عادل رفيق
هذه الوثيقة من إيميلات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، والتي أرسلها سيدني بلومنتال، المسؤول السابق في مكتب الرئيس بيل كلينتون. وأحد المقربين من هيلاري كلينتون لفترة طويلة، إلى هيلاري رودهام كلينتون، وزيرة الخارجية، والتي أرسلتها بدورها إلى سوليفان جاكوب، نائب كبير موظفي الخارجية الأمريكية آنذاك، بتاريخ 14 يوليو 2012، تحت عنوان: “السياسة الداخلية في مصر” ومصنفة “سري” مع تنبيه بأن المعلومات التي تحتوي عليها “تأتي من مصدر حساس للغاية ويجب التعامل معها بعناية”، حيث تتناول كواليس العلاقة بين الرئيس المصري د. محمد مرسي والمجلس العسكري و الإخوان المسلمين بعد فوزه بالرئاسة في أواخر يونيو 2012.
وكانت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية في مصر قد أعلنت في الرابع والعشرين من يونيو 2012 فوز د. محمد مرسي في انتخابات الرئاسة على منافسه الفريق أحمد شفيق بنسبة 51.73% ليكون أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر الحديث، والرئيس الأول بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، والرئيس الخامس الذي يتولى سدة الحكم في مصر.
وقد اعتمدت الوثيقة في استقاء المعلومات التي وردت بها على مصادر خاصة قالت إنها على اتصال رفيع المستوى مع المجلس العسكري المصري والإخوان المسلمين بمصر، بالإضافة إلى أجهزة مخابرات غربية، وأجهزة أمنية محلية.
وقد جاءت الوثيقة على النحو التالي:
1- اعتباراً من أوائل يوليو 2012، استمرت الاجتماعات غير المعلنة بين كبار المسؤولين في مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين وضباط المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وفي أعقاب انتخاب محمد مرسي رئيساً لمصر عن حزب الحرية والعدالة / الإخوان المسلمين، كانت هذه الجلسات تدور حول اختيار لجنة لصياغة دستور وطني يحدد أدوار مختلف الأطراف (اللاعبين) في الهيكل السياسي المصري الجديد. على أن ضباط المجلس العسكري يواصلون التأكيد على أن قائدهم المشير محمد حسين طنطاوي وقادة الجيش الآخرين لا يريدون حكم مصر. وعوضاً عن ذلك، فإنهم يطالبون بضمانات بأن مكانتهم في المجتمع المصري سيتم تحديدها بوضوح واحترامها. ويشمل ذلك التحكم في ميزانيتهم ومنسوبيهم وهيكلهم التنظيمي. في المقابل، فإنهم سيحِدّوا من تدخلهم في الجهود التي يبذلها الإخوان المسلمين لإعادة تنظيم المجتمع المدني وفق المبادئ الإسلامية.
2- ومن جانبهم، يعتزم مرسي وحزب الحرية والعدالة وقيادة جماعة الإخوان المسلمين الاستمرار في الضغط على المجلس العسكري لنقل التحكم في السلطة إلى حكومتهم الجديدة. وقد جاءت دعوة مرسي لإعادة جلسات انعقاد البرلمان بمثابة مفاجأة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة؛ وفي سلسلة من الاجتماعات السرية التي كانت في بعض الأحيان يعتريها التوتر الشديد، أعربوا عن شعورهم بالإحباط، لكن ذلك لم يصل إلى حد التهديد. وبدلاً من ذلك، فقد ركز المجلس العسكري على حكم المحكمة العليا المصرية بإبطال بعض الجوانب المرتبطة بإجراءات الانتخابات البرلمانية التي أجريت في أوائل عام 2012. وفي نهاية الأمر، فإنه وفقاً لمصدر حساس، وافق طنطاوي ومستشاروه على السماح لمجلس النواب بالانعقاد ’في الوقت الحالي‘، طالما أن أعضاءه لا يوجهون أي تهديدات تشريعية خطيرة للجيش، أو يحاولوا تقييد حقوق الجماعات السياسية والعرقية والدينية الأخرى. واتفق الجانبان على أنه من المحتَّم أن يدلي أعضاء البرلمان بتصريحات تنتقد المجلس العسكري، لكن لن يتم اتخاذ أي إجراءات جادة للحد من مكانة الجيش. وبعد الاجتماع، حسب هذا المصدر، اتفق أفراد من جماعة الإخوان المسلمين وضباط المجلس الأعلى للقوات المسلحة بشكل غير رسمي على أنه سيتم الانتهاء من صياغة الدستور قبل نهاية عام 2012؛ حيث سيكون عندها قد تم البت في هيكل البرلمان وتحديد دوره ودور الإدارة الجديدة للبلاد. كما اتفقوا على أنه بغض النظر عن الهيكل النهائي للإدارة، فسيكون لمصر حكومة إسلامية، لكنها حكومة يمكنها أن تستمر كعضو في المجتمع العالمي.
3- وترى مصادر حساسة للغاية بأن كلاً من المجلس العسكري وجماعة الإخوان المسلمين يشعر بالقلق الشديد بشأن العلاقات المستقبلية مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية الرئيسية، ويواصلان العمل للحفاظ على إعطاء انطباع بالاستقرار في البلاد. ومع ذلك، فإنه يمكن توقع أن يحظى قادة الطرفين بدعم هذه القوى الأجنبية أثناء لقاءاتهم مع القادة المصريين في جلسات خاصة.
4- وفي محادثات منفصلة، ذكر مصدر حساس بشكل خاص، أن مسؤولي المجلس العسكري يراقبون الأمور بعناية بينما تقوم جماعة الإخوان المسلمين بوضع هيكل السلطة الخاص بها. ويرى هذا المصدر أن المرشد العام للجماعة محمد بديع ورئيس البرلمان سعد الكتاتني يشعران بالإحباط المتزايد تجاه مرسي، الذي كانوا ينظرون له باعتباره مرشحهم الرئاسي الاحتياطي الذي صعد في اللحظة الأخيرة. وهم يعتقدون أن مرسي، بعد فوزه في الانتخابات، يحاول أن يكرس وضعه كرئيس فعلي للدولة والحكومة، وهو بذلك يتصرف بما يتعارض مع استراتيجيتهم المتفق عليها لدعم هيكل دستوري يضع سلطات الحكومة في يد البرلمان ورئيس الوزراء، مع قَصْر دور الرئيس على كونه رئيساً شرفياً للبلاد. ويراقب ضباط المجلس العسكري الوضع من خلال مصادرهم السرية ويعتقدون أن هذا الصراع سيشتد بشكل متزايد مع بدء عمل اللجنة الدستورية.
5- وبالإضافة إلى ذلك، بحسب هذا المصدر، فإن بديع يشعر بالقلق من الشخصية القتالية لمرسي، حسبما يراه، وكذلك صراعاته الشخصية طويلة الأمد مع قادة حزب النور السلفي. ويرى الكتاتني أن هذه العلاقة (مع حزب النور) تبقى مهمة، حتى لو تم انتخاب برلمان جديد، حيث يجب أن يعتمد الإخوان المسلمون / حزب الحرية والعدالة على أعضاء البرلمان من حزب النور السلفي للحصول على أغلبية ثلاثة أرباع المقاعد، مما يسمح لهم باتخاذ القرارات الصعبة التي يتوقعون اتخاذها خلال 2012-2013 أثناء تنظيم الإدارة المدنية للبلاد.
6- وبالإضافة إلى ذلك، بحسب هذا المصدر، فإن لدى مرسي إشكالية في العلاقة مع قادة المملكة العربية السعودية الذين يدعمون السلفيين منذ فترة طويلة، ولا سيما حزب النور. وقد كانت الحكومة المصرية تعاني من عجز كبير (في الميزانية) منذ الثورة في حين أن احتياطي النقد الأجنبي للبلاد كان على وشك النضوب. وقد قدمت المملكة العربية السعودية قروضاً طارئة للحكام العسكريين المؤقتين للبلاد، لكن هذا الدعم قد ينتهي إذا قام مرسي باستعداء السلفيين. ومع ذلك، فإن هذا المصدر غير مقتنع بأن المساعدة السعودية يمكن أن تحقق الاستقرار في مصر حتى في ظل أفضل الظروف. حيث تعاني مصر من عجز تجاري لا يقل عن 3 مليارات دولار شهرياً؛ ومع تقلص مصادر الإيرادات الأخرى بسبب الفوضى السياسية، فإن الاحتياجات المالية السنوية للبلاد تتجاوز 20 مليار دولار. وتُعتبر مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، حيث تعتمد على الواردات لسد نصف احتياجاتها الغذائية. وبينما يمكن أن تحدّ مصر من واردات الوقود سعياً للحد من عجزها التجاري، إلا أن البلاد كانت تعاني من نقص حاد في المعروض من البنزين خلال العام الماضي. ويبدو أن هذا النقص يزداد سوءاً. وبناءً على ذلك، ونظراً لعدم ثقة السعودية في مرسي وبعض قادة الإخوان المسلمين الآخرين، فإن بديع سيواصل الحفاظ على علاقتهم مع النور والسلفيين، بينما يواصلون حوارهم مع المجلس العسكري.
7- ووفقاً لهذا المصدر الحساس للغاية، فإن العلاقة بين الإخوان المسلمين والمجلس العسكري ستستمر، حتى ولو كان يعتريها توتر متزايد، خاصة إذا شعر المجلس العسكري بأن الحكومة المدنية قد تتجه إلى التعدي على تحكمهم في مصيرهم. ففي نوفمبر 2012، اتفق المجلس العسكري والإخوان المسلمين على تجنب الاحتجاجات العنيفة في ميدان التحرير مقابل موافقة المجلس العسكري على إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها. لكن الاتفاق انهار في مارس، عندما هدد المجلس الأعلى للقوات المسلحة لأول مرة بحل البرلمان؛ ورداً على القوة المتزايدة لمرشح حزب النور، تخلت جماعة الإخوان عن وعدها بأنها لن تقدم مرشحاً لها في انتخابات الرئاسة. ويرى هذا المصدر أنه من غير المرجح أن تقبل جماعة الإخوان المسلمين بقيود طويلة المدى على السلطة التي فازت بها في الانتخابات. وفي حوارات خاصة، صرح بديع وقادة الإخوان المسلمين بأنهم يعتقدون أن الجيش في النهاية هو مِلْك الشعب، وأنهم مقتنعون بأن المدنيين سيطالبون بالرقابة على الجيش يوما ما في المستقبل. وعند هذه النقطة، سيتطور الصراع الحقيقي بين الإخوان المسلمين والمجلس العسكري.
8- ويضيف هذا المصدر الحساس بشكل خاص أن المواجهة التي طال انتظارها بين المجلس العسكري والإخوان المسلمين قد تأخرت، مما خفف الوطأة على الكثير من المصريين. وقد تراجع قادة الإخوان والمجلس العسكري عن الوضع (المتأزم) الذي كان قائماً قبل أسابيع قليلة، عندما جاء عشرات الآلاف من المتظاهرين ومعظمهم من الإسلاميين إلى ميدان التحرير، وأعلن بعضهم أنهم مستعدون للموت إذا تم تنصيب اللواء المتقاعد أحمد شفيق رئيساً. ومع ذلك، فإن الهدوء الحالي ومحاولة الإخوان المسلمين الظهور بشكل احتوائي في الوقت الذي يقومون فيه بمحاولة استيعاب المجلس العسكري، لن يدوم إلى الأبد. ولكن جماعة الإخوان المسلمين ستستثمر هذه الفترة من الهدوء لبناء شرعيتها على أنها الحزب الحاكم المقبل لمصر، مع استئناف مساعيها من أجل الحصول على مزيد من السلطة بمجرد أن تهدأ سخونة الأحداث. ويستند المجلس العسكري ومختلف الأحزاب المعارضة لإدارة جماعة الإخوان المسلمين / حزب الحرية والعدالة / حزب النور على اعتقادهم بأنه على الرغم من سيطرة الإسلاميين على 75 في المائة من مقاعد البرلمان، إلا أن مرسي فاز بالرئاسة بهامش ضئيل للغاية مقابل جنرال سابق هناك إشكالية حول سمعته، حتى ولو كان يحظى بدعم طنطاوي وقادة المجلس العسكري. ويعتقد هذا المصدر المطلع قريب الصلة بكل من المجلس العسكري وجماعة الإخوان المسلمين، أن الإدارة التي يقودها الإخوان المسلمون بإمكانها أن تطور هيكلًا إدارياً ديمقراطياً فعالاً، لكنهم يعملون وفقاً لجدول زمني تمليه عليهم التوترات السياسية الخارجة عن سيطرتهم.
تنويه: هذا النص العربي هو ترجمة دقيقة للأصل المنشور باللغة الإنجليزية في رسائل هيلاري كلينتون التي تم كشف السرية عنها على أن يتم التعامل مع كامل النصوص، وفق معايير الضبط العلمي والمنهجي عند الدراسة والتحليل.