بعد ان انخفضت أصوات الحرب التي تشنها الدول على فيروس كورونا، بدأ الأخير بقرع الطبول مجددا كاشفا عن نيته في التفشي بين الاوساط مرة اخرى وبقوة اكثر مما سبق، اذ أخذت الإصابات تزداد بصورة غير متوقعة، وأصبح الحديث عن عودة الإجراءات المشددة يتكرر هنا وهناك.
التهاون مع الفيروس وقلة الوعي التي يحملها قسط كبير من شرائح المجتمع هما عاملان أساسيان لذلك، فترى الأفراد يتجولون بكل حرية في الأسواق العامة، دون الالتزام بشروط السلامة والأمان التي حددتها الجهات الصحية المعنية وكذلك منظمة الصحة العالمية وتوجيهاتها لبعض الدول التي لم تضع الإجراءات الصارمة للحد من انتشار الفيروس والبطش بالبشرية.
عوامل كثيرة كانت تقف وراء هذا التمدد الواسع للفيروس، يكون في مقدمتها الى جانب ما ذُكر هو عدم التوصل لغاية الآن لعلاج او لقاح ضامن الشفاء من الفيروس يجعل إمكانية ايقافه في الوقت الحالي شبه معدومة، اذا لا تزال الأبحاث جارية ولم تنتهي الى نتائج مفرحة او ملموسة بهذا الشأن.
هذا التأخير في الطرح وحالة التخبط التي تعيشها البلدان يجعل الأفراد لا يبالون بمدى الخطورة التي تحيط بهم؛ يدفعهم لذلك مدى حاجتهم لتوفير القوت اليومي ومحاولة منهم لارجاع الحياة في الأماكن التي هجرتها الحركة وغاب عنها الأفراد بعدما اصبح الموت يهاجمهم في كل مكان دون معرفة الأوقات التي تودي بحياتهم.
وفي هذا الخصوص المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس أشار الى بعض الحقائق وذكر أن أول ١٠٠ ألف إصابة كانت في ٦٧ يوما، وأن ثاني ١٠٠ ألف إصابة كانت في ١١ يوماً، وثالث ١٠٠ ألف إصابة حدثت في ٤ أيام، ورابع ١٠٠ ألف إصابة تمت في يومين.
وهذا يعد مؤشرا خطيرا على اننا لم نزل نعيش الذروة ولم نتمكن من الوصول الى خط الأمان الذي بموجبه نشعر بالراحة بعد التعب الجسدي والنفسي الذي سببه الفيروس حين اخذ بالانتشار بصورة مفاجئة، ما سبب ازمة حقيقية لدى الجهات الصحية المتصدية منذ اليوم الأول لدخوله حدود البلاد ولم تتوانى لحظة عن تقديم الخدمات العلاجية للمصابين.
وما يعيشه الأفراد اليوم يمكن ان نصفه على انه حالة من التشتت تتعلق بمدى مصيرهم في الأيام القادمة، في الوقت الذي تشهد الكثير من الدول تزايد في اعداد الوفيات الأمر الذي يثير القلق لدى العامة ويجعل الناس يعودون الى المربع الأول من الخوف وعدم الطمأنينة التي خيمت على الجميع.
ونتيجة لهذه الزيادة عاودت بعض الدول إجراءتها الوقائية وفرض العقوبات على المخالفين، ومن بينها بعض الدول الأوربية التي فتحت جزء من أماكنها السياحية واستأنفت الرحلات الجوية فيما بينها، وبسبب ذلك تفاقمت الامور وقد لا نكون مبالغين اذا قلنا ستخرج عن السيطرة ويجعل الأيام القادمة قريبة من السوداوية.
وبعيدا عن لغة التشاؤم التي تكلمت بها فمن الممكن ان تفلح الدول بايجاد الحلول بأقرب وقت ممكن وينقذ المجتمعات البشرية من النفق المرعب الذي دخلت فيه منذ شهور، فاللقاحات التي تتسابق عليها اكثر من 170 دولة حول العالم يمكن ان تكون بارقة امل ومنفذ الخلاص من الأزمة القائمة.
ومع تواجد الخطر الكبير نرى الكثير من الجهات تمهد لرفع الحظر الحزئي المفروض على المواطنين؛ بسبب تراجع القطاع الاقتصادي وتدهور المشاريع الخاصة وخسارة الجزء الأكبر منها مقارنة بأيام الاستقرار والانتعاش الاقتصادي ما قبل ظهور الوباء وتفشيه.
وقد جعل الوضع الراهن الجهات المعنية او المسؤولة عن الجانب الصحي تقف في المنتصف، ففي الوقت الذي من واجبها تطبيق التعليمات الصحية الواجب اتباعها من قبل المواطنين، تعاني نتيجة الضغط الحاصل عليها من قبل الأفراد الذين لم يعطوا الموضوع أهمية تذكر وهم في الحقيقة نسبة كبيرة مما ضاعف اعداد الإصابات.
ويبقى التعويل على وعي المواطن الذي يعد العامل الأول والأخير في التصدي لأشرس الفيروسات وصفا من قبل المختصين، وبذات الوعي سينهزم ذلك الفيروس غير المرئي، ويخسر الرهان في الحرب التي دق طبولها منذ اشهر ولم يعرف شيئا من قوانينها.