مسلم عباس
الامارات العربية المتحدة لا تعلن التطبيع مع إسرائيل وحسب، بل تتحد معها بشكل كامل، يطلقون عليها “إسرائيل الشقيقة” كما قرأت في بعض وسائل الاعلام، يحتفلون بأول رحلة جوية في المطارات الإماراتية ويصفونها بانها “الرحلة الجوية التاريخية” بحسب ما وضعت ذلك صحيفة البيان على صفحتها الرئيسية، وحال البحرين أكثر احتفالية واخوية مع إسرائيل، صار الشيطان ملاكاً، وعلى الشعوب تغيير بوصلتها الأيدلوجية من الكراهية ضد “الكيان الصهيوني الغاصب” الى أيدلوجية “السلام والحب والتسامح”.
المشهد العربي برمته اما مطبع مع إسرائيل او يقف على طابور التطبيع، السودان هي من تنتظر الدور، فالمفاوضات جارية على قدم وساق لإدخالها في اتفاقيات السلام والتآخي الجديد مع الإسرائيليين، فلا مشكلة للسلطة الحاكمة بالقفز على الثقافة الشعبية والواقع الاجتماعي الذي صنعته عقود من الحرب، المطبعون يقولون اننا بصدد التخلص من ارث الحرب وفتح صفحة السلام، واي سلام هذا؟
انه حبل الإنقاذ للشعوب العربية التي كانت ولمدة عقود طويلة من حروب عبثية بين هذه الدولة وتلك، كلها تأتي باسم الشعب الفلسطيني، تحرير القدس يمر عبر الكويت، وتلك دولة تعتبر تحرير القدس يمر عبر سوريا وهكذا دواليك الى ما لا نهاية للتظليل السياسي والتجهيل المتواصل للشعوب العربية، فقد كانت القضية الفلسطينية هي الواسطة التي يستطيع الحكام بها البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، لذلك كان “الحكام المقاومون” هم الأكثر تعميرا في العروش، أي جهل واي تزوير للتاريخ، لم يحرروا شبرا واحدا من فلسطين، لم يستطيعوا صناعة بندقية او صاروخ من اجل التحرير، ولم يستطيعوا بناء جيش للحرب المستقبلية كما كانوا يتحدثون عنها.
كل ما كانوا يعملون من اجله، هو الهاء الشعوب أطول فترة ممكنة وابعادهم عن الحديث بالإصلاح السياسي، وتغيير الحاكم وقلعهم عن مناصبهم، وقد حقق الحكام ما أرادوا، استفادوا من القضية الفلسطينية اقصى استفادة ممكنة، لدرجة ان اغلبهم عمر في العرش لمدة حوالي ثلاثة عقود وهذا انجاز شخصي كبير وضعهم على سكة التاريخ، ولو انه تاريخ مظلم لكن هذا لا يهم بالنسبة لهم، المهم انهم حكموا واستمروا.
ولان بقاء الحال من المحال، فقد استفاقت الشعوب العربية، او ان اللعبة باتت مكشوفة حتى لبسيط الفهم، فلم تعد تخفى على أحد، لم تعد القضية الفلسطينية جذابة للحد الذي يجعل الشعب يدافع عمن يرفع لواء تحرير فلسطين، ولم يعد المواطن العربي راغبا بخطاب الحرب لأنها غير مجدية، فلا تحرر الأرض ولا تحقق أي نتائج تنعكس على واقعه المعيشي، فلماذا يفكر فيها، بل انه يمثل وقودها فقط، ويفقد احبابه واقاربه دون ان يحصل على شيء، فلماذا يفكر بهلاكه إذا.
التطبيع وخطاب السلام
اللعبة الجديدة تتمثل بالانقلاب على الأرض الحربي، عاصفة السلام تصيب انصار الحرب والمقاومة بالهلاك، تقتلعهم من جذور التفكير الجمعي العربي، لقاءات سرية ثم علنية ثم تسريبات بالتطبيع ثم اعلان للتطبيع يتلوها تحالف متين بين إسرائيل والامارات والبحرين، والسبب: انهم سئموا من الحرب ويريدون السلام، يحتفلون بكل ما يملكون من قوة، هذه إسرائيل ارض تجمع الإسرائيليين والعرب بسلام، وهذه ارض العرب تتغنى بالشقيق الإسرائيلي كما تقول وسائل الاعلام، وما بين ثنايا الكلام تنابز وتفاخر، “نحن سنتطور ومن لم يطبع سيبقى متخلفا يعاني من ويلات الحروب والحصار”، هذا لسان حال الخطاب العربي التطبيعي.
وعلى الضفة الأخرى تقف الشعوب المقهورة التي لم تستطع تامين لقمة العيش امام هذا الخطاب، هذه الشعوب التي لا تملك ترف المطالعة والتعمق في القضايا الاستراتيجية والمصيرية يصدق اغلب افرادها بما يتم تسويقه في وسائل الاعلام، فيطلبون “التفاحة من الشجرة” وكان الخطاب الإعلامي التطبيعي اليوم يشبه خطاب ابليس لآدام واغرائه بالأكل من الشجرة التي نزل بسببها من نعيم الجنة الى جحيم الارض.
لماذا نعتبر الخطاب التطبيعي شبيه بخطاب “اكل التفاحة الشيطاني” لان التطبيع لم يكن هدفه ضمان صالح الشعوب العربية، ولن يحدث ذلك مستقبلا، فما يحدث من حروب بين العرب أنفسهم اشد شراسة من الحرب مع إسرائيل، وما يحدث من حروب داخل الدولة الواحدة اشد شراسة من الحرب مع إسرائيل، يستخدمون كل أجهزة التجسس لملاحقة المواطنين، ومجرد التفكير بالقرار السياسي للدولة يعتبر جريمة في اغلب الدول العربية.
الحكام العرب اليوم يبحثون عمن يضمن لهم البقاء في سلطة القمع الديكتاتورية والتخلف، مع شيء من الحداثة الكاذبة، ولا ضامن في ظل هذه التحولات سوى إسرائيل لأنها الأكثر اجراما، والاقل التزاما تجاه الشعوب العربية، اما الحديث عن السلام والرفاهية الاقتصادية فهي مجرد مادة إعلامية لإلهاء الشعوب.
المشكلة الأبرز ان التطبيع سيتحول الى ما يشبه تساقط قطع الدومينو لن يتوقف عن السودان التي تقف على الطابور، السعودية لها قصب السبق على ارض الواقع، لكنها تفضل ان تكون اخر المطبعين لأسباب دينية واجتماعية، هي تدفع بالعراق ليتقدم قبلها، لذلك برزت الى الواجهة التصريحات الإعلامية لبعض المسؤولين السابقين في الدولة العراقية يتحدثون عن قرار التطبيع العراقي، ورغم ان هذه الاحاديث السياسية قد اثارت ردود أفعال متباينة، الا ان مجرد تحول التطبيع من فعل مرفوض بشكل مطلق الى فعل قابل للنقاش يمثل البداية لوضعه على سكة الخيارات العراقية، وبما انه يقدم على “طبق من السلام والتقدم الاقتصادي”، فقد نرى العجلة تدور بسرعة اكبر خاصة وان المنطقة تمر بتحولات خلال الفترة الحالية وستستمر للسنوات القادمة.
رابط المصدر: