بجملة تاريخية صرح بها محمد إدريس ديبي رئيس تشاد “ليس هناك مجال للخطأ”؛ وذلك إعلانا عن عزمه على اقتلاع ونزع السلاح من المدنيين. محمد إدريس ديبي الذي أتى إلى الحكم بعد اغتيال والده أثناء القتال مع المتمردين في إبريل 2021 كان قد أعلن هذا التصريح بعد أن تم اغتيال 100 شخص في منجم ذهب في شمال تشاد؛ بسبب خلاف بين شخصين تطور ليحول المنطقة إلى حالة حرب، ونتيجة التدهور السريع للوضع الأمني في منطقة.
لكن هذا التدهور في تشاد ليس بجديد، فهو ممتد منذ عام 1960 عندما حصلت تشاد على استقلالها تحت قيادة فرانسوا تومبالباي، وبلغ الاستياء من سياساته في الشمال المسلم ذروته مما تسبب في اندلاع حرب أهلية طويلة الأمد عام 1965. وفي عام 1979 غزا المتمردون العاصمة ووضعوا حدًا لهيمنة الجنوب. هذه الأحداث المتسارعة في تشاد صبّت في صالح التدهور السريع للوضع الأمني، مما نتج عنه انتشار كبير للسلاح وتجارته التي امتدت لدول مجاورة.
الوضع في تشاد
في عام 2021، استمرت الأزمة الإنسانية في تشاد بلا هوادة، وتصاعد الصراع نتيجة تخفيض تمويل المساعدة الإنسانية بشكل كبير بسبب الوباء العالمي كوفيد-19؛ فتم اقتطاع نحو 25% من الميزانية مقارنة بعام 2020، مما أدى إلى توقف أعمال عدد من منظمات الإغاثة العاملة في تشاد لعدم كفاية الدعم. الأمر لذي نتج عنه تعرض العديد من الأشخاص للعوز والاحتياج، ووضع تشاد في قائمة الأزمات المُهمَلة للمرة الأولى.
ومن ثم، ترك هذا المزيج من النزاعات وحالات الطوارئ الصحية وتغير المناخ حوالي 5.5 مليون شخص في حالة احتياج وهم يمثلون ثلث سكان تشاد، وارتفعت مستويات الجوع وانعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء البلاد وخاصة في مخيمات اللجوء؛ وتسبب هذا الوضع المعقد في سوء تغذية حاد، وارتفاع معدل الوفيات للأطفال دون سن الخامسة.[1]
هذا الوضع السابق ذكره والذي أسفر عن مقتل الرئيس السابق إدريس ديبي في أبريل 2021 أثناء القتال مع المتمردين؛ أسفر عن عدم استقرار مركب. لذا يمكن إيجاز أهم اسباب عدم الاستقرار في تشاد في:
- ضعف أداء الحكومة وتأكل الأدوات الاغرائية والقهرية أثر على قوة القانون سلبًا.
- انتشار الصراعات القبلية والعرقية وخاصة بين المزارعين والرعاة؛ إذ خلفت الاشتباكات بين المزارعين والرعاة ما لا يقل عن 22 قتيلًا و18 جريحًا في 7 أغسطس 2021. هذا النوع من المشاجرات شائع في وسط وجنوب تشاد ما بين الرعاة شبه الرحل، والمزارعين المستقرين ذوي البشرة الداكنة. وتندلع الاشتباكات عندما ترعى الحيوانات في حقول المزارعين مما يؤدى إلى تدمير المحاصيل. وفي فبراير 2021، قُتل 35 شخصًا في جنوب تشاد في ظروف مماثلة.[2]
- كثرة أعداد النازحين من دول الجوار؛ فقد استقبلت تشاد 11 ألف نازح من الكاميرون عام 2021 فقط. وتستضيف كذلك أكثر من نصف مليون لاجئ، فرت الغالبية العظمى منهم من الصراع المتفاقم في جنوب السودان المجاور وجمهورية أفريقيا الوسطى في السنوات الأخيرة، وفقًا لتقارير مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين.[3]
- الجماعات المسلحة المنظمة التي تعمل على مهاجمة المدنيين.
- الصدمات المناخية والفقر المدقع أسهما في استفحال حالة عدم الأمن؛ فأديا إلى انخفاض الإنتاج الزراعي، وإلحاق الضرر بسبل العيش، ونزوح السكان في السنوات الأخيرة.
- التعدين غير القانوني عن خام الذهب وغيره من فحم ومعادن أخرى وتهريبه للخارج عبر ليبيا جلب المزيد من العصابات؛ مما أسفر عن حدوث نزاعات أدت إلى تفاقم الوضع الأمني.
السلاح
أثار رحيل الرئيس التشادي السابق مخاوف من مزيد من عدم الاستقرار ووجود المزيد من الأسلحة غير المشروعة في المنطقة. هذا الوضع نتج عنه ارتفاع معدل الجريمة بشكل كبير؛ وهو ما ظهر في مؤشر الجريمة الذي بلغ نسبة عالية جدًا 72.29%، وارتفاع الجريمة المسلحة خلال أخر 3 سنوات وصل فوصلت من 73% إلى 76%، والتعرض للهجوم 76.52%، فيما بلغت مشاكل الجرائم العنيفة مثل الاعتداء والسطو المسلح 82.69%.[4]
ومع تدني مستويات المعيشة، أصبحت تجارة السلاح من أهم الموارد الاقتصادية للسكان وخاصة أنها تساعدهم في عملية التنقيب غير القانوني عن الذهب وتهريبه عبر ليبيا؛ فوفقًا لتصريح الرئيس ديبي الابن يتم تهريب ذهب قيمته 91 مليون دولار أسبوعيًا، وخسرت تشاد ما قيمته 200 مليون دولار عام 2020. فيقوم المتمردون التشاديون بنقل الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة على طول الطرق عبر ليبيا وتشاد ونيجيريا من خلال مسارات غير معروفة لأجهزة الأمن بما في ذلك قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات. ليتم تسليم السلاح إلى الجماعات الإرهابية في شمال الكاميرون والحركات الانفصالية في المنطقتين الناطقتين بالإنجليزية عبر كوسيري، وهي مدينة في إقليم أقصى شمال الكاميرون على حدود تشاد.[5]
أما عن مصادر السلاح فهي متعددة؛ فوفقا لمركز بحوث تسليح الصراع ما يقرب من نصف الأسلحة الموثقة (43%) والتي تم ضبطها عام 2019 إما صنعت في دول أفريقية (الجزائر، أو جنوب أفريقيا) أو تم تصديرها إلى دولة شمال أو غرب أفريقيا (ليبيا، المغرب، النيجر، نيجيريا)، أو كانت مملوكة لأحد من جيوش الدول الأفريقية التالية (ليبيا، تشاد، النيجر، نيجيريا) وهو ما ظهر بنسبة (17٪) ثم اتخذت طريقها إلى تشاد. يشير هذا إلى أن نسبة كبيرة من المعدات المتداولة بشكل غير مشروع في جميع أنحاء المنطقة يمكن إرجاعها إلى الإنتاج والنشاط العسكري الأفريقي.[6]
هذا بجانب أن ثلاثة أرباع السلاح الذي تم ضبطه أُنتج في تسعينيات القرن الماضي وما بين 2010-2020. أما عن دول المنشأ فهي متعددة ما بين فرنسا وروسيا والصين ورومانيا وحتى تركيا وإسرائيل. واتضح أن هذه الأسلحة القديمة تم توريدها للجيوش الأربعة، لكنها تسربت لتجار السلاح بعد تخلي الجيوش عنها.
وبالطبع فإن السلاح كسلعة له مستهلكوه، وسيتضح مما يلي مدى كبر واتساع سوق السلاح؛ بدءًا من الجماعات الإرهابية مثل جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد (JAS) والتي يشار إليها أكثر باسم بوكو حرام، وتنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا (ISWAP). وكذلك يمثل الفاعلون الجنائيون من مهربي الذهب والفحم والعاج والمخدرات نسبة كبيرة من المتعاملين في سوق السلاح، هذا بالإضافة إلى متمردين في شمال وشرق تشاد؛ الذين يشاركون في أنواع مختلفة من أنشطة الاتجار.
أما بالنسبة للجهات الأجنبية، فإن تشاد تعد بؤرة الجريمة العابرة للحدود في المنطقة؛ إذ تنطلق غارات الجماعات السودانية ومواطني جمهورية أفريقيا الوسطى من تشاد. وهناك أيضًا ميليشيات أجنبية صغيرة مستقلة في تشاد متورطة في الصيد غير المشروع، والاتجار بالبشر، وتهريب الأسلحة، والاتجار بالمعادن، والغارات والاختطاف. وتقوم الجماعات المسلحة في أقصى الشمال التي تعارض نظام نجامينا بتجنيد مرتزقة سودانيين وليبيين.
الجهود التشادية قديمًا وحديثًا
على الصعيد الدولي، أعطت تشاد خلال العقد الاخير مؤشرات واضحة على تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الجريمة المنظمة بالتعاون مع مجموعة واسعة من المنظمات الدولية في مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والإرهاب في منطقة الساحل، وبُذلت جهود مهمة لمكافحة وصول السلاح إلى بوكو حرام في الكاميرون ونيجيريا. لذا عدّ الاتحاد الأوروبي وفرنسا والولايات المتحدة تشاد شريكًا أساسيًا في الحد من تجارة السلاح والإرهاب والجريمة المنظمة في المنطقة.
وصدقت الدولة على العديد من المعاهدات الدولية المتعلقة بالجريمة المنظمة؛ فتم إنشاء فرقة العمل المشتركة متعددة الجنسيات التابعة للجنة حوض بحيرة تشاد والمكونة من قوات ممثلة لكل من (تشاد-الكاميرون-نيجيريا- النيجر) عام 2014 لمحاربة المسلحين قوامها حوالي 11000 جندي وعمال إنقاذ.[7] وعلى المستوى المحلي، في حين أن تشاد لديها بعض الأطر القانونية لمكافحة الجريمة المنظمة، لكن لا يزال التنفيذ يمثل تحديًا.
لذا فإن استقرار الأمن هو الأولوية التي أعلن الرئيس التشادي نيته لفرضها كمشروع مؤسس لشرعية استمراره في الحكم. ولأن الجهود السابقة لم تتمكن من فرض الأمن؛ أمر محمد ديبي الرئيس الحالي بـ “إطلاق عملية نزع سلاح شاملة في الإقليم الشمالي حيث التنقيب عن الذهب بشكل غير قانوني بحسب بيان صدر منذ أيام. وحدّ من إمكانية دخول المنطقة على جميع التشاديين والأجانب المنقبين عن الذهب في “كوري بوغودي”؛ وأعلن المنطقة موقعًا عسكريًا تابعًا للجيش مؤقتًا؛ حتى يتمكن من تطهير الاقليم. كون تلك المنطقة الواقعة في منطقة جبال تيبستي التي يصعب الوصول إليها والمحاطة بالصحراء الجبلية؛ مليئة بالمناجم التي غالبًا ما يتم سرقتها سرًا من قبل العديد من الباحثين عن الذهب، بجانب أنها مدخل السلاح ليس لتشاد فقط بل للإقليم كله.
لكن لأن الفساد منتشر في كل مكان في الإدارة التشادية، حيث تم ضبط بعض أفراد الجمارك والشرطة يعملون لحماية المتاجرين بالبشر ومهربي السلاح؛ تم إيكال المهمة كلية للجيش وعزل الإقليم. بل زاد الأمر بإصدار أحكام مشددة على من سيخالف. ومع ذلك، يُنظر إلى هذه الخطة الأمنية بالرغم من أهميتها على أنها ينقصها الاستثمار الاستراتيجي للحكومة في التنمية البشرية والبنية التحتية في الشمال، وعلاج مشكال النزوح، وإشراك المجتمع في صنع سياسات السلام بعد أن تتم عملية نزع السلاح. إن معالجة التحديات الأساسية طويلة الأجل التي تواجه المنطقة عنصر حاسم في الاستقرار طويل الأمد، والذي يبدو في الوقت الحاضر بعيد المنال.
[1] The world’s most neglected displacement crises in 2021, Norwegian Refugee Council (Oslo: 1st. June 2022)
[2] 12 dead in Chad clashes between farmers, herders, The East African (Nairobi: 11th. June, 2022)
[3] Chad Assistance Overview, USAID (Washington D.C. :August 2021)
[4] Copyright © 2009-2022 Numbeo
[5] Déby’s death accelerates illicit arms flows across Central Africa, Oluwole Ojewale (Pretoria : Enact Africa, Aug. 2021)
[6] Weapon Supplies Fulling Terrorism in the Lake Chad Crisis, Conflict Armament Research (London: May., 2022)
[7] Lake Chad Task Force Extends Operation to Flush Out Islamist Militants, Voice of America
(New York: 11th., June, 2022)
.
رابط المصدر: