تُعَدُّ أزمة المياه في الشرق الأوسط مسألة معقدة ومتعددة الجوانب، وتنطوي على انعكاسات واسعة النطاق على الاستدامة البيئية، والاستقرار الجيوسياسي، ورفاه سكان المنطقة. ويتضح هذا الأمر تماماً في حوض نهر الأردن، الذي يمتد إلى العديد من الدول في المنطقة، بما فيها الأردن وسورية.
وتواجه المنطقة أزمة شُحُّ مياه حادة تعود إلى عوامل عدة منها تَغَيُّر المناخ، والنمو السكاني، وسوء إدارة ملف المياه، والتي تفاقمت بسبب التوترات السياسية والحرب الأهلية في سورية. وعلى الرغم من وجود اتفاقيات تهدف إلى إدارة مصادر المياه عبر الحدود، فإنّ استمرار الانتهاكات أدى إلى حدوث عدم توازن في توزيع المياه، وخلَّف ذلك انعكاسات خطيرة على أمن المياه في الأردن. كما انطوى التلوث الكبير في نهر الأردن السفلي على آثار كارثية في الحياة المائية وصحة الإنسان في المنطقة.
تنظُر هذه الورقة في العوامل المعقدة والمتداخلة التي تسهم في أزمة المياه في حوض نهر الأردن، وعلى طول نهر اليرموك الواقع بين الأردن وسورية. وتَعرِض إرث مصادر المياه المشتركة والنزاع في المنطقة، خاصة بين الأردن وسورية، وتُقدِّم تفسيراً للآثار البيئية لأزمة المياه المتفاقمة، وتُفكِّك تعقيدات المفاوضات حول مصادر المياه بين الأردن وسورية، مُسلِّطةً الضوء على جهود الأردن للتعامل مع أزمة المياه.
إرثٌ من مصادر المياه المشتركة والنزاع
يُعَدُّ نهر الأردن، وأكبر روافده نهر اليرموك، مصدراً مُهماً للمياه في الشرق الأوسط. ويغطي نهر الأردن الذي ينبع من سلاسل جبال لبنان الشرقية وجبل الشيخ نحو 223 كيلومتر من الشمال إلى الجنوب، ويلتقي مع نهر اليرموك جنوب بحيرة طبريا ليصب في نهاية المطاف في البحر الميت. ويمر نهر الأردن في خمس دول هي الأردن ولبنان وسورية وفلسطين وإسرائيل. وتعتمد هذه الدول كثيراً على نهر الأردن ورافده للحصول على المياه، ما يجعله مصدراً حيوياً للمياه في المنطقة. كما تُستَخدَم مياه النهر لأغراض الزراعة، وتوليد الطاقة، وتوفير مياه الشرب لملايين البشر. لكنَّ إدارة مصادر مياه نهري الأردن واليرموك شكلت مصدر خلاف ونزاع بين الدول التي يمر بها النهران. وساهم غياب خطة واضحة لتقاسم المياه، والتوترات السياسية، وآثار تَغَيُّر المناخ في التحديات التي تواجه إدارة مصادر مياه النهرين بشكل فاعل.
تُعَدُّ أزمة المياه بين الأردن وسورية مُتجذِّرة بسبب اشتراك الدولتين في مصادر المياه العابرة للحدود، خاصة نهر اليرموك. وكانت الدولتان قد وقعتا عام 1953 اتفاقية لإقامة السدود على نهر اليرموك دون تحديد أي حصص واضحة من المياه. وجرى تعديل هذه الاتفاقية لاحقاً عام 1987 بعد تحسُّن العلاقات الثنائية بعد فترة من العداء. وبحسب الاتفاقية لم يعترض الأردن على إقامة 25 سداً على الجانب السوري، ووافق على تحمل التكاليف المترتبة على إقامة سد رئيس للري سُمِّي “سد الوحدة”، ويقع على الحدود الأردنية-السورية، لتخزين المياه من أجل توليد الكهرباء لصالح الدولتين. ويزعم الجانب الأردني أن سورية في المقابل وافقت مبدئياً على تسييل 208 مليون متر مكعب من الماء سنوياً، بالرغم من عدم التطرق إلى هذه الأمر بشكل واضح في اتفاقية عام 1987. وأشار العديد من المصادر إلى أن الأردن حصل بعد الاتفاقية على 50-100 مليون متر مكعب سنوياً، وأقل من ذلك في أوقات الجفاف.
وتؤكد سورية أن حقَّها في مياه نهر اليرموك يصل إلى نسبة 80%، ما يترك نسبة 20% فقط للأردن. كما أنحت دمشق باللائمة في هذا المجال على الأردن بسبب تقاسمه المياه مع إسرائيل بعد التوقيع على اتفاقية السلام عام 1994، والتي اشتملت على فقرات تتعلق بالمياه، وبالتالي زيادة مطالب الأردن من سورية. وأثَّرَ عدم التوزيع العادل للطاقة بين الأردن وسورية في المفاوضات بشكل كبير، إذ مالت الأمور لصالح دمشق. ويمنح هذا الفارق – الذي جرى تضخميه بسبب القيمة الاستراتيجية لمصادر المياه – سورية موقفاً أقوى في هذه المفاوضات. وأشار بعض التقارير إلى إقامة سورية 42 سداً على نهر الأردن وروافده، وهو عدد يتجاوز الـ 25 سداً التي نصَّت عليها اتفاقية عام 1987، ما أدى إلى خلل كبير في التوازن لصالح سورية. ودعا الأردن بشكل متكرر سورية ليس فقط إلى إزالة السدود الإضافية، بل وأيضاً ردم الآبار غير المرخصة التي جرى حفرها بعد الجفاف الذي ضرب سورية خلال الفترة 2007-2008. وأشارت مصادر سورية رسمية إلى وجود 1235 بئراً غير مرخصة عام 2007 في محافظة درعا الواقعة على الحدود الأردنية.
وبالرغم من التوقيع على اتفاقية عام 1987، إلّا أن البدء في إقامة سد الوحدة لم يتم إلا في عام 2004 بعد تعديل الطرفين بعض النصوص في الاتفاقية الأصلية، إثر التحسُّن في علاقاتهما في أعقاب رحيل الملك حسين والرئيس حافظ الأسد، وتولي ابنيهما مقاليد الحكم في الدولتين. وبدأ تشغيل سد الوحدة عام 2006، لكنَّه لم يكتمل تماماً سوى عام 2009 قبل سنوات من اندلاع الانتفاضة في سورية، والتي أعادت حالة العداء إلى العلاقات الأردنية-السورية. وعلى الرغم من اكتمال سد الوحدة، فإن احتياطي المياه فيه ظل أقل بكثير من سعته الكاملة.
أدى اندلاع الصراع في سورية إلى زيادة طفيفة في تدفق المياه من سورية إلى الأردن. وعزا مسؤول أردني هذه الزيادة إلى تراجُع النشاطات الزراعية على الجانب السوري التي كانت في السابق تستهلك جزءاً كبيراً من المياه. وعلى رغم عدم وجود إحصاءات دقيقة، فإن حصة الأردن من المياه ربما تكون زادت عندما كانت المعارضة السورية تسيطر على المناطق الجنوبية من سورية، خلال الفترة 2013-2018. لكنْ مع تدفق نحو 1.3 مليون لاجئ سوري إلى الأراضي الأردنية، شهد الأردن زيادة كبيرة في الطلب على المياه، ما أدى إلى الضخ الجائر للمياه الجوفية، وتحويل المياه السطحية لتلبية الطلب المتزايد على المياه. وأدى هذا إلى تفاقُم أزمة المياه في المنطقة، ما تسبب في مخاوف بيئية وصحية على اللاجئين والسكان المحليين.
وبهذا المعنى، فقد تأثَّر تقاسم مصادر المياه بين الأردن وسورية بشكل رئيس بالمناورات السياسية وتوازن القوى السائد، وليس بالاتفاقيات الموقعة بين الطرفين.
العواقب البيئية وأزمة المياه المتفاقمة
أدى الضغط على مصادر المياه السطحية والجوفية في الأردن إلى العديد من العواقب البيئية. وتسبَّب الافراط في استهلاك المياه إلى تراجُع مستوى المياه في نهر الأردن بشكل كبير عند وصوله إلى البحر الميت. وتشير التقارير اليوم إلى أن المياه المتدفقة في النهر تقل بنسبة 10% عن المعدل التاريخي. لذلك شهدت مستويات المياه في البحر الميت تراجعاً كبيراً، ما أدى بدوره إلى تراجع المياه الجوفية في الأحواض المحاذية للمنطقة، وفقدان كميات كبيرة من المياه العذبة.
علاوة على ذلك، تشهد مستويات المياه الجوفية في الأردن تراجعاً سريعاً، ما أسهم في جفاف العيون، واختفاء واحة الأزرق. كما أن انحسار هذه الموائل الطبيعية أثَّر بشكل سلبي في الكائنات المستوطنة والطيور المُهاجِرة. كما تراجعت أعداد الأسماك بسبب ارتفاع مستوى التلوث الذي يُشَكِّل خللاً في التوازن الطبيعي في النهر، ويُعرقِل بقاء الأسماك. ويتردد صدى تراجع أعداد الأسماك في كل النظام الحيوي في النهر، وبالتالي التأثير على الكائنات المائية الأخرى.
ويؤدي تلوث مصادر المياه السطحية والجوفية على نطاق واسع إلى تفاقم مشكلات شُحُّ المياه في الأردن. ويعود التلوث إلى المياه الصناعية والعادمة التي لا تخضع للمعالجة المناسبة، ناهيك عن الافراط في استخدام الأسمدة والمبيدات الحشرية. وتؤدي مخلفات مياه ري المزروعات والأملاح بشكل متزايد إلى تلويث قنوات توزيع المياه في أنحاء الأردن. كما يؤدي الافراط في ضخ المياه إلى زيادة تلوث المياه الجوفية، وبالتالي ارتفاع تركيز الاملاح والملوثات الأخرى. وجرى اعتبار مناطق مثل عمّان والزرقاء والبلقاء مناطق ساخنة في مجال تلوث المياه الجوفية. كما أن الطبيعة العابرة للحدود لتلوث المياه تؤثر في حوض نهر الأردن بالكامل، والذي يعاني من تسرُّب مخلفات مياه الري الزراعية والمياه العادمة غير المعالجة من دول حوض نهر الأردن كافة.
وهناك العديد من العوامل التي تسهم في قضية تلوث مياه نهري اليرموك والأردن. ويتمثل المصدر الرئيس للتلوث في ضخ مياه المجاري والمياه العادمة غير المعالجة من المجتمعات المجاورة للنهرين، إلى جانب مخلفات مياه الري الزراعية المحملة بالمبيدات الحشرية والأسمدة. وأدت هذه العوامل إلى مستويات مرتفعة من البكتيريا والفيروسات المُسبِّبة للأمراض في مياه النهرين، الأمر الذي تسبَّب في إصابة مَنْ يتعاملون مع هذه المياه بأمراض خطيرة.
كما أدت إقامة مخيمات اللاجئين السوريين في شمال الأردن إلى تفاقم مشكلة التلوث في نهر الأردن السفلي. ويسهم غياب محطات معالجة المياه العادمة والبنية التحتية غير الكافية في مشكلة التلوث، حيث إن معظم المياه العادمة تجد طريقها نهاية المطاف إلى النهر. كما يؤدي وصول مخلفات مياه الري الزراعية المحملة بالمبيدات الحشرية والأسمدة إلى تفاقُم مشكلة التلوث في النهر، وبالتالي فهي مصدر قلق كبيراً على البيئة والصحة العامة. وانطوت المواد الملوثة على انعكاسات خطيرة على النظام الحيوي للنهر، وصحة من يعتمدون على مياهه. ويمكن للتركيز العالي من البكتيريا والفيروسات في المياه أن يتسبب في تهيج الجلد، وأمراض الجهاز الهضمي، وأمراض أخرى مصدرها المياه الملوثة. ويُعَدُّ الأشخاص المعرضين للمياه الملوثة عُرضة لخطر المرض، الأمر الذي يُشَكِّل تهديداً للمجموعات الضعيفة مثل الأطفال وكبار السن، تحديداً.
وتُشَكِّلَ الزيادة السكانية سبباً آخر لأزمة المياه بين الأردن وسورية. وقد تسببت أزمة اللاجئين السوريين بضغط كبير على مصادر المياه في الأردن، خاصة في محافظات الشمال التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين. وأدى هذا الأمر إلى زيادة حادة في الطلب على المياه، حيث أشارت التقديرات إلى زيادة هذا الطلب بنسبة تزيد عن 40% في المنطقة. وأشارت التقديرات أيضاً إلى أن كلفة توفير المياه للاجئين السوريين فقط تصل إلى 848 مليون دولار سنوياً. وبلغ حجم الطلب الوطني على المياه في الأردن منذ عام 2015 نحو 1.205 مليار متر مكعب سنوياً في الوقت الذي بلغ فيه حجم الإمدادات نحو 972 مليون متر مكعب، ما يعني عجزاً قدره 233 مليون متر مكعب.
وتفاقمت أزمة المياه في الأردن وسورية نتيجة الجفاف الذي شهدته سورية مؤخراً، والذي أثَّر في تدفق المياه في المنطقة. كما يُشَكِّل تَغَيُّرْ المناخ تحدياً إضافياً، حيث يتوقع الخبراء تراجعاً قدره 15-60% في تساقط الأمطار، وارتفاعاً بدرجات الحرارة بمقدار 1-4 درجات مئوية.
وتؤدي مثل هذه التغييرات إلى إلحاق ضرر محتمل بالنظام الحيوي وأحواض الأنهار وتجمعات المياه والتنوع الحيوي، ناهيك عن زيادة الضغوط على الأنهار، وفترات الجفاف الشديدة. كما يؤدي زيادة التبخر في حوض نهر الأردن بسبب مواسم الصيف الحارة إلى اتساع الهوة بين إمدادات المياه والطلب عليها، ما يزيد من التهديدات للأمن المائي والغذائي. ووضع الأردن عام 2016 استراتيجية شاملة مدتها 10 سنوات في مجال المياه، في محاولة للتعامل مع هذه التحديات المتزايدة، وردم الهوة المتزايدة بين إمدادات المياه والطلب عليها. لكنَّ الأزمات المالية عرقلت التقدم في إحياء البحر الميت، وتعزيز إعادة استخدام المياه العادمة بعد معالجتها، والاستثمار في حلول الطاقة المتجددة.
الدبلوماسية وسوء الإدارة: تعقيدات المفاوضات حول مصادر المياه بين الأردن وسورية
هناك تحدٍ جوهري يتصل بسوء إدارة مصادر المياه بين الأردن وسورية. وتُطبِّق كلتا الدولتين ممارسات غير فاعلة في مجال إدارة المياه، مثل عدم كفاية معالجة المياه العادمة، والضخ الجائر للمياه الجوفية، واستخدام أساليب ري غير فاعلة. كما أدى إقامة السدود من جانب الدولتين على طول الأنهار المشتركة إلى تدمير النظام الحيوي للنهر، وتقليص تدفق المياه في النهر. علاوة على ذلك، فإن غياب الثقة والتعاون بين الدولتين أدى إلى عرقلة التقدم باتجاه تطوير خطة إدارة مشتركة لمصادر المياه المشتركة. كما أدى تردد سورية في الالتزام بأي اتفاق ملموس إلى إثارة توتر جوهري بين الطرفين، ما ساهم في حدوث أزمة المياه الراهنة. كما أدى النزاع الأهلي في سورية إلى عرقلة إقامة البُنْيَة التحتية في مجال المياه، وبالتالي تقليص كميات المياه المتوافرة لكلتي الدولتين.
مع بدء التحسُّن في العلاقات الدبلوماسية بين سورية والأردن تدريجياً منذ عام 2021، حثَّت عمّان سورية على الالتزام باتفاقية تقاسم المياه النافذة قبل الصراع وتعزيز التعاون في الأمور المُتعلّقة بالمياه. وفي الواقع، يرى بعض المسؤولين الأردنيين أن تدفّق المياه بعد عام 2018 – أي بعد استعادة النظام لمحافظة درعا – قد انخفض مُقارنةً بالوقت الذي كانت تُسيطر فيه المُعارضة على المنطقة. وعلى الرغم من انخراط الدولتين في مُفاوضات مُستمرّة لحل بعض المشكلات المُلحّة، إلا أن التقدّم كان بطيئاً فيما يتعلّق بتقاسم المياه. وبحسب التقارير الواردة، كانت سورية مُتردّدة في مُناقشة حقوق المياه قبل معالجة الأمور المُلحّة الأخرى. ويُشير رفض سورية للانخراط مع الأردن في بحث اتفاقيات تقاسُم المياه النافذة قبل الصراع إلى محاولتها الضغط على الأردن لإجراء مفاوضات حول مُختلف القضايا الأخرى. وتشمل تلك القضايا المعابر الحدودية، ومناطق التجارة الحرّة، وممر الغاز والكهرباء، ومسائل أخرى لا تزال عالقة. ويؤكّد بعض المُحلّلين أن رفض تزويد الأردن بالمياه هو على الأرجح إجراء عقابي مُتعمّد.
منذ عام 2018، انخرط الأردن وسورية في حوارات تهدف إلى إيجاد أرضية مُشتركة وحل القضايا الرئيسة. وأفادت الأنباء أن الأردن اقترح إبرام اتفاقية مُتبادلة مع سورية، يوفّر الأردن بموجبها الكهرباء والمواد الأساسية لجهود إعادة الإعمار في جنوب سورية، بينما تقوم دمشق مُقابل ذلك بتنفيذ رغبة الأردن بزيادة تدفّق المياه من نهر اليرموك. وبناءً على تلك المُناقشات، اتّخذ الأردن خطوات استباقية نحو إعادة قبول سورية المُحتملة في جامعة الدول العربية، مُدركاً مدى تعقيد الصراع السوري وتحدّيات إعادة دمج البلاد في المنطقة. واتخذ الأردن نهجاً مُتدرجاً في صياغة خطة سلام عربية مُشتركة، بهدف تعزيز الانخراط الدبلوماسي مع نظام الرئيس الأسد، والسعي للحصول على تنازلات. وتتضمن هذه المُبادرة التعاون مع الفاعلين الدوليين مثل الولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، بالإضافة إلى الحلفاء العرب. وكان الهدف من ذلك مُعالجة الأزمة السورية، واستكشاف احتمالات إعادة دمج سورية في جامعة الدول العربية. وكجزء من تلك الجهود، تناولت المُناقشات الثنائية بين وزيري خارجية الأردن وسورية العديد من القضايا المُهمّة، بما في ذلك قضايا اللاجئين، وتحدّيات المياه، وأمن الحدود، ومُكافحة تهريب المخدرات.
مع ذلك، فإن استعداد سورية لمعالجة قضية المياه بجدّية لا يزال غير مؤكّد، لأنه يتوقّف على استعداد سورية وقدرتها على معالجة هذه المسألة. ويُشكّل عدم الاستقرار الأمني المُستمر على طول الحدود الجنوبية لسورية، ومُشكلات نقص المياه تحدّيات كبيرة. إن من شأن هذه التعقيدات، إلى جانب الديناميات والصراعات الإقليمية الأوسع نطاقاً، أن تجعل التعاون الفعّال، وحل تحدّيات المياه أمراً صعباً. وبينما انخرط الأردن بنشاط في المُناقشات حول هذا الموضوع، فإن النتيجة والتقدّم يتوقّفان على التزام سورية بإعطاء الأولوية لقضية المياه ومُعالجتها في خضم الوضع الأمني المُعقّد في المنطقة.
استجابة الأردن لأزمة المياه
إدراكاً منه للتقدُّم المحدود الذي يُمكن أن يُحرزه في انخراطه مع سورية لحل قضية إدارة المياه، سعى الأردن إلى حلول بديلة من خلال اللجوء إلى جارته الغربية، إسرائيل، في السنوات الأخيرة. فمع تطوّر قدرة تحلية المياه في إسرائيل، والاحتياجات المائية المُلحّة في الأردن، دخل البلدانُ في مُفاوضات لإبرام اتفاقية تبادل ثنائية. وتنص هذه الاتفاقية على تزويد إسرائيل الأردن بالمياه المُحلّاة من البحر الأبيض المتوسّط، ومُقابل ذلك يُزوِّد الأردن إسرائيل بالطاقة الشمسية.33 وقد أدَّت دولة الإمارات دوراً محورياً في تسهيل هذه الاتفاقية، باستخدام تكنولوجيا الطاقة الشمسية المُتقدّمة لديها كجزء من الاتفاقية.
ويُظهِر توقيع الاتفاقية في نوفمبر 2021 الالتزام المُشترك بمُعالجة أزمة المياه في الأردن، وتعزيز التنمية المُستدامة، من خلال استخدام مصادر الطاقة المُتجدّدة. وتُمثّل اتفاقية التبادل الثنائية هذه خطوة كبيرة نحو التعاون الإقليمي، وتؤكّد فهم الترابط بين موارد المياه والطاقة في الشرق الأوسط. ويُظهر دمج تقنيات تحلية المياه والطاقة الشمسية في هذه الاتفاقية مناهج مُبتكرة لمواجهة تحدّيات ندرة المياه، وتعزيز التعاون في السعي لتحقيق الاستدامة البيئية. ويمكن أن يُمثّل التنفيذ الناجح لاتفاقية التبادل هذه نموذجاً للدول الأخرى في المنطقة التي تواجه تحدّيات مُماثلة متعلقة بالمياه.
وفي استجابته لتحدّيات ندرة المياه في البلاد، نفّذ الأردن، بحسب إفادة مسؤول في وزارة المياه والري الأردنية تحدَّث لمُعدِّي هذه الدراسة، “تحولاً استراتيجياً” من خلال استبدال المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه ببدائل أكثر كفاءة في استخدام المياه، مثل أشجار النخيل والعنب. ويهدف هذا النهج الاستباقي إلى تحسين استخدام المياه وتقليل الضغط على موارد المياه المحدودة. علاوة على ذلك، أدرك الأردن الأهمية المتزايدة لإعادة استخدام مياه الصرف الصحي كحلٍّ قابل للتطبيق. وبذلت الدولة جهوداً كبيرة لتحسين مُعالجة المياه العادمة، واستخدامها للأغراض الزراعية. ومع تشغيل 33 محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي، تمكّن الأردن من مُعالجة وإعادة استخدام كمية كبيرة من مياه الصرف الصحي، تُقدّر بنحو 190 مليون متر مكعب في عام 2021. وتُشير التوقّعات إلى أن التوسّع في البنية التحتية لمُعالجة مياه الصرف الصحي مقروناً بتحسين جودة المياه المُعالجة، يُمكنه تعويض طلب قطاع الزراعة على المياه العذبة، إلى حدٍّ كبير.
ولتحقيق ذلك، تسعى الحكومة الأردنية بنشاط لاستكشاف تقنيات وأساليب جديدة في مُختلف المجالات المُتعلّقة بمعالجة مياه الصرف الصحي، ويشمل ذلك معالجة المواد الكيميائية العضوية وغير العضوية السامة الموجودة في مياه الصرف الصحي، وإيجاد طرق مُبتكرة لإعادة تدوير رواسب معالجة مياه الصرف الصحي، والبحث عن طرق لتعزيز كفاءة الطاقة في محطّات المعالجة. ومن خلال الاستثمار في هذه المجالات، يهدف الأردن إلى تحسين إعادة استخدام مياه الصرف الصحي مع الحفاظ على الاستدامة البيئية، وضمان سلامة المياه المُعالجة المُستخدمة في الزراعة.
وإدراكاً للحاجة إلى مُعالجة نقص الوعي بين سكان الأردن بشأن ندرة المياه، أُطلِقَ العديد من المُبادرات من قبل الحكومة والمُنظّمات غير الحكومية والجهات المانحة الدولية. وتهدف تلك الجهود إلى توعية الأفراد، وإشعارهم بخطورة أزمة المياه، وأهمية الحفاظ على المياه. ومن بين المُبادرات التي تبنتّها الدولة لزيادة الوعي بهذا الخصوص على المستوى المحلي، إطلاق الحملات الإعلامية، وإدراج الموضوعات المُتعلّقة بالمياه في الكتب المدرسية، وتصميم الدورات التدريبية للقادة الدينيين.
بالإضافة إلى ذلك، سيتم استهداف القطاع الزراعي بشكل مُتزايد في الحملات المستقبلية. وقد حدّدت الإستراتيجية الوطنية للمياه أهدافاً وتدابير واضحة لإشراك السكان في التخفيف من آثار ندرة المياه. وقدّم المانحون الدوليون، مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والوكالة الألمانية للتعاون الدولي والوكالة السويدية للتنمية الدولية، التمويل والدعم لحملات التوعية في المدارس وللأسر والمجتمعات المحلية، وفي المدن الكبرى. وركّزت إحدى الحملات البارزة التي دعمتها الحكومة الأمريكية على محافظة الزرقاء، حيث جَمَعت بين ممارسات توفير المياه ومشاريع المياه والصرف الصحي التي تُشرف عليها وزارة المياه والري. وبالمثل، أُشرِكَ القادة الدينيون في هذه الجهود للتأكيد على المنظور الديني للحفاظ على المياه خلال خطبهم الدينية. وتسعى هذه الجهود الجماعية إلى تعزيز ثقافة الحفاظ على المياه، وتسليط الضوء على أهمية الحفاظ على هذا المورد الحيوي من أجل مُستقبلٍ مُستدام.
استنتاجات
يتطلَّب التعاملُ مع المشهد السياسي المُعقّد والخلافات التاريخية، مُقاربةً شاملةً لمعالجة قضايا المياه مع سورية، ونهجاً يمتد إلى ما هو أبعد من مُجرّد إدارة الموارد. فمنذ عام 2011، شهد الوضع المزيد من التعقيدات، حيث تفاقمت تحدّيات ندرة المياه التي تواجهها سورية بسبب استمرار الصراع وعدم الاستقرار السياسي، وتدمير البنية التحتية على الجانب السوري. إن تغيّر المناخ والنمو السكاني – بخاصةٍ على الجانب الأردني – هما عاملان آخران يزيدان من تعقيد الأمر. وقد أصبح من الضروري بالنسبة للأردن وسورية الدخول في حوار بنّاء، والعمل بشكل تعاوني لمواجهة تحدّيات نُدرة المياه المُشتركة. وقد يشمل ذلك ابتكار حلول مُفيدة للطرفين، وبشكل يؤدّي إلى إدارة مُستدامة طويلة الأجل لموارد المياه المُشتركة.
إن أزمة المياه بين الأردن وسورية، والتي استمرت على مدى العقد الماضي، لها جوهر سياسي في الأساس، ولا تعود إلى قضايا فنية أو قانونية. ويعكس تدفّق المياه إلى الأردن تاريخياً حالة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، حيث شهدت الفترات التي كانت فيها العلاقات الثنائية جيدة تحسُّناً في إمدادات المياه. وشملت تلك الفترات مُنتصف ثمانينيات القرن الماضي، عندما أُبرمت اتفاقية 1987 التاريخية، وكذلك العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، الذي شهد إطلاق مشروع سد الوحدة بين البلدين. ومع ذلك، فقد شهدت أوقات الصراع وأزمة المناخ تراجعاً في تدفّق في هذا المورد الحيوي. وعلى الرغم من استدارة الأردن الاستراتيجية نحو إعادة الانخراط مع دمشق منذ عام 2021، فإن الطريق إلى التطبيع الكامل بين الجانبين مليءٌ بالعقبات. مع ذلك، وبالاستناد إلى السوابق التاريخية، فإن تعزيز العلاقات بين الأردن وسورية، والذي يُمكن أن تُيسّره الجهود الدبلوماسية الإقليمية، يُمكن أن يُمهّد الطريق لتحسين آليات تقاسُم المياه بين هاتين الدولتين الجارتين.
.
رابط المصدر: