د. رعد هادي جبارة
لعل الكثيرين لا يعلمون بأن الايام الاخيرة من عمر العالم الراحل محسن فخري نجاد و مركزه البحثي و العلمي ؛كانت مكرّسة لمكافحة وباء كورونا و صنع لقاح له و دواء يقضي على فيروس كوفيد 19.
وفي حوارات اجرتها قنوات “الاشراق” و”فلسطين اليوم” و “الاتجاه” معي امس عبرت عن اعتقادي بأن كل الخيارات متاحة للرد الايراني والقصاص من مخطّطي و منفّذي اغتيال رئيس مؤسسة التحقيقات والابحاث الدفاعية في وزارة الدفاع الايرانية د. محسن حسن فخري زاده ؛ براً و بحراً و جواً، و يمكن ان يكون الرد الايراني سيبرانياً او نارياً، سواء داخل امريكا و الكيان الصهيوني و خارجهما ، بَيد أن طهران ليست في عجلة من أمرها، و تحسب لكل شيء حسابه.
فالرد يمكن ان يستتبع رداً مقابلاً ايضا ،و لا تنوي طهران(هذه المرة) أن تعلن –لو ردت على الاغتيال– بأنها انتقمت من القتلة، مثلما حصل في قصفها الصاروخي المدمر في قاعدة عين الاسد الأمريكية، لأن الفاعل هذه المرة آثر الصمت خوفاً من غضب الحرس الثوري الاسلامي، بينما في المرة السابقة (اغتيال شهيدَي مطار بغداد في ٣كانون الثاني الماضي) تبنّى الجريمة المتهور الطائش ترامب، و تباهى بجريمته ، فنال جزاءه و لقى عقابه.
و قطعاً فإن طهران توصلت لخيوط مهمة من عملية الاغتيال الأخيرة، بينما آثر ترامب الخاسر ذو الحظ العاثر أن يلوذ بالصمت، و تطوعت صحيفة النيويورك تايمز و غيرها بالاعتراف أن القاتل هو الموساد، و في هذه الحالة فان الكيان الصهيوني تنتظره ايام سود ،و سيكون الانتقام الايراني على طريقة كيل الصاع صاعين ، و ستمتد يد الانتقام نحو اي منشأة نووية او مؤسسة حيوية أو مطار و قاعدة عسكرية، او شخصية رسمية او عسكرية،سواء داخل الكيان و خارجه.
صحيح ان المغدور لم يكن حين اغتياله يعمل في اطار منظمة الطاقة النووية الايرانية لكنه كان استاذاً للفيزياء النووية في جامعة الامام الحسين ع المخصصة لإعداد و تخريج كوادر حرس الثورة الاسلامية، و هو بدرجة نائب وزير الدفاع للشؤون البحثية.
و برأيي فان تل ابيب تحاول استدراج ايران الى رد فعل انفعالي و مستعجل وغير مدروس، في هذه الايام الاخيرة من عمر ترامب السياسي،و هو شخص طائش و حاقد على الجمهورية الإسلامية، و حيذاك فلو كان الانتقام الإيراني انفعالياً و غير مدروس بعناية فسيتحول الى شرارة لاندلاع حرب مدمرة لمنطقة الشرق الاوسط، لكي يتسلم بايدن و طاقمه ارضاً محروقة و يكون مجبوراً على استبعاد خيار استئناف المحادثات و التخلي عن قرار العودة الى الاتفاق النووي مع ايران.
ولايخفى فان في طهران مسؤولين غير متهورين و لا متسرعين، و برنامجها الصاروخي الدفاعي والنووي السلمي غير معتمد على شخص معين، حيث سبق و أن اغتيل د. مسعود علي محمدي و د. مصطفى احمدي روشن و د. مجيد شهرياري و د. داريوش رضائي نجاد وهم علماء مشاركون في البرنامج النووي السلمي ،فيما فشلت محاولة اغتيال خامسة كان مخططاً أن يذهب ضحيتها “د. عباسي دَواني” الذي يترأس حاليا لجنة الطاقة في مجلس النواب (الشورى) الايراني، و لم تتسبب كل تلك الاغتيالات في توقفٍ او خلل في برامج ايران النووية السلمية و الصاروخية الدفاعية.
و لا يغيب عن ذهننا اختطاف عالم الذرة المصري نبيل القليني من قبل الموساد عام 1975 في تشيكوسلوفاكيا ، و اغتيال عالمة الذرة المصرية سميرة موسى في امريكا عام 1952 ،و اغتيال المخترع اللبناني حسن كامل الصباح العالم الذي كان يوصف ب”اديسون العرب” عام 1935 في امريكا ، و كان له 173 اختراعاً في الهندسة الكهربائية ،و كذلك العالم اللبناني حسن رمال و هو من أبرز علماء الفيزياء و له 119 اختراعا في فرنسا عام 1991 ، و استعمال السم في اغتيال عالم الفيزياء المصري مصطفى مشرفة و الذي كان يوصف بانه “أنشتاين العرب” فقتل عام 1950 على يد الموساد ،و اغتيال عالم الصواريخ المصري سعيد بدير الذي يعرف بالعديد من الابحاث في هندسة الصواريخ ،و عمل في ألمانيا الى ان اغتالته المخابرات عام 1989 .
وأخيراً وليس آخراً وصل الدور الى سفك دم العالم الفاضل العابد محسن بالامس وهو يعمل اساساً في برنامج الدفاع الجوي و الدفاع الميكروبي و الدفاع الكيمياوي عن المستضعفين ضمن وزارة الدفاع الايرانية، و ليس له صفة عسكرية و لم يعتد على أي انسان، بل صنعت المجموعة التي يترأسها اول كيت للكشف عن الكورونا و كانت تجري اختبارات لصنع لقاح يقي البشرية من الاصابة بهذا الوباء الفتاك ،إلا أن رصاص الموساد والسي آي أيه حرم الانسانية من عطاء هذا الرجل العالم المتواضع النافع للمجتمع، وصدق الله عز وجل إذ قال: { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} .
*باحث إسلامي، دبلوماسي سابق.
المصدر: عبر منصات التواصل للمركز