خالد عكاشة
استضاف معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى وزير الدفاع الإسرائيلي بينى جانتس، منتصف الشهر الماضي في منتدى سياسي افتراضي ليشارك المركز البحثي الشهير رؤيته حول أربع موضوعات رئيسية، وهي: العمليات الفلسطينية الأخيرة التي سماها الوزير الهجمات الإرهابية، والمحادثات النووية الإيرانية، وحرب أوكرانيا، وتوسيع التعاون مع بعض دول المنطقة. أهمية هذا الحوار أنه يمثل اطلالة على الفكر والخطط الاستراتيجية لدولة إسرائيل حيث يتمتع جانتس بعلاقات وطيدة مع النخبة السياسية والعسكرية الأمريكية وبالمقابل هو محل ثقة واشنطن، ربما بأكثر من آخرين من أعضاء الائتلاف الحاكم الآن، الذي يمثل جانتس أحد أعمدته الرئيسية من خلال زعامته لـحزب أزرق أبيض.
القضية الفلسطينية
دخل الوزير الإسرائيلي مباشرة في رسم إطار عام؛ محددا أن إسرائيل منخرطة الآن في مواجهة خمس تحديات استراتيجية، اثنان منها محليان يتعلقان بنسيج المجتمع الإسرائيلي والبنية التحتية لإسرائيل، واستأذن محدثه بأنه لن يتطرق إلى التحديات الداخلية التي تعترضهم، في الوقت الذي ركز على التحديات الخارجية الثلاثة التي يعتقد أنه عليهم مواجهتها. يرى جانتس فيما يتعلق بالساحة الدولية، فإن مكانة إسرائيل العالمية وعلاقاتها الدولية تحمل تحديات وفرصا على حد سواء. فهو بحسب تقديره ثمة رابط فريد يجمع العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، فعدد الزيارات بينهما والدعم الذي تحصل عليه إسرائيل من واشنطن لا يضاهى. ومنه انتقل لأهمية تمتين وتوطيد إسرائيل لعلاقاتها بجيرانها في المنطقة، الذي يجده الوزير جانتس يقع بين توجهين، الإيجابي يقوم بشكل أساسي على اتفاقي السلام مع مصر والأردن، بالإضافة إلى الاتفاقات الموقعة مع البحرين والإمارات والمغرب، وهناك علاقات جيدة تجمعهم بدول أخرى، حتى لو لم يوقعوا معاهدات رسمية معها. أما التوجه الثاني، فهو جهود الفلسطينيين لتجريد إسرائيل من شرعيتها، سواء من خلال حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، أو الضغوط التي يمارسها المجتمع الدولي على إسرائيل بسبب القضية الفلسطينية. وللمرة الأولى ربما؛ يفصح الوزير الإسرائيلي عن رؤية ما للتعامل مع القضية الفلسطينية، باعتباره أكد حتمية ايجاد طرق للتعايش مع الفلسطينيين، وذكر هذا في أطار ما سماه وضعا يضم كيانين مقابل العبارة القديمة بحسب تعبيره حل الدولتين. ووضع جانتس لهذا التصور بعض الملامح التي مازالت غائمة ربما، لكنها تعكس ما يتصور هو أنه يصنع فارقا ما. فهو يتحدث عن غزة معتبرا أن هناك تغييرا طرأ على سياسة إسرائيل منذ عملية “حارس الأسوار” قبل نحو عام، فهو يعتمد سياسة متشددة جدا على صعيد الأنشطة العسكرية، لكنه يرى أنهم منفتحون للغاية بالنسبة للأنشطة الإنسانية والاقتصادية، باعتبار أن هناك حوالي 12 ألف عامل تقريبا يدخلون إسرائيل من غزة، وهذا يوفر معونة اقتصادية كبيرة للقطاع. ويذكر الوزير المخول له سلطة السماح بهذا الأمر، أن ذلك يشكل تحديا كبيرا من الناحية العملياتية، لكنه يرى أن الأوضاع هادئة جدا حاليا. كما يحذر من أن ذلك قد يتغير بين ساعة وأخرى في حال تغير الوضع القائم، كون إسرائيل تشهد الآن أوقاتا حساسة للغاية. وفيما يخص السلطة الفلسطينية وما تبقى من الضفة الغربية هكذا عبر عنها بالنص، يرى وزير الدفاع وهو المسؤول الإسرائيلي الأبرز الذي قابل الرئيس محمود عباس في رام الله، أن هناك ضرورة لتمتين الروابط مع السلطة على جميع المستويات، ويرى أهمية كبيرة للتعاون الأمني معها حتى تتعزز تدابير بناء الثقة بينهما.
ويصر وزير الدفاع الإسرائيلي؛ على أن هناك فجوة هائلة بين «حل الدولتين» فهي جملة قديمة من جهة، تتعارض مع رؤية بعيدة جدا من جهة أخرى. أسلوب التعبير قد يبدو معقد للغاية، لكن جانتس يرى أن الحل الوسط الذي يسعى للعمل عليه هو مرجع أفضل للفلسطينيين وللإسرائيليين، تلك الرؤية تضع للجانب الإسرائيلي ضمانة الأمن وللفلسطينيين قضية تطوير الاقتصاد، الذي لن يكتمل ويتحقق إلا بمفهوم الحوكمة قدر الامكان. وهو بالطبع لم يترك الحديث ليمضي دون أن يركز على الأنشطة التي سماها الإرهابية التي تواجهها إسرائيل مؤخرا، فحتى وقت هذا اللقاء من الشهر الماضي كان هناك فيما ذكره أن 14 إسرائيليا لقوا حتفهم، لكنه أكد نجاحهم في منع عشرات الهجمات عبر استخدام قواته مثلث الأنشطة الاستخباراتية، أي الهجوم المرتبط بالأنشطة الاستخباراتية لكي تتوخى أقصى درجات الدقة والتحديد الممكنة، من خلال اعتراض ما يجب اعتراضه كي يترك الآخرين يعيشون قدر الإمكان. وحدد الوزير أنه يستخدم التدابير الدفاعية، ويسعى إلى الفصل قدر الإمكان بين الفلسطينيين الذين يحاربهم الجيش الإسرائيلي وبين عامة الناس، من دون أن يأتي على ذكر المستوطنين وتيارات اليمين المتطرف الذين باتوا يشكلون عامل ضغط داخلي هائل، على المجتمع الإسرائيلي وعلى خطط وأداء الحكومة فيما تواجهه من تحديات أمنية.
ويرى جانتس أن عدم اليقين لإمكانية تطور الأحداث، هي السمة الغالبة في المرحلة الراهنة، فوفق تقديره يرى أن الوضع قد يتفاقم ويتحول إلى حملة واسعة النطاق في غزة، أو التمدد لبعض الأحداث في لبنان، فقد قرر لمستمعيه أنهم يعيشون كل يوم بيومه، ومن الصعب جدا التنبؤ بما سيحمله المستقبل. وإن ظل يؤكد أهمية إدانة السلطة الفلسطينية للنشاط الإرهابي، باعتباره ينتهج مع السلطة مسارا جديدا فيما يتعلق بالاستيطان وعمليات البناء، بالانتقال من النزاع حول الطرف الذي لن يعيش في المنطقة إلى كيفية العيش فيها معا. لافتا أنه تسلم منصبه منذ عامين تقريبا وافق خلالهما على بناء آلاف المنازل للإسرائيليين والفلسطينيين، كي يتمكنا من عيش حياة طبيعية. هذا عن رؤيته للقضية الفلسطينية.
أولويات ومحاور استراتيجية
في جزء رئيسي ومهم من حديث وزير الدفاع الإسرائيلي، أفسح المركز البحثي المجال أمامه لاستعراض أهم القضايا، التي يرى أنها تمثل المحاور الاستراتيجية لخرائط العمل الإسرائيلية في المستقبل المنظور. تمثلت كما طرحها بينى جانتس وأسماها التحديات الاستراتيجية في المحادثات النووية الإيرانية، وحرب أوكرانيا، وتوسيع التعاون مع بعض دول المنطقة مستقبلا. في البداية مع الحالة الإيرانية؛ ذكر أنه يؤكد رؤية سابقة لم تتغير، بأن إيران تشكل تحديا عالميا وإقليميا، كما أنها تطرح تهديدا لدولة إسرائيل. وقد نقل لمستمعيه أن التقديرات الرسمية الإسرائيلية مدركة أن الجمهورية الإسلامية تواصل تخصيب اليورانيوم، ولقد اقتربت كثيرا من نسبة نقاء 90%، ويبقى أمامها أسابيع قليلة تفصلها عن بلوغ هذا الهدف. لذلك تتابع إسرائيل عن كثب سعى الأطراف كافة إلى التوصل إلى اتفاق معها بشأن هذه المسألة، ويقول الكثيرون لهم إنه من الأفضل أن نجعل الإيرانيين يتراجعون قليلا عن المستوى الذي بلغوه حاليا.
هذا يجعل إسرائيل ترى أن فترة ما بعد الاتفاق ستشكل وضعا مختلفا تماما، على صعيد أنشطة إيران في المنطقة، إذ سيوفر الاتفاق الكثير من الأموال للإيرانيين، وذلك قد يؤثر سلبا على كافة أنشطة تمددها الإقليمية نظرا إلى توافر هذه الأموال. لذا حدد وزير الدفاع أنه لا يحبذ التوصل إلى اتفاق ضعيف في إطار محاولة حل مشكلة كبيرة، وفى حال تمكنت الأطراف الدولية من التوصل إلى اتفاق، يجب أن يكون متينا وأن يسد الثغرات كافة، على غرار بند انقضاء الوقت والرؤوس الصاروخية الحربية، وغيرها. كما لم يستبعد احتمالية عدم الوصول إلى اتفاق، بل ويؤكد ضرورة عدم استبعاد هذه الفرضية التي يلزم حينها، النظر إلى اللجوء إلى الضغوط الاقتصادية والتعاون الاستخباراتي والضغوط الدبلوماسية، وقد يكون من المهم إبراز القوة الكاسحة في أنشطة مكافحة الإرهاب في المنطقة. فإيران تظل تمثل لإسرائيل والمنطقة من وجهة نظره تهديدا عملياتيا، وهو يوجه إلى الاستعداد للتعامل معها كحزمة واحدة، على صعيد القضية النووية، وعلى صعيد الدولة. كما يعتقد أنه يجب مواصلة العمل ضد الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس، فهما كما يراهما أكبر مصدر للإرهاب في العالم ويجب التعامل معهما على هذا الأساس.
وفيما يتعلق بالأزمة الروسية الأوكرانية؛ حدد وزير الدفاع جانتس أن إسرائيل تقف مع الغرب، وتسعى إلى نهاية سريعة للحرب. كما هناك التزام بتقديم المساعدات الإنسانية مع المحافظة على جهود الوساطة والتواصل مع كل من أوكرانيا وروسيا. فمن وجهة نظر إسرائيل تتمحور العبرة الرئيسية من تلك الأزمة حول جانبين، أولا ترى إسرائيل درجة الحذر الذي يتعاطى به العالم الغربي مع روسيا، فهو يستخدم الضغوط الاقتصادية والسياسية وغيرها، لكنه يتوخى الحذر تماما بالنسبة إلى الخيارات العسكرية. وهذا لأن الأمر متعلق بواقع أن روسيا هي قوة نووية عظمى، لذا تختلف الحسابات نوعا ما عندما تواجه تحديا مماثلا، وبالتالي يجب منع إيران من تحقيق التقدم في هذا المجال. صحيح قد تبدو هذه الآراء دولية كما حدد بينى جانتس، ولكنها برأيه إقليمية وحتما إسرائيلية. العبرة الثانية التي تراها إسرائيل ماثلة أمامها من أزمة أوكرانيا، هي درس نهاية المطاف الذي ستضطر فيه إلى حل مشاكلك الخاصة، حينما لن يهب أحد للمساعدة، فإسرائيل كما ترى نفسها لم تطلب من أحد قط المحاربة نيابة عنها لذلك فعليها اتخاذ الإجراءات الخاصة بشأن المسألة برمتها.
في معرض اجابات وزير الدفاع الإسرائيلي عن بعض من الأسئلة التي طرحت عليه، ذكر عديد من النقاط المهمة، لعل أبرزها أن الجيش الإسرائيلي يرصد تغييرات روسية تجرى في سوريا لكنه ليس متأكدا من ارتباطها بالمسألة الأوكرانية. كما أفصح بأن اهتمام إسرائيل الرئيسي في سوريا؛ ينصب على عمليات نقل الأسلحة التي تجرى عبرها، وأنشطة القواعد العسكرية الإيرانية الموجودة هناك. مقررا بأنهم مكلفون من الحكومة بالتصدي للأمر منذ عدة سنوات، وسيواصل الجيش القيام بذلك، حيث لا يرى حتى الآن فرقا كبيرا فيما يتم القيام به هناك من حيث السياسة الروسية.
وقد وجه المدير ساتلوف للوزير سؤالا أخير يتعلق ببعض الانتقادات، حيث اتهمها البعض بعدم إظهار الدعم الكافي لأوكرانيا، وعدم إنفاذها بشكل كاف العقوبات المفروضة على روسيا أو انضمامها إلى ما ذهب إليه المعسكر الغربي. وقد أجاب جانتس بقوله إنه يسمع الانتقاد ولا يقبل به، فإسرائيل بلد صغير لديه الكثير من العوامل التي يتعين أخذها في الحسبان، هي انضمت إلى الغرب والولايات المتحدة في إدانة العدوان الروسي، كما قدمت أيضا مئات الأطنان من الدعم الإنساني إلى جانب الدعم الطبي. لكنه وفى تعليق أخير دال قال إن عمليا إسرائيل تتشارك حدودا جوية مع روسيا فوق أجواء سوريا ولبنان، لذلك فهو يعتقد أنها تتصرف بشكل صحيح.
.
رابط المصدر: