1- أمن دولي ـ واقع ومستقبل الأمن داخل دول البلقان
إن من إحدى القضايا الرئيسية التي تواجه دول غرب البلقان هي أمنها والتهديدات المستمرة التي يشكلها هذا الأمن. وتعد أحد الأهداف الرئيسية لدول غرب البلقان – خاصة بعد تفكك يوغوسلافيا السابقة ، واستقلال كوسوفو – هو تحقيق إصلاح السياسة الأمنية وإقامة علاقات حسن جوار في المنطقة. وبالرغم من تقدم دول البلقان في إصلاح سياستها الأمنية والدفاعية وفقاً لمتطلبات عضوية الناتو وشراكات السلام، والالتزامات الرسمية لجميع دول غرب البلقان بعلاقات حسن الجوار ومساهمتها في الاستقرار والأمن الإقليميين ، إلا أنه لا تزال هناك درجة معينة من القلق الأمني في داخلها ، بسبب افتقارها الواضح إلى الثقة في السلوك المستقبلي لبعض البلدان الأخرى في المنطقة.
التعريف بدول البلقان:
“البلقان” ، وتسمى أيضا شبه جزيرة البلقان ، لا يوجد اتفاق عالمي على مكونات المنطقة. عادة ما يتم وصف البلقان بأنها تضم ألبانيا والبوسنة والهرسك وبلغاريا وكرواتيا وكوسوفو والجبل الأسود ومقدونيا الشمالية ورومانيا وصربيا وسلوفينيا – مع كل أو جزء من كل من هذه البلدان الواقعة داخل شبه الجزيرة. تقع أجزاء من اليونان وتركيا أيضاً داخل المنطقة الجغرافية التي تعرف عموما باسم شبه جزيرة البلقان ، وتشمل العديد من أوصاف البلقان تلك البلدان أيضاً.
يحد البلقان من الشمال الغربي إيطاليا، ومن الشمال المجر، ومن الشمال والشمال الشرقي مولدوفا وأوكرانيا، ومن الجنوب اليونان وتركيا أو بحر إيجه (اعتماداً على كيفية تعريف المنطقة). يحيط بدول البلقان البحر الأدرياتيكي في الغرب ، والبحر الأيوني في الجنوب الغربي ، والبحر الأسود في الشرق. أما في الشمال ، يصبح الترسيم الجغرافي الواضح للبلقان صعباً لأن حوض بانونيا في الفولد العظيم (السهل المجري العظيم) يمتد من وسط أوروبا إلى أجزاء من كرواتيا وصربيا ورومانيا. المتغيرات الحاكمة لمشهد التطرف في البلقان.
البلدان التي تعتبر أحياناً جزءاً كلياً أو جزئياً من البلقان هي: كرواتيا وصربيا والجبل الأسود وكوسوفو وسلوفينيا وألبانيا ومقدونيا الشمالية والبوسنة والهرسك وبلغاريا ورومانيا ومولدوفا واليونان وتركيا.
البلدان التي تقع أراضيها بالكامل ضمن المنطقة الجغرافية للبلقان، هي: ألبانيا ،البوسنة والهرسك، بلغاريا، الجبل الأسود، مقدونيا الشمالية، اليونان، وكوسوفو.
البلدان التي تقع أراضيها جزئيا ضمن المنطقة الجغرافية للبلقان: صربيا، كرواتيا، سلوفينيا، رومانيا، وتركيا.
وتعد دول البلقان موطن لحوالي (45) مليون شخص.
واقع الأمن و التطرف في دول البلقان
التطرف اليميني: هناك قلق متزايد في السنوات الأخيرة بشأن احتمال التطرف اليميني العنيف في غرب البلقان (ألبانيا والبوسنة والهرسك وكوسوفو والجبل الأسود ومقدونيا الشمالية وصربيا). كان ينظر إلى المنطقة تاريخياً على أنها متقلبة سياسياً مع تاريخ من العنف الذي ينبع من الأيديولوجيات والأفعال اليمينية (السياسية). يثير الخبراء والمسؤولون من غرب البلقان مخاوف بشأن انتشار التطرف اليميني في سياق الصراع السياسي.
لدى غرب البلقان العديد من عوامل الخطر التي يمكن أن تكون مرتبطة بالتطرف اليميني، مثل القضايا المتعلقة بالهوية التي لم يتم حلها، والقضايا التاريخية والحوكمة المتضاربة، وفي بعض الحالات الانتقال الصعب إلى ديمقراطية مكتملة الإنجاز، والصراع المجمد ، والخلل الوظيفي الإداري. ومع ذلك، فإن المعرفة حول التطرف اليميني في غرب البلقان كانت غير واضحة وغير منظمة.
لم يحدث التطرف اليميني في غرب البلقان من فراغ. لقد تم تسريع الظهور الأول لليمين المتطرف في السياسة وبين المجموعات من خلال التقدم التكنولوجي والسياسي، كذلك الأزمات الاقتصادية والصحية (جائحة كوفيد-19). وأصبحت خطابات اليمين المتطرفة في الوقت الراهن أكثر انتشاراً على المستوى الدولي ولديها صدى .
يتم استغلال الانقسامات الإيديولوجية ونقاط الضعف والمظالم في غرب البلقان بشكل أكبر من قبل القوى الأجنبية، مثل روسيا. وتسرع أفعالهم من تراجع الثقة في التحالفات الدولية والمؤسسات العامة ووسائل الإعلام، في حين أن الخطابات تستخدم الصراعات التي لم تحل من الماضي، للتحريض على التوترات الإقليمية أو العرقية، من خلال إنشاء تحالفات قائمة على الأخوة الأرثوذكسية وتمويل اللغة العنيفة ـ اليمينية في غرب البلقان. ومع ذلك ، مع التصعيد الجديد للصراع في أوكرانيا وخارجها ، يوجد تهديد بأن نشطاء التطرف العنيف ـ اليميني سيستمرون في المغادرة للمشاركة في الحرب الخارجية ويظلون يشكلون تهديداً كبيراً للأمن في غرب البلقان. وبالتالي، يمكن فهم التطرف اليميني المتطرف في غرب البلقان من خلال الديناميكيات والتحولات الجيوسياسية الإقليمية.
يكون التطرف اليميني في غرب البلقان بشكل أساسي من أعلى إلى أسفل ومتبادلاً. إنه نتيجة لرابطة معقدة تربط بين السياسة السائدة والمؤسسات والحركات الدينية التي تركب موجة التطرف اليميني و التي تميل إلى أن تصبح عنيفة ، مدفوعة بحروب الماضي والاستياء والصدمات والخوف. وإذ تضع في اعتبارها صعود الهجمات العنيفة في الغرب التي تنسب إلى المتطرفين اليمينيين – بعضها مستوحى من القومية الصربية – تشكل ديناميكيات مماثلة تهديداً لغرب البلقان لا ينبغي تجاهله بسهولة.
التطرف الاسلاموي: دول غرب البلقان البوسنة والهرسك وكوسوفو ومقدونيا الشمالية هي الدول الأوروبية الوحيدة التي أعادت مقاتلي “داعش” الأجانب الذين احتجزتهم القوات التي يقودها الأكراد في سوريا. إن إبعاد الرعايا الأجانب من السجون المكتظة بشكل مراقب يقلل من خطر إصابتهم المساهمة في عودة محتملة لتنظيم داعش في سوريا والعراق، ويسمح بإدارة أكثر فعالية للمخاطر الأمنية. كما يوفر فرصة ثمينة لدراسة مواقف وسلوكيات المقاتلين الأجانب العائدين إلى أوطانهم من أجل تصميم استجابات سياسية أكثر فعالية للاحتياجات الديناميكية والمخاطر الأمنية المرتبطة بهم.العائدون من داعش.. قنبلة موقوتة في البلقان
يقدم تقرير ” برنامج التطرف” الصادر عن جامعة جورج واشنطن الأمريكية لمحة عامة عن عمليات الإعادة للبلقان والخاضعة للرقابة لللمقاتلين الأجانب، والاعتبارات المتعلقة باستجابات سياسية أكثر فعالية مصممة خصيصا لديناميكية الاحتياجات والمخاطر الأمنية المرتبطة بالمقاتلين الأجانب العائدين إلى البلقان داخل السجون وبعد إطلاق سراحهم من السجن في السنوات القليلة المقبلة. ليجد التقرير أنه تمت مقاضاة (31) شخصاً من المقاتلين العائدين إلى أوطانهم (باستثناء واحد) وحكم عليهم أو يواجهون حالياً إجراءات جنائية وتحقيقات بشأن تهم الإرهاب.
إن تصرف المقاتلين الأجانب مع سبق الإصرار وكجزء من مجموعة من الأفراد ذوي التفكير المماثل، أو بالتنسيق مع الشبكات الجهادية العاملة بين غرب البلقان وسوريا، ترتبط أحياناً بعناصر من غرب البلقان في الشتات في أوروبا.
واقع الخلافات في دول البلقان:
تصاعدت مؤشرات التوتر في منطقة البلقان في الفترة الأخيرة، وتبلورت بصورة رئيسية فيما يأتي:
1– اعتزام كوسوفو تطبيق قوانين جديدة على الأقلية الصربية: اندلعت توترات شديدة بين الجارتين صربيا وكوسوفو في الفترة الأخيرة، بفعل سعي الأخيرة إلى إقرار قانون جديد يشدد الإجراءات اللازمة لاستخراج المواطنين الصرب تراخيص سياراتهم وبطاقات الهوية على أراضيها.
2– عودة تهديد تفكيك البوسنة والهرسك: أشارت بعض التقارير، في شهر يوليو 2022، إلى أن “كريستيان شميدت” الممثل السامي للمجتمع الدولي في البوسنة والهرسك، يستعد لفرض تغييرات على مستوى اتحاد البوسنة والهرسك، لتعديل قانون الانتخابات والدستور؛ ما أدى إلى أزمة سياسية في البلاد واحتجاجات جماهيرية في سراييفو.
3– الاستقرار الهش في العلاقات بين مقدونيا الشمالية وبلغاريا: إذ تتسم العلاقات بين مقدونيا وبلغاريا بخلافات تاريخية مرتبطة بمطالب بلغارية لمقدونيا الشمالية بالاعتراف بحقوق الأقلية البلغارية داخل مقدونيا. وهذه الخلافات جعلت بلغاريا تقف حجر عثرة أمام انضمام مقدونيا الشمالية إلى الاتحاد الأوروبي.
تأثير الأطراف الاقليمية والدولية في دول البلقان
اتجهت مؤخراُ الأنظار نحو روسيا، سيما بعد تصريحات رئيسة كوسوفو، فيوسا عثماني، “إن بوتين يمكن أن يستخدم كوسوفو لتوسيع الصراع الحالي في أوكرانيا وزيادة زعزعة استقرار أوروبا”. ومعروفٌ أن صربيا وروسيا دولتان حليفتان تقليدياً، وبعد الأزمة الأوكرانية التي أشعلت عدة حروب ساخنة وباردة، رفضت صربيا الانضمام إلى نظام العقوبات التي فرضته الدول الغربية على روسيا، وذهبت أبعد من ذلك، حيث وقّع الرئيس الصربي فوتشيتش، منتصف مايو 2022، على صفقة غاز تفضيلية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ولكن انشغال روسيا اليوم بمعارك أوكرانيا، والحرب الاقتصادية التي يشنّها الغرب عليها، بالاضافة إلى وقوعها على بعد آلاف الكيلومترات من منطقة البلقان، سيعيق موسكو عن دعم صربيا استراتيجياً في أي حرب.
نشرالاتحاد الأوروبي في 6 ديسمبر 2022 عناصر من الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) في دول البلقان التي تسعى للانضمام إلى الاتحاد. وكان سبب هذا الإجراء، يتلخص في وجود اتفاقات دخول بدون تأشيرة بين ألبانيا والبوسنة والهرسك والجبل الأسود ومقدونيا الشمالية وصربيا وكوسوفو غير المعترف بها، والعديد من الدول الثالثة، بما في ذلك البلدان ذات مستويات الدخل المنخفض. ملف: أزمة أوكرانيا وانعكاساتها على وحدة أوروبا
ومن المفترض أن تكون عضوية الاتحاد الأوروبي عنصر تشجيع لحل المشاكل في البلقان بطرق سلمية. ولدى الاتحاد الأوروبي ممثل خاص للحوار بين بلغراد وبريشتينا، وقضايا إقليمية أخرى في غرب البلقان، ويسعى إلى عملية تطبيع بين صربيا وكوسوفو. كما كان للحرب في أوكرانيا آثار على طبيعة ووتيرة العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول البلقان. فقبل الحرب، كانت هذه الدول تنتقد الاتحاد الأوروبي بشدة لعدم وفائه بوعوده. وتدخل روسيا في أوكرانيا جعل الاتحاد الأوروبي ينظر إلى علاقاته مع دول البلقان من زاوية أخرى ومن منظور أمني لأوروبا. ونتيجة لذلك؛ بدأ الاتحاد الأوروبي محادثات مع مقدونيا الشمالية وألبانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي، ومُنحت البوسنة والهرسك مركز المرشح، وكوسوفو في طريقها للحصول على إعفاء من التأشيرة بحلول نهاية عام 2023.
**
2- أمن دولي – صربيا و كوسوفو: أسباب الصراع وتداعياته الأمنية
بعد مرور أكثر من عقدين على خوض حلف شمال الأطلسي الحرب لوقف التطهير العرقي في كوسوفو، عادت منطقة البلقان إلى حافة الحرب مرة أخرى. وأثارت التوترات المتصاعدة بين حكومة كوسوفو والأقلية العرقية الصربية في البلاد احتمال تجدد القتال الذي قد يجتذب صربيا المجاورة ويعرض للخطر قوات حلف شمال الأطلسي البالغ عددها (3700) جندي، والتي لا تزال متمركزة في كوسوفو.
تصاعد الخلافات بين صربيا وكوسوفو
أصدر البرلمان الكوسوفي في 31 أكتوبر 2022، قانوناً يمنع استخدام لوحات أجنبية للسيارات، ويلزم جميع السكان بوضع لوحات سيارات معتمدة من الحكومة في بريشتينا، وأعطى مهلة حتى 21 نوفمبر 2022 لتنفيذ القرار. رفض الصرب القانون، وقاموا بإجراءات تصعيدية، وقدم مسؤولون صرب استقالات جماعية من كل الوظائف العامة، في حين أعلن رجال الشرطة من الصرب العصيان المدني، وقاموا بخلع زيهم الرسمي. وأعقب ذلك احتاجات وإغلاق الطرق الرئيسية.
بعد أربعة عشر عاماً من إعلان كوسوفو استقلالها عن صربيا ما زال نحو (50) ألف صربي يعيشون في شمال البلاد ويستخدمون اللوحات المعدنية والوثائق الصربية، رافضين الاعتراف بالمؤسسات التابعة للعاصمة بريشتينا. وتعترف أكثر من مئة دولة ليس من بينها صربيا وروسيا بكوسوفو دولة مستقلة. وقررت الحكومة في كوسوفو أنه اعتباراً من الأول من أغسطس أيضاً يتعين على جميع مواطني صربيا الحصول على وثيقة إضافية على الحدود لمنحهم الإذن بالدخول. ولا تزال التوترات شديدة بين البلدين، وتحافظ بعثة حلف شمال الأطلسي التي يبلغ قوامها (3770) جندياً على الأرض على السلام الهش في كوسوفو. أزمة أوكرانيا ما أهمية ترشيح أوكرانيا لعضوية الإتحاد الأوروبي؟
يكمن أساس التوتر بين البلدين في مزاعم القوميين الصرب المتأثرين بالسياسة الخارجية لبلغراد القائمة على اعتبار كوسوفو موطن الصرب، حيث دمّرت مملكة صربيا في العصور الوسطى في معركة عام 1389 خلال عهد السلطان العثماني مراد الأول. وفي يوغوسلافيا الثانية التي أسسها جوزيف بروز تيتو عام 1946، كانت كوسوفو منطقة حكم ذاتي في ظل صربيا، وفي عام 1989 قام رئيس دولة صربيا الفيدرالية سلوبودان ميلوشيفيتش بإنهاء وضع الحكم الذاتي لكل من كوسوفو وفويفودينا. وبعد سنوات، بدأت مفاوضات الانضمام بين صربيا والاتحاد الأوروبي في عام 2014، ومع ذلك لم تتنازل صربيا عن مطالبها بشأن كوسوفو.
صربيا وكوسوفو.. جبهة جديدة بين روسيا والغرب
دعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى “نزع فتيل التوتر” في شمال كوسوفو الذي يشهد توترات على الحدود مع صربيا. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ومتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي في بيان مشترك يوم 28 ديسمبر 2022 : “ندعو الجميع إلى التزام أكبر قدر من ضبط النفس واتخاذ إجراءات فورية من أجل نزع فتيل التوتر من دون شروط”. بالمقابل أعلن الكرملين أن روسيا “تدعم” ما تقوم به صربيا بهدف وضع حد للتوترات في كوسوفو. وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحافيين: “لدينا علاقات وثيقة جدا كحليفين، (علاقات) تاريخية وروحية مع صربيا”، موضحاً أن موسكو تتابع “بانتباه شديد ما يحصل (في كوسوفو) وكيفية ضمان حقوق الصرب” في كوسوفو.
هناك من يربطون بين التوترات الراهنة في شمال كوسوفو والحرب الروسية في أوكرانيا، والكثير من التحليلات الغربية تقول إن روسيا ربما لها يد فيما يحدث، وإنها تسعى إلى فتح جبهة ثانية ضد الغرب في خاصرة أوروبا الضعيفة، ضمن منطقة البلقان”. في مقابل ذلك، يرى أخرون عن محاولة أوروبا فتح جبهة جديدة ضد روسيا بين كوسوفو وصربيا مع انحسار الحديث عن “انتصار كييف الحتمي” على موسكو، ففي حال تهديد صربيا عسكرياً، لن يساعدها أحد سوى روسيا. لكن في الظروف الحالية، حيث يشارك الجيش الروسي وقوات البلاد ومواردها الأخرى في العملية الخاصة في أوكرانيا، فإن هذا، وفقاً لجميع الخبراء تقريبا، مستحيل عملياً. ملف أزمة أوكرانياـ تصعيد التسلح والرهان على الدور الأوروبي لوقف الحرب
التداعيات الأمنية على أمن البلقان والاتحاد الأوروبي
تصاعدت الحرب الكلامية بين برشتينا وبلغراد في الأسابيع الماضية ومع تسجيل أعمال عنف استخدمت فيها الأسلحة، مما أثار مخاوف في أوروبا من تدهور الأوضاع. وقال الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش في ديسمبر 2022 إن بلاده ستفعل كل ما في وسعها لضمان السلام، ولكنه أكد أن الجيش مستعد لحماية الأقلية الصربية في كوسوفو. في المقابل، اتهم كورتي نظام فوتشيتش بتمويل ما وصفها بالعصابات الإجرامية في شمال كوسوفو والسعي للحرب، وقال إن إرسال صربيا قوات لبلاده سيكون عملاً عدوانياً، ومؤشراً على سعي بلغراد لزعزعة استقرار المنطقة.
يحث الاتحاد الأوروبي صربيا وكوسوفو على الحوار من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين. وقال منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في 15 ديسمبر 2022 : “الحوار هو السبيل الوحيد لوجهة النظر الأوروبية لكوسوفو وصربيا”.أزمة أوكرانيا والاتحاد الأوروبي ـ تحول في السياسات الدفاعية والأمنية
خلق هذا التوتر تصوُّراً لدى الجمهور بأن احتمالية نشوب الحرب كبيرة، وتَسبَّب في حالة من القلق. مع ذلك يمكن القول إن احتمالية اندلاع أي حرب في المنطقة ضئيلة. وجدير بالذكر أن الخسائر السكانية في المنطقة، ونقص التجهيزات اللازمة لتحمل تبعات الحرب، والمشكلات الاقتصادية، والظروف الدولية، لا توفّر بيئة مواتية لنشوب حرب في وسط أوروبا. وبالإضافة إلى ذلك فإن قوات حفظ السلام الدولية التابعة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) والمعروفة باسم “كفور” موجودة في كوسوفو ويبلغ قوامها (3775) جندياً من (28) دولة.
**
3- أمن دولي – دول البلقان وعلاقاتها مع الاتحاد الأوروبي
تم تنظيم قمة الاتحاد الأوروبي ودول غرب البلقان في 6 ديسمبر في تيرانا 2022 . كانت فرصة لمناقشة الحل المشترك للقضايا التي ظهرت نتيجة الحرب الأوركرانية، وتكثيف الحوار السياسي وسياسة التوسيع، فضلاً عن تعزيز الأمن وبناء القدرة على الصمود أمام التدخل الأجنبي، وحل التحديات التي تفرضها الهجرة، ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. تم تنظيم القمة بعد شهرين من القمة غير الرسمية للدول الأعضاء في الجماعة السياسية الأوروبية في براغ، والتي شاركت فيها جميع الدول الأوروبية باستثناء روسيا وبيلاروسيا.
الاتحاد الأوروبي ودول البلقان.. متاهة العضوية
باشر الاتحاد الأوروبي في يوليو 2022، وبعد طول انتظار، مفاوضات انضمام مقدونيا الشمالية وألبانيا (المرشحتان على التوالي منذ 2005 و2014). وثمة محادثات مماثلة جارية أيضاً منذ سنوات مع مونتينيغرو (الجبل الأسود) وصربيا. فيما أوصت المفوضية في أكتوبر 2022، بمنح البوسنة والهرسك وضع “المرشح”، وهو قرار سيُعرض على “المجلس الأوروبي” في 15 و16 ديسمبر 2022.
أما كوسوفو، فإن العراقيل أمام الترشح كثيرة. فقد أعلن هذا الإقليم الصربي السابق ذو الغالبية الألبانية، استقلاله في 2008، وهو ما لم تعترف به بلغراد. وثمة خمس دول في الاتحاد الأوروبي لا تعترف به أيضاً، هي: إسبانيا واليونان وقبرص ورومانيا وسلوفاكيا.
ملف الهجرة.. خارطة طريق واتفاقيات بين الاتحاد الأوروبي ودول البلقان
أثناء قمة الاتحاد الأوروبي وغرب البلقان في 6 ديسمبر 2022 ومجلس العدل والشؤون الداخلية في 8 ديسمبر2022 ، قدمت المفوضية خطة عمل الاتحاد الأوروبي بشأن غرب البلقان.
وتحدد خطة العمل بشأن غرب البلقان (20) تدبيراً تنفيذياً منظماً على أساس 5 ركائز: (1) تعزيز إدارة الحدود على طول الطرق؛ (2) إجراءات اللجوء السريعة ودعم القدرة على الاستقبال؛ (3) مكافحة تهريب المهاجرين؛ (4) تعزيز التعاون في إعادة القبول والعودة (5) تحقيق مواءمة سياسة التأشيرات. وتركز التدابير على دعم أو إجراءات شركاء غرب البلقان، والعمل في الاتحاد الأوروبي. ويهدف إلى تعزيز التعاون في مجال الهجرة وإدارة الحدود مع الشركاء في غرب البلقان في ضوء وضعهم الفريد من منظور الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وجهودهم المستمرة للتوافق مع قواعد الاتحاد الأوروبي.
وتحدد خطة العمل سلسلة من التدابير لتعزيز دعم الاتحاد الأوروبي للدول الأعضاء التي تواجه ضغوطا متزايدة للهجرة على طول طرق غرب البلقان. وقد زادت التحركات غير النظامية على طول طرق غرب البلقان زيادة كبيرة هذا العام بسبب عدة عوامل، بما في ذلك الضغوط الاقتصادية وانعدام الأمن الناجم عن الصراعات الجارية. يساهم عدم مواءمة نظام الإعفاء من التأشيرة مع سياسة التأشيرات في الاتحاد الأوروبي أيضا في زيادة عدد الأشخاص الذين يصلون مباشرة عن طريق الجو إلى دول غرب البلقان وينتقلون إلى الاتحاد الأوروبي. والتعاون الوثيق مع شركائنا في غرب البلقان ضروري للتصدي لتحديات الهجرة المشتركة هذه.
يعد ما يسمى بـ “طريق غرب البلقان” أحد نقاط الدخول الرئيسية التي يستخدمها عدد كبير من طالبي اللجوء المحتملين، وكثير منهم من مناطق النزاع، لمحاولة الوصول إلى أوروبا الغربية. ووفقا لأحدث بيانات فرونتكس، تم تسجيل أكثر من (128) ألف عبور حدودي غير قانوني إلى الاتحاد الأوروبي عبر غرب البلقان خلال الأشهر العشرة الأولى من العام، حيث قالت الوكالة إن الطريق لا يزال نقطة الدخول “الأكثر نشاطاً” إلى الكتلة. وهذا يمثل زيادة بنسبة (168%) مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021. ودفع هذا الارتفاع المفوضية إلى اقتراح إرسال قوة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي فرونتكس للمساعدة في مراقبة حدود البلقان.
ملف الطاقة والاقتصاد والأمن السيبيراني.. الاتحاد الأوروبي يضاعف المساعدات لدول البلقان
أكد قادة دول “الاتحاد الأوروبي”، يوم 06 ديسمبر 2022 في العاصمة الألبانية تيرانا، عزمهم على تنشيط العلاقات مع «دول غرب البلقان»، التي باتت اليوم أساسية أكثر على ضوء الحرب في أوكرانيا، في إطار قمة تُعقد بين المجموعتين في تيرانا.
تمحورت القمة على تعاون ملموس من أجل مساعدة هذه البلدان في مواجهة أزمة الطاقة، وقد أكد الاتحاد الأوروبي رصد حزمة إعانات بقيمة مليار يورو، على أن يخصص نصف هذا المبلغ لمساعدة الأسر والشركات الأكثر ضعفاً، فيما يخصص النص الآخر لاستثمارات لتعزيز الاستقلالية على صعيد الطاقة. ويُفترض أن تتيح هذه الحزمة جذب استثمارات عامة وخاصة، وحشد ما مجموعه (2.5) مليار يورو.
وتم توقيع اتفاق بين مشغلي شركات اتصالات لتقليص رسوم خدمة التجوال الدولي (رومينغ) مع الاتحاد الأوروبي في أكتوبر 2023، تمهيداً لإلغائها تدريجاً بحلول العام 2027. وشدد مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل على أن مساعدة عسكرية قدرها (10) ملايين يورو ستمنح إلى البوسنة والهرسك. و قد تم الاتفاق على تم تعزيز التعاون في مجال الأمن لا سيما الأمن السيبراني لمواجهة الهجمات التي تتعرض لها هذه الدول في هذا المجال.
موقف دول البلقان من الحرب الأوكرانية
موقف صربيا من الحرب الأوكرانية مزدوج، إذ دعمت حكومة الرئيس ألكسندر فوتشيتش سيادة أوكرانيا، وصوّتَت بالموافقة على القرار الأممي الذي يُدين الهجوم الروسي، لكنها عارضت العقوبات التي قادها الغرب ضد موسكو. وقال فوتشيتش خلال مؤتمر صحفي يوم 25 فبراير2022، إن بلاده “تحترم باستمرار القواعد القانونية الدولية لأن هذه أفضل طريقة لحماية البلاد ومصالحها .. فإن صربيا تعتني بمصالحها الوطنية، ولكنها تحترم أيضاً صداقاتها التقليدية”.
وقد عرفت العاصمة الصربية في 6 مارس 2022 مظاهرات عارمة داعمة للهجوم الروسي على أوكرانيا. وتجمهر بضعة آلاف من المواطنين الصرب أمام نصب التذكاري لقيصر نيكولاي في بلغراد، مرددين النشيد الوطني الروسي هاتفين بالنصر لـ”روسيا الأم”.
موقف البوسنة والهرسك كان مغايراً ، فقد شهدت العاصمة سراييفو، يوم 09 ابريل 2022، وقفة احتجاجاً على الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانياـ وطالب المحتجون بإنهاء الحرب وإرساء السلام مؤكدين وقوفهم إلى جانب الشعب الأوكراني. كذلك بالنسبة للجبل الأسود ، أشار رئيس وزراء الجبل الأسود يوم 05 ديسمبر 2022 إلى أن بلاده استقبلت أكبر عدد من اللاجئين الأوكرانيين في منطقة غرب البلقان. وقال: “لدينا حالياً أكثر من (10) آلاف أوكراني، وعددهم قد يزداد خلال أشهر الشتاء”. وأكد استعداد البلاد لتقديم الدعم السياسي والعسكري والمالي لكييف. وكان رئيس الجبل الأسود، ميلو دجوكانوفيتش، قد أكد تأييد بلاده لعضوية أوكرانيا في الناتو بعد أن قدمت كييف طلبا للانضمام إلى الحلف في سبتمبر 2022.
**
4- علاقة دول البلقان مع روسيا والاتحاد السوفياتي سابقاً
لعبت روسيا تقليدياً وتاريخياً دوراً مهما في البلقان. كانت إحدى نتائج العلاقات القوية بين روسيا ودول البلقان في القرون الأخيرة هي التغلب الناجح على أزمة الحروب العالمية. وفي التاريخ الحديث، أسهمت نفس العلاقات في التخفيف من حدة أزمات الانتقال في البلقان. بغض النظر عن التوجه المؤيد لأوروبا لدول البلقان في الفترة التي أعقبت الحرب الباردة ، كانت روسيا ولا تزال داعماً سياسياً قوياً في البلقان. ومع ذلك، في العلاقات الاقتصادية، فإن فرص المستقبل أكبر من النتائج التي يحققها التعاون الاقتصادي حالياً بين روسيا و دول البلقان.
تاريخ العلاقات بين دول البلقان والاتحاد السوفياتي وروسيا حالياً
تزامن نفوذ الاتحاد السوفيتي في أوروبا الوسطى والشرقية على نطاق واسع مع المنطقة التي احتلها الجيش الأحمر في نهاية الحرب العالمية الثانية وأقرها مؤتمر “يالطا”. في البلدان الاشتراكية، استحوذت الأحزاب الشيوعية على السلطة بشكل فعال من خلال إجراء تحولات منهجية. كانت الكتلة الشرقية بأكملها تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي، وكذلك الجيوش الفردية التي كانت تابعة لموسكو في إطار اتفاقية وارسو. اتخذ الاتحاد السوفيتي قرارات رئيسية بشأن السياسة الخارجية لدول الكتلة الشرقية واتجاهات السياسة الاقتصادية الرئيسية.
خلال الفترة الأولى التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية، كان الاتحاد السوفيتي جيوسياسياً في البلقان. كان الاستثناء هو تركيا المسلمة واليونان في حربهما الأهلية. أيد ستالين فكرة إنشاء اتحاد البلقان بين يوغوسلافيا وبلغاريا وألبانيا. تم الاعتراف بهذه الفكرة في البداية من قبل قادة يوغوسلافيا ، جوزيب بروز تيتو ، وبلغاريا ، جورجيوس ديميتروف ، ولكن بعد ما يسمى بالأزمة اليوغوسلافية (1948) ، بدأت فكرة اتحاد البلقان في التحرك.
كانت ثقة يوغوسلافيا بالنفس في علاقاتها مع الاتحاد السوفيتي ترجع إلى حقيقة أنها الدولة الوحيدة في أوروبا التي حررت نفسها من الاحتلال الألماني لقوات الحزب بقيادة تيتو. ثانياً ، في يوغوسلافيا وألبانيا ، حقق الشيوعيون السلطة بشكل مستقل دون مساعدة الجيش الأحمر.إن المفهوم المعلن ذاتياً للشيوعية ، كما أبرزته يوغوسلافيا، وتنفيذ سياسة قائمة بذاتها على المسرح الدولي وضعها في نهاية المطاف في صراع مع كلا الجانبين.
أصبحت رؤية يوغسلافيا الخاصة للشيوعية حقيقة واقعة ولم تعد يوغوسلافيا أبداً إلى مجموعة البلدان في مدار الاتحاد السوفيتي. سمح الانفصال عن الستالينية ليوغوسلافيا بالحصول على المساعدة من الولايات المتحدة وإدارة التعاون الاقتصادي (ECA) – المؤسسة المسؤولة عن خطة مارشال. ومع ذلك ، لم توافق يوغوسلافيا على الانضمام إلى الكتلة الغربية وظلت دولة غير منخرطة في فترة الحرب الباردة. بعد وفاة ستالين في عام 1953 ، تم توحيد العلاقات بين البلدين وتلقت يوغوسلافيا مساعدة من الاتحاد السوفيتي ومجلس المساعدة الاقتصادية المتبادلة – الكوميكون.ملف: أزمة أوكرانيا دول البلطيق، ارتدادات حرب روسيا والناتو
دولة أخرى في البلقان فقد فيها الاتحاد السوفيتي نفوذه كانت ألبانيا. انسحبت من الكتلة الشرقية ، مما أدى إلى توقف الاتحاد السوفيتي عن تقديم الدعم الاقتصادي لها. في ديسمبر 1961 ، قطعت ألبانيا العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي وأوقفت عملها في حلف وارسو في عام 1962. في سبتمبر 1968 ، انسحبت ألبانيا من الميثاق. في خمسينات القرن العشرين ، بدأ قادة رومانيا حواراً حول حقهم في “طريقهم الخاص إلى الاشتراكية”. كما لم تكن البلاد تتمتع بعلاقات مثالية مع الاتحاد السوفيتي وكان لها سياسة دولية محددة حتى انهيار نظام نيكولاي تشاوشيسكو في عام 1989. لذلك لم تدم الهيمنة السوفيتية لفترة طويلة. إجمالاً، خلال الحرب الباردة، كانت بلغاريا فقط تابعة بالكامل وأظهرت ولاء كاملاً من قبل موسكو، وكانت منطقة البلقان مجزأة جيوسياسياً.
شكل التحول في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في مطلع الثمانينات و التسعينات عالماً جديداً وواقعا إقليمياً. أدى انهيار اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية إلى تفكك التحالفات السياسية والعسكرية والاقتصادية للحرب الباردة. مكن هذا العديد من الدول الأوروبية من إعادة إنشاء دولتها الخاصة أو بدء النضال من أجل تقرير المصير السياسي. كان الأمر مشابهاً في البلقان ، لكنه لم يكن سلمياً كما في حالة بولندا وتشيكوسلوفاكيا ودول البلطيق.
البعد الأمني والعسكري في العلاقات بين روسيا ودول البلقان
لقد نجحت موسكو جزئياً في الترويج لرواية موالية لروسيا ومعادية للغرب على حساب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ومع ذلك ، فقد حققت نجاحاً أقل في علاقاتها الأمنية مع البلقان. يبدو أن الجيش الروسي لديه علاقة ضئيلة أو معدومة مع جيوش ألبانيا وكرواتيا والجبل الأسود (جميع أعضاء الناتو). والاستثناء الوحيد هو صربيا.
ازدهرت العلاقات العسكرية الصربية الروسية الراسخة، على الرغم من إعلان صربيا الحياد العسكري عام 2007. إذ أبرمت روسيا اتفاقية تعاون دفاعي مع صربيا في عام 2013، وزودت صربيا بالمعدات القتالية، بما في ذلك الطائرات و الدبابات. وتدربت القوات العسكرية الصربية على نطاق واسع مع القوات الروسية، بما في ذلك أربعة مناورات مشتركة في 2016 و 2017. كما تدير روسيا مركز تدريب إنساني تم إنشاؤه في عام 2012 في مدينة نيش الصربية. وقد أعربت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي عن قلقهما من أن هذا قد تصبح عملية عسكرية واستخباراتية مقنعة بمهارة أنشئت للتجسس على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ، ومصالح الناتو في البلقان. ملف: أمن دولي ـ انضمام السويد وفنلندا، تغيير في موازين القوى
وما فتئت روسيا تساعد جهود جمهورية صرب البوسنة “صربسكا” شبه السرية لرفع مستوى قوة شرطة الكيان إلى قوة عسكرية في كل شيء ما عدا الاسم. منذ منتصف سنوات 2000، تم دمج القوات المسلحة في البوسنة والهرسك ، واحدة من نجاحات (مؤهلة) في بناء الدولة بموجب دستور دايتون. وعلى الرغم من أن 2500 بندقية آلية اشترتها جمهورية صربسكا جاءت من صربيا المجاورة، إلا أن هناك تقارير عن قيام مستشارين روس بتوفير التدريب على مكافحة الإرهاب للوحدات الجديدة.
البعد الاقتصادي في العلاقات بين روسيا والبلقان
كان هناك تحول في العلاقات بين روسيا ودول البلقان في العقد الماضي. والدليل على ذلك هو زيادة حجم التجارة الخارجية بين روسيا ودول البلقان. تسجل دول البلقان اتجاهاً تصاعدياً في تجارتها الخارجية مع روسيا ، بغض النظر عن حقيقة أن بعضها أصبح في الوقت نفسه أعضاء في الاتحاد الأوروبي أو كان يعمل بشكل مكثف على عملية تكامل الاتحاد الأوروبي.
ومن بين دول البلقان التي تمر بمرحلة انتقالية، تعد صربيا الشريك الاقتصادي الأكثر أهمية لروسيا. بغض النظر عن التأثير السلبي للأزمة الاقتصادية العالمية ، فمنذ عام 2010 تميزت العلاقات الاقتصادية بين روسيا وصربيا بتجديد وزيادة في حجم التجارة البينية. وفقا لمعاهدة التعاون في مجالات النفط والغاز، هناك تعاون مستمر في تحقيق مشاريع الطاقة واسعة النطاق، بما في ذلك بناء الجزء الصربي من خط أنابيب الغاز ساوث ستريم الذي يبدأ مساره من جنوب روسيا عبر قاع البحر الأسود وعبر جنوب شرق أوروبا إلى إيطاليا. بالإضافة إلى ذلك ، تشمل المشاريع الروسية في صربيا أيضاً ترتيب وإطلاق التخزين تحت الأرض وتحديث الطاقة الإنتاجية في صناعة النفط في صربيا. هناك أيضاً خطط في مجال تطوير حركة المرور والبنية التحتية. والحقيقة هي أن لروسيا طموحات وخطط للتعاون الاقتصادي (التجارة الخارجية في المقام الأول) ليس فقط مع صربيا ولكن مع منطقة غرب البلقان بأكملها. وسيكون الاستقرار السياسي في المنطقة عاملاً حاسماً لتحقيق التعاون المعتزم.
تستورد دول البلقان بشكل عام ، في الجزء الأكبر ، النفط الخام والمشتقات النفطية والغاز الطبيعي والآلات والمعدات من روسيا ، في حين أن ما يهيمن على واردات روسيا هو منتجات الصناعات التحويلية والمواد الغذائية. يشير هيكل الاستيراد إلى الاعتماد الكبير لدول البلقان على الطاقة على روسيا. على سبيل المثال، تعتمد دول مثل البوسنة والهرسك وبلغاريا ومقدونيا واليونان وصربيا اعتماداً كلياً على استيراد الغاز الروسي، في حين تبلغ حصة الغاز الروسي في إجمالي الواردات إلى تركيا (78%)، وكرواتيا (65%)، ورومانيا (63%)، وسلوفينيا (51%)، ومثلها ألبانيا. ملف: أزمة أوكرانيا – دول البلطيق، ارتدادات “حرب” روسيا والناتو
لا تستخدم دول البلقان إمكانات الاستيعاب للسوق الروسية بشكل كاف للترويج لمنتجاتها. تتطلب السوق الروسية الهائلة عمليات تسليم ضخمة ومستمرة، ولا يمكن لأي دولة في البلقان تلبية هذه المتطلبات بمفردها (باستثناء تركيا). يمكن العثور على الحل في الربط والتعاون بين دول البلقان عندما يتعلق الأمر بالإنتاج المشترك والتصدير إلى روسيا وغيرها من الأسواق الضخمة والبعيدة. و يتم إجراء تحول ملموس نحو التعاون المشترك وشؤون التصدير من خلال اتفاقية CEFTA التي تشمل جميع دول غرب البلقان ومولدوفا. وتنظم بلدان البلقان الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي صادراتها في إطار هذا التكامل. تسمح القدرة الاستيعابية الكبيرة للسوق الروسية للصادرات من دول البلقان إلى هذا السوق بأن تكون أكبر بكثير مما هو محقق حالياً. ومن شأن زيادة الصادرات أن تساعد التجارة الخارجية بين روسيا والبلقان على أن تصبح أكثر توازناً بالنظر إلى حقيقة أن الاستيراد الهائل للنفط والغاز من روسيا يتسبب في عجز في تجارة دول البلقان الخارجية مع روسيا.
**
تقييم
تستدعي التوترات في منطقة البلقان تاريخ الصراعات في المنطقة، وإمكانية وقوع حرب جديدة؛ فسيناريو الحرب يظل قائماً في ظل التركيبة الإثنية وإرث التاريخ والتعقيدات داخل دول المنطقة، ناهيك عن استمرار انعكاسات الحرب في أوكرانيا، والحديث المتنامي عن إعادة تشكُّل النظام الدولي، وهو ما قد يجعل من الحرب في البلقان إحدى الأدوات المستخدمة في عملية إعادة تشكيل النظام. ولكن بالرغم من ذلك، فإن هناك صعوبات قد تواجه تحقُّق هذا السيناريو، لا سيما أن الدول الأوروبية وحلف الناتو والولايات المتحدة قد لا يسمحون بنشوب حرب جديدة في هذه “المنطقة الرخوة” على النحو الذي يهدد الأمن والاستقرار الأوروبيين.
**
على الرغم من دور الدبلوماسية الدولية، سيظل القادة المحليون هم صناع القرار النهائيين بشأن هذه القضية. ما يعني أن التغيير المحلي من الممكن أن يؤثر على تغيير إقليمي ، مما يدل على أن هذا الوضع الراهن يمكن تخفيفه بالفعل ولكنه يعني أيضاً أن القضية ككل، إلى جانب حياة ألبان كوسوفو والصرب، ستظل رهينة للخطاب القومي.
إن الصراع المجمد بين كوسوفو وصربيا يشكل تهديداً للقارة الأوروبية؛. ولذلك ينبغي أن تعامل على أنها مسألة ذات أهمية استراتيجية. إن الدور الحالي الذي يلعبه الاتحاد الأوروبي كميسر محايد لا يكفي لمواجهة تحد بهذا الحجم. وبدلاً من ذلك، سيكون من الضروري اتخاذ إجراءات استراتيجية واضحة للتمكين من اختتام سريع وحاسم لعملية الحوار.
يجب على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه البناء على هذه المبادرة واقتراح أجندة طموحة لمستقبل عملية الحوار، والتي ينبغي أن تبدأ باتفاق نهائي حول تطبيع العلاقات. يجب أن تغطي هذه الاتفاقية جميع القضايا العالقة بين صربيا و كوسوفو.
**
العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وغرب البلقان تتجاوز الشراكة. تقع عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في قلب العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وغرب البلقان.
إن الإصلاحات أساسية للمسار الأوروبي. وتتطلب العضوية الكاملة إدارة سياسية واقتصادية فعالة، وأعلى معايير الالتزام بسيادة القانون، وتعزيز حرية وسائط الإعلام، ومجتمع مدني نابض بالحياة. وكما قال الممثل السامي/نائب الرئيس بوريل في المؤتمر الصحفي مع الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش: “يمكن أن تكون مفاوضات الانضمام أكثر دينامية. لكن هذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا كان هناك المزيد من التقدم في الإصلاحات وتنفيذها”.
التعاون داخل المنطقة أمر أساسي لأنه يعزز الروابط بين الناس وبين الشركات. وعقب اجتماعه مع رئيس مقدونيا الشمالية ستيفو بينداروفسكي أكد بوريل أن “التعاون الإقليمي يساعد على إطلاق الإمكانات الاقتصادية وإعداد المنطقة لعضوية الاتحاد الأوروبي”.
إن رفض الكراهية والخطاب المثير للانقسام والعمل على تعزيز الحوار والتعاون والمصالحة أمران ضروريان لمسار الاتحاد الأوروبي. وقد أكد الممثل السامي لأعضاء مجلس رئاسة البوسنة والهرسك، أنه لكي تتحرك المنطقة نحو الاتحاد الأوروبي، يجب أن تتغلب على تركات الماضي وأن تعزز المصالحة.
**
لقد لعبت روسيا، ولا تزال تلعب، دوراً رئيسياً في استقرار وتنمية منطقة البلقان لأنها جهة فاعلة دولية هامة ولها صوت في هذا الجزء من العالم. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن البلقان وروسيا لديهما روابط تاريخية وثقافية ودينية، تمكن موسكو من أن تكون أكثر نشاطاً في المنطقة. يلعب الكرملين على مثل هذه الروابط الثقافية المشتركة ودعم الجهود التجارية الروسية لتعميق العلاقات الاقتصادية والتجارية في القطاعات الاستراتيجية الرئيسية مثل الطاقة والبنوك والعقارات لخلق تبعية سياسية واقتصادية في البلقان. تعزز عمليات النفوذ الروسية العلاقات بين الناس بهدف إنشاء دوائر انتخابية صديقة لروسيا وأذرع نفوذ يمكن أن تسمح لموسكو بعرقلة المزيد من اندماج البلقان في الهياكل الاقتصادية أو السياسية أو الأمنية الغربية.
إن علاقات حسن الجوار والتعاون بين دول البلقان وروسيا لها تقليد طويل جداً ، وبالتالي فقد تم الحفاظ عليها ويمكن تطويرها على أساس مستقر. كما قاومت بنجاح تحديات العلاقات العالمية الجديدة. والحقيقة هي أنه في فترة ما بعد الحرب الباردة، تظهر جميع بلدان البلقان توجهاً مؤيداً لأوروبا وتبذل جهداً سياسياً واقتصادياً كبيراً من أجل اندماج أسرع في الاتحاد الأوروبي. ومن المعروف جيداً أن التجارة الخارجية، أي المصلحة المؤدية إلى علاقات تجارية حرة بين البلدان، هي وسيلة آمنة ومحفز أولي لكل شكل آخر من أشكال الربط والتعاون. لهذا السبب تقوم منطقة البلقان بتطوير علاقاتها التجارية الأكثر كثافة مع دول الاتحاد الأوروبي ، على أمل أن تصبح بهذه الطريقة عضواً في المستقبل القريب.
الهوامش
المنطقة الرخوة
http://bit.ly/3w3xwuJ
شبح الحرب في البلقان مجدّداً
http://bit.ly/3H7PcMg
التوترات في البلقان
http://bit.ly/3H2H3IO
صحيفة: الاتحاد الأوروبي ينشر حرس حدوده لأول مرة في دول البلقان
http://bit.ly/3CQyPAS
The Western Balkans:Repatriated Foreign Terrorist Fighters, Sentencing Trends, and Security Considerations
https://bit.ly/3ZtQtnM
Violent Right-Wing Extremism in the Western Balkans
https://bit.ly/3izXOBR
Balkans
http://bit.ly/3ZCDosh
Balkan Countries
http://bit.ly/3QCvn2F
**
Conditions for peace: The EU’s role in the dialogue process between Kosovo and Serbia
http://bit.ly/3IQSPr0
ما الذي يؤجج الصراع المستمر بين كوسوفو وصربيا؟
http://bit.ly/3ZOV0l9
ما هو سبب التوتر المستجد على حدود كوسوفو وصربيا؟
http://bit.ly/3QCoH4F
بين الأسباب والحلول.. التوتر الكوسوفي الصربي في 3 أسئلة
http://bit.ly/3GKqSyk
التوتر بين كوسوفو وصربيا – روسيا تدعم صربيا والغرب يدعو للتهدئة
http://bit.ly/3H561ax
كوسوفو.. هل تتحول لساحة صراع جديدة بين روسيا والغرب؟
http://bit.ly/3IP2Zbv
ما الذي يجري بين صربيا وكوسوفو: من يشعل فتيل الحرب، وهل تتورط روسيا فيها؟
http://bit.ly/3H5mAmu
هل تشعل التوترات بشمال كوسوفو حربا جديدة في البلقان؟
http://bit.ly/3XyTVvQ
الاتحاد الأوروبي يحث كوسوفو وصربيا على العودة إلى الحوار
http://bit.ly/3WheT10
الأزمة المتصاعدة بين كوسوفو وصربيا.. إلى أين؟
http://bit.ly/3CQIozM
**
Western Balkans welcome EU’s geo-strategic enlargement shift amid Ukraine war
http://bit.ly/3WdGz74
The future of the Western Balkans lies within the European Union
http://bit.ly/3ZzLVfM
العين على البلقان.. ماذا تعرف عن تحالف روسيا وصربيا؟
http://bit.ly/3ZzhQwO
البوسنة والهرسك.. مظاهرة في سراييفو ضد الحرب في أكرانيا
http://bit.ly/3kgmYWC
الجبل الأسود وأوكرانيا توقعان إعلانا مشتركا حول عضوية أوكرانيا في الناتو
http://bit.ly/3w4Ndly
الاتحاد الأوروبي يسعى لتوثيق العلاقات مع البلقان بوجه موسكو
http://bit.ly/3H3oTGW
الاتحاد الاوروبي يسعى إلى طمأنة دول البلقان وتعزيز العلاقات معها في مواجهة موسكو
http://bit.ly/3H4UMyD
الاتحاد الأوروبي لتوثيق العلاقات مع دول البلقان في وجه موسكو
http://bit.ly/3kgn7cC
**
Russian Government Policy in the Western Balkans
http://bit.ly/3w7ftE6
FOREIGN TRADE BETWEEN RUSSIA AND THE BALKANS IN THE CONTEXT OF GLOBAL GEOSTRATEGIC RELATIONS
http://bit.ly/3w2W5b9
The Balkans and Russia
https://bit.ly/3QFFdAF
The Balkan Kettle: Russia’s policy toward the Balkans
http://bit.ly/3H5v1yg
نقلاً عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
.
رابط المصدر: