فرزين نديمي
يدرك المسؤولون الإيرانيون تماماً أن أزمة بوتين توازي نقاط ضعفهم، لذلك من المرجح أن يكثفوا جهودهم لتعزيز العلاقات الأمنية الثنائية والحصول على الأسلحة والتكنولوجيا الروسية.
بينما كانت وحدات من مجموعة “فاغنر” بقيادة يفغيني بريغوزين تتجه عبر الطريق السريع “أم 4” نحو موسكو في 24 حزيران/يونيو، تابعت وسائل الإعلام الإيرانية الأحداث بقلق، بحيث لم تنفك تتساءل عمّا إذا كانت جهات فاعلة أجنبية هي التي تدير هذا التحرك، وما إذا كان المتعاقدون العسكريون المتمردون سيتمكنون فعلاً من الوصول إلى موسكو وما إذا كان عهد فلاديمير بوتين سيصمد في وجه المذلة. وقد سارعت وسائل الإعلام المتشددة مثل “وكالة تسنيم للأنباء” التابعة “للحرس الثوري الإيراني” إلى تسليط الضوء على وجه التشابه بين تمرد “فاغنر” وما يسمى بـ”الحرب الهجينة التي يشنّها الغرب وحلف ‘الناتو’ المتآمران” ضد النظام الإيراني، مما يشير إلى أن الحروب الأهلية كانت مفتعلة في البلدين. وطرحت وسائل الإعلام التابعة “للحرس الثوري الإيراني” سيناريوهات موسعة لدعم هذه النظرية، تضمّن أحدها خداع “الناتو” لأفراد مجموعة “فاغنر” عبر “فخ إعلامي قائم على معلومات مضللة” أقنعهم بتوجيه أسلحتهم ضد حكومتهم. وبالفعل، أعربت عدة منافذ إعلامية عن خوفها من أن يكون هذا التحرك يصب أساساً في مصلحة أوكرانيا والغرب.
واتهم المتشددون أيضاً الإصلاحيين المحليين في إيران ومؤيديهم في وسائل الإعلام بالوقوف منذ البداية في صف بريغوزين ضد بوتين. وقد وجّه مدير التحرير في صحيفة “كيهان” – حسين شريعتمداري، الذي عينه المرشد الأعلى علي خامنئي في ذلك المنصب – أصابع الاتهام إلى الإصلاحيين، فأمطرهم بوابل من الانتقادات اللاذعة بأنهم أضعفوا النظام الإيراني بسبب “دعمهم” لزحف بريغوزين نحو موسكو الذي لم يدم طويلاً. والجدير بالذكر أنه شبّه ما يحصل بتأييدهم الاتفاق النووي عام 2015.
ويبدو أن المتشددين قلقون جدياً من قدرة مسلحين روس على طرح تحدٍ مفاجئ وسريع نجح لفترة قصيرة بتهديد الحكومة المركزية الروسية التي كات تبدو في الظاهر أنها لا تهزم، وكذلك من احتمال حياكة مؤامرات في الداخل الروسي مع بريغوزين. فبرأيهم، قد تحرّك مثل هذه الأحداث رغبة الشعب الإيراني وعناصر الجيش والأمن الخائبين، فيقرروا انتهاج تكتيكات مماثلة لإشعال فتيل صراع طويل الأمد مع النظام في طهران. وعليه، بعد تصوير تمرد “فاغنر” على أنه مؤامرة غربية لتحجيم بوتين واحتواء قدرة موسكو العسكرية، أعربت معظم وسائل الإعلام التابعة للنظام عن ارتياحها لنجاح بوتين “بمهارة” في درء التهديد والخروج من المأزق سليماً.
لقد بالغ المعلقون المتشددون في دعم بوتين ضد “المتآمرين بقيادة حلف ‘الناتو’ ” لدرجة أن بعض المحافظين حتى طالبوهم باعتماد نهج أكثر توازناً. على سبيل المثال، وجّه النائب السابق الذي يتكلم بجرأة، علي مطهري، انتقادات لاذعة إلى الإيرانيين الذين “يربطون مصالح الأمة بمصالح روسيا” ودعا إلى العودة إلى السياسة الثورية السابقة القائمة على عدم الاصطفاف والتي يعكسها الشعار القديم “لا للغرب، لا للشرق”.
لكن في الوقت الراهن، يتحدث القادة الإيرانيون صراحةً عن رغبتهم في الانحياز إلى روسيا والصين في إطار “نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب” على حساب الولايات المتحدة. كما يريدون تحقيق مكاسب جيدة من استثمارهم السياسي في روسيا خلال عهد بوتين، الذي يظهر من خلال تزويدها بطائرات مسيّرة انتحارية من نوع “شاهد” وذخائر كي تستخدمها ضد أوكرانيا. وبشكل خاص، هم يريدون من روسيا مساعدتهم على تحسين برامج الأسلحة التي تطورّها إيران وتسليمها أسطولاً من مقاتلات “إس يو 35” المتطوّرة كان قد تم الوعد بها سابقاً.
وبالتالي، ليس من المفاجئ أن يكون الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان قد اتصلا بنظيريهما الروسيين بعد يوم واحد من انطلاق “المسيرة الاحتجاجية” لمجموعة “فاغنر” من أجل الإعراب عن دعم طهران “لسيادة روسيا الوطنية” وسط التهديدات بالتمرد. وعلى نحو مماثل، اتصل رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري بوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في 28 حزيران/يونيو ليبلغه بتأييده ويأخذ منه تطمينات حيال الوضع الراهن في روسيا ويدعوه لزيارة طهران – على الرغم من أن هذه الزيارة قد لا تحدث في أي وقت قريب.
أما على المدى البعيد، ليس هناك شك بأن الحادثة ستذكّر طهران بأن وجود حليف خارجي قوي مثل روسيا لا ينبغي أن يؤخذ على أنه أمر مسلم به. ومن المرجح أن يزيد المسؤولون الإيرانيون وتيرة مطالباتهم بالأسلحة والتكنولوجيات التي وعدتهم بها روسيا. وفي هذا الإطار، قد تم أساساً إرسال العميد أحمد رضا رادان، القائد العام “لقوى الأمن الداخلي”، في زيارة نادرة إلى موسكو لمناقشة التعاون الأمني بين البلدين. وفي 28 حزيران/يونيو، ناقش مع قائد “الحرس الوطني الروسي” الذي يتمتع بنفوذ قوي فيكتور زولوتوف مسائل “الأسلحة والذخائر ومكافحة الإرهاب وتجارة المخدرات والتهديدات الأمنية المزعزعة للاستقرار”. تجدر الملاحظة أن “الحرس الوطني الروسي” تأسس عام 2016 بهدف قمع الاحتجاجات المتزايدة التي كانت تعّم شوارع البلاد، لذا يُعتبر اجتماع رادان وزولوتوف مؤشراً إضافياً على أن النظامين سيتعاونان بصورة أكثر لضمان صمودهما المتبادل. وكما كتب محرر عمود في صحيفة “كيهان” في 27 حزيران/يونيو “الضربة التي تفشل في قتلك ستجعلك أقوى بَعْد”.
.
رابط المصدر: