كان إعلان الوحدة الشاملة (الفيدرالية) بين مصر وسوريا فى 22 فبرايرعام 1958 يوما فارقا ليس فقط فى تاريخ النضال الوطنى المصرى السورى، بل فى تاريخ النضال الوطنى العربى، وحلم القومية والتوحد العربى الذى بدى إشراقه، والذى ارتبط جوهره بالرئيس جمال عبدالناصر وحلمه الثلاثى التراكمى، بدءاً بالتحرر من الاستعمار التقليدى، ثم التوحد العربى المرحلى وصولا الى التوحد العربى الشامل ثم الاستعداد لمحاربة الاستعمار الجديد غير التقليدى وأعوانه فى المنطقة.
كما جاء فى كتابه فلسفة الثورة، حيث كان يرى أن الدعائم العربية الخمس (عُرفتْ لاحقا بالقوى الشاملة للدولة) هى مصر والعراق وسوريا والسعودية (الآخذة فى التحول من قوة اقتصادية استخراجية إلى قوة شاملة) بالإضافة إلى الجزائر المحتلة فرنسيا منذ اكثر من قرن وربع القرن وحتى يوليو 1962 بعد دعم مصرى سياسى وعسكرى، كانا من اسباب حنق فرنسا على مصر وأحد اسباب اشتراكها فى العدوان الثلاثى عليها عام 1956 بعد تأميم قناة السويس.
كان الرئيس عبدالناصر يؤمن بالقاعدة الذهبية (أن الاتحاد قوة) وهو ما اتجهت إليه أقاليم عالمية بعد معاناة التفتت والحروب لتصبح قوى دولية، حيث توحدت الولايات المتحدة بعد الحرب الأهلية والاتحاد السوفيتى خلال الحرب العالمية الاولى ثم الاتحاد الأوروبى بعد الحرب العالمية الثانية، حيث بدأ بفكرة التدرج الاقتصادى، وصولا الى الوحدة الشاملة، بدءاً من السوق الأوروبية المشتركة، وصولا الى الاتحاد الأوروبى، ولم ينظر للتوحد العسكرى لوجود مظلة حلف الأطلنطى منذ 1949 .
ورأى عبدالناصر ان الفرصة العربية ستكون افضل نظرا لوجود جامعة الدول العربية، وكذلك اتفاقية الدفاع العربى المشترك التى تم تفعيلها لاحقا فى حرب أكتوبر 1973 وحرب تحرير الكويت 1991.
وكانت فكرة الاتحاد الاوروبى هى الأقرب الى فكر الرئيس عبدالناصر مع اختلاف جوهرى وهو التوحد العسكرى، فهناك احتلال أو بقايا استعمار فى كل من الجزائر وفلسطين وعدن ومالى الى الاتحاد الكونفيدرالى حيث لكل دولة ذاتية استقلالية عدا توحد الجيش والأمن والسياسة الخارجية والسفارات والتشريع العام والعملة والعلم والسلام الوطنى ..الخ وهو ما توفر فى المثال العربى الناجح بقيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة السبع عام 1971 بقيادة الشيخ زايد آل نهيان الذى درس فيما درس اسباب فشل الوحدة المصرية السورية التى كان يُعَول عليها الكثير.
بدأت اولى الخطوات الفعلية السورية للوحدة بوصول وفد من عشرين ضابطا سوريا من المشاركين فى السياسة كطليعة الجيش السورى حينذاك بقيادة عفيف البزرى على طائرة خاصة بدون تنسيق مسبق وقابلوا الرئيس عبدالناصر فى 15 يناير 1958 يطلبون الوحدة الفورية الاندماجية تحت قيادته، وأعقبهم وفد رئاسى بقيادة صلاح البيطار ممثلا للرئيس شكرى القوتلى الذى اشترط موافقة الحكومة والجيش السورى وهو ما كان، وهنا يقول محمد حسنين هيكل إن الرئيس لم يكن متحمساً لهذا النوع من الوحدة.
وفى النهاية وافق عبدالناصر دون حماس ولكنه بذل كل جهده لإنجاح التجربة. زار الرئيس عبدالناصر سوريا فى زيارة تاريخية، حيث احتشدت الملايين السورية واللبنانية بساحات دمشق. وأعقب ذلك طلب الثورة العراقية الانضمام للوحدة وكذلك لبنان.
واستمرت القوة الدافعة للنجاح حتى وقع الانقلاب العسكرى السورى ضد الوحدة فى 28سبتمبر 1961 لتنتهى تجربة الوحدة لعدة أسباب كالآتى: خارجياً: عمل الغرب على إفشالها حيث اعتبرها تشكل خطرا جغرافيا إستراتيجيا على إسرائيل.
كما بدأت دول عربية اخرى تطلب الانضمام اليها. وداخليا: إلغاء حزبى البعث والشيوعى القويين فى سوريا والوفد فى مصر.
وإبعاد الضباط عن العمل السياسى مما أثار الضباط السوريين الذين يشعرون انهم اصحاب الوحدة. وكان المشهد الأخير بوصول وفد عسكرى سورى الى الرئيس عبدالناصر يعرض القيام بانقلاب عسكرى مضاد لعودة الوحدة. وهنا قال الرئيس قولته: ان الوحدة التى تنتهى بانقلاب لايمكن عودتها بانقلاب آخر.
وهكذا انتهت تجربة الوحدة.
نقلا عن جريدة الاهرام الثلاثاء21 فبراير 2023
.
رابط المصدر: