قال الرئيس البيلاروسي، “ألكسندر لوكاشينكو”، الجمعة، إن بلاده قامت بالفعل بإعادة تجهيز بعض طائراتها العسكرية لحمل رؤوس حربية نووية. حيث قال، “لقد قلنا أنا وبوتين ذات مرة في سانت بطرسبرج، إننا سنحول أيضًا الطائرات من طراز “SU-24″ البيلاروسية بشكل يجعلها تتمكن من حمل أسلحة نووية. ما رأيكم؟ هل نحن نلوك ألسنتنا؟ إن كل شيء جاهز!”. وأكد “لوكاشينكو” على جاهزية بلاده واستعدادها للرد بشكل مناسب على التهديدات الموجهة إليها من الغرب.
وتظهر هذه التصريحات في توقيت عالمي حرج، تتصاعد فيه المخاوف من إمكانية وقوع انفجار نووي بشكل متعمد أو جراء خطأ، وسط الصراعات المحتدمة التي تجري في محيط المحطات النووية بمناطق الصراع الروسي الأوكراني. بشكل يطرح تساؤلات حول كيفية تفسير هذه التصريحات في ضوء الدور الذي يُقحم به “لوكاشينكو” بلاده في مجرى الحرب.
“لوكاشينكو” والتلويح بالنووي: هل هي المرة الأولى؟
يقول الرئيس البيلاروسي إنه كان قد اتفق على هذا التطوير في وقتٍ سابق من العام الحالي، وتحديدًا خلال اجتماع له مع الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، في يونيو الماضي بسانت بطرسبرج. عندما طلب من روسيا المساعدة في تحديث الطائرات البيلاروسية. غير أن تصريحات، “لوكاشينكو”، المستمرة بشأن ما يتعلق بالأسلحة النووية ليست هي الأولى من نوعها، بل إنها لا تنفك تتكرر في الكثير من المناسبات، التي يرجع بعضها إلى توقيت ما قبل اندلاع الحرب في فبراير 2022.
ففي ديسمبر 2021، قال الرئيس الروسي خلال مقابلة أجراها مع وكالة “ريا نوفوستي” الروسية، إن بيلاروس ستعرض على روسيا نشر أسلحة نووية على أراضيها إذا تصرف الناتو بطريقة مماثلة على الأراضي البولندية. وبعد ذلك، صرح وزير الخارجية الروسي، “سيرجي لافروف”، إن كلمات “لوكاشينكو” يجب أن تؤخذ كتحذير للغرب.
وبتاريخ 9 مايو، تحديدًا بالتزامن مع حضوره لاحتفالات يوم النصر الروسي، تلقى “لوكاشينكو”، سؤالاً من أحد الصحفيين بـ “ما هي حقيقة المعلومات التي ظهرت مؤخرًا على الإنترنت التي تفيد بأن بولندا على وشك مهاجمة بيلاروسيا وبأنها تقوم الآن بإجراء تدريبات عسكرية واسعة النطاق على أراضيها؟!” ورد “لوكاشينكو”، مؤكدًا أن هذا أمر مقلق وأن بلاده تراقب الوضع بعناية شديدة. وقال خلال رده على نفس السؤال، “لقد فهمنا أن جيش الناتو يكون عملاقًا أمام جيشنا، لكن يجب ألا ننسى أن وراء روسيا يوجد هناك قوة نووية. ولدينا اتفاق معهم. وكنت أتحدث في الآونة الأخيرة عن هذا الموضوع مع الرئيس الروسي في الكثير من الأحيان”. وتابع، “إنهم يريدون تشتيت انتباه روسيا عن أوكرانيا”. وخلال لقاءٍ له مع وكالة الأنباء الفرنسية، قال “لوكاشينكو”، إنه ينبغي على الغرب وروسيا وأوكرانيا الاتفاق على إنهاء الصراع لتجنب حرب نووية. وصرح، “دعونا نتوقف ثم نقرر كيف نعيش.. ليست هناك حاجة للذهاب أبعد من ذلك”. واستطرد “إلى هاوية الحرب النووية”.
“بيلاروس” شريك رئيس في الحرب
لا يُخفى على عيون متابع أن مينسك هي الحليف الوثيق الأوحد، بشكل لا لبس فيه، لموسكو خلال فترة الحرب. وتُشارك بيلاروس بوضوح في الحرب، إما من خلال منح روسيا القابلية المفتوحة لاستخدام أراضيها ومجالها الجوي وموانئها الاستراتيجية خاصة في المناطق الحدودية مع أوكرانيا، أو من خلال منح موسكو الدعم الدبلوماسي والإعلامي القوي، أو حتى من خلال مساعدتها باستخدام حشد قوات المتطوعين لأجل الانضمام لصفوف الحرب. فبتاريخ 5 مايو، ظهر “لوكاشينكو” في مقابلة مع وكالة “اسوشيتد برس”، صرح من خلالها “كيف يمكننا المشاركة في الحرب؟ يجب أن تفهم: نحن حلفاء، أقرب الحلفاء للاتحاد الروسي. لدينا أقرب تحالف عسكري سياسي. لم نخف هذا عن أحد. لدينا في الواقع جيش واحد.”
وبتاريخ 10 يونيو، نشرت صحف غربية أنباء بشأن تكثيف القيادة البيلاروسية محاولاتها لتشكيل ميليشيات شعبية للانضمام إلى الحرب على أن يكون الهدف المعلن منها هو الدفاع عن أوكرانيا. وكجزء من جهوده المكثفة لإقحام بيلاروس في الحرب بصفتها ضحية للاعتداء الغربي، صرح الرئيس البيلاروسي، 11 يونيو، أن الدول الغربية في مقدورها مهاجمة أوكرانيا ومهاجمة بيلاروس من الأراضي الأوكرانية. ولم تكن هذه التصريحات هي الأولى من نوعها لـ “لوكاشينكو”، فقد سبق له وأخبر الصحفيون خلال مشاركته في احتفالات يوم النصر الروسي، 9 مايو، بأنه يحاول عدم تكرار سيناريو عام 1941. في إشارة إلى أحداث العام الذي احتلت فيه ألمانيا النازية بيلاروس ولاقت مقاومة شعبية شرسة من الدولة التي كانت في ذلك الوقت جزء من الاتحاد السوفيتي. مؤكدًا أن هناك خطرًا محدقًا باستقلالية بلاده. وفي لقاءٍ له، 23 مايو، عبر الرئيس البيلاروسي عن معرفته بمخططات بولندا لقطع أوصال أوكرانيا والاعتداء على استقلاليتها مؤكدًا أن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي في حالة حدوث هذا السيناريو، وأنها ستحارب دفاعًا عن حقوق السوفييت.
وبتاريخ 7 يوليو، تواتر الحديث في الصحافة الغربية والأوكرانية عن قيام السلطات البيلاروسية بنقل السيطرة على مطار “زيابروفكا” الواقع بالقرب من الحدود الأوكرانية البيلاروسية إلى روسيا. وهو الشيء الذي أكده المعهد الأمريكي لدراسات الحرب، في تقييم العمليات القتالية لليوم 12 يوليو، عندما أشار إلى أنه من المرجح أن يواصل “لوكاشينكو”، منح القوات الروسية حق الوصول إلى المجال الجوي الروسي لإظهار الدعم لروسيا دون المخاطرة بالتدخل العسكري المباشر لقوات بلاده في مسرح العمليات الأوكرانية. كما سجلت مجموعة “جايون” للمراقبة، بتاريخ 15 يوليو نشاطات واسعة النطاق للطائرات العسكرية الروسية الكبيرة في المجال البيلاروسي. وعلقت على الأمر بأنه يفسر بأن روسيا تقوم بنقل أسلحة ومعدات عسكرية وقوات ثقيلة وكبيرة الحجم إلى المناطق الحدودية في بيلاروس.
وفي اللقاء الشهير الذي جمع بين الرئيسين، الروسي والبيلاروسي، 25 يونيو، في سانت بطرسبرج، طلب “لوكاشينكو” من “بوتين” تحديث الطائرات البيلاروسية حتى تتلاءم مع إمكانية حملها لرؤوس نووية بدعوى القلق البالغ من الرحلات الجوية التدريبية التي تقوم بها طائرات تابعة للناتو، تتدرب على حمل رؤوس نووية بالقرب من الحدود البيلاروسية. ورد “بوتين” من جانبه على هذا الطلب، مشيرًا إلى أن الأمريكيين يمتلكون 200 قطعة ذخيرة نووية تكتيكية منتشرة في أوروبا، وأنه قد تم بالفعل إعداد 257 طائرة مجهزة للاستخدام المحتمل لهذه الذخيرة. مضيفًا، “يجب أن نعتني بسلامتنا، يمكن ترقية طائرات منظومة Su-25 البيلاروسية في روسيا والبدء في رحلة تدريب طياريكم”. وتابع بوتين، “خلال الأشهر القليلة المقبلة، سننقل إليكم صواريخ ألكسندر”.
وشهدت الحرب تصعيدًا جديدًا عقب هذا الاجتماع مباشرة، وبتاريخ 26 يونيو، أعلنت السلطات الأوكرانية سقوط نحو 50 صاروخًا من مختلف الأنواع؛ جوية وبحرية وأرضية على أوكرانيا من الأراضي البيلاروسية. وجرى لأول مرة استخدام أسلحة بعيدة المدى من طراز ” Tu-22M3″ انطلاقًا من الأراضي البيلاروسية. وفي 2 يوليو، أدلى “لوكاشينكو” بتصريحات جديدة كجزء من وابل التصريحات النارية المعهودة عنه. وقال، أنه أمر الجيش باستهداف مراكز صنع القرار لخصوم مينسك من أجل الرد الفوري في حالة وقوع هجوم على بلاده. ووفقًا له، فإن جنود الجيش الأوكراني حاولوا مهاجمة منشآت عسكرية بيلاروسية لكن القذائف التي أطلقت في اتجاه بيلاروس تم إسقاطها بمساعدة صواريخ بانتسير. وأشار إلى أنه من المحتمل أن تشهد مصفاة النفط الواقعة في جوميل هجومًا.
“لوكاشينكو” إلى “بوتين”: شراكة الوفاء بالدين
مرت العلاقات بين الرفيقين، “بوتين” و”لوكاشينكو” بمراحل متقلبة الود. لم يكن من الضروري فيها أن يطلق على كليهما أوصافًا على غرار الصديقين. تعود تلك المرحلة تحديدًا إلى فترة ما قبل انتخابات الرئاسة في 2020، والتي شهدت خلافات بين البلدين على ما يسمى بالمناورة الضريبية، كذلك طالت الخلافات استقلالية بيلاروس وهددت بإمكانية ضمها العلني إلى الاتحاد الروسي.
لم تكن هذه الخلافات خافية عن العلن، بل أن “لوكاشينكو” نفسه كان في الكثير من الأحيان يخرج للحديث عنها علانية. وبتاريخ ديسمبر 2018، عبر “لوكاشينكو” عن إحساسه بالقلق خوفا على استقلالية البلاد. وقال خلال لقاءٍ له مع الصحفيين، “أشعر دائما بالتهديد من خطر فقدان السيادة. ومن جانب آخر، أنا الرئيس والسؤال هنا: ما هو دور الرئيس لأجل العمل على الحفاظ على سيادة البلد؟”. وأكد “لوكاشينكو”: “إذا أرادوا تقسيمنا إلى مناطق ودفعونا إلى الانضمام إلى روسيا، فإن هذا الأمر لن يحدث أبدًا. وإذا فكرت القيادة الروسية في تنفيذ هذا الأمر، فأنا أعتقد أن أمرًا كهذا سوف يتم على حساب روسيا”. كما أوضح “لوكاشينكو” أن أمرًا كهذا ليس من الممكن حدوثه، لأن الشعب سوف يتهمه بأنه باع البلاد مقابل الحصول على النفط، وأنه بغض النظر عن مدى قوة روسيا، فهي في الوقت الحاضر غير قادرة على فرض إرادتها على شخص ما، مؤكدًا: “إننا لسنا بحاجة إليها”.
غير أن هذه الخلافات قد تلاشت تمامًا بمجرد اندلاع احتجاجات 2020 عقب الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها “لوكاشينكو”. وكادت هذه الاحتجاجات أن تطيح به وبأسرته تمامًا من سدة الحكم في البلاد التي لم تعرف في تاريخها رئيسًا سواه، لولا الدعم والمساندة الشاملة التي قدمها له “بوتين” وترتب عليها أنه لا يزال محتفظًا حتى الآن بكرسي الرئاسة.
على هذا الأساس، ليس من الممكن أن تفسر الطريقة التي يُقحم بها “لوكاشينكو” نفسه وبلاده في الحرب، فيقدم نفسه للمجتمع الدولي بصفته إما طرف أصيل في الحرب أو طرف ضحية تعرض لابتزاز غربي صار لزامًا معه الرد عليه، إلا في إطار الوفاء بديون “بوتين” السابقة لشخصه ومصالحه هو والتأكيد على إخلاصه التام لمنقذه. خاصة وأنه سيكون من البديهي، في حالة خسارة روسيا، أن ينعكس ذلك على “لوكاشينكو” نفسه باحتمال تجدد الاحتجاجات الشعبية التي قد تطيح به بالفعل من الحكم في هذه المرة. ولهذا السبب، يدفع “لوكاشينكو” ببلاده لأن تفنى نفسها تمامًا في كل ما هو روسي، لأجل إرضاء “بوتين”. عدا المساس بشيء واحد، وهو وجوده وكيانه كشخص يحتفظ لنفسه بكرسي الرئيس. في شيء، يُفهم منه، أن تصريحات “لوكاشينكو” سواء حول إمكانية اندلاع حرب نووية من عدمه، لا تخرج عن سياق الحرب النفسية ضد الغرب بالتنسيق مع موسكو. وفي هذا السياق، نستعيد إلى الأذهان تصريحًا سابقًا للرئيس البيلاروسي، بتاريخ 5 مايو، عندما قال “أعتقد تمامًا أن استخدام الأسلحة النووية أمر غير مقبول، لأنه بجانبنا أيضًا”.
.
رابط المصدر: