ديفيد ماكوفسكي
أكد الاجتماع بين ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد ورئيس وزراء إسرائيل نفتالي بينيت مدى حرص البلدين على استمرار تقدمهما الاقتصادي، لكن مثل هذا التعاون قد يصبح معقداً إذا وصلت المخاوف بشأن البرنامج النووي الإيراني إلى ذروتها.
عندما استضاف ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت لمدة أربع ساعات من المحادثات في 13 كانون الأول/ديسمبر، من المحتمل أن يكون حرصهما المشترك على التقدم الثنائي قد تعارض مع نهجيْهما المختلفيْن تجاه القضايا الأمنية الرئيسية في المنطقة، ولا سيما إيران. فبينيت، على غرار أسلافه، وضع وقف مساعي طهران لامتلاك القدرة على صنع أسلحة نووية على رأس أولويات سياسته الخارجية. كما انتقد علانية اتجاه المحادثات النووية في فيينا، التي تهدف إلى إعادة إيران إلى الامتثال للاتفاق النووي لعام 2015. وبالتالي، سيكون من المنطقي بالنسبة له أن يجعل هذه القضايا نقطة محورية في محادثاته مع بن زايد – وبالفعل، يعتقد الكثيرون أن التقارب المستمر بين إسرائيل والإمارات نشأ في الأصل من هدفهما المشترك المتمثل في إحباط طموحات طهران الإقليمية.
ومع ذلك، تشير الدلائل المبكرة إلى أن الزعيمين تجنّبا المسألة، وفضلا أن يتمحور اللقاء الأول بينهما حول بناء الروابط وتوطيد العلاقة الاقتصادية. وعلى نطاق أوسع، جاءت زيارة بينيت في وقت تشهد فيه أوساط السياسة الخارجية لدولة الإمارات إعادة تقييم كبيرة. ويبدو أن أبوظبي هي في خضم عملية توازن تحافظ بموجبها على التزامها الصادق بالوعود الاقتصادية للعلاقات مع إسرائيل، بينما تسعى في الوقت نفسه إلى خفض التصعيد في المنطقة. ومن وجهة نظرها، فإن كلا المسعييْن يتفقان مع رغبتها في توسيع علاقاتها التجارية استعداداً لحقبة ما بعد النفط، من بين أهداف أخرى.
خفض التصعيد في المنطقة
يمثل التواصل الدبلوماسي الأخير لأبو ظبي مع إيران وتركيا وجِهات فاعلة أخرى، انقطاعاً عن انخراطها النشط في تحديات الأمن الإقليمي على مدار العقد الماضي، عندما نشرت قواتها العسكرية مراراً وتكراراً ضد عناصر إسلامية في دول أخرى. واليوم، تخشى الإمارات من أن يؤدي انهيار الدبلوماسية مع طهران إلى جعلها في مواجهة عسكرية بين إيران وإسرائيل. ووفقاً لمسؤولين إماراتيين، لا تهدف عملية إعادة إرساء التوازن إلى تعزيز الآفاق التجارية أو تجنب الصراعات مع الدول المجاورة فحسب، بل ترتبط أيضاً بقناعة البلديْن بأن الولايات المتحدة تتراجع في الشرق الأوسط، على الرغم من نفي واشنطن القاطع لذلك. ويشعر البلدان أنهما مرغمان على تنويع المخاطر من خلال التواصل مع دول أخرى.
ففي الشهر الماضي، على سبيل المثال، زار محمد بن زايد تركيا للقاء الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي غالباً ما دعم عناصر من نفس الجماعات الإسلامية التي تعارضها أبوظبي بشدة. وفي 6 كانون الأول/ديسمبر، التقى مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد بالرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي في طهران، حيث أفادت بعض التقارير أنهما ناقشا تحسين العلاقات وتحديد موعد زيارة محتملة لرئيسي إلى أبوظبي (وهو ما يقول المسؤولون إن محمد بن زايد على استعداد للنظر فيه).
وخلال الخطاب الرئيسي لوزير الدولة السابق والمؤثر أنور قرقاش في “مركز الإمارات للسياسات” في 15 تشرين الثاني/نوفمبر، قدّم مزيداً من المعلومات حول نهج الإمارات، حيث قال: “ما زلنا نشعر بقلق عميق بشأن سلوك إيران في المنطقة، بما في ذلك تدخّلها المُستمر في العراق وسوريا واليمن ولبنان. وعلى الرغم من ذلك، فقد اتخذنا خطوات لتهدئة التوتّرات، إذ لا مصلحة لنا في المواجهة بما أن المنطقة بأسرها ستدفع ثمنها على مدى العقود المقبلة”.
وكان مسؤول آخر صريحاً بنفس القدر في المحادثات التي أُجريت خلال زيارة كاتب هذا المقال إلى الإمارات في الشهر الماضي والتي دامت تسعة أيام، حيث أشار إلى أن التخفيف من حدة التصعيد ضروري لأن “الاستراتيجية القديمة لم تنجح”. وأضاف مسؤول إماراتي ثالث “نحن نتحدث عن نهج «الإمارات أولاً» إزاء توفير الازدهار والاستقرار”.
وفيما يتعلق بـ “اتفاقات إبراهيم” مع إسرائيل، أكدت الإمارات لطهران بشكل قاطع أن الهدف من اتفاقية التطبيع لم تكن تهدف بأي حال من الأحوال إلى الازدراء بإيران أو وضع أبوظبي في محور إقليمي. ووفقاً لبعض المسؤولين، لا تعارض طهران انخراط الإمارات في الاتفاقات، لكنها ترفض إقامة إسرائيل لأي منشآت أمنية في الإمارات. وفي المقابل، لم يتردد المغرب – الذي هو طرف آخر في الاتفاقات – في توقيع مذكرة تفاهم مع إسرائيل حول القضايا الأمنية.
ولن يكون إيجاد التوازن الصحيح في الأمور الأمنية أمراً سهلاً. فمن جهة، زار اللواء الركن طيار إبراهيم ناصر العلوي، قائد القوات الجوية والدفاع الجوي الإماراتي، إسرائيل في تشرين الأول/أكتوبر لمشاهدة مشاركة الوحدات الإماراتية في أكبر مناورة جوية متعددة الأطراف تنظمها البلاد، والتي ركزت جزئياً على التصدي للطائرات بدون طيار.
ومن جهة أخرى، لم يشر البيان العلني المشترك الذي أصدرته “وكالة أنباء الإمارات” (“وام”) الرسمية بعد زيارة بينيت إلى إيران، رغم إشارة مكتبه مسبقاً إلى مناقشة الموضوع. ووفقاً لبيان منفصل صادر عن “وام”، “سلط محمد بن زايد الضوء على أن نهج دولة الإمارات، في علاقاتها الخارجية يقوم على مبادئ راسخة من الاحترام المتبادل والتعاون، وإرساء قيم التعايش والسلام”. كما أعرب عن “أمله في أن يعم الاستقرار في الشرق الأوسط”.
وفي غضون ذلك، ذكرت صحيفة “إسرائيل هيوم”- التي غالباً ما يُنظر إليها على أنها تدعم حزب “الليكود” المعارض – قبل زيارة بينيت، أنه من المرجح أن يعرض على محمد بن زايد معلومات استخباراتية جديدة حول مسائل مختلفة، بما فيها القاعدة في كاشان، إيران، حيث يتلقى رجال الميليشيات من مختلف أنحاء العالم تدريبهم على استخدام طائرات متفجرة بدون طيار. ومن غير الواضح ما إذا كان بينيت قد طرح هذه القضايا في النهاية.
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ذكر أحد المسؤولين الإماراتيين أنه ستتمّ مناقشة هذا الموضوع في اجتماعات مقبلة، وأنه من المهم في الوقت الحالي لمحمد بن زايد وبينيت الحفاظ على هذا التقارب. (ووفقاً لمسؤول أقدم في إدارة بايدن، قال الإماراتيون لواشنطن أن “الكيمياء بين الزعيمين كانت رائعة” خلال اجتماع هذا الأسبوع وأن الزيارة كانت “ناجحة جداً”). وعندما وقّعت الإمارات على “اتفاقات إبراهيم”، شعر كثير من الفلسطينيين بالمرارة لأنهم اعتقدوا أن الاتفاقات ستضعف نفوذهم أمام إسرائيل. ومع ذلك، تشعر أبوظبي أن الفلسطينيين كانوا ناكرين للجميل، معتبرةً أن الاتفاقات هي التي أوقفت ضم إسرائيل للضفة الغربية خلال عهد ترامب – نتنياهو.
وكانت موافقة الولايات المتحدة على بيع طائرات “أف-35” إلى الإمارات نتاج آخر لـ “اتفاقات إبراهيم” – وهي صفقة تم إيقافها مؤخراً عندما أعربت أبوظبي عن استيائها من القيود الأمريكية التي تهدف إلى منع أعمال التجسس الصينية على النظام. ورغم توقفها الرسمي، يقول المسؤولون الإماراتيون إن القضية لا تزال معلّقة مع واشنطن، في حين يقول مسؤولون أمنيون إسرائيليون إنهم على علم بالموضوع منذ شهرين أو أكثر ولا يعتقدون أن ذلك سيؤثر على علاقة القدس بالإمارات.
الفرص الثنائية
في مؤشر على نيتهما الجادة لتنمية العلاقة، وقّعت الإمارات وإسرائيل ما لا يقل عن ستين مذكرة تفاهم في مجالات مختلفة. ونوّه بينيت بهذا الواقع بعد الاجتماع، مشيراً إلى أنه “تمّ إبرام العديد من اتفاقيات التعاون في مجالات التجارة والبحث والتطوير والأمن السيبراني والصحة والتعليم والطيران وغيرها، وإنني أتطلع إلى استمرار تطوير العلاقات وتوطيدها”. كما أعلن البلدان عن خطط لإنشاء صندوق استثمار ثنائي في مجال المناخ.
وتجدر الإشارة إلى أن المسؤولين الإماراتيين والإسرائيليين متحمسون بشكل خاص إزاء إمكانيات توطيد علاقتهما الاقتصادية الثنائية. فهم لا يرون في تعزيز العلاقات مجرد منفعة متبادلة، بل أيضاً نموذجاً للدول العربية الأخرى التي تسعى إلى التطبيع مع إسرائيل. علاوةً على ذلك، يشير المسؤولون الإماراتيون إلى أن اقتصاد إسرائيل متطور وبإمكانه مساعدة الإمارات على تنويع اقتصادها ورقمنته خلال استعدادها لحقبة ما بعد النفط. وقد أكدوا تقارير مفادها أن محمد بن زايد منح الضوء الأخضر في وقت سابق من هذا العام لبدء النقاشات الثنائية بشأن إنشاء صندوق إماراتي للاستثمار في التكنولوجيا الإسرائيلية ومجالات أخرى بقيمة 10 مليارات دولار.
وبالفعل، عزز البلدان قيمة تبادلاتهما التجارية الثنائية المسجلة بواقع عشرة أضعاف خلال الأشهر العشرة الأولى فقط من عام 2021، لتصل إلى ما يقرب من 900 مليون دولار. وخلال اجتماع هذا الأسبوع، ناقش بينيت ومحمد بن زايد على ما يبدو احتمال توقيع اتفاقية تجارة حرة في عام 2022. وفي أيلول/سبتمبر، وضعت شركة “ديليك للحفر” الإسرائيلية اللمسات الأخيرة على اتفاق بيع طاقة ضخم مع صندوق الثروة السيادية الإماراتي “مبادلة”، تحصل بموجبه الإمارات على حصة في حقل “تمار” للغاز الطبيعي بقيمة مليار دولار.
وفي المرحلة اللاحقة، فإن الإمارات منفتحة على إقامة مجموعة متنوعة من العلاقات المبتكرة التي من شأنها أن تُمكّن المنتجات الإسرائيلية من الوصول إلى أسواق التصدير الإماراتية في آسيا وأفريقيا. ويقول المسؤولون إنه لم يكن من قبيل المصادفة أن يكون الاجتماع الافتراضي الذي عُقد في 18 تشرين الأول/أكتوبر بين وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ووزيري الخارجية الإسرائيلي والإماراتي قد شمل نظيرهما الهندي أيضاً – فالهند هي ثاني أكبر شريك تجاري للإمارات.ً وقد أُطلِق على هذه المقاربة الرباعية للتعاون الاقتصادي المستقبلي بـ”التحالف الرباعي”.
وعلى صعيد آخر، توسّطت الإمارات في اتفاق الشهر الماضي يدعو إلى إنشاء محطة جديدة للطاقة الشمسية في الأردن لإنتاج 600 ميغاواط من الكهرباء لتصديرها إلى إسرائيل؛ وفي المقابل، ستقوم محطات تحلية المياه في إسرائيل بتصدير 200 مليون متر مكعب من المياه إلى الأردن. (ومع ذلك طلبت السعودية خفض مستوى تصنيف الاتفاق إلى خطاب نوايا نظراً لافتقار الرياض إلى العلاقات مع إسرائيل).
ومن المتوقع أن تزدهر السياحة الثنائية أيضاً. فوفقاً لمسؤولين إسرائيليين، زار 200 ألف سائح إسرائيلي الإمارات خلال جائحة فيروس “كورونا”، مما يشير إلى احتمال تسجيل أرقام أكبر بكثير حالما تتم السيطرة على الفيروس.
الخاتمة
أكد اجتماع بينيت ومحمد بن زايد مدى حرص البلدين على مواصلة تعزيز علاقتهما الاقتصادية الثنائية الجديدة المتنامية بشكل سريع. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا إلى متى سينجح البلدان في الحفاظ على هذا المسار إذا كانا يختلفان جوهرياً حول أفضل طريقة لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي. وربما سيواصلان الاتفاق على عدم الاتفاق؛ أو قد تصبح القضية نقطة شائكة إذا تصاعدت التوترات الإسرائيلية مع إيران وبدأت الإمارات تشعر حتى بمزيد من الضعف.
.
رابط المصدر: