غزل أريحي
بعد عام من موافقة الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون على الانضمام الدائم لإيران، وقّع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان وجانغ مينغ الأمين العام لمنظمة شنغهاي، في سمرقند الأوزبكية، على مذكرة تعهدات العضوية الدائمة لإيران في المنظمة.
وكتب عبد اللهيان في تغريدة على تويتر “لقد دخلنا الآن مرحلة جديدة من شتى أشكال التعاون الاقتصادي والتجاري والترانزيت والطاقة وغيرها”، مؤكدا أن الأمين العام لمنظمة شنغهاي قدم تهانيه بمناسبة انضمام إيران الدائم للمنظمة، واعتبر التوقيع على الوثيقة “تطورا هاما”.
وبعد مضي نحو 16 عاما من انضمام طهران إلى منظمة شنغهاي للتعاون كعضو مراقب، أثار توقيع إيران على مذكرة تعهدات العضوية الدائمة بالتكتّل الآسيوي تساؤلات عن جدوى الخطوة، وأثرها على تخفيف العقوبات الأميركية، والتحديات الماثلة أمام النهوض بالاقتصاد الإيراني في الفترة المقبلة.
ماذا يعني الانضمام إلى هذا التكتل الشرقي بالنسبة لطهران؟
يعتقد الباحث في الاقتصاد السياسي، مهدي خورسند، أن طهران ترى في العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي للتعاون -باعتبارها منظمة شرقية- بوابة لكسر الأحادية الغربية وموازنة علاقتها مع الدول الغربية التي تأثرت بفعل ملفها النووي، مؤكدا أن بلاده بذلت جهودا جبارة للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون منذ 2005 إلا أنها اصطدمت أكثر من مرة بجدار العقوبات الأممية حتى تم رفعها بموجب الاتفاق النووي عام 2015.
وأوضح خورسند أن طهران التحقت بالمنظمة عام 2005 كعضو مراقب وأوشكت على الانضمام إليها بشكل كامل بعد رفع العقوبات الأممية عنها، لكن فشلت محاولاتها بسبب معارضة بعض الدول الأعضاء في شنغهاي مع ضم دولة خاضعة لعقوبات أميركية واسعة، لا سيما بعد الانسحاب الأميركي عام 2018 من الاتفاق النووي.
وتمكنت الخارجية الإيرانية في نهاية المطاف من تذليل العقبات وكسب موافقة أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون على قبول عضويتها في قمة دوشنبه عام 2021، وفق خورسند الذي أكد أن بلاده عكفت منذ العام الماضي على إنجاز إجراءات العضوية وإعداد الوثائق اللازمة إلى جانب مصادقة الحكومة على لائحة الانضمام إلى شنغهاي وإرسالها إلى البرلمان لتأخذ مجراها القانوني.
ولعل الحافز الرئيسي لانضمام إيران إلى شنغهاي للتعاون، هو وجود ثالوث القوى الشرقية (روسيا والصين والهند) في المنظمة – والكلام لخورسند – وما تتمتع به هذه الدول من مكانة رفيعة على شتی الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية على مستوى العالم، مؤكدا أن بلاده قادرة على لعب دور بارز بين هذه الدول لا سيما في مجال ترانزيت السلع والتعاون الأمني والعسكري والاقتصادي.
ماذا يعني التوقيع على مذكرة تعهدات العضوية الدائمة في منظمة شنغهاي للتعاون؟
مرحلة التوقيع على مذكرة الالتزامات هي البوابة للانضمام الدائم إلى منظمة شنغهاي لكنها لا تساوي الانضمام الرسمي كعضو دائم فيها، وهي المرحلة ما قبل الأخيرة، ويفترض أن يتم الإعلان عن قبول إيران عضوا دائما في المنظمة في القمة المقبلة المزمع عقدها في الهند.
وعملية انضمام إيران كعضو دائم في منظمة شنغهاي قد بدأت منذ موافقة جميع أعضاء التكتل في قمة دوشنبه عام 2021، وأن التوقيع على مذكرة تعهدات العضوية الدائمة فيها بمثابة تفاهم لاستكمال العملية، وقد قربها خطوة أخرى للإعلان الرسمي عن ذلك.
ما المكتسبات المحتملة جراء قبول جميع دول منظمة شنغهاي عضوية إيران الدائمة في المنظمة؟
إيران تسعى لجني مكتسبات عديدة على شتى الصعد السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، مستدركا أنه في ظل الضغوط الغربية على إيران فإن بلاده تولي أهمية قصوى للجانب التجاري مع دول شنغهاي.
وعضوية طهران الدائمة في شنغهاي سوف تفتح أسواقها بوجه الإيرانيين إلى جانب تعزيز مكانتها على المستوى الدولي وتقويض الضغوط الغربية المتواصلة عليها.
وطاقات إيران في مجال الترانزيت والطاقة بأنها كبيرة جدا، وأنها سوف تحظى باهتمام دول شنغهاي، مؤكدا أن الممرات الدولية في بلاده سوف تسهّل التجارة بين دول شنغهاي من جهة، وبين الدول الأعضاء مع القارة الأفريقية ودول جنوب غرب آسيا من جهة أخرى، ناهيك عن أنها سوف تربط أسواق الدول الشرقية مثل الصين والهند بالأسواق الأوروبية.
وأشار إلى أن نحو نصف سكان العالم يقطنون دول منظمة شنغهاي التي تشكل أكثر من 20% من ناتج الاقتصاد العالمي، مشددا على أن حضور طهران رسميا إلى جانب القوى الشرقية سيعزز اقتصادها ويغنيها عن تقديم تنازلات في المفاوضات النووية من أجل تخفيف الضغوط الاقتصادية المفروضة عليها.
وعلى منصات التواصل الاجتماعي، حظيت الخطوة الإيرانية بتفاعل المغردين إذ كتب مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية، محمد صالح صدقيان، على تويتر “هذه الخطوة تساعد إيران كثيرا في التعاون مع دول المنظمة وتعطيها مجالا حيويا لدعم اقتصادها خصوصا مع الصين والهند وروسيا. الأمر الذي يجعلها تدير مفاوضاتها النووية بنوع من الاسترخاء”.
كيف أصبح واقع التجارة بين إيران والدول الأعضاء في منظمة شنغهاي حتى عشية قمة سمرقند؟
خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الإيراني (بدأ في 21 مارس/ آذار الماضي)، بلغت تجارة إيران غير النفطية مع الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون 21 مليونا و415 ألف طن بقيمة 17 مليارا و56 مليون دولار، وفق المتحدث باسم مصلحة الجمارك الإيرانية روح الله لطيفي.
وأوضح لطيفي أن تجارة بلاده غير النفطية شهدت نموا بنسبة 31% خلال الأشهر الخمسة الماضية مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الفائت، مؤكدا أن صادرات السلع الإيرانية إلى دول شنغهاي بلغت 17 مليونا و381 ألف طن بقيمة 9 مليارات و78 مليون دولار، مسجلة ارتفاعا بنسبة 10% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
وتابع المتحدث باسم مصلحة الجمارك الإيرانية أن الصين (6 مليارات و722 مليون دولار) والهند (729 مليون دولار) وأفغانستان (641 مليون دولار) وباكستان (475 مليون دولار) وروسيا (291 مليون دولار)، تتصدر سلم مستوردي البضائع الإيرانية خلال الأشهر الخمسة الماضية.
كما أن كل من الصين (5 مليارات و518 مليون دولار) والهند (مليار و159 مليون دولار) وروسيا (715 مليون دولار) وباكستان (430 مليون دولار) وكازاخستان (أكثر من 78 مليون دولار)، احتلت الدول الخمس الأوائل بين من مصدري السلع إلى إيران وفق لطيفي.
كيف ستستفيد إيران من الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتخفيف من آثار العقوبات الغربية؟
يقرأ الباحث في العلاقات الدولية، فرزاد رمضاني بونش، انضمام بلاده إلى المنظمة الآسيوية في إطار دبلوماسية الجوار والتوجه شرقا من أجل عدم ربط الاقتصاد الوطني ومعيشة المواطن بالعلاقة مع الدول الغربية، مضيفا أن الحكومة الإيرانية الحالية تبذل اهتماما بالغا بتطوير علاقاتها مع قطبي منظمة شنغهاي الصين وروسيا، وقد وقّعت العديد من المعاهدات معهما خلال العام الماضي.
ويرى بونش في الضغوط الغربية والأميركية على كل من إيران وروسيا والصين عاملا مشتركا يقرب هذه الدول ويحثها على تطوير علاقاتها التجارية والمالية؛ ما يساهم في التفافها على العقوبات وتخفيف آثارها على الدول المنضوية في المنظمة.
وخلص الباحث الإيراني إلى أن انضمام بلاده إلى شنغهاي للتعاون سوف يفتح أمامها آفاقا اقتصادية وتجارية كبيرة، “فضلا عن إفشال المخططات الغربية الرامية إلى عزل طهران والضغط عليها”، مؤكدا أن أسواق فائض الطاقة الإيرانية وعودة عائداتها إلى طهران من الأمور التي ستكون مضمونة في منظمة شنغهاي، وسوف تفشل العقوبات المفروضة على صادرات النفط الإيراني ومبادلاتها المالية.
وكان مساعد وزير الخارجية الإيراني لشؤون الدبلوماسية الاقتصادية مهدي صفري، قد أعلن في يونيو/حزيران الماضي أن بلاده اقترحت رسميا على منظمة شنغهاي للتعاون، اعتماد عملة موحدة للمبادلات المالية بين الدول الأعضاء، مضيفا أنه في حال تنفيذ المقترح فبإمكان ذلك تسهيل التجارة بين الدول الأعضاء.
الالتزامات المطلوبة من إيران للانضمام الدائم إلى منظمة شنغهاي
قال بونش إن الخارجية الإيرانية أكدت قبيل مغادرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سمرقند الأوزبكية من أجل المشاركة في قمة شنغهاي للتعاون، أنها أعدت ما بين 400 إلى 500 عقد ووثيقة في سياق التعهدات والالتزامات التي ينبغي تنفيذها للعضوية الدائمة في المنظمة.
وأضاف الباحث الإيراني، أنه لا توجد معلومات إضافية عن الوثائق والالتزامات المطلوب من إيران تنفيذها، لكن لا شك أن جلها تشمل أمورا بروتوكولية، في حين تحدثت بعض المصادر عن ضرورة رفع العقوبات الأممية، والمصادقة على القوانين الدولية مثل القوانين المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، والتزامات أخرى كالانضمام إلى المنتدى الاقتصادي الأوراسي، والدخول في التجارة الحرة مع الدول الخمس الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون.
ما التحديات الحقيقية أمام ازدهار التعاون الاقتصادي الإيراني مع دول شنغهاي للتعاون؟
يرى الباحث في العلاقات الدولية، إسماعيل مختاري، في العقوبات الغربية المفروضة على طهران بسبب ملفها النووي وبرنامجها الصاروخي وسياساتها الإقليمية تحديا أمام التعاون التجاري بين إيران والدول الأخرى، مؤكدا أن عدم مصادقة طهران على قوانين مجموعة العمل المالي “فاتف” المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب سوف تجعل من الاستثمار في إيران والتبادل التجاري والمالي معها مجازفة.
ونقلت صحيفة “ستارة صبح” عن مختاري قوله إن أغلب الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون لديها علاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتريد علاقات اقتصادية سليمة وهادئة مع الدول الأخرى؛ ما يعني أن عدم رفع العقوبات عن طهران وعدم مصادقتها على قوانين (فاتف) سوف يؤثر سلبا على علاقاتها الاقتصادية مع الدول الأخرى ومنها أعضاء شنغهاي للتعاون.
وتأسست منظمة شنغهاي للتعاون عام 2001 بحضور الصين وروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان وكازاخستان وقرغيزستان، ثم انضمت إليها الهند وباكستان عام 2017، كما أن أفغانستان وبيلاروسيا ومنغوليا تشغل صفة مراقب في المنظمة، في حين تعتبر كل من تركيا وأذربيجان وأرمينيا وكمبوديا ونيبال وسريلانكا شركاء الحوار للمنظمة.
.
رابط المصدر: