فى أول زيارة خارجية له، منذ اندلاع الحرب الأوكرانية فى 24 فبراير الماضى، التقى الرئيس الاوكرانى، فولوديمير زيلينسكى، الأربعاء الماضى، نظيره الأمريكى فى واشنطن، حيث تعهد هذا الأخير بتقديم دعم سخى لكييف. ثم انتقل زيلينسكى الى الكونجرس لإلقاء خطاب، وكان له اجتماع مع رئيسة مجلس النواب الأمريكى، نانسى بيلوسى، التى قدم لها الشكر على دورها القيادى فى تقديم الدعم لأوكرانيا بكل الطرق الممكنة.
تحمل هذه الزيارة، التى لم يتم الإفصاح عنها إلا فى اللحظات الأخيرة وتم تأمينها بكثير من الحذر، مجموعة من الرسائل. أولا، تنقل زيلينسكى خارج البلاد، فى هذه الظروف،يعنى أنه يشعر بعدم الخوف من الروس وبالأمان تجاه حكومته.
فهو لا يخاف من الإطاحة به أو الاستفادة من غيابه، وهذا يعكس ثقة كبيرة واحساسا بأن الأمور داخل أوكرانيا تسير بشكل جيد نسبيا. ثانيا، فى أول زيارة له خارج البلاد، اختار الرئيس الاوكرانى أمريكا بدلا من جارته أوروبا. هذا الاختيار يسلط الضوء على الوزن الحقيقى للولايات المتحدة فى هذه الحرب، ويذكر بأن أوروبا ليس لها مكان فى الرؤية الأمريكية.
التقى الرئيس الأوكرانى مع زعيم الأقلية الجمهورية فى مجلس الشيوخ، وزعيم الاغلبية الديمقراطية فى مجلس الشيوخ، وزعيم الأقلية فى مجلس النواب، حيث تمت مناقشة موضوعات تتعلق بضرورة الحفاظ على الدعم من المجلسين ومن الحزبين (الجمهورى والديمقراطي) لأوكرانيا فى المستقبل.
هذا الامر تراه كييف مهما لردع العدوان الروسى وتحرير الأراضى الأوكرانية. كما تطرق زيلينسكى الى أهمية تصنيف الشركات العسكرية الخاصة الروسية فاجنر كمنظمة إرهابية، علاوة على ضرورة دعم المبادرة الأوكرانية لإنشاء محكمة دولية خاصة، لجريمة عدوان روسيا على أوكرانياوتنفيذ آلية فعالة لتعويض روسى عن الأضرار التى لحقت بأوكرانيا.
شهدت الزيارة إعلان الرئيس بايدن عن حزمة جديدة من المساعدات العسكرية لأوكرانيا بنحو 2 مليار دولار، ضمنها منظومة باتريوت، القادرة على التصدى للصواريخ التكتيكية، وصواريخ كروز والطائرات وغيرها، بهدف تعزيز الدفاع الجوى الأوكراني. هذا الامر اعتبره الرئيس الاوكرانى بمثابة خطوة مهمة فى سبيل إنشاء درع جوية فعالة لأوكرانيا.
ويعتبر قرار الولايات المتحدة بتوفير منظومة باتريوت تحولا فى سياسة امريكا، اذ رفضت فى الأشهر الأولى للحرب هذه الفكرة، معتبرة أن المنظومة ستتطلب تمركز جنود أمريكيين فى أوكرانيا، مما يشكل خطرا غير مقبول بالنسبة للناتو. لكن مع زيادة استهداف روسيا للبنية التحتية فى أوكرانيا، غيرت أمريكا موقفها مع تعهدها بتدريب الجنود الأوكرانيين خارج أوكرانيا. أيضا،أعرب رئيس أوكرانيا عن أمله فى ان يوافق الكونجرس على حزمة دعم مالى لاوكرانيا، واكد ان كل دولار يتم استثماره من قبل الولايات المتحدة فى الدفاع عن الحرية سيعد تعزيزا حقيقيا وملموسا للأمن العالمي.
بالإضافة الى الرسائل التى تحملها هذه الزيارة، يبدو ان الهدف الرئيسى منها هو محاولة خلق حالة من التأييد لسياسة دعم أوكرانيا التى تنتهجها ادارة بايدن منذ بداية الحرب، وخلق جبهة مضادة لاى محاولات محتملة من الأغلبية الجمهورية الجديدة داخل مجلس النواب لإحداث تغيير كبير فى حجم الدعم الحالى لأوكرانيا، وهو ما لا توجد شواهد قوية على احتمال حدوثه حتى الآن.
من المتوقع تمرير موازنة للعام المالى 2023 تتضمن تخصيص 45 مليار دولار كحزمة دعم لأوكرانيا بتوافق نسبى بين الحزبين، بالإضافة لضعف احتمالات نجاح الجناح الشعبوى من الحزب الجمهورى فى فرض إرادته على التيار المعتدل داخل الحزب، والإدارة ومجلس الشيوخ ذى الأغلبية الديمقراطية، وبالتالى عدم التمكن من إحداث تغيير كبير او تعطيل للدعم الأمريكى لأوكرانيا على المدى القريب والمتوسط. بالنسبة للروس،اعتبرت الرئاسة الروسية رغم أن الرئيس الأوكرانى الى واشنطن، تظهر أن الأخيرة تشن فى أوكرانيا «حربا بالوكالة» على روسيا.
واعتبر الناطق الرسمى باسم الكرملين ان إرسال منظومة باتريوت إلى أوكرانيا لن يسهم فى تسوية سريعة للنزاع ولن يمنعنا من تحقيق أهداف العملية العسكرية. وعلى الرغم من أن الرئيس الروسى ابدى استعداد بلاده للتفاوض لإنهاء الحرب فى أوكرانيا، ملقيا الكرة فى ملعب أوكرانيا،لا تبدو فى الأفق أى دلائل للانخراط الفعلى فى عملية تفاوض لوقف القتال، ولا يبدو أى طرف قادرا على حسم الحرب بالوسائل العسكرية.
هذا الوضع سيعمق الاضطرابات الاقتصادية الحالية، بما فى ذلك ارتفاع معدلات التضخم، نقص الغذاء، ارتفاع أسعار الطاقة، النقص المحتمل فيها، الهجرة الكبيرة، مما يهدد بتفاقم الأزمات فى مناطق كثيرة فى العام الجديد.
.
رابط المصدر: