هذه الوثيقة من إيميلات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون والتي أرسلها سيدني بلومنتال، المسؤول السابق في مكتب الرئيس بيل كلينتون وأحد المقربين من هيلاري كلينتون، إلى وزيرة الخارجية هيلاري رودهام كلينتون، بتاريخ 14 أغسطس 2012، جاءت بعنوان: “تحركات مرسي”.
وتتناول الوثيقة العلاقة بين الرئيس محمد مرسي ومكتب الإرشاد والمجلس العسكري برئاسة المشير طنطاوي، في الوقت الذي بدأ فيه عبدالفتاح السيسي بالظهور في المشهد، حيث أبلغ الرئيس مرسي ومستشاريه أنه على استعداد ليحل محل طنطاوي في منصب وزير الدفاع، واقترح كذلك اسم اللواء محمد العصار ليكون نائبا له. وحسب الوثيقة، فإن السيسي قال للرئيس مرسي إنه سيتعاون معه في إلغاء الإعلان الدستوري المكمل، والذي كان المجلس العسكري قد أصدره في 17 يونيو 2012 ويقضي بتوليه (أي المجلس العسكري) سلطة التشريع إلى حين انتخاب برلمان جديد بعد إصدار دستور جديد للبلاد.
ونسبت الوثيقة المعلومات التي وردت بها إلى مصادر خاصة قالت إنها على اتصال رفيع المستوى مع المجلس العسكري المصري والإخوان المسلمين بمصر، بالإضافة إلى أجهزة مخابرات غربية، وأجهزة أمنية محلية.
وقد جاءت الوثيقة على النحو التالي:
1- يقول المصدر إنه في خلال الأسبوع الذي يبدأ من يوم 6 أغسطس 2012، قال محمد بديع، المرشد العام لجماعة لإخوان المسلمين في مصر، لكبار مستشاريه إنه ومكتب الإرشاد كانوا قد قللوا من شأن الرئيس المنتخب حديثاً محمد مرسي، ولا سيما طموحه الشخصي.
وأضاف بديع في نقاشات له مع سعد الكتاتني، رئيس مجلس الشعب/ حزب الحرية والعدالة، أن المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة (الذي كان يدير البلاد قبل تولي مرسي) قد ارتكب نفس الخطأ. وأشار المرشد العام للإخوان أن كلاً من الإخوان المسلمين والمجلس العسكري كانوا يعتقدون أن مرسي كان سياسياً لطيفاً حتى وإن كان يغضب في أغلب الأحيان، وأنه كان مهتماً بشكل أساسي بالأمور الداخلية لحزب الحرية والعدالة.
لكن على العكس من ذلك، اتضح أنه استراتيجي متطور، حيث أدرك قبل كل المسؤولين الحكوميين الآخرين أن لدى غالبية الشعب المصري رغبة قوية في فترة من السلام والاستقرار بعد أن عاشوا ثمانية عشر شهراً من الثورة والاضطراب السياسي. وبناء على ذلك، وبحسب رأي بديع، فقد تفوق مرسي على كل من مكتب الإرشاد والمجلس العسكري على حد سواء، وأنه تمكن من حسم صراعات طويلة الأمد له مع قيادات حزب النور السلفي، وأثبت نفسه كأقوى شخصية في مصر.
2- ووفقاً لمصدر مطلع له اتصال بأعلى المستويات القيادية في جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، فقد عقد بديع والكتاتني عدة لقاءات ساخنة مع مرسي خلال أواخر يونيو ومطلع يوليو 2012، بعد أن أدركا أنه كان قد أقام اتصالاً سرياً مع المجلس العسكري، ليحل محل سلسلة المحادثات التي كانت تجري بين مستشاري بديع ومستشاري طنطاوي خلال العامين الماضيين. وكانا يشعران بالاستياء بشكل خاص عندما علما أن مرسي كان يتبنى جوانب معينة من خطة الجيش بخصوص صياغة الدستور، لا سيما تأسيس سلطة الرئيس كرئيس للدولة ورئيس للحكومة. وكانت خطة جماعة الإخوان المسلمين، التي تمت صياغتها في أبريل 2012، تدعو إلى إحالة السلطة الحقيقية إلى رئيس الوزراء والبرلمان الذى تهيمن عليه جماعة الإخوان المسلمين.
3- في الوقت نفسه، أفاد هذا المصدر بأن استطلاعات الرأي التي أجرتها جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة في جميع أنحاء البلاد كانت تشير إلى أن الناس مرتاحون لوجود حكومة مدنية جديدة ولا يريدون انتظار صياغة الدستور والانتخاب المحتمل للبرلمان الجديد قبل عودة الحياة إلى وضعها الطبيعي. ومع توفر هذه المعلومات لديه، قرر بديع في أواخر يوليو تحجيم دوره والسماح لمرسي أن يتبوأ موقعاً مهيمناً في جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة. ويضيف هذا المصدر أن مرسي وعد بديع، في نفس الوقت، باستشارته في جميع قرارات السياسة الرئيسية. ويرى هذا المصدر أن بديع مقتنع بأنه من غير المرجح أن ينفذ مرسي هذا الوعد. ويعتقد بديع أيضاً أن قدرة مرسي على التعامل مع القادة والدبلوماسيين الأجانب عززت قبضته على السلطة. لكنه أشار في جلسات خاصة إلى أن مرسي سيواجه أوقاتاً صعبة في الحفاظ على هيكل سياسي حاكم، وأن مكتب الإرشاد سيراقب بعناية أي بوادر تعثر من جانبه.
4- ووفقاً لمصدر حساس بشكل خاص يستطيع الوصول إلى قيادة الإخوان المسلمين، أن مرسي سيركز من الآن على التعامل مع الحالة الفوضوية للاقتصاد المصري، وطمأنة رجال الأعمال والحكومات والمستثمرين الأجانب بأن الفترة الثورية قد انتهت، وأن الحياة تعود لطبيعتها. ولهذا السبب فقد قرر وضع حد لتصريحاته المبكرة المثيرة للجدل حول السياسة الإسلامية، وانتقاده لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. وفي الواقع، فبعمله من خلال قياداته العسكرية الجديدة (التي لها اتصالات جيدة مع إسرائيل)، يؤسس مرسي أيضاً علاقة عمل (غير مباشرة) مع إسرائيل، تركز في البداية على الوضع الأمني في شبه جزيرة سيناء. ويعتقد هذا المصدر أن مرسي ينظر إلى الوضع الحالي في ليبيا، وأنه مقتنع بأن هناك فرصاً حقيقية للشركات المصرية والخبراء الفنيين ليملؤوا الفراغ الذي تركه الأجانب الذين كانوا يعملون في صناعة النفط والخدمات البترولية، ويحلُّوا محل أولئك الذين فروا خلال الثورة الليبية عام 2011.
5- وقد أكد مصدر يتمتع بإمكانية ممتازة للوصول إلى قيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بشكل منفرد أن مرسي، المتقلب في العادة، لم يبالغ في رد الفعل تجاه جهود الجيش لتأسيس دوره في الهيكل السياسي خلال يونيو 2012. وبدلاً من ذلك، فقد تواصل مع الجنرالات الأصغر سناً في المجلس العسكري وفي المخابرات الحربية. لقد بذل مرسي قصارى جهده في بناء علاقة عمل مع اللواء عبد الفتاح السيسي، رئيس المخابرات الحربية آنذاك. وفي الوقت نفسه، فقد ألقى باللائمة على جهاز المخابرات العامة، المنافس منذ فترة طويلة للمخابرات الحربية، بخصوص المشاكل التي حدثت في سيناء، بما في ذلك الكمين الذي أدى إلى مقتل ستة عشر جندياُ من حرس الحدود على يد مسلحين عشائريين؛ وأصدر أوامره بإعادة تنظيم الجهاز (المخابرات العامة).
6- ويرى هذا المصدر أنه بحلول أوائل أغسطس 2012، أشار اللواء السيسي على الرئيس مرسي ومستشاريه بأنه على استعداد للتدخل وأن يحل محل طنطاوي كأعلى مسؤول عسكري في البلاد وتولي منصب وزير الدفاع. واقترح السيسي اسم اللواء محمد العصار ليكون نائبا له، وقال لمرسي إنه سيتعاون معه في إلغاء الإعلان (الدستوري المكمل) الصادر في يونيو. وفي مقابل هذا الدعم، طلب السيسي من مرسي التأكيد بشكل ملموس على أن الجيش وقادته سيحتفظون بمكانتهم الخاصة والمميزة في المجتمع المصري. ووعد الرئيس أيضاً بحماية طنطاوي ونائبه الجنرال سامي عنان وكبار الضباط الآخرين من الملاحقة القضائية بتهمة الفساد أو الإجراءات المتخذة ضد المتظاهرين خلال ثورة 2012. وصرح مرسي بأنه سيستمر في الرجوع إلى طنطاوي وعنان كمستشارين له، على الرغم من أن السيسي، كما كان الحال مع بديع، لا يعتقد بأن مرسي سيرجع إليهم لطلب أي مساعدة. وأخيراً، قال السيسي لمرسي إنه والعصار تربطهما علاقات ممتازة وسرّية مع نظرائهما الإسرائيليين وأنهما سيواصلان العمل معهم. ويعتقد هذا المصدر الحساس أن مرسي سيستخدم هذه الاتصالات العسكرية غير المعلنة كقنوات للحفاظ على علاقات إيجابية مع إسرائيل والولايات المتحدة.
7- ويرى هذا المصدر أنه لم يتم إخطار طنطاوي وعنان مسبقاً من طرف مكتب الرئيس بشأن إحالتهما للتقاعد القسري. ومع ذلك، يعتقد هذا المصدر أيضاً أن هذه الخطوة لم تكن مفاجأة للمشير طنطاوي، الذي كان قد علم بذلك مسبقاً من السيسي، في محاولة منه (السيسي) لتجنب أي تعقيدات وكعلامة على الاحترام لطنطاوي. وكما أشار هذا المصدر، فلم تكن لدى طنطاوي والمجلس الأعلى للقوات المسلحة مصلحة في حكم البلاد. بل يريدون فقط حماية أنفسهم من المصير الذي لقيه وعانى منه الرئيس الأسبق حسني مبارك بعد استقالته والقبض عليه بتهمة الفساد والقتل. وبمجرد أن تمكن السيسي من طمأنتهم بخصوص هذه النقطة، تعاونوا على الفور. وخلال الأسبوع الثاني من أغسطس، ناقش الضباط الأعضاء في المجلس العسكري شائعات عن انقلاب عسكري محتمل من قبل القوات الخاصة ووحدات المخابرات شبه العسكرية، لكن هذا التهديد لم يصبح خطيراً، لا سيما عندما أشارت تقارير من القادة الميدانيين إلى أن ما يصل إلى 90 في المائة من المجندين الذين يشكلون الغالبية العظمى من قوات الجيش، يقفون إلى جانب مرسي وجماعة الإخوان المسلمين / حزب الحرية والعدالة.
8- وأشار مصدر منفصل وحساس بشكل خاص سراً أن بديع ومعاونيه في مكتب الإرشاد سيواصلون مراقبة أي علامات قد تشير إلى ضعف أو عدم فعالية في الإدارة من طرف مرسي. ويهتم بديع بشكل خاص بإمكانية أن تبطل المحكمة الدستورية العديد من إجراءات مرسي. ومع ذلك، فقد أشار إلى أن مرسي تصرف لمنع ذلك من خلال تعيين محمود مكي، أحد كبار القضاة، في منصب نائب الرئيس. وأخيراً، حثَّ بديع معاونيه على مراقبة تصرفات مرسي وهو يتعرض لضغوط متزايدة سعياً وراء تحسين الاقتصاد المصري. وأشار إلى أن لمرسي مزاج متقلب وأنه لم يكن رد فعله جيداً في الماضي عند اختلاف الناس معه. ويعتقد بديع أن هذا سيكون اختباره الرئيسي؛ وأنه (بديع) في الوقت الحالي يعتقد أن مرسي يسيطر على الوضع السياسي والأمني في مصر من خلال قراراته الحاسمة.
تنويه: هذا النص العربي هو ترجمة دقيقة للأصل المنشور باللغة الإنجليزية في رسائل هيلاري كلينتون التي تم كشف السرية عنها على أن يتم التعامل مع كامل النصوص، وفق معايير الضبط العلمي والمنهجي عند الدراسة والتحليل.
رابط المصدر: