عادل رفيق
هذه الوثيقة من إيميلات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون والتي أرسلها سيدني بلومنتال، المسؤول السابق في مكتب الرئيس بيل كلينتون. وأحد المقربين من هيلاري كلينتون لفترة طويلة، إلى هيلاري رودهام كلينتون، وزيرة الخارجية، وذلك بتاريخ 10 فبراير 2012، جاءت بعنوان: “تقرير مخابراتي وخيارات: ما حدث بالفعل وماذا يجب أن يحدث الآن”. وتركز الوثيقة على تفاصيل أحداث الساعات الأخيرة التي سبقت إعلان اللواء عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية آنذاك، عن تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك عن السلطة، في الحادي عشر من فبراير 2011، وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد.
وقد جاء في عنوان الرسالة أن هذه الوثيقة عبارة عن تقرير مخابراتي يتضمن مقترحات ببعض الخيارات المقدمة في هذا الصدد. وينقسم التقرير إلى قسمين، الأول بعنوان: “ما حدث بالفعل”، حيث يتحدث عن الأحداث التي وقعت خلال الساعات الأخيرة التي سبقت تنحي حسني مبارك؛ وجاء القسم الثاني بعنوان: “الخيارات”، وتضمن خيارين اثنين.
وقد جاءت الوثيقة على النحو التالي:
أولاّ: ما حدث بالفعل
خلال يوم العاشر من فبراير، أبلغ اللواء حسن الرويني، قائد المنطقة المركزية العسكرية (التي تتمركز في القاهرة الكبري ويمتد نطاق عملها إلى سبع محافظات هي المنوفية، القليوبية، القاهرة، الجيزة، الفيوم، بني سويف، المنيا)، رؤساءه في المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن مصادره التي تراقب المتظاهرين أفادت بأن القيادات الطلابية التي تقود المظاهرات كانت تخطط لمحاولة دخول القصر الرئاسي ومبنى البرلمان والقصر الملكي القديم (قصر رأس التين) بالإسكندرية ومباني حكومية أخرى يوم الجمعة الموافق الحادي عشر من فبراير 2011. وأضاف الرويني أن قواته ستضطر إلى استخدام القوة لحماية هذه المباني، وهذا سيؤدي إلى مواجهات عنيفة من شأنها تدمير العلاقة بين الجنود والشعب.
وخلال يوم العاشر من فبراير أيضاً، التقى وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي، ورئيس أركان القوات المسلحة الفريق سامي عنان وقادة آخرون في المجلس العسكري مع حسني مبارك ونائب الرئيس عمر سليمان في محاولة لإقناع الرئيس بالتنحي عن منصبه كرئيس للجمهورية، وإحالة السلطة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة. كما أراد ضباط الجيش منع سليمان (وهو جنرال سابق في القوات الجوية) من خلافة مبارك. واحتدمت المناقشات حول رغبة مبارك في الرحيل بشرف، وضمان عدم سعي أي حكومة جديدة للاستيلاء على ممتلكاته وأمواله الشخصية. وفي النهاية، تم التوصل إلى حل وسط يسمح لمبارك بالانتقال إلى منزله بشرم الشيخ حيث يمكن حمايته مع احتفاظه بلقب رئيس الجمهورية، بينما يقوم سليمان بإدارة (إعلان) نقل السلطة إلى حكومة جديدة تحت سيطرة المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وفي أعقاب خطاب مبارك في ليلة العاشر من فبراير، أفادت مصادر الرويني أن الخطاب قد أربك الأمور بجعل المتظاهرين يفهمون أنه لا يزال يسيطر على السلطة في البلاد. ومرة أخرى، حذر الرويني من مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والقوات (قد تحدث) في الحادي عشر من فبراير. وتلقى سليمان معلومات مماثلة من مصادر مخابراتية. وكرر الرويني تحذيراته منذ العاشر من فبراير بأن القوات، المؤلفة من مجندين، لن تطلق النار على الحشود لأي فترة يمكن تمديدها، وقد تواجه انتفاضة على النمط الإيراني إذا بدأت هذه المواجهات.
وفي وقت مبكر من صباح الحادي عشر من فبراير، حذّر نائب الرئيس سليمان والجنرال عنان مبارك من المشاكل المتوقعة في وقت لاحق من ذلك اليوم. كما أكد عنان لمبارك أن العاهل السعودي الملك عبد الله سيضمن له ثروة شخصية كبيرة، حتى لو حاولت البنوك الأجنبية تجميد حساباته الشخصية. (ملاحظة: قامت سويسرا بتجميد الحسابات البنكية الشخصية لمبارك بعد فترة وجيزة من إعلان تنحيه). كما أخبر عنان مبارك أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة سيحمي شرفه وسمعته. وأضاف عنان أنه سيبقى في شرم الشيخ مع مبارك حتى يستقر الوضع ويضمن أمنه (ملاحظة: وفقاً لأحد المصادر، كان عنان يريد أيضا التأكد من أن مبارك لم يغير رأيه أو يحاول الاحتفاظ بالسلطة في اللحظة الأخيرة.) ومع أخذ ذلك في الاعتبار، وافق مبارك على السماح لسليمان بإعلان تنحيه عن السلطة.
وبحسب هذه المصادر، فقد حافظ العسكر – ولا سيما الجيش – على دورهم باعتبارهم يمثلون أهم مؤسسة في البلاد، وكان وزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي الشخصية الأقوى في البلاد. ولا يزال وضع سليمان غير واضح، لكن هناك مصادر مطلعة تقول إن مصر تعود إلى نموذج عام 1952 لحكم الدولة من خلال مجلس من ضباط الجيش. والسؤال الآن هو: إلى أي مدى يمكن أن تتشارك النخبة العسكرية السلطة مع نظرائهم المدنيين؟
ويبقى أن نرى ما إذا كان الجيش سيبقى وفياً لالتزامه بإجراء الانتخابات في موعدها المحدد في سبتمبر. ومع ذلك، ففي حالة إجراء الانتخابات، فإنه يتحتم أن يكون لدى الجيش أداة سياسية لمواجهة قوى المعارضة، ولا سيما جماعة الإخوان المسلمين.
وبالتالي، فإن مصير الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم يكون موضع تساؤل أيضاً. وبدون الحزب الوطني، سيكون النظام قد انهار إلى حد كبير؛ وقد يواجه الجيش صعوبة أكبر في إدارة الشؤون اليومية للبلاد.
وبينما سيعمل المجلس الأعلى للقوات المسلحة كحكومة مؤقتة، فمن المرجح أن يرغب في الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من بيروقراطية الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم (أيام مبارك)، مع إشراك عناصر من المعارضة لإدارة المرحلة الانتقالية. وسيكون الحفاظ على قبضة الجيش على السلطة أثناء تشكيل حكومة ديمقراطية أكبر تحدٍ للمؤسسة العسكرية؛ حيث سيحاول تجنب تغيير النظام بينما يتعامل كذلك مع أزمة دستورية محتملة.
ويراقب المجلس الأعلى للقوات المسلحة أيضاً القوى المؤيدة للديمقراطية للحصول على صورة واضحة عن عدد وأنواع الأحزاب السياسية التي ستتمخض عنها هذه العملية. وفي غضون ذلك، فإنهم يخططون للتعويل على حسن نية الناس تجاه القوات لاستعادة النظام. ستكون أصعب مهمة لهم هي إعادة ضباط الشرطة إلى الشارع، حيث إنهم كانوا قد تورطوا في أعنف المواجهات مع المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية.
ويعلق المصدر بأن بعض الشخصيات السياسية المصرية – بما في ذلك بعض كبار الضباط العسكريين – يشيرون إلى هذا التغيير في القيادة باعتباره انقلاباً عسكرياً، بينما يرى آخرون بأن النظام – والجيش – يحافظون على مناصبهم القيادية في ظل نظام تم تأسيسه عن طريق موجهيه السابقين جمال عبد الناصر وأنور السادات خلال ثورة الضباط ضد الملك فاروق عام 1952. ويطالب بعض ضباط الجيش الأصغر سناً بالأخذ بـ “لنموذج التركي”، بحيث يتولى فيه الجيش السلطة عند حدوث أزمة، ويكون بمثابة ضامن للديمقراطية المدنية.
ثانياً: الخيارات
1- يجب أن يرفع المجلس الأعلى للقوات المسلحة حالة الطوارئ في أسرع وقت ممكن، كما وعد.
2- الحل الأفضل هو “النموذج التركي” حيث يحتفظ الجيش بمكانته ووضعه في المجتمع، لكنه يبقى في ثكناته في ظل نظام ديمقراطي. وهذا يتطلب اتفاقاً معلَناً على أن الجيش هو الضامن للديمقراطية والانتخابات. ويمكن أن يعمل التخوف من التدخل العسكري المباشر في السياسة في المستقبل كقوة دافعة للاعتدال يستخدمها السياسيون المعتدلون لوصم (شيطنة) الراديكاليين من أي اتجاه. وستكون قيادة الجيش راضية بذلك؛ فالجنرالات لا يريدون أن يديروا البلاد خاصة بعد تجربة مبارك.
تنويه: هذا النص العربي هو ترجمة دقيقة للأصل المنشور باللغة الإنجليزية في رسائل هيلاري كلينتون التي تم كشف السرية عنها على أن يتم التعامل مع كامل النصوص، وفق معايير الضبط العلمي والمنهجي عند الدراسة والتحليل.
رابط المصدر: