رئيس حكومة فرنسا الجديد، ما بين التحديات والقضايا الشائكة وإرث الحكومة السابقة

وسط مساعي الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لإعطاء زخم جديد لولايته الثانية، قبل انتخابات البرلمان الأوروبي، ودورة الالعاب الأولمبية في باريس الصيف المقبل، ومواجهة تنامي صعود اليمين المتطرف، شهدت فرنسا منذ الأسبوع الماضي زخمًا علي الساحة السياسية، باستقالة رئيسة الحكومة الفرنسية اليزابيث بورن من منصبها يوم 8 يناير الجاري استجابة لطلب الرئيس ماكرون،  وتعيين جابرييل أتال رئيسًا للحكومة، لتُشكيل حكومة فرنسية جديدة مصغرة، لكنها تواجه تحديات كبيرة، ما يدعو للتساؤل بشأن هذا التعديل الحكومي، ومن هو السياسي الشاب جابرييل أتال، وما هي ابرز التحديات التي تواجه رئيس الحكومة الفرنسية الجديدة؟.

خلفية استقالة بورن من منصبها:

قدمت رئيسة الحكومة الفرنسية إليزابيث بورن استقالتها من منصبها يوم 8 يناير الجاري بعد فترة حكم امتدت 20 شهرًا، وخلفها وزير التعليم في حكومتها، جابريال أتال، ولم يكن هذا التعديل مفاجئًا، لأنه جاء قبل تعديل وزاري مرتقب، إذ آثار ماكرون التكهنات عن إجراء هذا التعديل الحكومي في ديسمبر الماضي، من خلال الوعد بمبادرة سياسية جديدة، بعد أن شهد عام 2023 العديد من الازمات السياسية، علي خلفية عدد من الاصلاحات المثيرة للجدل لنظام التقاعد وقوانين الهجرة.

وتقدمت بورن باستقالتها إثر خلاف سياسي بشأن قانون للهجرة، كما شهدت الأشهر الأخيرة انتقادات واسعة لحكومة بورن، علي خلفية تمرير إصلاحات لم تحظي بشعبية كبيرة، لاسيما إصلاح قانون نظام المعاشات التقاعدية، الذي عارضه الكثيرون وواجه احتجاجات عنيفة، كما شهدت حكومة بورن أزمة وأعمال شغب واسعة النطاق وهي الأسوأ في فرنسا منذ عام 2005، إثر مقتل شاب مهاجر من أصل جزائري، “الشاب نائل” البالغ من العمر 17 عامًا علي يد شرطي في يونيو الماضي، كما اسفرت الانتخابات التشريعية عام 2022 عن فقدان تحالف الرئيس ماكرون للأغلبية المطلقة وانتجت برلمانًا متصدعًا، وجدير بالذكر أن بورن نجت من 30 اقتراح بحجب الثقة عنها، كما استعانت نحو 20 مرة بإجراء دستوري “المادة 49:3 من الدستور”؛ للمضي لتمرير مشروعات قوانين دون تصويت في البرلمان.

تعيين جابريال أتال وتشكيل حكومة مصغرة:

تعيين جابريال أتال؛ عين أتال البالغ من العمر 34 عامًا، ليكون بذلك أصغر رئيس للحكومة في تاريخ الجمهورية الفرنسية منذ عام 1958، وعينه ماكرون الذي يعد أصغر رؤساء الجمهورية الفرنسية حيث تولي منصبه في عمر 39 عامًا، لذا يري البعض أن رئيس الحكومة الفرنسية الجديد هو “ماكرون الصغير”، وتوجد تكهنات بخوض أتال الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2027 في مواجهة زعيمة حزب التجمع الوطني اليمني المتطرف مارين لوبان التي حلت في المركز الثاني في الانتخابات الرئاسية عامي 2017، و2022 خلف ماكرون، وتجدر الاشارة هنا إلي أن أتال عندما سُئل عن طموحاته الرئاسية، أكد أنه مهتم بعام 2024 ومنصبه الحالي وليس عام 2027.

ويعد جابريال أتال، رابع رئيس للحكومة في عهد ماكرون، بعد اليزابيث بورن، وجون كاستيكس، وإدوار فيليب، وأشار أتال إلي أن قرار تعيينه يشير للثقة الممنوحة للشباب، وتجدر الاشارة إلي تمتع أتال بشعبية كبيرة لدي الفرنسيين، وبيّن استطلاع للرأي أجري لصالح القناة الإخبارية “إل سي إي” أن 56 % من الفرنسيين ينظرون بإيجابية لتعيين أتال في منصبه الجديد، فيما جعلت استطلاعات الرأي السابقة من أتال الشخصية السياسية المفضلة لدى الفرنسيين ليحل محل رئيس الوزراء الأسبق إدوار فيليب.

صعود النجم السياسي لأتال سريعًا؛ إذ دخل أتال معترك السياسة في سن صغير عبر الحزب الاشتراكي الذي انضم له عام 2006، فهو اشتراكي سابق مثل ماكرون، وعام 2017 أنضم لحركة “إلي الأمام” التي أسسها ماكرون، ولمع نجم أتال وتدرج في المناصب بسرعة، فتدرج في العمل في عهد الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا اولاند، وبعده ماكرون حيث عمل متحدث باسم الحكومة الفرنسية، ثم وزير للأشغال العامة والحسابات العامة “الموازنة”، وبعدها وزيرًا للتربية الوطنية “وزارة التعليم”، وكان يعد أصغر وزير للتعليم في تاريخ الجمهورية الفرنسية وأصغر وزير في حكومة بورن، وكانت أول قراراته مثيرة للجدل بمنعه ارتداء العباءة في المدارس، والذي أعتبره البعض مغازلة منه لتيار اليمين المتطرف.

قراءة لأبرز ملامح الحكومة الجديدة:

بعد مشاورات مكثفة أستمرت ليومين، بين ماكرون وأتال، ومع الأحزاب السياسية الثلاث الداعمة لماكرون “النهضة والحرة الديمقراطية، وآفاق”، بالإضافة إلي الشخصيات السياسية التي ضُمت للحكومة الجديد، أعلن تشكيل الحكومة الجديد ويفترض في الأيام القليلة المقبلة، استكمال اللائحة من خلال تعيين الوزراء المفوضين ووزراء الدولة، وهي حكومة مصغرة تتكون من 14 وزير ووزيرة بالإضافة إلي أتال، حيث تم دمج عدة وزارات، منها وزارة العمل مع الصحة، ودمج التعليم مع الرياضة.

فيما حافظت الحكومة الجديدة علي العديد من وزرائها، لاسيما الذين يشغلون الحقائب السيادية الرئيسية باستثناء وزارة الخارجية، وهم برونو لومير-وزير الاقتصاد-، وجيرالد دارمان- وزير الداخلية-، وسيباستيان لوكورنو- وزير الدفاع-، وإريك دوبون موريتي- وزير العدل، وهؤلاء الوزراء الأربعة يعدون من أصحاب الثقل السياسي والتأثير داخل الحكومة، لذا استمرارهم في مناصبهم يعني بالدرجة الأولي أن البنية الاساسية للحكومة وتوجهاتها لن تتغير كثيرًا، حتي السياسة الخارجية، علي الرغم خروج وزيرة الخارجية كاترين كولونا من الحكومة والتي حل محلها ستيفان سيجورنيه؛ فوفقًا للدستور الفرنسي رئيس الجمهورية هو من يرسم السياستين الدفاعية والخارجية ويشرف عليهما.

وقد فجر تعيين ستيفان سيجورنيه، النائب في البرلمان الأوروبي، والامين العام للحزب الحاكم “النهضة”، مفاجئة كبري، لتأكيداته السابقة رغبته بالبقاء في البرلمان الأوروبي، وقيادة لائحة حزب ماكرون في الانتخابات الأوروبية في يونيو القادم، وعلي الرغم من عدم منح تفسير لخروج كاترين كولونا من منصبها، إلا أن البعض يري أنها لرغبة ماكرون لوجود وزير بجانبه يتعاون معه منذ عشر سنوات، إذ يعد سيجورنيه من المقربين لماكرون، وشغل منصب مستشاره السياسي في الإليزية، وتعاون معه منذ أن أطلق حزبه عام 2016.

أما المفاجئة الثانية في تشكيل الحكومة الجديدة، هو ميلها بوضوح لليمين، مما يوضح استمرار سعي ماكرون لتخطي الانقسامات بين اليمين واليسار وتوسيع القاعدة السياسية للحكومة، فبالإضافة إلي وزراء “الداخلية والاقتصاد والدفاع والنقلة البيئوية”، تم تعيين اليمينية رشيدة داتي وزيرةً للثقافة، والتي عملت وزيرة للعدل في عهد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، وهي من أصول مغربية وتُعرف بانتقاداتها اللاذعة لحزب ماكرون، لكن فور تعيينها أثار ذلك غضب حزب الجمهوريين اليميني، فأعلن رئيس الحزب إريك سيوتي استبعادها وفصلها من الحزب، وحذفت  كل تغريداتها السابقة المنتقدة لماكرون، ومن جانب أخر دافع أتال عن اختيار داتي التي تخضع حاليًا للتحقيق بتهم فساد، مفترضًا براءتها من هذه التهم، ومشيدًا بقدراتها.

كما تم تعيين اليمينة كاترين فوترين- التي شغلت حقائب وزارية في ظل رئاسة جاك شيراك- وزيرة للعمل والصحة والتضامن، هذا إلي جانب تعيين أورور بيرجيه، وزيرة شؤون المساواة بين الجنسين، وماري لوبيك، المكلفة للعلاقات مع البرلمان، والتي تعد الأصغر سنًا بين أعضاء الحكومة إذ تبلغ من  العمر 33 عامًا، ودافع أتال عما أثير عن ميل حكومته تجاه اليمين، بأن تشكيل الحكومة يضم أفراد ينتمون إلي اليمين واليسار.

ويلاحظ علي تشكيل الحكومة الجديدة ايضًا؛ أنه علي الرغم من توزيعها للحقائب الوزارية بالتساوي بين الرجال والنساء عدديًا، بتعيين 7 وزراء و7 وزيرات، إلا أن كافة الحقائب السيادية يشغلها رجال، فيما عدا حقيبة العلاقات مع البرلمان والتي تشغلها ماري لوبيك، مما رأه البعض تراجع في وعود ماكرون بتمكين المرأة في المناصب الرئيسية بالدولة، مقارنة بتشكيل الحكومة السابقة.

وبشكل عام يراهن ماكرون علي هذه الحكومة لمنح الزخم والديناميكية لحكمه، ففي أول اجتماع لمجلس الوزراء يوم 12 يناير الجاري، طلب ماكرون من أعضاء الحكومة، ألا يكونوا وزراء يديرون ولكن وزراء يتصرفون وزراء “ثوريين” ويحققوا نتائج”، كما طالبهم بـ”التضامن والسرعة” لأنهما شرطا  الفاعلية.

جابريال أتال ما بين تحديات وقضايا حساسة والتزامات موروثة من الحكومة السابقة:

أعقب تعيين أتال تباين في ردود الأفعال داخل الأوساط السياسية والإعلامية الفرنسية بين مؤيد للقرار، ويراه “اختيار جرئ”، وبين معارض له ومشككًا في قدرة أتال علي تدبير شئون البلاد في ظل قضايا شائكة وتحديات كثيرة علي رأسها ملف قانون الهجرة والتعليم، والتضخم والتصدي لتراجع القدرة الشرائية في ظل ارتفاع اسعار الطاقة وغيرها من السلع، بعد حرب أوكرانيا، وتوترات البحر الأحمر.

لكن جابريال أتال لم يعر اهتمام لردود الافعال بشأن توليه منصبه، وشرع في عمله فورًا، حيث توجه لتفقد البلدات المتضررة من الفيضانات في منطقة “با دو كاليه” بشمال فرنسا، في خطوة تُحسب له للوقوف بجانب المتضررين من آثار الفيضانات، كما أعلن في خطابه الأول كرئيس للوزراء أولوياته الثلاث “التوظيف، وفتح أبواب الاقتصاد لتبسيط الإجراءات للشركات، والتركيز على فئة الشباب”، وأكد أن قضية المدرسة هي أولويته المطلقة، وأعترف أتال بالتحديات القادمة في مجالات التوظيف والأمن والتعليم والخدمات العامة، والبيئة وتغير المناخ.

ومن أبزر التحديات التي تواجه أتال ما يلي: 

لملمة الصدع في معسكر ماكرون، وكسر الجمود السياسي بالبرلمان، وتوسيع قاعدة الأغلبية النسبية، وإعطاء دفعة للولاية الثانية للرئيس ماكرون، إذ يبذل الرئيس الفرنسي جهودًا شاقة من أجل إعطاء دفع لولايته الثانية في ظل عدم تمتع الحزب الحاكم بأغلبية مطلقة في البرلمان “الجمعية الوطنية”، هذا إلي جانب العمل علي مواجهة صعود اليمين المتطرف، “حزب التجمع الوطني اليميني “RN” بزعامة “مارين لوبان”، قبل الانتخابات الأوروبية في يونيو القادم.

ومع هذه الأغلبية النسبية التي تسفر عن العديد من التعقيدات، علي جابريال أتال التعامل معها، وإيجاد حلفاء أكثر في البرلمان لتوسيع قاعدة الأغلبية النسبية، وإعادة التوازن في البرلمان لمساندة الحكومة، وتمرير مشروعات القوانين المستقبلية بسلاسة، وعدم تكرار ما حدث خلال مناقشات والمصادقة علي قانون اصلاح نظام التقاعد، وقانون الهجرة، فبعد التصدع الذي ألم بمعسكر ماكرون علي خلفية قانون الهجرة، يأمل أن يتجاوز أتال هذا الأمر، لاسيما أنه ينحدر من أصول مهاجرة، تونسية يهودية لوالده، وروسية مسيحية لوالدته، كما أنه يأتي من خلفية يسارية ربما تساعده في احتواء غضب الجناح اليساري في حزب ماكرون.

الانتخابات البرلمانية الأوروبية في يونيو المقبل، إذ يمثل أبرز التحديات للرئيس ماكرون ورئيس الوزراء الجديد احتواء صعود اليمين المتطرف قبل الانتخابات الأوروبية، لاسيما وأن حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف يتصدر استطلاعات رأي الانتخابات الأوروبية، بفارق 10 نقاط عن حزب ماكرون، لذا سيتعين على أتال، قيادة الغالبية الرئاسية إلى الانتخابات الأوروبية والتصدي لجوردان بارديلا، زعيم اليمين المتطرف الذي يصغره بست سنوات ويتصدر استطلاعات الرأي محققًا شعبية واسعة بين الشباب.

تنظيم دورة الألعاب الأولمبية في صيف 2024، والتي تفرض تحديات لوجستية وأمنية كبري علي رئيس الوزراء الجديد.

قانون الهجرة المثير للجدل، شدد قانون الهجرة سياسات الهجرة التي تتبعها فرنسا، إذ يهدف لتعزيز مكافحة الهجرة غير الشرعية، وتسهيل ابعاد المهاجرين غير القانونين إلي بلدانهم الاصلية، لاسيما مرتكبي الجرائم الخطيرة، وكذلك تقديم تصاريح إقامة للعمال غير النظاميين، وتسريع معالجة طلبات اللجوء، وتبسيط النزاعات الإدارية المتعلقة بحقوق الأجانب، وجعل الحصول على بطاقة إقامة متعددة السنوات مشروطاً بإتقان الحد الأدنى من اللغة الفرنسية، وتشديد شروط لم الشمل العائلي، وغيرها.

وتم إقرار قانون الهجرة بشكل نهائي في 19 ديسمبر الماضي من قبل البرلمان الفرنسي بتأييد 349 نائبًا، ومعارضة 186 نائبًا، وأحدث هذا القانون أزمة حكومية بعد استقالة وزير الصحة أوريليان روسو، احتجاجًا على التصويت على القانون، وتهديد المعارضة باللجوء إلي المجلس الدستوري للطعن علي هذا القانون الذي اعتبرته “مشروع أقصي اليمين“، كما أحدث انقسامًا عميقًا لدي الأغلبية البرلمانية المؤيدة للرئيس ماكرون.

لذا لم يوقع ماكرون علي نص القانون وأحاله للمجلس الدستوري للنظر في نصوص القانون والتأكد من احترامه لقيم الجمهورية والدستور، لاسيما مع تصريح رئيسة الوزراء السابقة إليزابيث بورن، وكذلك وزير الداخلية جيرالد دارمانان بأن بعض الاجراءات الواردة بقانون الهجرة قد تتعارض مع الدستور، لذا يحتمل أن يبطل المجلس الدستوري الفرنسي بشكل جزئي لنص قانون الهجرة.

فمن المنتظر أن يبت المجلس الدستوري الفرنسي في 25 يناير الجاري في قانون الهجرة، ويعد المجلس الدستوري أكبر هيئة دستورية في فرنسا، ويكون حكمها غير قابل للاستئناف من قبل الحكومة أو المعارضة، لذا يمكن لأعضاء المجلس الدستوري إبطال جزء من القانون أو إبطال القانون بأكمله أو المصادقة عليه، ففي حال مصادقة المجلس الدستوري علي القانون، يمكن لرئيس الحكومة نشره في الجريدة الرسمية، وفي حال رأي المجلس الدستوري أن القانون يتعارض مع الدستور سيتم الغاء تصويت البرلمان، كما يمكن للمجلس الدستوري أن يحكم علي القانون بأنه صحيح جزئيًا ويبطل اجزاء منه، وفي هذه الحالة يمكن اصداره دون المواد الغير دستورية.

وحتي الأن لم تتضح مواقف معلنة لأتال تجاه مشروع قانون الهجرة، وأي موقف سوف يتخذه تجاه هذا القانون، سواء بتبني موقف اليمين بفرض تنفيذ تدابير تشريعية قد يبطلها المجلس الدستوري، أو لا يتخذ اجراءات لتشديد سياسة الهجرة، في حال أبطل المجلس الدستوري قانون الهجرة الجديد، مما سيجعله في مواجهة مباشرة مع المعارضة اليمينية واليمين المتطرف، وبشكل عام يعد إعادة التوازن للنقاشات البرلمانية، وطمأنة الجناح اليساري للأغلبية الرئاسية، والسعي للملمة الصدع في المعسكر الموالي للرئيس ماكرون “الأغلبية النسبية” والتي تشتت وانقسمت بسبب قانون الهجرة، من أبرز التحديات أمام أتال.

التعامل مع تعبئة المجتمع المدني في الشوارع؛ حيث سيتعين علي أتال التعامل بحكمة مع تعبئة المجتمع المدني في الشوارع، إذ تظاهر الألاف في فرنسا ضد قانون الهجرة الجديد يوم 14 يناير الجاري، علي خلفية دعوة منظمات ونحو 400 جهة، من بينها نقابات واحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني، ومنها حزب فرنسا الابية، اليساري بزعامة جان لوك ميلونشون، بالإضافة إلي مجموعات المهاجرين غير الشرعيين، رفضًا لقانون الهجرة، كما يخطط أكثر من نحو 200 شخصية، ومنهم زعيمتا النقابتين الأوليين، ماريليز ليون وصوفي بينيه، لتنظيم مسيرة يوم 21 يناير الجاري ضد قانون الهجرة.

متابعة التزامات المساعدات الطبية الحكومية؛ إذ تعد “المساعدات الطبية الحكومية” آلية تعتمدها الحكومة الفرنسية لتغطية التكاليف الصحية للأجانب غير المسجلين؛ وسيتعين على أتال متابعة التزامات رئيسة الوزراء السابقة إليزابيث بورن بشأن “إصلاح آلية المساعدات الطبية الحكومية“، حيث ألتزمت بورن كتابياً لبرلمانيين حزب “الجمهوريين””LR”، وبرسالة مكتوبة إلى جيرار لارشيه رئيس مجلس الشيوخ في 18 ديسمبر الماضي، بإصلاح آلية المساعدة الطبية الحكومية بدءًا من مطلع عام 2024.

إصلاح ملف التعليم والنظام المدرسي؛ خلال فترة تولي أتال لمنصب وزير التعليم، أكتسب شعبية كبيرة سريعًا، بمبادرات تميل تجاه معسكر اليمين المتطرف، إذ أعلن فور بدء العام الدراسي حظر ارتداء العباءة في المدارس والمعاهد الحكومية، كما عمل وفق استراتيجية تتماشي تمامًا مع خارطة الطريق التي وضعها ماكرون، بإصلاح المناهج الدراسية، والوعد برفع معايير الطلاب، وإعادة تقوية سلطة المعلمين، لذا يشكل هذا الملف تحدي أخر لجابريال أتال، وخلال مراسم تسلمه لمهام رئاسة الحكومة، شدد أتال علي أن المدرسة ستكون “أم المعارك” خلال فترة رئاسته للحكومة، وأنه سيضعها في صلب أولوياته، وسيمنحها كل الامكانات اللازمة لإنجاحها.

التحديات الاقتصادية:

الوفاء بتعهدات ماكرون لخفض الضرائب علي الطبقة المتوسطة، حيث تعهد أتال بخفض الضرائب علي الطبقة المتوسطة، وفقًا لتعهدات سابقة لماكرون بتخفيض الضرائب التي تثقل كاهل الطبقة المتوسطة، ومع ذلك لم يحدد أتال جدول زمني للوفاء بهذا التعهد.

ميزانية المالية العامة؛ صرح وزير الاقتصاد برونو لومير في 8 ديسمبر الماضي أنه من أجل “إنجاز تحول النموذج الاقتصادي والاجتماعي الفرنسي” الذي بدأه ماكرون، “يجب إيجاد ما لا يقل عن 12 مليار يورو من المدخرات في عام 2025″، كما وضع سقفاً مرتفعاً جداً لعام 2024 فيما يتعلق بالوعود المرتبطة بالمالية العامة.

إذ سعى وزير الاقتصاد برونو لومير “المستمر مع حكومة أتال”؛ إلى جعل إصلاح الميزانية من أهداف الحكومة السابقة لعام 2024، لذا يتعين على الحكومة الجديدة إحالة برنامج الإصلاح الوطني “خطة الموازنة” إلى المفوضية الأوروبية قبل نهاية ابريل المقبل، والذي يتعين بموجبه على الحكومة الفرنسية أن توضح، بالتفصيل، التدابير التي تعتزم اتخاذها لخفض ديونها، وتحفيز النمو وتشغيل العمالة ومنع أو تصحيح الاختلالات في الميزانية العامة للدولة. وبالتالي، فإن أتال سيكون أمام نقاشات حول هذه المسألة.

خفض معدلات البطالة؛ والتي تعد أحد أبرز مستهدفات الولاية الثانية لماكرون، الذي تعهد في حملته الرئاسية لعام 2022 العمل علي خفض معدلات البطالة إلي نحو 5% بحلول عام 2027، لكن الوضع الاقتصادي، الذي يتسم بالتضخم، من شأنه أن يزيد من تعقيد مهمة أتال، فبعد انخفاض شبه مستمر منذ عام 2016، وصل معدل البطالة في فرنسا في الفصل الثالث من عام 2023 إلى 7.4%، وفقًا للمعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية الفرنسي (L’Insee)

وبهدف الحصول علي هذا الانخفاض المأمول للبطالة بنقطتين، حددت الحكومة السابقة إطاراً يقتضي تقليص المهلة الزمنية للطعن في الفصل من العمل، وإصلاح عمليات إنهاء الخدمة التقليدية، التي يستطيع رئيس الحكومة الجديد غابريال أتال أن يتبناها، وقد أكد أتال بالفعل علي “الأولوية المعطاة للعمل”، ورغبته في مواصلة تحويل الاقتصاد، وأوضح في هذا الإطار أن “يجب أن يكون العمل دائماً ذا قيمة أفضل من عدم العمل”.

وفي الإطار نفسه، تهتم التنظيمات النقابية بالمشروع الإصلاحي للحكومة السابقة الهادف إلى تحسين جاذبية الخدمة المدنية، الذي يُنتظر تقديمه خلال الأسابيع المقبلة، وستكون مسألة أجور موظفي الخدمة المدنية تحدي أخر لغابريال أتال، لاسيما أن نقابات الخدمة العامة أعلنت في منتصف ديسمبر، أنها تستعد ليوم تعبئة موحد في مارس 2024 لرفض سياسة الحكومة.

خاتمة، قد لا يؤدي تغيير الحكومة الفرنسية بالضرورة إلى تحول كبير في المسار السياسي لفرنسا، وخاصة أن أهداف الحكومة لم تتغير لما حدده الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، لكنه يشير إلى رغبة ايمانويل ماكرون في تجاوز أزمات إصلاحات نظامي التقاعد والهجرة، والتركيز على أولويات جديدة، وتحسين فرص حزبه في الانتخابات الأوروبية القادمة، لذا من المنتظر من رئيس الوزراء الجديد جابريال أتال توفير الدينامية الجديدة التي يحتاجها ماكرون، وضخ دماء جديدة في الحكومة والحصول علي تأييد شعبي أكثر، لاسيما بعد تدني شعبية رئيسة الوزراء السابقة إليزابيث بورن، والعمل علي إعطاء دفعة جديدة لولاية ماكرون الثانية، والحد من تنامي صعود اليمين المتطرف، لاسيما وأن جابريال أتال يحظى بشعبية كبيرة، فضلًا عما يحظى به من دعم داخل الحزب الحاكم والرئيس الفرنسي نفسه، لذا ستوضح الفترة القادمة مدي قدرة رئيس الوزراء الفرنسي الجديد علي مواجهة التحديات الموكلة علي عاتقه، ومدي نجاح الرهان الجريء لإيمانويل ماكرون علي شعبية وشباب جابريال أتال، من أجل توفير زخم جديد لعهده الذي ينتهي في عام 2027، رغم المخاطر المتصلة بهذا التعيين، وعلى رأسها قدرة جابريال أتال على الإمساك بناصية حكومة تضم شخصيات قوية تشغل مناصب حكومية أساسية منذ عدة سنوات.

المصدر : https://marsad.ecss.com.eg/80561/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M