جان سلجوقي, أماني قدور, سونر چاغاپتاي, أندرو جيه. تابلر
تعْرضْ لجنة من الخبراء ما يمكن رؤيته على الأرض من مناطق الكارثة في تركيا وسوريا وتناقش التداعيات السياسية وتداعيات السياسة العامة للأزمة الإنسانية التي ما زالت تتضح معالمها.
“في 15 شباط/فبراير، عقد معهد واشنطن منتدى سياسياً افتراضياً مع جان سلجوقي، وأماني قدور، وسونر چاغاپتاي، وأندرو تابلر. وسلجوقي هو خبير اقتصادي ومحلل بيانات ومدير مؤسسة “تقرير تركيا”. وقدور هي المديرة التنفيذية لمنظمة “سوريا للإغاثة والتنمية”. وچاغاپتاي هو زميل “باير فاميلي“ ومدير “برنامج الأبحاث التركية” في المعهد. وتابلر هو “زميل مارتن جروس” في المعهد ومستشار أقدم سابق للمبعوث الأمريكي الخاص حول الانخراط مع سوريا. وفيما يلي ملخص المقررَيْن لملاحظاتهم”.
جان سلجوقي
من المستحيل إدراك مدى الدمار والأزمة الإنسانية التي سببها الزلزال في 6 شباط/فبراير إلى أن يرى المرء هاتاي، المحافظة الواقعة في أقصى جنوب تركيا. فالضرر أبعد بكثير مما يَظهر في وسائل الإعلام. وقد بدأت الآلات مؤخراً في إزالة الأنقاض، مما يعني أن أي أمل في العثور على ناجين قد تلاشى تقريباً. وتشير أحدث البيانات إلى أن عدد القتلى يبلغ حوالي 33 ألف شخص، ولكن من خلال النظر إلى عدد المباني المدمرة، سيكون عدد القتلى النهائي أعلى من ذلك بكثير (أثناء كتابة هذه السطور تجاوز عدد القتلى في تركيا وسوريا 46,400).
وعلى الرغم من أن نطاق هذه الكارثة وحجمها كادا أن يكونا أكبر من أن تتعامل معهما أي حكومة بسهولة، إلا أن السلطات التركية فشلت في الاستجابة بالهمة الكافية في الساعات الثماني والأربعين الأولى. فقد كان عليها نشر الجيش منذ البداية، لأنه يتمتع بالموارد والخبرات اللازمة والتسلسل القيادي الملائم لتوفير الإغاثة بعد وقوع مثل هذه الكارثة الكبرى. ولكن إدارات الطوارئ الحكومية أظهرت تنسيقاً ضعيفاً طوال الوقت لدرجة أن بعض المناطق لم تتلقَ بعد المساعدات الضرورية من أنقرة. ولا ينبغي أن يكون هذا أمراً مفاجئاً، لأن عمليات تدقيق ما قبل الزلزال الخاصة برئاسة “إدارة الكوارث والطوارئ” في وزارة الداخلية التركية كانت قد أشارت إلى أن هذه الإدارة لم تكن مستعدة للاستجابة لمثل هذه الكارثة. حتى أن إحدى عمليات محاكاة الكوارث الأخيرة كانت قد حددت الأضرار التي يمكن أن تحدث إذا ضرب المنطقة زلزال بقوة 7.5 درجة والخطوات التي يجب اتخاذها، إلا أن الحكومة تجاهلت التقرير.
ويشكل فشل تركيا في العقود الأخيرة في فرض قانون البناء مشكلة رئيسية أخرى. ففي أعقاب زلزال مرمرة المدمر في عام 1999، حددت السلطات قانون بناء متين لمنع حدوث مثل هذا الدمار الواسع مرة أخرى، وكان يتعيّن على الحكومة تطبيق هذا القانون، ولكن بدلاً من ذلك، منحت عفواً لمطوّري البناء، الأمر الذي سمح بقيام مشاريع بناء دون المستوى الأمثل.
لذلك، فإن أي تقييم لسياسة تركيا أُجري قبل هذه الكارثة أصبح الآن غير ذي صلة. فنحن اليوم نتعامل مع نموذج جديد. فالشعب يشعر بالغضب الشديد من استجابة الحكومة، ومع ذلك فقد ردت السلطات على هذا الازدراء من خلال الادعاء بأنه لم يكن بوسع أي حكومة أن تتعامل كما يجب مع كارثة القرن.
ولحسن الحظ، تمتلك تركيا القدرات الضريبية والمالية اللازمة لإعادة الإعمار على المدى القريب، بينما تعتمد سيناريوهات المدى الطويل على موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة (هذا العام). ويستخدم الرئيس رجب طيب أردوغان ضغوط جهات تعمل نيابة عنه لتأجيل الانتخابات، إلّا أن مثل هذه الخطوة ستكون غير قانونية ما لم يوافق البرلمان على تغيير الدستور. وإذا تم تأجيل الانتخابات بناء على قرار من “المجلس الأعلى للانتخابات” – الذي تكهن البعض بأنه قد يصل في غضون أسبوعين – فستدخل تركيا حقبة من الحكم غير الدستوري.
أماني قدور
هناك موظفون في عداد المفقودين ينتمون لمنظمتنا في غازي عنتاب وأنطاكيا. لذلك فإن هدفنا الأول هو تحقيق الاستقرار لفرقنا في منظمة “سوريا للإغاثة والتنمية” لكي تتمكن من التعبئة السريعة والبدء في الاستجابة للاحتياجات الإنسانية غير المسبوقة في تركيا وسوريا. وفي غضون ذلك، يشعر العديد من سكان المناطق المتضررة بالغضب من الوضع وبأن المجتمع الدولي قد تخلى عنهم. إن كل ساعة ضائعة تعني فقدان المزيد من الأرواح.
منذ البداية، كانت المنظمات المحلية في شمال غرب سوريا هي التي تساعد على الأرض. وفي الوقت الذي لم تتحقق فيه المساعدة الدولية بَعْد في هذا المجال، كانت منظمات مثل “الخوذ البيضاء” تقوم بعمليات البحث والإنقاذ. وفي المرحلة القادمة، على الحكومات الأجنبية تعزيز ودعم المستجيبين الأوائل في لحظات الكوارث. وتتمتع الحكومة الأمريكية بالقدرة على دعم المزيد من المغتربين السوريين الأمريكيين والمنظمات المحلية وهذا أجدى من أن تُرسل المساعدات شيئاً فشيئاً عبر البيروقراطيات الكبيرة.
ومن الأولويات الأخرى التي تحتاج إلى الاستثمار هي رعاية عمال المعونة وحمايتهم. فلم تقم الأمم المتحدة و”اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات” بتوسيع نطاق التفعيل والنشر والتنسيق المطلوب لاستجابة دولية كبيرة حتى 14 شباط/فبراير، أي بعد أكثر من أسبوع من وقوع الكارثة.
علاوة على ذلك، فإن الخدمات اللوجستية والتسييس ليسا عذراً لحجب المساعدات الإنسانية التي تمس الحاجة إليها. يجب تفعيل كل نقطة عبور إلى سوريا، ويجب أن يتضمن قرار مجلس الأمن الدولي المقبل فتح هذه المعابر إلى أجل غير مسمى. وتتمتع الولايات المتحدة بموارد أكثر من أي دولة أخرى في العالم وبإمكانها نشر عدد هائل من الأفراد ذوي المهارات اللازمة لإنقاذ الأرواح.
أما العقوبات الدولية، فلم تتأثر بجهود المساعدات الإنسانية. فالمنظمات غير الحكومية فعالة في مناطق “الحكومة السورية” والأراضي التي تسيطر عليها المعارضة على حد سواء. وفي الواقع، إن هذه المنظمات هي شريان الحياة لجهود الإغاثة في جميع المناطق المتضررة في سوريا. وبالتالي، فإن رفع العقوبات حالياً لن يؤدي إلا إلى إدامة سردية “التطبيع” التي ظهرت في السنوات القليلة الماضية والمتعلقة بجهود إعادة الإعمار.
سونر چاغاپتاي
تدخل السياسة التركية اليوم أرضاً مجهولةً. فمن حيث الخسائر البشرية، يشكل زلزال 6 شباط/فبراير أكبر كارثة طبيعية في تاريخ البلاد الحديث وسيعيد ضبط معظم ديناميكياتها الاجتماعية والسياسية السابقة.
وتضمنت المشاكل العديدة التي واجهت الاستجابة الأولية للحكومة، الفشل في نشر الدرك – ذراع السلامة العامة للجيش – في وقت مبكر وبأعداد كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، كان أردوغان قد دمر وكالات الإغاثة التركية على مدى العقد الماضي، واستبدل مديريها التنفيذيين بالموالين له، مما جعل هذه المنظمات مختلة وظيفياً. وكما كان متوقعاً، فشلت هذه الوكالات في تقديم المساعدة الكافية والمنسقة تنسيقاً جيداً منذ وقوع الكارثة.
وعلى النقيض من ذلك، كان أداء المجتمع المدني جيداً، وغالباً ما تجاوزت جهوده مساعي الإنقاذ التي تقودها الحكومة. وحتى أن أعمال نجم الروك التركي هالوك ليفنت – الذي يرأس منظمة “أحباب” غير الحكومية – كانت أكثر من بعض الوكالات الحكومية. ويدل ذلك على قوة ومرونة الطبقة الوسطى والمجتمع المدني في تركيا مما يعكس علامة جيدة لمستقبل البلاد.
وفي حين تُسلط بعض الصور من منطقة الكارثة الضوء على قوة الزلزال من خلال التقاط الدمار الذي لحق بأحياء بأكملها، إلّا أن بعض الصور الأخرى تُظهر كتلاً سكنيةً سليمةً تقف بجوار بنايات أخرى محطمة بالكامل. وهذه الظاهرة دليل قاطع على انتهاكات قانون البناء وتفشي الفساد. وبالتالي، ستشكل الكارثة تحدياً سياسياً كبيراً لأردوغان الذي عزز صورته داخلياً ومنذ فترة طويلة كزعيم استبدادي بل فعال – “الأب” المُجدي للأمة. إن علامته هي أنه يعتني بالناس، والآن سيتم اختبار ذلك. وفي أول خطاب له بعد الكارثة المروعة، وبّخ أردوغان أبناء الشعب بغضب لانتقادهم استجابة الحكومة بدلاً من احتضانهم لها.
وفي المرحلة القادمة، سيواجه أردوغان مزيداً من التدقيق بسبب جهود الإغاثة المتعثرة وانتهاكات البناء الواضحة. ورداً على ذلك، من المرجح أن يضاعف سعيه في إثارة الخوف، محاولاً أن يَبدو أقوى وأكثر استبداديةً، كما رأينا في الخطاب المذكور أعلاه. وقد يحاول أيضاَ تأجيل الانتخابات المقبلة، لكن ذلك سيكون انتهاكاً للدستور الذي لا يسمح بمثل هذا التأجيل إلا في حالات الحرب. والحرب ليست ممكنة على الإطلاق حالياً – وفي الواقع، أخذت علاقات تركيا مع جيرانها في التحسن. فقد هبّت جميع هذه الدول لمساعدة تركيا منذ وقوع الزلزال، وأبرزها أرمينيا (التي ليس لها علاقات دبلوماسية مع أنقرة) واليونان (التي أدّت دبلوماسيتها العامة الرائعة إلى تعزيز هيبتها في أعين الناس في تركيا بعد سنوات من العداء).
وفيما يخص بلدان أخرى قدمت عدة دول مساعدات سخية أيضاً مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا والسويد والولايات المتحدة. ومع أن هذا الرد المعطاء لن يحل المشاكل الثنائية المختلفة لهذه البلدان مع أنقرة بطريقة سحرية، إلّا أنه من المرجح أن يؤدّي إلى قيام المواطن التركي بتغيير رأيه تجاه “الاتحاد الأوروبي” و”حلف شمال الأطلسي” والغرب عامةً. فعلى مدى العقد الماضي كانت الحكومة التركية وحلفاؤها الإعلاميون قد ساعدوا في تعميم المشاعر المعادية للغرب ونظريات المؤامرة، وكثيراً ما أصروا على أن الغرب هو “الآخر” لتركيا. ومع ذلك، بينما يرى المواطنون الأتراك رجال الإنقاذ الأوروبيين والغربيين ينتشلون الناس من تحت الأنقاض، فمن المرجح أن يبدأ الكثير منهم في التشكيك في هذه السردية. أما فيما يتعلق بإسرائيل فكانت رسالتها قوية وفعالة أيضاً إذ نشرت ثاني أكبر فريق إنقاذ بعد أذربيجان.
أندرو تابلر
وافق نظام الأسد على إعادة فتح معبرين حدوديين إضافيين من أجل مرور مساعدات الأمم المتحدة الى شمال غرب سوريا، لكن هذه البادرة فارغة إلى حد كبير، لأن الاتفاق اقتصر على ثلاثة أشهر فقط، وهي فترة غير كافية لمثل هذه الكارثة الكبرى. بالاضافة إلى ذلك، يتمتع النظام بسجل حافل في تحويل المساعدات التي تمر بين يديه إلى سلاح، بما في ذلك المساعدات المخصصة للمناطق التي لم تعد تحت سيطرته في البلاد.
لقد قدّمت الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا و”الاتحاد الأوروبي” مجتمعة حوالي 91 في المائة من المساعدات المرسلة إلى سوريا كل عام، لذا على هذه البلدان و “الاتحاد الأوروبي” الضغط على مجلس الأمن الدولي لاصدار قرار يضمن فتح جميع معابر المساعدات المتاحة إلى سوريا لمدة عام واحد على الأقل، وبالتالي منع روسيا من استخدام حق النقض (“الفيتو”) لتجنب تعقيد وصول المساعدات الإنسانية خلال تلك الفترة.
على الحكومة الأمريكية أيضاً تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا بشكل مناسب لدعم الإغاثة المشروعة في أعقاب الزلزال، مع عدم صفح النظام عن سلوكه خلال الحرب. وفي 8 شباط/فبراير أصدرت واشنطن “الرخصة العامة رقم 23” التي تجيز المعاملات المتعلقة بالإغاثة في حالات الكوارث، ولكنها تسمح أيضا للكيانات بالعمل مع “الحكومة السورية”، مما قد يفتح ثغرات أمام النظام السوري وحلفائه الأجانب.
ولمعالجة هذه القضايا، على البيت الأبيض أن يطلب تقييماً استخباراتياً بالصور الفوتوغرافية لتحديد ما تضرر من جراء الزلزال مقابل ما تخرب في الحرب. وسيمّكن هذا التقرير الإدارة الأمريكية من مراقبة حركة أموال الإغاثة التي سيتم إنفاقها خلال الأشهر القليلة المقبلة. وتحقيقاً للغاية نفسها، على واشنطن النظر في إنشاء “قناة بيضاء” للمساعدات الإنسانية إلى سوريا، على غرار ما سمحت به إدارة ترامب لإيران في تشرين الأول/أكتوبر 2020.
.
رابط المصدر: