قال الدكتور خالد عكاشة المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية إن هناك حالة من حرب التصريحات والتوصيفات المتبادلة بين روسيا وأوكرانيا في الوقت الراهن، ففي الوقت الذي يصف فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأمر بأنه عملية عسكرية خاصة لتحقيق بعض الأهداف –رغم أن هذه الأهداف تتسع لمدى غير منظور زمنيًا وجغرافيا- ويصر هذا التوصيف؛ يصر المعسكر الغربي وفي قيادته الولايات المتحدة على صك توصيف “حرب بوتين” واستخدامه بغزارة سواء في خطابات الرئيس الأمريكي أو بيانات البنتاجون والقيادات الأوروبية المختلفة، مفيدًا أن ذلك يأتي محاولة لتوصيف الأمر بأن الرئيس الروسي يدخل في حرب من أجل تحقيق مكاسب ومصالح شخصية، وزيادة رصيده السياسي.
وذكر عكاشة، خلال مداخلة هاتفية مع برنامج “كلمة أخيرة” الذي تقدمه الإعلامية لميس الحديدي على قناة “أون”، أن الولايات المتحدة التي تتولى قيادة حلف شمال الأطلسي “الناتو” وضعت قيدًا صريحًا واضحًا بأنها لن تشارك في هذه الحرب على الأراضي الأوكرانية ولا في الجو الأوكراني بعد رفض فرض حظر جوي على سماء أوكرانيا كما طالب الرئيس الاوكراني، هذا الأمر أُعلن عنه بوضوح خلال الأيام الماضية وتكرر أكثر من مرة من الرئيس الأمريكي وقيادة الناتو وكثير من العواصم الأوروبية. موضحًا أن مبعثهم في هذا الأمر هو أن الناتو لن ينجر إلى مواجهة الجيش الروسي وجهًا لوجه فتصبح حربًا عالمية.
وأضاف أن الغرب يحاول حتى الآن حصر الأمر على أنه حرب بين روسيا وأوكرانيا، وذلك رغم كل الدعم العسكري المُقدّم والآخذ في التطور لأوكرانيا، مبينًا أن الدعم تمثل في الأيام الأولى للحرب في بعض المقذوفات والصواريخ المحمولة والأسلحة النوعية المتوسطة، فيما بدأ الحديث مؤخرًا عن تزويد الجانب الأوكراني بمسيرات وصواريخ، وإحداث نقلة نوعية في عملية دعمه بالذخائر، والدخول أيضًا في منزلق خطير هو استجلاب المتطوعين وتكوين ما يسمى بالفيلق الدولي، ودعمه ببعض المرتزقة.
وأشار الدكتور خالد عكاشة إلى أن هذا التوظيف للمرتزقة يمثل مشهدًا من المشاهد المظلمة للحرب والمنزلقات التي جرى الحديث عنها في الأيام الأولى، فبداية الحرب أمر سهل، ولكن لا يمكن لأحد السيطرة على تداعي الخطوات فيما بعد. مفيدًا أن الانكشاف على المستوى العددي وفارق الإمكانيات الكبير بين روسيا وأوكرانيا ربما هو ما دفع الغرب إلى هذا الأمر، بل والقفز على المبادئ التي سبق وأن عبر عنها برفض توظيف المرتزقة والمقاتلين. مضيفًا أن هناك من يتحدث عن أن أوكرانيا ستسقط في يد روسيا بالكامل ولذا يجب دعمها بكافة السبل حتى ولو كانت بمثل هذه الأساليب الخطيرة، وحتى ولو كانت سترتد على الجانب الأوروبي مستقبلًا.
وأفاد أن الإعلام من كلا الطرفين يخوض معركة شرسة، وقد كان هذا الأمر متوقعًا، وهو يحدث من الجانبين دون استثناء، فكل طرف يحاول شيطنة الطرف الآخر، في وقت أصبح فيه الإعلام والصور والأخبار أدوات وأسلحة حديثة في أيدي الدول، وتساند الجيوش بقوة، وهذا الأمر متعمد ويجعل المراقبين والمحايدين في حيرة من أمرهم للتثبت من صحة هذه الأخبار.
وعلى صعيد المتغيرات العسكرية، قال مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية إن هناك هدفين عسكريين يوجد تركيز روسي عليهما خلال الأيام الأخيرة، الأول هو محاولة الاقتراب الحثيث من اقتحام كييف من الجهة الشمالية، وقد حققت القوات الروسية وصولًا إلى ما يقارب من 20 كم من حدود كييف من جهة الشمال، وهذه أقرب نقطة استطاع الجيش الروسي تحقيقها بعد حوالي ثمانية أيام من الدفع بآلياته لتطويق كييف، وهذا الاقتراب هو الذي جعل وسائل الإعلام الغربية والأمريكية على وجه التحديد خلال الساعات الأخيرة تبدأ لأول مرة في الحديث عن مرحلة ما بعد سقوط كييف، وإمكانية أن يقوم زيلينسكي بتشكيل حكومة في المنفى من الأراضي البولندية، ولأول مرة يظهر هذا الخطاب في وسائل الإعلام الرئيسة في الولايات المتحدة.
أما حول الهدف الثاني، فأشار إلى أن هناك جهدًا عسكريًا بارزًا وواضحًا لم يحقق إنجازًا حتى الآن هو باتجاه أوديسا وسواحل البحر الأسود لأوكرانيا؛ إذ تدرك روسيا استراتيجية ومحورية هذا المحور بشكل كبير جدًا وأهميته بالنسبة لأوكرانيا، ولذا توجه جهدًا عسكريًا مكثفا تجاهه خلال الـ 48 ساعة الماضية. مضيفًا أن هناك أكثر من عملية إنزال حاول الجيش الروسي القيام بها جوًا أو بحرًا حول ميناء أوديسا ولكن لم يُكتب لها النجاح، وحتى اللحظة هناك سيطرة على بعض السواحل الرئيسة لأوكرانيا، ولكن لم يسقط ميناء أوديسا وهو الميناء الرئيس لأوكرانيا.