هذه الوثيقة من إيميلات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون والتي أرسلها سيدني بلومنتال، المسؤول السابق في مكتب الرئيس بيل كلينتون. وأحد المقربين من هيلاري كلينتون لفترة طويلة، إلى هيلاري رودهام كلينتون، وزيرة الخارجية، والتي أرسلتها بدورها إلى سوليفان جاكوب، نائب كبير موظفي الخارجية الأمريكية آنذاك، وذلك بتاريخ 31 يناير 2011، جاءت بعنوان: “معلومات استخباراتية هامة عما يحدث في مصر”. تناولت الوثيقة معلومات استخباراتية عن مبارك وعمر سليمان والجيش والثوار خلال ثورة 25 يناير.
من أهم ما جاء في الوثيقة أن مبارك كان قد وعد عمر سليمان بمنصب نائب الرئيس على مدى خمسة عشرة عاماً، لكنه لم يفعل أبداً، وذلك لأن مبارك كان يخشى إن عيّنه في المنصب أن يخلفه سليمان في الحكم بدلاً من ابنه جمال؛ ولذلك لم يسمح حتى بأن يشغل سليمان الوظيفة ولو لفترة مؤقتة بينما يتم إعداد جمال لها.
ونسبت الوثيقة المعلومات والتحليلات التي وردت بها إلى اثنين من ضباط المخابرات الأمريكية وهما تايلر سكوت درامهيلر، وهو ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي ايه) حيث شغل منصب رئيس القسم الأوروبي للعمليات السرية في مديرية العمليات من عام 2001 حتى تقاعد في عام 2005؛ وكذلك والتر باتريك لانج، وهو ضابط متقاعد بالجيش الأمريكي ومحلل استخباراتي خاص، ومؤلف؛ وبعد تركه الخدمة العسكرية وهو برتبة عقيد، شغل مناصب رفيعة المستوى في المخابرات العسكرية كمدني.
وقد جاءت الوثيقة على النحو التالي:
يقول سيدني بلومنتال مخاطباً هيلاري كلينتون: لقد أجريت اليوم محادثات مع تايلر درامهيلر وبات لانج حول الأزمة المصرية. حيث كان درامهيلر على اتصال وثيق بمسؤولي استخبارات أوروبيين رفيعي المستوى وله مصادر مباشرة على الأرض في مصر. أما لانج فهو صديق قديم لعمر سليمان.
وفيما يلي ملاحظات حول المعلومات التي لديهم، والخيارات التي تمخضت عنها محادثاتنا:
1- كانت الأوضاع في الإسكندرية والسويس أسوأ بكثير مما كانت عليه الأوضاع في القاهرة – لا شرطة ولا حكومة ولا قضاة؛ وهناك المزيد من العنف والمزيد من الوفيات. يريد الجيش أن يحافظ على نفسه، وهذا يعني أن على مبارك أن يرحل. ولكنه يريد أن يستمر لأسبوعين حتى لا يكون مضطراً إلى الفرار.
2- في الخريف الماضي، فقد سليمان حظوته لدى مبارك لسبب غير معروف، ربما بسبب طموح (ابنه) جمال. حيث تعرض سليمان لسوء المعاملة والمضايقة من قبل مبارك. وكان سليمان قد وُعد بمنصب نائب الرئيس على مدى خمسة عشرة سنة، لكنه لم يحصل عليه أبداً، لأن مبارك كان يخشى أن يخلفه (سليمان) بدلاً من (ابنه) جمال. كان من المفترض أن يشغل سليمان الوظيفة أثناء فترة تدريب جمال، لكن هذا لم يحدث أبداً. وسليمان لا يحظى بشعبية لدى بقية العسكريين. إنه ينتمي للمخابرات وليس للجيش. وعلى الرغم من أنه لم يكن مكروهاً، لكن الجيش كان يعرف أيضا أنه لم يكن مقبولاً لدى الناس في تلك الفترة.
3- كان الجيش يعلم أنه يجب أن يتوصل إلى تسوية مع الإخوان المسلمين ولذلك كان يتجه للتواصل معهم. كان معظم قيادات الإخوان المسلمين من المتشددين يقبعون في السجون. وكان الجيش يتحاور مع المعتدلين منهم. لا يوجد خميني ولا نصرالله هناك. فالمشكلة ليست في الإخوان المسلمين. المشكلة هي مستوى التدين العام بين الطبقات الدنيا التي تفتقر إلى الوظائف.
4- كان الجيش يريد أن يكون الرئيس جنرالاً عسكرياً وأن يكون رئيس الوزراء مدنياً، شخصاً مثل البرادعي، لكن ربما ليس البرادعي، الذي كان يفتقر إلى قاعدة سياسية، رغم أن شعبيته كانت آخذة في التصاعد.
5- ويسيطر الجيش على الوضع، على الأقل حتى الآن. هذه ليست مجموعة من الشباب يلعبون بوسائل التواصل الاجتماعي كما تصورها الصحافة الأمريكية. ومع ذلك، فإن الوضع يمكن أن يذهب في أي من الاتجاهين. بيد أن قمع الحشود سيعني تدفق حمام من الدم وهذا لم يكن مقبولاً بالنسبة للجيش. وكذلك فالجيش يكره الشرطة. ففي عام 1985، حارب الجيش الشرطة في الشوارع. وتتوارى الشرطة عن الأنظار أو تختفي تماماً في بعض الأماكن. وقد كان رجال الشرطة يحرقون زيهم الرسمي.
6- ويعلم الجيش أن على مبارك أن يرحل. لكن متى؟ فإذا استمر لفترة طويلة جداً (في السلطة)، فسيخرج الوضع عن السيطرة. وقد يكون بقاؤه لأسبوع آخر فترة طويلة للغاية. وعلى هيئة أركان الجيش أن تنظر إلى عيني مبارك وأن تطلب منه في وجهه أن يرحل. هل فعلوها؟ هل يمكنهم؟ يعرفون أنه لا يستطيع البقاء، لكن هل يرغمونه على المغادرة؟
7- سيكون السيناريو الأفضل هو الانتقال إلى الانتخابات (المبكرة) مع عمر سليمان كرئيس مؤقت للبلاد. لكن حتى هذا الأمر قد يكون محفوفاً بالمخاطر في هذه المرحلة. وكل يوم يبقى فيه مبارك، فإن هناك احتمالية وقوع كارثة تلوح في الأفق بشكل أكبر.
8- وبعد بعض المواقف الأولية السيئة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية، فإن حكومة الولايات المتحدة تصرفت بشكل صحيح من خلال تصريحاتك التي صدرت يوم الأحد (مخاطباً هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية آنذاك). لقد ذهبت فكرة دعم مبارك إلى غير رجعة. ودعوة أوباما لمبارك (بالرحيل) لن تجدي نفعاً. ولا يمكنه أيضاً أن يكون هو نفسه الرسول الذي يبلغه بهذه الرسالة. ويجب الثناء على الجيش (في مصر) لضبط النفس في بداية الأمر لتسهيل الانتقال. لكن قد تضطر الولايات المتحدة إلى إرسال مبعوث للقاء مبارك وجهاً لوجه وإبلاغه أن عليه الرحيل. قد يكون هذا الشخص هو الأدميرال مولين، لكن هذا يضع الأمر في سياق عسكري إلى عسكري. والمصريون أيضاً لا يحترمون كولن باول. ولذلك، فمن المحتمل أن يكون هذا الشخص هو جيمس بيكر، فهو من يمكنه القيام بهذه المهمة. إن انتظار أسبوع بأكمله أمر طويل للغاية.
تنويه: هذا النص العربي هو ترجمة دقيقة للأصل المنشور باللغة الإنجليزية في رسائل هيلاري كلينتون التي تم كشف السرية عنها على أن يتم التعامل مع كامل النصوص، وفق معايير الضبط العلمي والمنهجي عند الدراسة والتحليل.
رابط المصدر: