تشير هذه الوثيقة من إيميلات هيلاري كلينتون المؤرخة بـ 2 مارس 2011، المنسوبة إلى مصادر أمنية ومخابراتية، وقامت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون بدورها بإرسالها إلى شخصية هامة في مكتب الرئيس الأمريكي، حول الثورة الليبية، عن قيام المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر آنذاك، بإرسال قوات خاصة مصرية بشكل سري إلى ليبيا لمعاونة المجموعات العسكرية التي تشكلت لمقاومة دكتاتور ليبيا معمر القذافي قبل الإطاحة به بعد ذلك
وتشير الوثيقة أيضاً إلى التوصية بالحرص على أن يبتعد خطاب المسؤولين الأمريكيين عن التهجم بشكل مباشر على القذافي، للحيلولة دون استخدامه ذلك الأمر في الادعاء أمام شعبه بأنه يواجه مؤامرة غربية على بلاده.
قوات خاصة مصرية للإطاحة بالقذافي
تؤكد الوثيقة إلى أن “التزام القوات الخاصة المصرية بالإطاحة بالقذافي لا يعزى فقط إلى العداء المصري القديم للقذافي، ولكن أيضاً إلى اعتقاد المصريين أن مستقبلهم الاقتصادي قد يكون مدعوماً بشكل كبير بالنتائج التي سيتمخض عنها الحراك في ليبيا، والعلاقة مع ليبيا ما بعد القذافي.”
ففي أواخر فبراير 2011، أمر المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر ورئيس أركان الجيش، سامي عنان، وحدات العمليات الخاصة السرية الخاصة بالجيش المصري بالبدء بحذر في تقديم الدعم للقوات الليبية التي كانت تقاتل ضد معمر القذافي.
حيث عبَر ضباط من هذه الوحدات السرية الحدود إلى ليبيا وأجروا اتصالات مع ممثلين عن المجلس الوطني الليبي في بنغازي وبدأوا في مناقشة كيفية تقديم الدعم والأسلحة لقوات المعارضة. كانت هذه المساعدة ذات قيمة خاصة حيث تم تشكيل هذه القوات المناهضة للحكومة في وحدات عسكرية بدائية من قبل ضباط الجيش الليبي الذين انتقلوا إلى صفوف المعارضة.
هذه القوات الخاصة المصرية كانت تعمل بحذر شديد، حيث إن طنطاوي وأعضاء المجلس العسكري الآخرين كانوا حريصين ألا تظهر هذه الأنشطة العسكرية للعلن بأي شكل من الأشكال.
وحسب مصادر مطلعة، فإن طنطاوي وعنان وأعضاء المجلس العسكري كانوا يرغبون في أن تنجح قوى المعارضة في قتالها ضد القذافي، حتى تعيد الاستقرار إلى ليبيا. حيث كان القادة المصريون يشعرون بقلق بالغ إزاء انفجار أزمة لاجئين على طول حدودهم، وخطر استغلال “إرهابيين محتملين” للوضع ودخول مصر.
ومن المعروف أن القادة العسكريين المصريين كانوا يحملون عداء طويل الأمد تجاه معمر القذافي، لا سيما فيما يتعلق بالنزاعات الإقليمية حول المنطقة الغنية بالنفط على طول الحدود الجنوبية الشرقية لليبيا.
ولذلك فإن السلطات المصرية تسمح لمؤيدي تحالف القوى الوطنية بجلب الأموال عبر الحدود من أجل دعم أنشطة قوات المعارضة المناهضة للقذافي. ويتم إدارة هذا البرنامج تحت ضوابط أمنية مشددة للغاية؛ ومع ذلك، أضاف مصدر حساس بشكل خاص أن عدداً محدوداً من ضباط العمليات الخاصة المصريين يساعدون قوات المعارضة في دفاعها الناجح عن مدينة الزاوية ضد الهجمات المتكررة التي يشنها ما يصل إلى 2000 جندي موالون للقذافي.
ووفقاً لمصادر مطلعة، فإن قوات العمليات الخاصة المصرية تعمل على شكل فرق صغيرة تحت غطاء أنهم ليبيون من المنطقة الحدودية مع مصر. كما يرغب طنطاوي وعنان وقادة مصر الآخرون في رؤية حقول النفط الليبية تعود إلى السعة الكاملة للإنتاج في أسرع وقت ممكن. حيث تعتبر التحويلات النقدية التي يرسلها المصريون العاملون في هذه المجالات بليبيا إلى بلادهم مصدراً رئيسياً لموارد البلاد من العملة الصعبة. وأن هذه التحويلات ستكون مهمة بشكل خاص حيث يحاول المجلس الأعلى للقوات المسلحة والحكومة الجديدة التي تليه تحسين الوضع الاقتصادي في مصر.
الوضع في ليبيا قبل الإطاحة بالقذافي
وبحسب مصادر في ليبيا، فإن المجلس الوطني الليبي ورئيسه وزير العدل الليبي السابق مصطفى محمد عبد الجليل يعملان على إنشاء نظام منتظم ومنظم لتوفير الغذاء والمواد الأساسية الأخرى لأهالي بنغازي وشرق ليبيا. حيث يقوم المجلس الوطني التشريعي بالمضي بحذر في هذا الجهد، ويقاوم إغراء تسمية نفسه حكومة مؤقتة في محاولة لتجنب إغضاب الجماعات الأخرى المناهضة للقذافي. ومع ذلك، فهم يواجهون نقصاً في ذلك يجب عليهم معالجته لتجنيب الأهالي عواقب غير مرغوبة.
في الوقت نفسه، صرح مستشار للقذافي أن الزعيم الليبي – حيث كان في سدة الحكم في هذا الوقت – لا يزال واثقًا من قدرته على تجاوز هذه الأزمة واستعادة السيطرة على البلاد.
ومع استمرار الثورة، اتفقت الدائرة التي تحيط القذافي مع مجموعة من أفراد الأسرة وأنصار القذافي القدامى، على الدفاع المستميت عنه، حيث يشعر الكثير منهم أنه إذا سقط القذافي، فسيتم محاسبتهم على الأنشطة التي كانوا يقومون بها نيابة عنه.
ووفقًا لمصدر موثوق من الداخل، فإن القذافي وأبناءه كانوا مستعدين لخوض حرب أهلية شاملة ضد بنغازي إذا تم تشكيل حكومة ثورية هناك. ويضيف المصدر أن القذافي يعتقد أيضاً أن الثورة ضد حكومته يتم تمويلها ودعمها من قبل الأنظمة الأجنبية والمصالح التجارية والإسلاميين المعادين له ولعائلته.
وصف القذافي بالجنون يرفع مصداقية خطابه
وأضاف المصدر أن التصريحات السياسية لكبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية تؤجج غضب القذافي الذي يشعر بالخيانة له من قبل الحكومات الغربية. ومع ذلك، يعتقد القذافي وأبناؤه أن التهجمات الشخصية من قبل سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، والعديد من السياسيين الأمريكيين، الذين يصفون الزعيم الليبي بأنه “مجنون” أو “واهم”، تعمل على إعطاء مصداقية لادعائه بأن الثورة يتم تنظيمها ودفعها من خلال المصالح الأجنبية.
لذلك يقول المسؤول الأمني الذي أرسل هذه الرسلة إلى هيلاري كلينتون بأنه تم إبلاغه بشكل خاص بهذه المعلومات الحساسة، حول هاتين النقطتين الهامتين:
1- التزام القوات الخاصة المصرية التي قام بإرسالها طنطاوي سراً إلى ليبيا بالإطاحة بالقذافي، نظراً للعداء التاريخي مع القذافي ولأسباب اقتصادية وأمنية.
2- إطلاق الأوصاف بالجنون والوهم على القذافي من قبل بعض المسؤولين الأمريكيين يقوي مقاومته ضد الحراك الشعبي المطالب بتنحيه عن الحكم، حيث يستخدمها داخلياً لدعم قضيته هو وأتباعه، بالادعاء بأنه يحارب الإمبريالية الغربية / الإسرائيلية، والمصالح الأجنبية، وما إلى ذلك، وفقًا لأحد مستشاريه.
ولكن بالتأكيد يختلف هذا الخطاب التهجمي الفج ضد القذافي من قبل كبار المسؤولين الغربيين والحكومات الغربية عن الإدانات الرسمية لحكم القذافي وسياساته التعسفية.
وهكذا نرى المتابعة والرصد الدقيق لكل ما يجري في أي حراك شعبي أو تحركات عسكرية في العالم العربي، من قبل أجهزة المخابرات الأمريكية والغربية عموما، حيث يصب ذلك مباشرة على شكل تقارير سرية، لدى الدبلوماسية الغربية لرسم خططها ونسج مواقفها، تجاه ما يحث في عالمنا العربي سواء إبان موجة الربيع العربي الأولى أو ما بعدها.
وكما حاول حسني مبارك في مصر تصوير الثورة ضده بأنها مؤامرة غربية، كما تقول أحد الوثائق من إيميلات هيلاري كلينتون، فإن نفس الأسطوانة استخدمها القذافي لتفسير الحراك الثوري ضده، وهو مالم ينجح فيه أي منهما، وأصبحا الآن من الماضي.
تنويه: هذا النص العربي هو ترجمة دقيقة للأصل المنشور باللغة الإنجليزية في رسائل هيلاري كلينتون التي تم كشف السرية عنها
رابط المصدر: