من المرجح أن يركز الزعيم الإماراتي على مستقبل التكامل الاقتصادي والتكنولوجي بين الولايات المتحدة والإمارات، ولكن النقاشات ستشمل أيضاً قضايا حساسة مثل مخاوف القوى العظمى بشأن الصين وروسيا، وانتشار الأسلحة النووية في المنطقة، والدور المحتمل لبلاده في مرحلة ما بعد الحرب في غزة.
في 23 أيلول/سبتمبر، يصل الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان إلى واشنطن في زيارة مهمة إلى الولايات المتحدة – وهي أول زيارة رسمية له منذ عام 2017 وأول اجتماع على الإطلاق في البيت الأبيض لرئيس إماراتي شاغل لمنصبه. وعلى هذا النحو، تمثل هذه الزيارة حدثاً تاريخياً للعلاقات الثنائية حتى قبل أن تبدأ. ولكن أهمية النقاشات نفسها ستعتمد على كيفية تعامل الشريكين مع مجموعة من القضايا الثنائية الحساسة في وقت يشهد أزمات إقليمية على عدة جبهات.
تعقيدات مع شريك إقليمي مهم
أصبحت دولة الإمارات، وهي اتحاد يتألف من سبع إمارات في الخليج العربي، جهة فاعلة بارزة على الصعيد العالمي بفضل ثروتها النفطية الهائلة وأسلوب القيادة الذي يتبعه الشيخ محمد بن زايد. وهذه المكانة مذهلة بالنظر إلى أن البلاد نالت استقلالها قبل خمسة عقود فقط ويبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة فقط وفقاً للتقديرات، حوالي 90 في المائة منهم من العمال الأجانب. ومحمد بن زايد هو أيضاً رئيس المجلس التنفيذي لأبوظبي (الإمارة التي تمتلك معظم نفط الإمارات) ورئيس الاتحاد – وهي ألقاب حصل عليها في عام 2022 بعد وفاة أخيه غير الشقيق الأكبر خليفة.
وفي البداية، كان العامل الرئيسي الذي دفع الشريكين إلى التقارب هو الجغرافيا – حيث تقع الإمارات عبر الخليج مباشرة من إيران. ومع ذلك، تنظر واشنطن اليوم إلى الإمارات كشريك استراتيجي مهم في مواجهة مجموعة من التحديات الإقليمية والعالمية. وتشمل الروابط القوية بينهما علاقة اقتصادية مفيدة للطرفين، وتعاون دفاعي قوي، ومبادرات دبلوماسية رئيسية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تُعتبر الإمارات أكبر مستورد للبضائع الأمريكية في الشرق الأوسط، حيث وصلت قيمتها إلى 24.8 مليار دولار في عام 2023، وتستمر في الارتفاع هذا العام. وعلى الصعيد الدفاعي، تستضيف الإمارات وجوداً عسكرياً أمريكياً كبيراً في قواعد مثل “قاعدة الظفرة الجوية”، حيث يتمركز حوالي 5,000 فرد أمريكي مع أصول تتعلق بإعادة التزود بالوقود والاستطلاع وقدرات أخرى. كما تُعد الإمارات شريكاً عسكرياً مخضرماً شارك في تحالفات بقيادة الولايات المتحدة تركزت على أفغانستان والبلقان والكويت وليبيا وتنظيم “الدولة الإسلامية “- وكل ذلك ساهم في تعزيز الروابط الأمنية الثنائية.
وفيما يتعلق بالمبادرات الأمريكية الرئيسية في المنطقة، فإن الإمارات عضو مؤسس في “اتفاقيات أبراهيم”، حيث اتخذت القرار الجريء بتطبيع العلاقات مع إسرائيل والحفاظ على العلاقات الدبلوماسية والتجارية معها على الرغم من الحرب المستمرة في قطاع غزة. كما أنها تشكل عقدة حاسمة في جهود واشنطن لإنشاء قدرات دفاعية جوية وصاروخية متكاملة في الشرق الأوسط – على الرغم من أنها لم تُعلن علناً أنها لعبت دوراً في منع الصواريخ والطائرات المسيرة التي أُطلقت من قبل إيران ووكلائها من ضرب إسرائيل خلال هجوم غير مسبوق في 13 نيسان/أبريل. وفي الواقع، يتفق المسؤولون الإماراتيون والأمريكيون على أن إيران هي قوة مزعزعة للاستقرار في المنطقة، لكنهم اختلفوا مؤخراً حول أفضل السبل لمواجهة هذا التهديد. فمنذ عام 2019، ركزت الإمارات على تهدئة التوترات من خلال محادثات وراء الأبواب مع طهران من أجل كبح هجمات النظام واستفزازاته.
وتعود الخلافات الثنائية الأخرى إلى الفترة التي كان فيها بايدن نائباً للرئيس الأمريكي، بما في ذلك الخلافات حول احتجاجات “الربيع العربي” والاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران (الذي تفاوضت عليه الإدارة الأمريكية دون التشاور مع شركائها في الخليج). كما تخشى الإمارات منذ فترة طويلة أن تقلل الولايات المتحدة من التزاماتها في الشرق الأوسط مع إعادة توازنها نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ومن جانبها، ترى واشنطن أن العديد من التوجهات السياسية الإماراتية غير مثمرة – بدءاً من مقاومتها لفرض العقوبات على إيران وروسيا، وإلى دورها في بدء الخلاف الخليجي السابق مع قطر.
وتفاقم التوتر الثنائي في كانون الثاني/يناير 2022، عندما هاجمت قوات الحوثيين أبوظبي بالصواريخ والطائرات المسيرة رداً على المكاسب التي حققتها الميليشيات المدعومة من الإمارات خلال الحرب في اليمن. واعتبرت الإمارات أن الرد الأمريكي كان غير كافٍ، على الرغم من إرسال إدارة بايدن مدمرة بحرية وسرب طائرات إلى الإمارات لردع المزيد من الهجمات.
كما حذرت الإدارة الأمريكية أبوظبي مراراً وتكراراً بشأن جوانب معينة من علاقتها مع الصين. ففي الساعات الأخيرة من إدارة ترامب في كانون الثاني/يناير 2021، تم التوصل إلى اتفاق لبيع طائرات مقاتلة من طراز “F-35” وطائرات مسيرة من طراز “إم كيو-9 ريبر” إلى الإمارات. وعلى الرغم من استمرار صفقة “إم كيو-9″، إلّا أن صفقة “F-35” تعثرت بعد ظهور تقارير عن بناء منشأة عسكرية صينية في الإمارات. كما أن المسؤولين الأمريكيين يشعرون بالقلق من نفوذ بكين على الشركات التكنولوجية الإماراتية، كما اتضح عندما واجهت شركة “G42” تدقيقاً مكثفاً بشأن علاقاتها الواسعة مع الصين والمخاطر المحتملة على المعلومات الأمريكية الخاصة. ووفقاً للشركة، فقد تخلت منذ ذلك الحين عن استثماراتها في الصين – إلا أن مدى ذلك لا يزال محل نقاش – وأعلنت عن صفقة بقيمة 1.5 مليار دولار مع “مايكروسوفت” تشمل منح مدير تنفيذي من “مايكروسوفت” منصب عضو في مجلس إدارتها وسلسلة من مبادرات الذكاء الاصطناعي.
لماذا الزيارة الآن؟
ستوفر رحلة محمد بن زايد فرصة له وللرئيس بايدن لتبديد التوترات المذكورة أعلاه وتحقيق بعض المكاسب السريعة قبل نهاية رئاسة بايدن. كما أنها فرصة لتطوير علاقاته مع نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، التي التقى بها لأول مرة عندما ترأست الوفد الأمريكي لتقديم التعازي في وفاة شقيقه، ثم مرة أخرى في مؤتمر “COP28” للمناخ الذي استضافته الإمارات في أواخر عام 2023. ويبدو من المرجح أيضاً أن يعقد اجتماع مع الرئيس السابق ترامب، على الرغم من أنه لم يتم تأكيد ذلك حتى وقت كتابة هذه السطور. ومن خلال توقيت الزيارة قبل ستة أسابيع فقط من الانتخابات الأمريكية، يسعى محمد بن زايد على الأرجح إلى تأمين رهاناته وضمان نجاح بلاده بغض النظر عن الفائز في البيت الأبيض والكونغرس في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر.
وتشمل الأجندة العامة للاجتماع، كما حددها “مجلس الأعمال الأمريكي – الإماراتي”، مجالات الطاقة والصحة والذكاء الاصطناعي والفضاء والدفاع. ويتطلع الإماراتيون إلى تحويل الشراكة من كونها قائمة على التعاون الدفاعي والأمني إلى شراكة ترتكز بشكل أساسي على التكامل الاقتصادي والتكنولوجي. ومن المرجح أن تشمل النتائج التركيز على التحوّل المزعوم لمجموعة “G42” عن الصين واتفاقها الجديد مع “مايكروسوفت”، إلى جانب تعاون تكنولوجي آخر يعزز رغبة الإمارات في أن تكون رائدة في مجال التكنولوجيا الرقمية في المنطقة، بالإضافة إلى تنفيذ المزيد من المبادرات الاقتصادية مثل “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا”.
كما بدأت أبو ظبي مؤخراً بتشغيل المفاعل الرابع والأخير للطاقة في أول مجمع نووي مدني لها مما يضع البلاد في طريقها لتحقيق الأهداف التي حددها مؤتمر “COP28“. وفي سياق ذي صلة، ستشمل الزيارة بلا شك مناقشة “التزام” الإمارات بموجب “اتفاق 123” بعدم تخصيب أو إعادة معالجة المواد النووية. وقد يأمل محمد بن زايد في تقييم إمكانية التوصل إلى اتفاق جانبي، مشابه للاتفاق النووي المدني الذي وفقاً لبعض التقارير تتم مناقشته على هامش المحادثات الأمريكية – السعودية بشأن اتفاقية دفاع محتملة، والذي يمكن أن يسمح للإمارات بالتخلي عن التزامها بموجب “اتفاق 123” إذا طوّرت دول أخرى في المنطقة قدرات نووية عسكرية (وأبرزها إيران).
ومن بين القضايا الأمنية الأخرى التي من المرجح أن تُطرح هي دور الشركات الإماراتية في تزويد روسيا بمواد ذات استخدام مزدوج خاضعة للعقوبات، والتي تسهل الحرب على أوكرانيا. وتأمل واشنطن أيضاً أن تتمكن من التأثير على الرسائل الإماراتية إلى طهران للحد من الهجمات المستمرة من قبل وكلاء إيران في اليمن والعراق وسوريا ودول أخرى. علاوة على ذلك، فإن الناطق باسم “مجلس الأمن القومي” الأمريكي جون كيربي ذكر على وجه التحديد الدور الإشكالي للإمارات في السودان عندما أعلن عن زيارة محمد بن زايد. وقد تكون المناقشات حول هذه النقطة صعبة – فقد اعترضت واشنطن على دعم أبوظبي لـ “قوات الدعم السريع” بقيادة محمد “حميدتي” دقلو ضد الحكومة، لكن الإمارات تنفي علناً تزويد الأسلحة لـ “قوات الدعم السريع”.
وعلى الجانب الآخر، سعت الإمارات منذ فترة طويلة إلى الحصول على ضمانات أمنية إقليمية أعمق من الولايات المتحدة. وتوقفت المناقشات السابقة بشأن اتفاقية الإطار الاستراتيجي الثنائي، لكن من المرجح أن يثير محمد بن زايد القضية مجدداً في ضوء مفاوضات الدفاع التي تلوح في الأفق بين الولايات المتحدة والسعودية. وقد يجدد المسؤولون أيضاً مناقشة صفقة طائرات “إف-35″، رغم التقارير التي تشير إلى العكس.
وفيما يتعلق بحرب غزة، من المفترض أن يطرح محمد بن زايد إمكانية قيام الإمارات بدور داخل القطاع بعد توقف القتال ومغادرة القوات الإسرائيلية. والإمارات هي الدولة الوحيدة التي أعلنت علناً عن استعدادها لوضع قوات على الأرض هناك كجزء من قوة استقرار متعددة الجنسيات – بشرط التوصل إلى وقف لإطلاق النار وموافقة الولايات المتحدة على تولي زمام المبادرة في استئناف التحرك نحو إقامة دولة فلسطينية. وفي 14 أيلول/سبتمبر، ذهب شقيق محمد بن زايد، وزير الخارجية عبد الله بن زايد، إلى أبعد من ذلك بتصريحه أن الإمارات لن تلعب أي دور في “اليوم التالي” في غزة ما لم يتم إقامة دولة فلسطينية. ومن جانبها، تشير إدارة بايدن إلى أن وقف إطلاق النار غير مرجح في الوقت الحالي، لذلك فإن أي مناقشات حول غزة الأسبوع المقبل من المرجح أن تركز على الوضع الحالي للصراع وما طرحته الإمارات على الطاولة حتى الآن.
الخاتمة
نظراً للتوترات المختلفة بين واشنطن والإمارات خلال فترة إدارة الرئيس بايدن، فإن قرار الرئيس الأمريكي استضافة محمد بن زايد في “المكتب البيضاوي” يشير إلى رغبته في تعزيز الشراكة وترسيخ مجالات التعاون والمنفعة المتبادلة. ومن السهل تخمين “المطالب” المحتملة لواشنطن: فالإدارة الأمريكية تريد من أبوظبي تأكيد تصريحاتها بشأن الفصل التكنولوجي عن الصين، وتقديم المزيد من الضمانات بأنها تحمي المعرفة الدفاعية الأمريكية، وتقديم الدعم للتخطيط لـ “اليوم التالي” في غزة. أما ما تريده الإمارات من الولايات المتحدة فيصعب التنبؤ به، رغم أن محمد بن زايد سيسعى كما يُفترض إلى الحصول على ضمانات أمنية إقليمية أعمق، بالإضافة إلى استمرار الضغط على إسرائيل لتقليل الخسائر بين المدنيين في غزة وضمان الوصول إلى المساعدات الإنسانية.