هذه الوثيقة من إيميلات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون والتي أرسلها سيدني بلومنتال، المسؤول السابق في مكتب الرئيس بيل كلينتون. وأحد المقربين من هيلاري كلينتون لفترة طويلة، إلى هيلاري رودهام كلينتون، وزيرة الخارجية، وذلك بتاريخ 6 ديسمبر 2011، جاءت بعنوان: “سياسة مصرية”.
تتناول الوثيقة تداعيات نتائج الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية في أول انتخابات ديمقراطية تجري في أعقاب ثورة يناير 2011 والتي فاز فيها الأحزاب الإسلامية بأغلبية المقاعد، مع توقع زيادة عدد هذه المقاعد في الجولة الثانية. وأبرز ردود الفعل على ذلك جاءت من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، حيث هدد بأن الجيش سوف يرد بكل قوة على أي محاولة لاستثمار هذه النتائج في محاولة تسريع الخطى نحو الانتقال إلى حكومة مدنية، وأنه سيعمل على الحفاظ على سيطرته على الحكومة المؤقتة وضمان الاستقرار في جميع أنحاء البلاد.
ونسبت الوثيقة المعلومات التي وردت بها إلى مصادر خاصة قالت إنها على اتصال رفيع المستوى مع المجلس العسكري المصري والإخوان المسلمين بمصر، بالإضافة إلى أجهزة مخابرات غربية، وأجهزة أمنية محلية.
وقد جاءت الوثيقة على النحو التالي:
1- في الرابع من ديسمبر 2011، أعطى المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر، ورئيس الدولة المؤقت، تعليمات لكبار ضباط الجيش بالاجتماع بشكل غير معلن مع جهات اتصالهم السرية في جماعة الإخوان المسلمين، وإرسال رسالة واضحة للمرشد الأعلى محمد بديع بخصوص نتائج الانتخابات الأخيرة، وتذكيره بموافقته بشكل سري على العمل لضمان انتقال منظم إلى حكومة منتخبة مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وأصدر طنطاوي تعليمات لضباطه بأنه لا يجب أن يكون هناك أي احتمال لسوء فهم من جانب بديع (لهذا الأمر)، وأن الجيش سوف يرد بكل القوة اللازمة للحفاظ على سيطرته على الحكومة المؤقتة وضمان الاستقرار في جميع أنحاء البلاد.
2- ووفقاً لمصادر حساسة للغاية، فإن طنطاوي ومستشاريه يشعرون بالقلق تجاه احتمال ميل البعض في قيادة الإخوان للعمل مع حزب النور السلفي المحافظ في محاولة للتحرك نحو الحكم المدني بوتيرة أسرع. حيث ستضع هذه الخطوة جماعة الإخوان المسلمين في وضع قوي للغاية بصفتها الشريك الأكبر في تحالف يسيطر على أغلبية كبيرة من المقاعد التي تم حسمها خلال الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية. ويشير هذا المصدر إلى أن حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين فاز بحوالي 37% من مقاعد الجولة الأولى من انتخابات البرلمان، وحصلت الأحزاب الأصغر المتحالفة معه في البرلمان الجديد على 10% إضافية من المقاعد. وفي نفس الوقت، حصل حزب النور السلفي على 24% من المقاعد. وبناءً على ذلك، وكما كان الحال في ذلك الوقت، كان التحالف الإسلامي في وضع يسمح له بالمطالبة بالحق في تشكيل حكومة مؤقتة على الفور، برئاسة رئيس وزراء من اختيارهم. وكانت مصادر المجلس العسكري تعرف أن رئيس حزب النور عماد عبد الغفور مهتم بشكل خاص بالسعي قدماً في هذا المسار. ومن جانبها، قامت جماعة الإخوان المسلمين، وإلى حد كبير من خلال رئيس حزب الحرية والعدالة محمد مرسي، بإبقاء حزب النور على مسافة منهم، رغم أن مرسي قال في عدة مناسبات إن البرلمان الجديد يجب أن يشكل الحكومة المؤقتة، بدلاً من المجلس العسكري.
3- ويرى المصدر أن طنطاوي ليس متشائماً كبعض مستشاريه، مثل قيادة المخابرات العامة المصرية وقادة الشرطة العسكرية، فيما يتعلق بجماعة الإخوان المسلمين. حيث لا يزال المشير طنطاوي يعتقد أن بديع يدرك أن الجيش لن يتنازل عن نيته في إدارة البلاد حتى إجراء الانتخابات الرئاسية في يونيو / يوليو 2012. وهو يدرك أن هذا الترتيب يناسب جماعة الإخوان المسلمين وأنه في مرحلة ما سينتهي الأمر بالجانبين إلى درجة من الصراع. ومع ذلك، فهو يعتقد أيضاً أن بديع وأقرب مستشاريه هم سياسيون متطورون ويدركون أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لن يتردد في استخدام أقصى درجات القوة للحفاظ على استقرار البلاد. وأشار طنطاوي إلى أحد مصادر الاتصال بأن الإخوان المسلمين كانوا ملتزمين بما يخصهم في الاتفاق من خلال العمل على خفض مستوى العنف في التظاهرات المؤيدة للديمقراطية. وأضاف أن الإخوان المسلمين منظمة كبيرة وأنه من المعتاد أن يبحثوا في جميع الخيارات المتاحة. لكنه كرر أنه يجب ألا يكون هناك لبس من جانب بديع في أن الجيش سيتحرك ضد الإخوان المسلمين إذا دعموا أي جهود من قبل حزب النور أو أي طرف آخر للنيل من وضع المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وبناءً على ذلك، أمر طنطاوي ضباط المجلس العسكري باستخدام اتصالاتهم مع الإخوان المسلمين لتذكير قياداتهم بالعواقب المحتملة لأي زلاّت قد تصدر منهم. ويستبعد طنطاوي تصريحات مرسي بشأن الانتقال السريع إلى الحكم المدني ويعتبرها مواقف سياسية ومصالح.
4- وفي نفس الوقت، ذكرت مصادر مطلعة لها اتصال سري بقيادة جماعة الإخوان المسلمين أن بديع وقادة الإخوان الآخرين لم يكونوا على ارتياح تجاه حزب النور، وخاصة عماد عبدالغفور (رئيس الحزب). حيث كانت تدور مخاوفهم حول إمكانية القيام بعمل عسكري ضد جميع الأحزاب الإسلامية إذا اعتقد المجلس العسكري أن وضعه مهدد. وفي نفس الوقت، شدد مرسي على أنه على الرغم من أن موقف الإخوان المسلمين كان إسلامياً، إلا أنه لم يكن متطرفاً بطبيعة الحال، وأن حكومة الإخوان المسلمين / حزب الحرية والعدالة ستعمل على خلق بيئة عمل جيدة للشركات الأجنبية، حيث سيتم العمل وفق نظام يستوعب التعاون مع البنوك الغربية بالتوازي مع تنفيذ الإجراءات المصرفية الشرعية. وأخبر مرسي كبار مسؤولي الإخوان المسلمين أن حزب النور يؤيد بقوة تبني رؤية غير مرنة لتطبيق الشريعة، وأن وصول أي إشارة بأن هذه السياسة سوف يتم اعتمادها كفيل بأن يحفّز الجيش على اتخاذ إجراءات مضادة، من ناحية، وأنه سيُؤدي إلى تخويف الشركات الأجنبية والمستثمرين الأجانب، من ناحية أخرى. وأشار مرسي إلى أن جميع الأطراف يتفقون على شيء واحد وهو الحاجة إلى تأسيس سياسة خارجية وأمنية لا تدعم إسرائيل بأي حال.
5- ويرى المصدر أن قادة الإخوان المسلمين كانوا سعداء بشكل خاص بأداء نشطائهم السياسيين في الجولة الأولى من الانتخابات ويتوقعون استمرار النجاح في الانتخابات القادمة المقرر إجراؤها في 14 و 15 ديسمبر. وأنهم وجدوا أن لهذه النتائج قيمة خاصة، وأن ذلك سوف يمنحهم ميزة على منافسيهم السياسيين في الفترة المتبقية من الانتخابات البرلمانية، وصياغة دستور جديد والموافقة عليه، وأخيراً الانتخابات الرئاسية في منتصف عام 2012. ويعتقد هؤلاء القادة أيضاً أن نسبة 47% من المقاعد التي فاز بها حزب الحرية والعدالة والأحزاب الصغيرة المتحالفة معه ستزيد في الجولات المقبلة. ويعتقد مسؤولو الإخوان المسلمون / حزب الحرية والعدالة أنه في حالة حدوث أي طوارئ، أو عند عدم التمكن من تحقيق هذا النجاح وزيادة المقاعد، فإنه يمكن كسب أصوات كافية من الأحزاب الليبرالية غير الدينية لمنحهم الأغلبية في البرلمان الجديد.
6- وعند مناقشة العلاقة المستقبلية بين العملية الانتخابية وثقة مجتمع الأعمال الأجنبي، صرح أحد مستشاري بديع بثقة أن أحد مجالات الاهتمام الخاص سيكون صناعة الخدمات النفطية، والتي سيتم التركيز في الكثير منها على إنتاج النفط الليبي. وصرح هذا المصدر بثقة أن كلاً من رئيس الوزراء الليبي عبد الرحيم الكيب والرئيس مصطفى عبد الجليل كان لهما ارتباط بجماعة الإخوان المسلمين خلال أيام دراستهما في مصر وأن ذلك سيسمح للإخوان المسلمين والحكومة المدنية الجديدة التي يأملون في تشكيلها في منتصف عام 2012، أن يكون لها نفوذ كبير على النظام الليبي الجديد. ويعتقد بديع أن هذه الصناعات النفطية ستكون ذات قيمة كبيرة للبلاد، وذلك بمجرد تشكيل الحكومة المصرية الجديدة في منتصف عام 2012.
تنويه: هذا النص العربي هو ترجمة دقيقة للأصل المنشور باللغة الإنجليزية في رسائل هيلاري كلينتون التي تم كشف السرية عنها على أن يتم التعامل مع كامل النصوص، وفق معايير الضبط العلمي والمنهجي عند الدراسة والتحليل.
رابط المصدر: