رحاب الزيادي
تضفي مقاطعة الكتل السياسية، المشاركة في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، على المشهد العراقي، مزيدًا من التعقيد. حيث قاطعها كل من التيار الصدري، والحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف السيادة، وكذلك قوى الإطار التنسيقي، وتم تأجيلها نظرًا لعدم اكتمال النصاب القانوني (أي تصويت ثلثي أعضاء مجلس النواب، بما يقدر بـ220 نائبًا من 329 نائبًا)، حيث لم يتجاوز عدد النواب الحاضرين سوى 25 نائبًا، وكان من المقرر انعقاد هذه الجلسة في 7 فبراير 2022، وذلك وفقًا للنص الدستوري، يتم عقدها خلال ثلاثين يومًا من تاريخ انعقاد الجلسة البرلمانية الأولى، والتي عقدت في 9 يناير 2022، وأن عدم عقدها يمثل مخالفة للنص الدستوري، ويؤثر على الاستحقاقات التالية من حيث تشكيل الحكومة واختيار رئيس الوزراء.
السياق العام
تضيف هذه الأزمة مزيدًا من التعقيد على تشكيل الحكومة وعدم التوافق حولها، حيث الخلاف الشيعي-الشيعي والصراع ما بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري، الحاصل على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات التشريعية التي عقدت في 10 أكتوبر 2021، ورغبته في تشكيل حكومة أغلبية (من الأحزاب الفائزة في الانتخابات)، حيث ضم تحالف الصدر كلًا من التيار الصدري (73 مقعدًا)، والحزب الديمقراطي الكردستاني (31 مقعدًا)، وتحالف السيادة (عزم وتقدم) 67 مقعدًا، وهم بذلك يمتلكون أكثر من نصف أعضاء البرلمان بحوالي 171 مقعدًا من إجمالي 329 مقعدًا.
في حين يرغب تكتل الإطار التنسيقي في تشكيل حكومة توافقية (حكومة محاصصة طائفية وحزبية)، ويضم تكتل الإطار كلًا من: دولة القانون برئاسة نوري المالكي، وتيار الفتح برئاسة هادي العامري، وائتلاف قوى الدولة برئاسة عمار الحكيم، وائتلاف النصر برئاسة حيدر العبادي. كما يرفض مقتدى الصدر التحالف مع نوري المالكي، وقد صرح بذلك عبر صفحته على توتير في 25 يناير 2022: “أبلغت العامري والفياض برفضي التحالف مع المالكي”.
لذلك، يستمر التصعيد من قبل تكتل الإطار التنسيقي، والذي تمثل في استهداف منزل رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي بمدينة الكرمة شرق محافظة الأنبار من خلال صواريخ كاتيوشا في 25 يناير 2022، وتتورط فيه فصائل موالية لإيران وللإطار التنسيقي، بعد التأكيد من خلال مسئولين أمنيين في محافظة الأنبار أنه تم تنفيذ الهجوم من منطقة ذراع دجلة الواقعة على الحدود الإدارية بين الأنبار ومدينة سامراء، وهي خاضعة لنفوذ كتائب حزب الله العراقي، وقد تزامن هذا الهجوم مع قرار المحكمة الاتحادية بدستورية الجلسة البرلمانية الأولى، والذي عزز من موقف التيار الصدري بتشكيل حكومة أغلبية، إلا أن هذا التصعيد من قبل القوى الرافضة يهدف إلى الضغط على الصدر والقوى المتحالفة معه، لتغيير موقفها تجاه شكل الحكومة القادمة، ورغبة هذه القوى في المشاركة بها حتى لا يتراجع وزنها في المشهد العراقي.
أيضًا تعرض مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى هجوم بقنبلة يدوية، وكذلك شهدت مقار حزبية تابعة لتحالفي (عزم وتقدم) السنيين لهجوم بطائرات مسيرة، مما يبعث برسائل أن خيار الاضطرابات الأمنية سيظل خيارًا قائمًا من جانب القوى الشيعية التي تراجعت في هذه الانتخابات، بالإضافة إلى محاولات لترويع الكتل السياسية التي تتحالف مع مقتدى الصدر، ويؤكد ذلك التهديدات التي جاءت على لسان أبو علي العسكري المتحدث باسم مليشيا كتائب حزب الله العراقي في 10 يناير 2022 قائلًا: “أيام عصيبة ستمر على العراق، يكون الجميع فيها خاسرًا”، وحذر من خطورة مصادرة حق الأغلبية، في إشارة إلى قوى الإطار التنسيقي.
ناهيك عن الخلاف الكردي-الكردي وعدم التوافق بين الحزبين الكرديين الرئيسيين (الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة بافل طالباني) حول منصب رئاسة الجمهورية، حيث يصر الأول على الرئيس برهم صالح، بينما يتمسك الأخير بمرشحه هوشيار زيباري الذي سبق أن شغل وزارتي الخارجية والمالية كمرشح لمنصب رئاسة الجمهورية.
الإطار الدستوري
وفقًا للدستور العراقي بعد ظهور النتائج النهائية وإعلانها من قبل المفوضية العليا للانتخابات والمصادقة عليها، يدعو رئيس الجمهورية، مجلس النواب للانعقاد خلال 15 يومًا من تاريخ المصادقة على نتائج الانتخابات، وينتخب مجلس النواب في أول جلسة رئيسًا، ثم نائبًا أول، ونائبًا ثانيًا بالأغلبية المطلقة، وتكون مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب أربع سنوات.
أما فيما يتعلق بمنصب الرئاسة، فتنتهي ولاية رئيس الجمهورية بانتهاء دورة مجلس النواب، ويستمر رئيس الجمهورية في ممارسة مهامه إلى ما بعد انتهاء انتخابات مجلس النواب الجديد واجتماعه، على أن يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال 30 يومًا من تاريخ أول انعقاد للمجلس.
وفما يخص رئيس الحكومة، يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددًا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية، ويتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف تسمية أعضاء وزارته خلال مدة أقصاها 30 يومًا من تاريخ التكليف.
وفي حالة إخفاق رئيس مجلس الوزراء المكلف في تشكيل الوزارة خلال المدة المنصوص عليها يكلف رئيس الجمهورية مرشحًا جديدا لرئاسة مجلس الوزراء خلال 15 يومًا، ويعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف أسماء أعضاء وزارته والمنهاج الوزاري على مجلس النواب ويعد حائزًا ثقتها عند الموافقة على الوزراء منفردين والمنهاج الوزاري بالأغلبية المطلقة. وفي حال عدم نيل الثقة يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح آخر بتشكيل الوزارة خلال خمسة عشر يومًا.
ملاحظات أساسية
- في ضوء الانتخابات البرلمانية المنعقدة في العاشر من أكتوبر، ووفقًا للحالة العراقية، جرى العرف على أن يكون رئيس البرلمان من العرب السنة وله نائب كردي وآخر شيعي، ورئيس الحكومة من الشيعة ورئيس الجمهورية من الأكراد. ويتنافس في ضوء ذلك حوالي 25 مرشحًا لرئاسة الجمهورية، لكن جاء قرار المحكمة الاتحادية في 6 فبراير 2022 بإيقاف إجراءات ترشيح عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري لرئاسة الجمهورية، إلى حين حسم الدعوى المقامة ضده في المحكمة الاتحادية لتورطه في قضايا تتعلق بفساد مالي وإداري، ومن ثم تؤثر استمرار أزمة عدم اختيار الرئيس على الاستحقاقات التالية من حيث تشكيل الحكومة ورئيسها.
- ربما تكون مقاطعة مقتدى الصدر للمشاركة في جلسة اختيار الرئيس، فرصة للبيت الكردي لترتيب الأوراق وتوحيد الرؤى، والاستقرار على مرشح واحد، خاصة أن الاتحاد الوطني الكردستاني يصر على ترشيح الرئيس برهم صالح لولاية ثانية. كما يترشح آخرون داخل الاتحاد لرئاسة الجمهورية، منهم وزير الموارد المائية الأسبق عبداللطيف رشيد، والقاضي السابق في المحكمة الجنائية رزكار محمد أمين. وأن هناك رغبة من قبل مقتدى الصدر بأن يكون الاتحاد الوطني الكردستاني ضمن تحالف تشكيل الحكومة القادمة، وليس المعارضة، وأن استمرار الصراع بين الأحزاب الكردية سيؤدي إلى مزيد من التعقيد في المشهد السياسي والحزبي، وكذلك يؤثر على تحالف الصدر لتشكيل الحكومة. وفي حال تبرئة مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني زيباري، تكون المنافسة بينه وبين الرئيس الحالي برهم صالح القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني.
- اعتبر البعض أن الكلمات التي عبر بها مقتدى الصدر عبر صفحته الرسمية على تويتر في 4 فبراير سوف تؤثر على تحالفه لتشكيل الحكومة قائلًا: “إذا لم يكن مرشح الحزب الديمقراطي الحليف -بل مطلقًا- لرئاسة الجمهورية مستوفيًا الشروط، فأدعو نواب الإصلاح لعدم التصويت له”، لكن ربما تبعث برسالة مفادها رغبة الصدر في الإصلاح واستبعاد أي رموز فاسدة حتى ولو في إطار التحالف، وسرعان ما أجرى الصدر اتصالًا هاتفيًا بعدها بمسعود بارزاني في 5 فبراير 2022 يؤكد فيه على تماسك التحالف الاستراتيجي، وعلى الإسراع في تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية لتلبية تطلعات الشعب العراقي، ومصالح الدولة، وربما يمثل ذلك ردًا على ما جاء من ترويج البعض لخلافات تؤثر على تحالف الصدر لتشكيل الحكومة.
- من ناحية أخرى، تمثل مقاطعة باقي الكتل للمشاركة في جلسة اختيار الرئيس بهدف إتاحة مزيد من الوقت للضغط على الصدر من قبل كتل الإطار التنسيقي للمشاركة في تشكيل الحكومة. وعبر عن ذلك البيان الصادر عن قوى الإطار التنسيقي في 6 يناير 2022 قبل موعد الجلسة، وجاء فيه: “انطلاقًا من رؤية واضحة ودقيقة لما يمر به الواقع السياسي من انسداد ناتج عن الفوضى التي أنتجتها الانتخابات الماضية، كان موقف الإطار وحلفائه واضحًا بضرورة عدم انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية قبل إكمال التفاهمات، ولذلك فإن موقفنا لا يزال كما هو، ونرحب بمواقف القوى التي اتخذت نفس قرارنا تجاه جلسة يوم الاثنين 7 فبراير، وندعو إلى مزيد من التشاور للوصول إلى حلول واقعية ومقبولة وإكمال كافة الاستحقاقات الدستورية”. كما أن هناك رغبة في تحقق سيناريو انتخابات 2018، حيث تقدم التيار الصدر بـ53 مقعدًا، وتدخلت إيران -آنذاك- لحل الخلاف بين التيارات الشيعية، ونجحت في قبول الصدر بحكومة توافقية بدلًا من حكومة أغلبية.
ختامًا، يمكن القول إن التصعيد والصراع السياسي من قبل الكتل السياسية في العراق هي سمة تطغى على الوضع هناك، نظرًا لتعدد الكتل السياسية والطائفية، وتداخلها مع ولاءات خارجية بما يؤثر على مصلحة الدولة الوطنية والتي قد تستمر لبعض الوقت، لذا يتعين التشاور والتنسيق بين الأطراف المختلفة أولًا، حتى يتم استكمال الاستحقاقات التالية.
.
رابط المصدر: