما نجد المرجعية التي لم يكن لها ذراع سياسي لتنفيذ ما سعت له طيلة مرحلة كتابة الدستور واقفة متفرجة لا تستطيع أن تحرك ساكناً بل نجد أن السياسيين يتحكمون بآرائها ويرفعون وينصبون كيف ما يشاءون لأن هؤلاء السياسيين (الإسلاميين أو المنتفعين من الإسلام) لا يهتمون بأمر المرجعية إلا بما تقتضيه مصلحتهم والإعلام ، وهو ما تريده الجهات المغرضة لتهميش المرجعية كي تبقى – أي المرجعية – شكلاً بلا مضمون وقداسة بلا عمل ومستشارة بلا تنفيذ .