عومير كرمي
في 19 آب/ أغسطس، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة ستبلّغ مجلس الأمن الدولي بخططها الرامية إلى تفعيل آلية إعادة فرض العقوبات المنصوص عليها في «خطة العمل الشاملة المشتركة»، وبالتالي إعادة فرض “كافة” العقوبات “تقريباً” التي كانت الأمم المتحدة قد علقتها بموجب الاتفاق النووي مع إيران عام 2015. وفي اليوم التالي، توجه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى نيويورك لإبلاغ مجلس الأمن بأن واشنطن قد بدأت بالعملية. وقد اعترضت الصين وأوروبا وروسيا أساساً على هذه الخطوة، لذلك قد تشهد الأسابيع القليلة المقبلة صداماً سياسياً وقانونياً في أروقة الأمم المتحدة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة – التي انسحبت من «خطة العمل الشاملة المشتركة» في عام 2018 – تملك الصلاحية لإعادة فرض العقوبات أم لا.
وبغض النظر عن الشكل الذي قد يتخذه هذا الصدام، فإن طبيعة رد الفعل الإيراني تتضح أساساً. فخلال الأشهر القليلة الماضية، حذرت طهران من أن إعادة فرض العقوبات من قبل الأمم المتحدة قد تدفعها إلى اتخاذ خطوات قاسية رداً على ذلك. على سبيل المثال، صرّح الرئيس حسن روحاني في أيار/ مايو أن تمديد فترة حظر الأسلحة التي توشك على الانتهاء بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة» “حتى ليوم واحد، وتحت أي ذريعة كانت، وعبر أي آلية” سيكون له عواقب وخيمة. ومع ذلك، تشير التصريحات الأخيرة إلى أن النظام الإيراني مستعد لاتباع نمطه المتكرر المتمثل في التحرك وفقاً لمقاربة نووية مدروسة بدرجة أكبر في النهاية.
ما الذي يمكن أن تفعله إيران؟
اعتادت “لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية” في البرلمان الإيراني على إصدار وابل من التهديدات في الأيام التي تسبق أي خطوة أمريكية كبرى قد تزيد من الضغط على الجمهورية الإسلامية. وعادة ما تنشر “اللجنة” بياناً أو تسعى إلى إقرار مشروع قانون مفرط جديد للإشارة إلى النطاق الكامل المتاح أمام النظام لانتقام محتمل.
وفي التوقيت المناسب، أصدرت “اللجنة” بياناً في 18 آب/ أغسطس حذرت فيه من أنه إذا تم تفعيل آلية إعادة فرض العقوبات، فيجب على “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية” فوراً “إعادة كافة الأنشطة النووية إلى المستوى الذي كانت عليه قبل [«خطة العمل الشاملة المشتركة»]”. ثم كرر البيان الخطوات النووية نفسها التي كانت إيران تهدد باتخاذها خلال العامين الماضيين، وهي:
- زيادة ملحوظة في عدد أجهزة الطرد المركزي التي تعمل على تخصيب اليورانيوم في منشأتي نطنز وفوردو، التي من المفترض أنها تساهم في تحقيق هدف النظام الخيالي بالحصول على 190,000 “وحدة فصل” (“إس في يو”)، وهي مقياس لكفاءة التخصيب
- استئناف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة وهي النسبة الأقرب إلى الدرجة المطلوبة لصنع سلاح نووي فعال (النسبة التي كان النظام يصل إليها في المنشأة الجبلية المدفونة في فوردو قبل الاتفاق النووي)
- تسريع (عمليات) البحث والتطوير لنماذج متقدمة لأجهزة الطرد المركزي، وهي خطوة اتخذتها إيران أساساً إلى حد ما خلال العام الماضي
- تعزيز مشروع الدفع النووي البحري الذي يجب اعتباره تهديداً ضمنياً بإنتاج يورانيوم عالي التخصيب (وتستخدم أربعة من الأساطيل الستة في العالم التي تمتلك مثل هذه المفاعلات البحرية تلك الدرجة من الوقود)
ومع ذلك، ربما أبرز ما جاء في بيان “اللجنة” هو الجملة الأخيرة منه التي كررت ثلاثة من المبادئ التوجيهية لتي يعتمدها النظام: النفعية (المصلحة)، والكرامة، والحكمة. و “النفعية” هي شعار إيراني معروف يكرّس صمود النظام فوق كافة الاعتبارات الأخرى – وغالباً ما يُستخدم لتبرير اتباع نهج حذر وواقعي “لصالح النظام”.
الحكمة والصبر – حتى تشرين الثاني/نوفمبر
من المُرجح أن يشعر القادة الإيرانيون بطمأنينة أكبر عند التشديد على النفعية (مصلحة النظام) الآن بعد أن أصبح نطاق المعارضة الدولية لخطط إدارة ترامب واضحاً. وفي الأسبوع الثاني من آب/أغسطس، فشل ممثلو الولايات المتحدة في مجلس الأمن في تمرير مشروع قرار بشأن تمديد فترة الحظر على الأسلحة. وبالمثل، ستؤدي اعتراضات بكين وأوروبا وموسكو إلى تعقيد محاولة واشنطن المفاجئة لإعادة فرض العقوبات إلى حد كبير.
وبناءً على ذلك، امتنع المسؤولون الإيرانيون عن التهديد بالانتقام العنيف من أي نوع حتى بعد إعلان الرئيس ترامب في الأسبوع الماضي. وبدلاً من ذلك، ركزوا على تجاهل “العصا” الأمريكية، زاعمين أن تهديد إعادة فرض العقوبات لا أساس له ويتوقعون بثقة أن المجتمع الدولي سوف يقاومه.
وعلى وجه التحديد، شدّد وزير الخارجية محمد جواد ظريف في رسالة بعثها إلى رئيس مجلس الأمن وفي اتصال هاتفي مع الأمين العام للأمم المتحدة على أن الولايات المتحدة لا تملك أسساً قانونية لتفعيل آلية إعادة فرض العقوبات. كما نصح المجلس بوقف “إساءة استخدام الخطة” هذه، معتبراً أنه سيكون لذلك “عواقب وخيمة على السلام والأمن الدوليين”. وفي غضون ذلك، غرّدت “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية” أن القطاع النووي الإيراني لا يزال ثابتاً وقوياً، وأشارت إلى أنه “سواء تمّ تفعيل آلية إعادة فرض العقوبات أو بقي الوضع الراهن قائماً، فقد اتخذت المنظمة خطوات مهمة لتزويد إيران بـ 190,000 «وحدة فصل»”. وحالما اتضحت المعارضة الأوروبية لإعادة فرض العقوبات في 21 آب/أغسطس، أشار ظريف إلى أن خطوة واشنطن ساهمت بعزل الولايات المتحدة بشكل أكبر.
وبالمثل، حدّد الرئيس روحاني توجه بلاده قبل ساعات من إعلان ترامب بأن واشنطن لم تعد طرفاً في قرار مجلس الأمن رقم 2231 أو «خطة العمل الشاملة المشتركة»، وبالتالي فإن أي محاولة لتفعيل إعادة فرض العقوبات قد فشلت أساساً. وعلى حد تعبيره، “لقد دمروا الجسر بأنفسهم، وما زالوا يعتقدون أن هناك جسراً يجب عبوره”. ثم أعلن أن واشنطن “تُترك وشأنها” بينما تتمتع إيران “بالعظمة”.
غير أنه في خطوة لها دلالتها، دعا روحاني إلى اتباع مقاربة حذرة تجاه الاستفادة من هذا الزخم. وقال إنه إذا انسحبت إيران من «خطة العمل الشاملة المشتركة» عندما خرجت منها واشنطن عام 2018، لما كانت لتترتب أي تكاليف على الولايات المتحدة، وكان ليتم إعادة فرض جميع العقوبات بموجب القرار 2231. وبدلاً من ذلك، أشار إلى أن إيران اتخذت مساراً حذراً ساهم في عزل إدارة ترامب. ومن وجهة نظره، تُبرر هذه النتيجة ادعاءه الشهير القائم منذ فترة طويلة الذي عبّر عنه في عام 2007 بأنه “لو تصرفت طهران كما يجب” خلال المواجهات السابقة، لما كان ملفها النووي قد عُرِض على مجلس الأمن في المقام الأول”.
والأهم من ذلك، لا يمارس المعسكر الإيراني المتشدد ضغوطاً كبيرة للانتقام من تهديد إعادة فرض العقوبات. وحتى أن صحيفة “كيهان”، التي تُعتبر الناطقة باسم المرشد الأعلى علي خامنئي، لم تضغط صراحةً من أجل رد قوي، بل استغلت المناسبة لمهاجمة حكومة روحاني مجدداً. ففي مقالة افتتاحية نُشرت بتاريخ 20 آب/ أغسطس، ادعت الصحيفة أن معالجة “التشوه” الذي سببه مجلس الوزراء للوضع الداخلي في إيران أكثر أهمية من الرد على التهديد الأمريكي بإعادة فرض العقوبات.
وربما في محاولة لموازنة الصورة الضعيفة التي قد ينتجها هذا النهج الحذر، استعرض النظام قوته العسكرية الرادعة خلال “يوم الصناعة الدفاعية” السنوي في 20 آب/ أغسطس، حيث كشف النقاب عن إنجازات جديدة مثل الصاروخ الباليستي “الحاج قاسم” وصاروخ كروز يحمل اسم “الشهيد أبو مهدي” (تمت تسمية هذين الصاروخين على اسم إثنين من كبار الشخصيات العسكرية اللذيْن قُتلا في غارة أمريكية في العراق في كانون الثاني/يناير: قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني وقائد «كتائب حزب الله» أبو مهدي المهندس). كما أعلن النظام أنه احتجز سفينة إماراتية وطاقمها في مطلع الأسبوع الماضي بتهمة دخول مياهه الإقليمية وقيام طاقمها بقتل صيادين إيرانيين.
وعلى الرغم من هاتين الخطوتين، تشير عدة عوامل أخرى إلى أنه من غير المرجح أن ترد إيران على الحملة الأمريكية لإعادة فرض العقوبات من خلال اتخاذها خطوات نووية رئيسية على الفور:
- هناك فرصة ضئيلة لنجاح محاولة إعادة فرض العقوبات في الحصول على دعم أوروبي وفرصة معدومة لكسب الدعم الصيني أو الروسي، لذا فإن اتخاذ خطوات كبيرة على الصعيد النووي رداً على ذلك لن يساهم سوى في خدمة مصالح واشنطن. وعوضاً عن ذلك، من المحتمل أن يتروّى المسؤولون الإيرانيون ويستمتعون بمشاهدة شركائهم الاستراتيجيين يتحدّون رغبات الولايات المتحدة علناً ويبيعون الأسلحة إلى طهران فور رفع الحظر في تشرين الأول/ أكتوبر.
- تأمل إيران على الأرجح أن تساعدها الانقسامات الحالية في المجتمع الدولي ليس فقط في التسبب بحدوث شرخ بين واشنطن وأوروبا، بل أيضاً في تعزيز دعواتها الطويلة الأمد لـ “إصلاح” مجلس الأمن بطريقة أكثر ملاءمة للمصالح الإيرانية.
- حتى إذا تم تفعيل آلية إعادة فرض العقوبات رسمياً، إلّا أنها لن تدخل حيّز التنفيذ إلا بعد مرور ثلاثين يوماً، مما يمنح إيران متسعاً من الوقت لاتخاذ عملية صنع قرار أكثر تنظيماً.
- مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يأمل روحاني على ما يبدو في أن يخسر ترامب وأن تسعى إدارة بايدن الفائزة إلى تغيير قواعد اللعبة مع إيران. وبالتالي، ستؤجل طهران على الأرجح أي أزمة نووية إلى حين اتضاح نتيجة الانتخابات على غرار حساباتها بشأن الاستفزازات العسكرية في المنطقة. وأشار روحاني إلى الانتخابات بشكل أوضح في خطاب ألقاه في 19 آب/ أغسطس، وتعهد للشعب الإيراني بأن حكومته ستعمل على تحسين وضعه ووعد بأن كلاً من العقوبات وإدارة ترامب ظرفان مؤقتان – على حد تعبيره، “الطغاة في البيت الأبيض” لا يدومون إلى الأبد. ورغم أن التعليقات المتشددة في صحيفة “كيهان” سارعت إلى وصف أولئك الذين ينتظرون إدارة أمريكية جديدة بأنهم “ساذجين”، فمن المرجح أن تندرج الخطوات النووية الإيرانية ضمن نمط التفكير القائم على الصبر والحذر الذي ينتهجه روحاني على المدى القريب.
رابط المصدر: