نشر موقع ذي إنترسيبت الأمريكي في 27 سبتمبر 2023 تقريراً بعنوان: “لائحة اتهام منينديز تُظهر كما لو كانت مصر تجند مصدراً استخباراتياً، كما يقول مسؤولون سابقون في سي آي ايه”، للمراسلين الاستقصائيين المقيمين في واشنطن العاصمة: كين كليبنشتاين و ودانييل بوجوسلاف، حيث قال مسؤولون سابقون في وكالة المخابرات المركزية إنه “من خلال قراءة لائحة الاتهام، يتضح بشكل مؤكد أن الحكومة المصرية كانت تستخدم نمطاً كلاسيكياً لتجنيد المصادر لإجبار منينديز وزوجته على التجسس لصالحهم”.
وقد جاء التقرير على النحو التالي:
انحصرت التغطية الإعلامية للائحة الاتهام الموجَّهة للسيناتور الديمقراطي عن ولاية نيوجيرسي، بوب منينديز، في التركيز على أشياء مثل سبائك الذهب وأكوام من النقود التي تم العثور عليها محشوة في ملابسه – وهي العناصر الكاريكاتورية لادعاءات الفساد التي وجّهتها له وزارة العدل الأمريكية.
لكن خبراء الأمن القومي يقولون إن إشارة لائحة الاتهام إلى مسؤولي المخابرات المصرية وكشف منينديز عن معلومات “حساسة للغاية” و”غير علنية” للمسؤولين المصريين تشير إلى أن الأمر أكثر من مجرد مخطط فساد متنوع المظاهر، فقد يكون هناك عنصر استخباراتي يُضاف إلى تلك التهم.
إن طريقة مصر في الحصول على المعلومات تبدو كعملية تجنيد عملاء تقليدية، وهي عملية استخباراتية تهدف إلى تجنيد مصادر للمعلومات، حسبما قال أربعة ضباط سابقين في وكالة المخابرات المركزية لموقع ذي إنترسيبت.
ووفقا للائحة الاتهام، كان منينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، يُطلب منه في بعض الأحيان تقديم معلومات إلى رجل أعمال مصري يقوم بعد ذلك بتوصيلها إلى المسؤولين المصريين. يبدو أن المعلومات الأكثر حساسية التي اتهم منينديز بمشاركتها تتعلق بالتوظيف في السفارة الأمريكية في القاهرة.
وقال جون سيفر، ضابط الخدمة السرية المتقاعد بوكالة المخابرات المركزية والزميل غير المقيم بالمجلس الأطلسي: “إن مشاركة منينديز لمعلومات موظفي السفارة أمر مثير للقلق للغاية على عدة مستويات: فهو يساعد أجهزة الأمن المصرية في مراقبة السفارة، والأهم من ذلك، أنه قد يشير إلى أنهم يعتبرون منينديز مصدراً للمعلومات بالنسبة لهم”. وأضاف سيفر، “ويمكن أن يكون هذا الطلب خطوة واحدة في اختبار استعداده لخرق القواعد والقوانين، وبالتالي، ربما يساعد المخابرات المصرية بطرق أكثر سرية وضررا”.
وقال مايكل فان لاندينجهام، المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية، لموقع ذي إنترسيبت: “من خلال قراءة لائحة الاتهام، يبدو بالتأكيد أن الحكومة المصرية كانت تستخدم نمطاً كلاسيكياً لتجنيد المصادر لإقناع منينديز وزوجته بالتجسس لصالحهم”.
وتأتي تصريحات المسؤولين السابقين في الوقت الذي صدر فيه تقرير من قناة إخبارية محلية في نيويورك يفيد بأن مكتب التحقيقات الفيدرالي فتح تحقيقاً لمكافحة التجسس مع منينديز. (منينديز، الذي دفع ببراءته يوم الأربعاء، لم يستجب لطلب التعليق).
وقال فرانك فيجليوزي، المدير المساعد السابق لمكافحة التجسس في مكتب التحقيقات الفيدرالي لشبكة إن بي سي “إن رئاسة السيناتور منينديز للجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس تضعه في موقع مركزي بالنسبة لأجهزة الاستخبارات الأجنبية التي تتطلع إلى جعله يتخذ قرارات لصالحها بما في ذلك المعدات العسكرية والقرارات المادية بشأن التمويل.”، مضيفاً، “يجب النظر إلى كل ذلك من منظور مكافحة التجسس.” (ولم يستجب مكتب التحقيقات الفيدرالي لطلب للتعليق على ذلك).
وبما أن الجواسيس يعملون تحت غطاء دبلوماسي، فإن السفارات تشكل هدفاً جذاباً لأجهزة الاستخبارات. وشرح ضباط عمليات سابقون في وكالة المخابرات المركزية، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم، كيف تعمل مثل هذه الآليات من التجنيد الاستخباراتي. حيث تبدأ بطلبات صغيرة – غالباً للحصول على معلومات ليست معلنة، ولكن ليست بالضرورة سرية – من أجل تحديد ما يسمى “الاستجابة للمهام”، أو الاستعداد لجمع المعلومات الاستخبارية نيابة عنهم. وبمجرد الانتهاء من تأسيس خطوة الاستجابة، تبلغ سلسلة من المهام الخطيرة بشكل متزايد ذروتها في “الدفع الفوري”، أو الرشوة، مما يعزز الطبيعة غير المشروعة للعلاقة ويمكن استخدامها كابتزاز.
وتصف لائحة الاتهام اجتماع منينديز مع رجل الأعمال المصري وائل حنا، حيث قام في وقت لاحق من ذلك اليوم بطلب الحصول على معلومات “غير معلنة” من وزارة الخارجية فيما يتعلق بعدد وجنسية الأشخاص العاملين في السفارة الأمريكية في القاهرة. وتم نقل هذه المعلومات لاحقاً إلى من تصفه لائحة الاتهام بأنه “مسؤول حكومي مصري”. وفي قضية أخرى، وفقا للائحة الاتهام، قامت نادين زوجة منينديز، التي كانت آنذاك صديقته، بتمرير طلب من مسؤولي الحكومة المصرية إلى السيناتور. ومن خلال حنا، تم تقديم منينديز إلى مسؤولي المخابرات المصرية والجيش المصري تحت عنوان رعاية زيادة المساعدات الغذائية الأمريكية لمصر.
وعلى الرغم من أنها ليست سرية، فإن المعلومات المتعلقة بالموظفين في السفارة الأمريكية في القاهرة موصوفة في لائحة الاتهام بأنها “حساسة للغاية لأنها يمكن أن تشكل مخاوف أمنية تشغيلية كبيرة إذا تم الكشف عنها لحكومة أجنبية أو إذا تم نشرها على الملأ”. ومن دون إخطار موظفيه الشخصيين، أو موظفي لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، التي كان يرأسها في ذلك الوقت، أو وزارة الخارجية، يُزعم أن منينديز نقل معلومات تفصيلياة عن موظفي السفارة إلى نادين، التي أحالت الرسالة إلى حنا، الذي أحالها بدوره إلى مسئول مصري.
وأبلغ بن رودس، أحد كبار المساعدين السابقين في البيت الأبيض في عهد الرئيس باراك أوباما، ذي إنترسيبت عبر البريد الإلكتروني أن: ” منينديز، بصفته رئيساً للمجلس الأعلى للأبحاث، كان يعلم بالتأكيد أنه لا ينبغي عليه مشاركة معلومات غير علنية حول شيء حساس مثل تشكيل السفارة الأمريكية في القاهرة”، مضيفاً أنه “من المفترض أن يشرف جزئياً على سلامة دبلوماسيينا في الخارج!”
تجنيد مصدر للاستخبارات
ويتردد أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يحاول التأكد مما إذا كانت المخابرات المصرية قد لعبت دوراً في مخطط الرشوة الذي اتُّهم به منينديز. ونفى محامي حنا، لاري لوستبيرج، أن يكون حنا مرتبطاً بالمخابرات المصرية، وأكد أن حنا ونادين منينديز صديقان منذ سنوات. (ولم تستجب نادين منينديز لطلب للتعليق على ذلك).
أما بالنسبة لمسؤولي المخابرات الأمريكية السابقين الذين تحدثوا مع ذي إنترسيبت، فإن الأحداث الموصوفة في لائحة الاتهام تحمل بصمات محاولة تجنيد مصدر استخباراتي. وقال فان لاندينجهام، المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية: “كمحلل، عندما تتلقى تقريراً عن مصدر بشري، فإنه يأتي مع بيان المصدر الذي يقيّم الموقع النسبي للمصدر، وموثوقيته، وإمكانية الوصول إلى المعلومات، والاستجابة للمهام، وسجل التتبع”.
وبالمثل، وصف جيمس لولر، ضابط العمليات السابق في وكالة المخابرات المركزية ورئيس مكافحة انتشار الأسلحة المتخصصة في تجنيد الجواسيس السابقين، الأحداث الواردة في لائحة الاتهام بأنها تتناسب مع نمط تجنيد المصدر.
وقال لولر لموقع ذي إنترسيبت في رسالة بعثها بالبريد الإلكتروني: “لو كنت في موقع مسؤول المخابرات في مثل هذه الحالات، فإنني سأتطلع إلى إقامة علاقة قوية مع إمكانات المهام المستقبلية (أي الاستمرار في العمل مع العنصر على المدى الطويل) ولكنني أدرك في نفس الوقتأنها قد تكون لمرة واحدة فقط”. “ومع ذلك، فنحن نتحدث عن رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ! الحديث هنا عن الوصول للمعلومات! لو كنت ضابط المخابرات المسؤول، سأكون سعيداً بالمضي في ذلك وأعتقد أنني كنت سأحصل على ترقية! وأضاف: “وهذه هي الطريقة التي كنت أقوم بها بتجنيد الأصول (الجواسيس)”.
وقال دانييل شومان، مدير السياسات في مؤسسة “ديماند بروجرس”، إن محاولات التجنيد للخارج أمر شائع. وأوضح أنه لهذا السبب، يتم تقديم إحاطات إعلامية بشكل روتيني لأعضاء الكونجرس وحتى موظفي الكونجرس حول مكافحة التجسس.
وفي إحدى الحالات المذكورة في لائحة الاتهام، سعى منينديز إلى السفر إلى مصر بشكل غير رسمي ودون إشراف من وزارة الخارجية. حيث تتعارض الرحلة في مثل هذه الظروف مع متطلبات الإبلاغ بموجب الدليل الأمني لمجلس الشيوخ.
وترسم لائحة الاتهام الفيدرالية المكونة من ثلاث تهم ضد مندينيز، والتي تم الكشف عنها يوم الجمعة، صورة دامغة للوصول إلى نظام الدفع مقابل أداء المهام مع مجموعة واسعة من الشخصيات، بدءاً من حلفاء الحكومة المصرية إلى أحد المتعاونين مع المافيا (فريد دعيبس، أحد أقطاب العقارات، والذي قيل إن لديه علاقات مع أشخاص مرتبطين بعائلة جينوفيز الإجرامية). وتم ذكر أسماء ثلاثة من شركاء العمل ونادين منينديز في الملف القانوني، الذي يدعي أن منينديز استخدم منصبه في السلطة للتأثير على التعيينات الفيدرالية وحماية صديقه القديم، فريد دعيبس، وهو مطور عقاري في نيوجيرسي، وممول، وجامع تبرعات لمنينديز منذ فترة طويلة.
وانضم حاكم ولاية نيوجيرسي فيل مورفي يوم الثلاثاء إلى زميل منينديز السيناتور عن ولاية نيوجيرسي كوري بوكر، في الدعوة إلى استقالته. وقال بوكر: “إن تفاصيل الاتهامات الموجهة ضد السيناتور منينديز ذات طبيعة اهتز فيها إيمان وثقة سكان نيوجيرسي وكذلك أولئك الذين يجب أن يعمل معهم ليكون فعالاً”. “أعتقد أن التنحّي من قِبل السيناتور منينديز الذي قضى حياته في خدمتهم هو الأفضل لهم”.
وتأتي تعليقات بوكر في أعقاب تلك التصريحات التي أدلى بها السيناتور جون فيترمان، الديمقراطي عن ولاية بنسلفانيا، وهو أول سيناتور ديمقراطي يدعو إلى استقالة منينديز. وقال فيترمان إنه سيحاول إعادة تبرعات الحملة الانتخابية من منينديز في صورة أوراق نقدية بقيمة 100 دولار معبأة في مظاريف مثل تلك التي اكتشفها المحققون الفيدراليون في منزل منينديز.
ووصفت الرئيسة الفخرية لمجلس النواب، النائبة نانسي بيلوسي، من ولاية كاليفورنيا، الاتهامات الموجهة ضد منينديز بأنها “مَهُولة” وقالت، “من المحتمل أن تكون فكرة جيدة إذا قدم استقالته”. كما دعا نائب الأغلبية في مجلس الشيوخ، ديك دوربين، وهو ديمقراطي من إلينوي، وهو ثاني أعلى مسؤول في مجلس الشيوخ، منينديز إلى التنحّي. ومع ذلك، فإن بعض المسؤولين رفيعي المستوى مثل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، ديمقراطي من نيويورك، لم يطالبوا باستقالة منينديز. وقال شومر في بيان إن منينديز “موظف عام متفاني ويناضل دائماً بقوة من أجل شعب نيوجيرسي”، مضيفاً أن منينديز له الحق في اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.
وأشار شومان، من مؤسسة ديماند بروجرس، إلى أن التساؤلات المتعلقة بالإجراءات القانونية لمنينديز منفصلة عن تلك المسائل المتعلقة بمنصبه في مجلس الشيوخ. وقال: “إن الإجراءات القانونية الواجبة هي حق قانوني، ولكن ليس من حق كل أحد أن يكون عضوا في مجلس الشيوخ”،مضيفاً، “إن عدم التواجد في مجلس الشيوخ ليس عقابا.”
ونفى منينديز الاتهامات الموجّهة له، وأكد أن الأموال التي صادرتها السلطات كانت من حساب توفيره الشخصي الذي احتفظ به لحالات الطوارئ “بسبب تاريخ عائلتي التي واجهت المصادرة في كوبا”. وقال منينديز، الذي ولد في مدينة نيويورك، إن “أولئك الذين يقفون وراء هذه الحملة لا يمكنهم ببساطة قبول أن أحد المنتمين للجيل الأول من الأمريكيين اللاتينيين الذي نشأ من بدايات متواضعة يمكن له أن يرتقي ليصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي ويخدم بشرف وتميّز”.
.
رابط المصدر: