رؤى هاريس وترامب حول الحرب على غزة: تأملات وتباينات

يظل اتجاه السياسة الأمريكية نحو إسرائيل ثابتًا بشكل عام، حيث تشترك الإدارات المتعاقبة في دعمها الثابت لأمن إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها. ويعبر عن هذا التوجه المشترك -الذي يعكس التزامًا عميقًا ومستدامًا أمريكيًا تجاه إسرائيل- كل من الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة. لكن يتباين النهج بين الديمقراطيين والجمهوريين حسب الاعتبارات الداخلية الحزبية وأولويات القرارات وفقًا لرؤى الحزبين. ويتجلى ذلك في موقفي نائبة الرئيس كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترامب، المرشحين الحاليين لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في الانتخابات المرتقب عقدها في نوفمبر 2024. حيث تتبنى كامالا هاريس نهجًا يهدف إلى تحقيق توازن دقيق بين دعم أمن إسرائيل والاهتمام بالوضع الإنساني في غزة، فهي تركز على أهمية تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين وتعزيز الجهود الدبلوماسية لتهدئة التصعيد، مع الحفاظ على التزامها الثابت بأمن إسرائيل. علاوة على ذلك، تسعى هاريس لتحقيق تقدم في إعادة إعمار غزة وتعزيز الحكم الفلسطيني، مما يعكس اهتمامها بالجوانب الإنسانية والسياسية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني حاليًا ومستقبلًا.

في المقابل، يبرز دونالد ترامب كمناصر وداعم قوي لإسرائيل، مع سجل حافل من السياسات والآليات المؤيدة لها، مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان والعديد من السياسات الأخرى التي تمت في عهده، وتعهداته بإنهاء الصراع إذا انتُخب مجددًا. في حين تفتقر رؤيته إلى تفاصيل واضحة حول استراتيجيات التعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مستقبلًا.

في إطار ما سبق، يسعى التقرير إلى تسليط الضوء على وجهة نظر كل من المرشحين لمنصب الرئيس الأمريكي، هاريس وترامب، في الحرب على غزة وتصوراتهما لمستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتأثير سياستهما المرتقبة على السلام في الشرق الأوسط على النحو التالي:

أولًا: المواقف الحالية المتباينة لكل من هاريس وترامب من الحرب الجارية في قطاع غزة:

الموقف من الحرب بين حماس وإسرائيل في غزة:

هاريس: أظهرت كامالا هاريس تعاطفًا ملحوظًا تجاه الوضع الإنساني في غزة، معربة عن قلقها العميق حيال المعاناة التي يواجهها المدنيون الفلسطينيون. في خطابها بتاريخ 3 مارس 2024، وصفت الظروف في غزة بأنها “غير إنسانية”، مشيرةً إلى أن العديد من المدنيين فقدوا حياتهم في الحرب. يعكس هذا التصريح اهتمام هاريس بتسليط الضوء على الأبعاد الإنسانية للحرب وتعزيز الجهود الدولية لتخفيف معاناة السكان في غزة.

كما أكدت هاريس في أغسطس 2024، خلال خطابها في أريزونا، على ضرورة التحرك العاجل لإبرام صفقة لوقف إطلاق النار، مشددةً على أن الوقت قد حان لوضع حد للتصعيد وإطلاق سراح الرهائن. جاءت تصريحاتها في سياق تصاعد الضغوط الدولية والمحلية لإنهاء الحرب، مما يعكس حرصها على التوصل إلى حل فوري للأزمة الحالية وإحراز تقدم نحو تحقيق وقف إطلاق النار.

ترامب: يُظهر دونالد ترامب دعمًا مطلقًا لإسرائيل في الحرب الجارية على قطاع غزة، مع التركيز الشديد على تعزيز الإجراءات العسكرية دون اهتمام كبير بالمسائل الإنسانية أو البحث عن حلول دبلوماسية، يبتعد ترامب عن استئناف جهود السلام أو العودة إلى المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. بينما ينتقد الوضع الحالي في غزة والسياسات المتبعة ولا يقدم بدائل أو استراتيجيات دبلوماسية للتعامل مع الوضع الحالي، مما يُظهر نقصًا في الرؤية المتكاملة لتحقيق السلام.

وبشكل مستمر، يوجه ترامب انتقادات حادة للإدارة الحالية حول طريقة تعاملها مع الصراع، معبرًا عن اعتقاده بأن سياسته كانت ستؤدي إلى نتائج أكثر إيجابية لإسرائيل. ويعكس هذا النقد دعمه الثابت لإجراءات أكثر صرامة ضد الفلسطينيين، مما يعزز موقفه كداعم رئيسي لإسرائيل دون تقديم حلول دبلوماسية فعالة وطويلة الأمد للصراع.

الموقف من إسرائيل:

هاريس: رغم تعاطفها مع الفلسطينيين، أكدت هاريس على التزامها الثابت بدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وذلك على الرغم من انتقاداتها للوضع الإنساني في غزة، حيث صرحت بأن موقفها بشأن حق إسرائيل في حماية أمنها لم يتغير، وهي والرئيس جو بايدن، ملتزمان “بأمن إسرائيل”، وهذا الموقف يعكس التزامها الثابت بسياسة الولايات المتحدة التقليدية في دعم إسرائيل، حتى في ظل انتقاداتها للجانب الإنساني للصراع.

كما يجدر الإشارة إلى أن هاريس تدعم استمرارية الدعم العسكري لإسرائيل، ففي أغسطس 2024، أشار مستشار الأمن القومي فيل غوردون إلى أن هاريس لا تدعم فرض حظر على الأسلحة على إسرائيل، ويعكس هذا الموقف استمرارية الدعم العسكري لإسرائيل من قبل إدارة بايدن، ويظهر عدم رغبة هاريس في تبني سياسات قد تؤدي إلى تقليص الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل في ظل الحرب.

لكن من ناحية أخرى، انتقدت هاريس السياسات السابقة المتعلقة بالانتقائية في الدعم الأمريكي وضرورة محاسبة الحكومة الإسرائيلية على انتهاكاتها، ودعت إلى تطبيق القوانين الأمريكية التي تحكم المساعدات العسكرية بما يتماشى مع احترام حقوق الإنسان، مما قد يعكس رغبتها في تحقيق توازن بين الدعم العسكري لإسرائيل والاعتبارات الإنسانية لقطاع غزة.

ترامب: كان ترامب أحد أقوى مؤيدي إسرائيل خلال فترة رئاسته، فقد قام في مايو 2018 بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وهو قرار أثار جدلًا واسعًا دوليًا. كما اعترف في مارس 2019 بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، وهو تصرف اعتبره الفلسطينيون والقانونيون الدوليون غير قانوني ويعزز الاحتلال الإسرائيلي. بالإضافة إلى ذلك، قطع ترامب التمويل لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في عام 2018، مما قلل من الدعم الدولي للاجئين الفلسطينيين وأضعف قدرتهم على الحصول على المساعدات.

وبعد العملية العسكرية التي شنتها المقاومة الفلسطينية حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، ادعى ترامب أنه لو كان هو الرئيس، لما كانت هذه الهجمات قد حدثت. وقد وعد ترامب أنه إذا أعيد انتخابه، بإنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس. ومع ذلك، لم يقدم ترامب خطة واضحة للتعامل مع الحرب، وبدلًا من ذلك، ألقى باللوم على الإدارة الحالية وأعرب عن دعمه لإجراءات أكثر صرامة ضد الفلسطينيين.

وكما سبق ذكره؛ أكد ترامب على أهمية تحقيق نصر عسكري سريع لإسرائيل في مواجهة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى، ويعكس هذا الموقف التزامه الثابت بتقديم دعم عسكري لإسرائيل، مع تجاهل تقديم استراتيجيات دبلوماسية لإنهاء الحرب بشكل سلمي أو مراعاة الاعتبارات الإنسانية.

رؤية اليوم التالي:

هاريس: أبدت اهتمامًا بخطط إعادة الإعمار في غزة لما بعد الحرب، مشددة على أهمية التخطيط لـ “اليوم التالي” بعد وقف العمليات العسكرية في القطاع. في ديسمبر 2023، خلال مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في دبي، قدمت هاريس مقترحات حول إعادة الإعمار في غزة، وأكدت على ضرورة تخصيص موارد كبيرة لإعادة بناء غزة، وتعزيز قوات الأمن الفلسطينية لمكافحة التهديدات الإرهابية، وإحياء السلطة الفلسطينية لتكون قادرة على الحكم في كل من الضفة الغربية وغزة. هذا المقترح يُظهر استعداد هاريس للنظر في الحلول طويلة الأمد وتحقيق الاستقرار في المنطقة بعد انتهاء الحرب، كما تغلب على مقترحاتها الطابع الدبلوماسي والسياسي في حل الأزمة بين إسرائيل والفلسطينيين.

ترامب: يمكن وصف رؤية ترامب لليوم التالي للحرب بأنها غير محددة وغامضة، حيث لم يقدم ترامب خطة واضحة أو استراتيجية محددة للتعامل مع المرحلة التالية من الحرب. وعلى الرغم من دعمه القوي لإسرائيل وإعلانه عن نيته لإنهاء الحرب إذا أعيد انتخابه، فإن رؤيته تفتقر إلى تفاصيل دقيقة حول كيفية التعامل مع قضايا ما بعد الحرب مثل إعادة الإعمار، وشكل الأراضي الفلسطينية، أو تحقيق تسوية طويلة الأمد.

ويبدو أن التركيز الأساسي في رؤية ترامب ينصب على دعم إسرائيل بلا تحفظ وتجنب الضغوط عليها، مع قلة الاهتمام بالتفاصيل العملية أو الدبلوماسية المتعلقة بالمرحلة التالية بعد النزاع. وهو ما يؤدي إلى غموض في كيفية معالجة القضايا الإنسانية والسياسية التي ستنشأ بعد انتهاء الحرب، ويعكس نقصًا في الاستراتيجية المتكاملة لديه للتعامل مع التحديات المستقبلية في المنطقة.

ولذلك يمكن القول إن موقف هاريس من الحرب على قطاع غزة يغلب عليه الطابع الإنساني والتعاطف مع المدنيين في قطاع غزة، مع التأكيد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وعلى استمرار الدعم العسكري لها بشكل متوازن ومعتدل مع مراعاة الجانب الإنساني في قطاع غزة. ومن المرتقب أن تكون سياسات هاريس في حال فوزها في المستقبل ليست بعيدة عن السياسات الحالية للرئيس جو بايدن، لكن يبدو أنها ستتسم بمزيد من التعاطف مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وذلك لاعتبارات شخصية بين كل من هاريس وبايدن.

بينما يعكس موقف ترامب من الحرب على غزة استمراره في دعم إسرائيل بلا تحفظ ورفضه للمواقف المتعاطفة تجاه الفلسطينيين، ورغم أن ترامب لا يقدم خطة واضحة لمواجهة الحرب، فإن سياسته تنحاز بشكل كبير إلى جانب إسرائيل وتتجنب تقديم أي حلول دبلوماسية حقيقية، تؤدي في النهاية إلى حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

ثانيًا: تصورات ترامب وهاريس المستقبلية للتعامل مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني: 

ا. رؤية ترامب:

تتسم سياسات دونالد ترامب في مجال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بتوجهات مثيرة للجدل، تتباين بشكل كبير مع سياسات الإدارات السابقة، بما في ذلك إدارة بايدن الحالية. فخلال فترة رئاسته الأولى، وإذا فاز ترامب بولاية ثانية، من المتوقع أن يواصل هذا الاتجاه، مما يثير تساؤلات حول كيفية تعامله مع الوضع الحالي في غزة والصراع المستمر. ويمكن تناول سياساته المستقبلية فيما يلي:

دعم غير مشروط لإسرائيل: يرى ترامب دعم إسرائيل أحد أعمدة سياسته الخارجية. خلال فترته الرئاسية الأولى، اتخذ قرارات بارزة مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بضم مرتفعات الجولان. إذا عاد إلى الرئاسة، فمن المحتمل أن يستمر في تقديم هذا الدعم غير المشروط لإسرائيل. هذا يعني أن الولايات المتحدة في عهده قد توفر المزيد من المساعدات العسكرية والاقتصادية، وكذلك الدعم السياسي الدولي لإسرائيل. هذا الدعم يشمل تأييد السياسات الإسرائيلية على الساحة الدولية ورفض الضغوط التي قد تفرضها الأمم المتحدة أو الدول الأخرى على إسرائيل.

تفادي الضغوط على إسرائيل: يميل ترامب إلى تجنّب الضغط على إسرائيل للقيام بتنازلات أو الانخراط في مفاوضات سلام مع الفلسطينيين. على عكس بايدن، الذي قد يدفع إسرائيل لتكون أكثر دقة في ضرباتها العسكرية ويضغط على نتنياهو لتقديم تنازلات سياسية، قد يفضل ترامب تفادي هذه الضغوط. وقد يعني ذلك أنه قد يدعم العمليات العسكرية الإسرائيلية دون التدخل في كيفية إدارتها أو مطالبتها باتخاذ خطوات نحو تسوية سلمية.

تجاهل القيادة الفلسطينية: خلال فترة ولايته الأولى، اتخذ ترامب خطوات عديدة تجاهل فيها القيادة الفلسطينية، مثل اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل وإيقاف التمويل الأمريكي للوكالة الفلسطينية. وإذا عاد إلى الرئاسة، فمن المحتمل أن يستمر في هذه السياسة، ما يعني أنه قد يتجاهل أو يقاطع القيادة الفلسطينية، ولا يتعامل معها كطرف رئيسي في عملية السلام.

 دعم “صفقة القرن: وهي خطة السلام التي قدمها ترامب تهدف إلى حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال تقديم مزايا لإسرائيل مع تقديم تنازلات أقل للفلسطينيين. إذا أعيد انتخابه، فمن الممكن أن يعيد تعزيز هذه الخطة أو يعمل على تنفيذ بعض جوانبها. ومع ذلك، قد يكون هناك نقص في التفاصيل حول كيفية دفع الجانبين إلى تنفيذ هذه الخطة فعليًا، حيث أن ترامب قد يركز أكثر على دعم إسرائيل عسكريًا بدلاً من التفاوض على تفاصيل تنفيذ الخطة.

عدم التدخل المباشر في المفاوضات: قد يفضل ترامب دعم إسرائيل في صراعاتها دون التدخل المباشر في تفاصيل المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. قد يقدم المساعدة لإسرائيل في الأمور العسكرية والدفاعية، ولكنه قد يتجنب فرض ضغوط على إسرائيل للتفاوض أو التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. بدلاً من ذلك، قد يفضل أن تظل الولايات المتحدة في دور داعم غير متدخل، مما قد يساهم في استمرار الجمود في عملية السلام.

 التركيز على الأجندة الداخلية: قد يجعل ترامب دعم إسرائيل جزءًا من استراتيجيته السياسية الداخلية لتعزيز دعمه بين قاعدة ناخبيه. هذا يمكن أن يعني أن سياسته تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قد تكون مدفوعة بأهداف سياسية محلية أكثر من كونها مدفوعة برؤية استراتيجية لحل الصراع. قد يركز على استخدام الدعم لإسرائيل كوسيلة لتعزيز موقفه السياسي بدلاً من البحث عن حلول عملية للصراع.

خلاصة القول؛إذا عاد ترامب إلى الرئاسة، فسيستمر على الأرجح في تقديم دعم قوي وغير مشروط لإسرائيل، مع تجنب الضغوط على الحكومة الإسرائيلية والتعامل مع القيادة الفلسطينية بشكل أقل. قد يعزز ترامب “صفقة القرن” ولكن من غير الواضح كيف سيطبقها فعليًا. يمكن أن تكون سياسته متناقضة وتبقى غير واضحة، مع التركيز على الدعم العسكري لإسرائيل بدلاً من الحلول السياسية، مما قد يؤدي إلى استمرار الجمود في الصراع.

ب. رؤية هاريس:

في حال فوز كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ستواجه تحديات معقدة تتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والذي يُعد من أبرز القضايا على أجندة السياسة الخارجية الأمريكية. تتسم مواقف هاريس بالتوازن بين دعم حقوق إسرائيل في الدفاع عن نفسها والاهتمام بالجانب الإنساني للنزاع. ومع خلفيتها السياسية المتنوعة، يتوقع أن تتبنى هاريس نهجًا مميزًا يشمل دعم حق إسرائيل في الدفاع، والسعي لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار، والتركيز على مرحلة ما بعد الحرب أو اليوم التالي. كما ستعتمد على مهاراتها الدبلوماسية لتحقيق توازن بين الأبعاد الإنسانية والأمنية، وتنسيق استراتيجياتها مع الشركاء الدوليين. ويمكن تناول سياساتها المستقبلية في الآتي:

 الاستمرار في دعم حق إسرائيل مع التركيز على حماية المدنيين: ستستمر هاريس في تبني نهج دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الهجمات. فقد أكدت مرارًا على التزامها بأمن إسرائيل، وهو موقف يتماشى مع السياسة الأمريكية التقليدية. ومع ذلك، تُظهر هاريس اهتمامًا متزايدًا بالجانب الإنساني، حيث انتقدت بوضوح الأثر المدمر للحملة العسكرية الإسرائيلية على المدنيين الفلسطينيين. ففي خطابها في ألاباما، أظهرت قلقًا عميقًا تجاه معاناة الفلسطينيين، ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار لتأمين إطلاق سراح الرهائن وتقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة.

 السعي لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار: تسعى هاريس إلى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يتماشى مع دعمها لإسرائيل واهتمامها بمعاناة المدنيين الفلسطينيين. في تصريحاتها ومقابلاتها، دعت بوضوح إلى ضرورة وقف القتال وإيجاد حل دبلوماسي يعالج احتياجات الطرفين. هذا الموقف يعكس رغبتها في تحقيق توازن بين تأمين حقوق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وضمان حماية المدنيين الفلسطينيين، مما يدل على اهتمامها بالحلول السلمية.

التركيز على خطط اليوم التالي: قد تتخذ هاريس خطوات ملموسة نحو التخطيط لمرحلة ما بعد الصراع، وذلك وفقًا لتقديمها في ديسمبر 2023 مقترحات لإعادة إعمار غزة وتعزيز الأمن الفلسطيني. شملت اقتراحاتها تعزيز قوات الأمن الفلسطينية وإحياء السلطة الفلسطينية لتكون قادرة على إدارة المناطق المحتلة بفعالية. يعكس هذا النهج استعدادها للعمل على تحسين الأوضاع في غزة.

التوازن بين الدعم الإنساني والالتزام بالأمن الإسرائيلي: تسعى هاريس إلى الحفاظ على توازن دقيق بين دعم حقوق الفلسطينيين ومراعاة الأبعاد الأمنية لإسرائيل. ففي خطابها في دبي، وعلى الرغم من انتقادها للهجمات من قبل المقاومة الفلسطينية حماس، أكدت أيضًا على أهمية بذل إسرائيل جهودًا إضافية لحماية المدنيين الفلسطينيين. يعكس هذا التوازن سعيها لتحقيق سياسة متكاملة تأخذ بعين الاعتبار كلا الجانبين، مع التأكيد على أهمية حل النزاع بشكل يراعي الأبعاد الإنسانية.

ثالثًا: الآثار المستقبلية لسياسات هاريس وترامب على السلام في الشرق الأوسط:

إذا فازت كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فمن المتوقع أن تؤثر سياستها على العلاقات الأمريكية مع الشرق الأوسط بطرق متعددة. هاريس، بتوازنها بين دعم حقوق إسرائيل والاهتمام بالجانب الإنساني للحرب، من المتوقع أن تعمل على تعزيز العلاقات الأمريكية مع الدول العربية والفلسطينيين، وقد تساهم سياستها في تحسين صورة الولايات المتحدة كداعم للسلام والإنسانية، مما قد يساهم في تقوية الروابط مع دول المنطقة التي تسعى إلى حلول أكثر عدلاً للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وفيما يتعلق بالأمن الإقليمي، قد تؤدي سياسات هاريس إلى استقرار أكبر على المدى الطويل إذا نجحت في تنفيذ خطط إعادة الإعمار وتعزيز الحكم الفلسطيني، ومن خلال دعم جهود إعادة بناء غزة وتقديم المساعدات، قد تسهم هاريس في تقليل التوترات وتعزيز الأمن الإقليمي عبر تحسين الظروف المعيشية في القطاع. ومع ذلك، فإن موقفها الثابت في دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها قد يبقي على بعض التوترات مع الأطراف التي تعارض سياسات إسرائيل.

أما في حال إعادة انتخاب دونالد ترامب، من المرجح أن تؤدي سياساته إلى تعزيز العلاقات الأمريكية مع إسرائيل على حساب العلاقات مع الدول العربية والفلسطينيين. قد يواصل ترامب، بدعمه غير المشروط لإسرائيل، تعزيز التحالف مع الدولة العبرية. على صعيد الأمن الإقليمي، قد تسهم سياسة ترامب في استمرار حالة عدم الاستقرار في المنطقة، خاصة إذا تواصل دعم الإجراءات العسكرية الإسرائيلية دون تقديم حلول دبلوماسية. وقد يترك عدم وضوح استراتيجياته المتعلقة بالحرب الفلسطينية الإسرائيلية الصراع في حالة من الجمود، مما قد يزيد من تعقيد جهود السلام. ومن الممكن أن تعيق سياسة ترامب المتشددة تجاه الفلسطينيين وتجاهله المحتمل للقيادة الفلسطينية أي محاولة لإيجاد حل سياسي، مما قد يؤدي إلى تفاقم النزاعات وزيادة حالة عدم الاستقرار في المنطقة.

خلاصة القول؛ قد تعمل هاريس برؤيتها المتوازنة إلى حد كبير على تقديم حلول دبلوماسية تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الإنسانية والأمنية، مما قد يؤدي إلى جهود مكثفة لتحقيق وقف إطلاق النار وإعادة الإعمار. وقد تساعد خططها للتعامل مع مرحلة ما بعد الصراع في خلق بيئة أكثر استقرارًا وإمكانية لتسوية الحرب بشكل سلمي، ويمكن الاستدلال على ذلك في رغبتها في تحقيق تقدم إيجابي في هذا الصراع طويل الأمد. من ناحية أخرى، قد يؤثر ترامب، بدعمه اللامحدود لإسرائيل وتجاهله المحتمل للجانب الفلسطيني، بطريقة سلبية على فرص تحقيق تسوية سلمية. وقد تعزز سياساته من قوة إسرائيل العسكرية دون تقديم حلول سياسية واضحة، مما قد يؤدي إلى استمرار الحرب وتعقيد جهود السلام.

 

المصدر : https://marsad.ecss.com.eg/82352/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M