زيارة وزيرة الخزانة الأمريكية إلى الصين: أهداف وعقبات

بيير يعقوب

 

اختتمت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين زيارتها إلى الصين اليوم الأحد 9 يوليو 2023. وهي الزيارة التي استمرت لمدة 4 أيام، وجاءت بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى بكين بأسابيع، في إطار تبادل الزيارات بين المسؤولين الصينيين والأمريكيين؛ بهدف تخفيف التوتر بين البلدين الناتج عن الصراع الاقتصادي والجيوسياسي، وتهيئة الأجواء للوصول لاستراتيجية عمل مشترك تسمح باستفادة أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، والتعاون للتصدي للتحديات العالمية. لكن بالرغم من وجود هذا التوجه عند مسؤولي كلا البلدين فإن هناك العديد من العقبات في طريق تحقيقه.

أهداف الزيارة

تعد هذه الزيارة واحدة من ضمن سلسلة زيارات ولقاءات بين مسؤولي كل من الصين والولايات المتحدة تهدف إلى تخفيف التوتر الذي اشتد مؤخرًا بين بكين وواشنطن، وصرحت “يلين” قبل بداية زيارتها قائلة: “لا يمكن قطع الروابط بين أكبر اقتصادين في العالم”، وأكدت على أهمية الشراكة الاقتصادية مع الصين بالنسبة لواشنطن. وشددت على ضرورة وجود منافسة سليمة بين البلدين؛ فالمنافسة بين أقوى اقتصادين صحية وتفيد السوق العالمية بشكل كبير، لكن لا يجب أن تتحول هذه المنافسة إلى صراع و”حرب تجارية”، وهي نفس الرسالة التي حملها مسبقًا “بلينكن” في زيارته للصين.

وأشارت “يلين” إلى ضرورة العمل سويًا للوصول لاستراتيجيات تسمح باستفادة كل من البلدين عن طريق العمل المشترك والحفاظ على وجود هذه المنافسة التجارية بينهم بشكل صحي يرجع بالفائدة على السوق العالمية كلها، وليس بكين وواشنطن فقط. ويكون هذا عن طريق تخفيف القيود التجارية التي يفرضها كلا البلدين على بعضهما مما يسمح بحرية أكبر في السوق للمنافسة الصحية بينهما.

تهدف وزيرة الخزانة الأمريكية أيضًا إلى محاولة إقناع الصين بالتخلي عن سياسة تقليل المستندات الأمريكية، وهو أمر ملح بالنسبة لواشنطن خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية وزيادة الديون الأمريكية بدرجة غير مسبوقة. فبالرغم من رفع سقف الديون الأمريكية فإن اتجاه تقليل السندات الأمريكية لدى الصين مازال يهدد الاقتصاد الأمريكي بدرجة كبيرة، فبحسب بيانات وزارة الخزانة الأمريكية، فإن “استثمارات الصين، التي تأتي في المرتبة الثانية ضمن قائمة كبار المستثمرين في سندات وأذون الخزانة الأمريكية، بلغت في يناير الماضي نحو 859.4 مليار دولار، وذلك مقارنة بـ 1299.9 مليار دولار في يناير من عام 2022”.

من الملفات المهمة التي ناقشتها “يلين” كذلك هو التعاون لمواجهة التغير المناخي والتهديدات البيئية، حيث ترى أن الصين والولايات المتحدة بصفتهما أكبر مصدرين لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وأكبر مستثمرين في مجالات الطاقة المتجددة، يتعين عليهما أيضًا مسؤولية التعاون في قيادة الطريق لإيجاد حل لأزمة تغير المناخ التي تهدد العالم كله ومازالت تزداد سوءًا إلى الآن، والتحول للاعتماد على وسائل الطاقة المتجددة الصديقة للبيئة. ودعت أيضًا بكين إلى دعم المؤسسات المناخية الموجودة مثل صندوق الاقتصاد الأخضر، وصناديق استثمار المناخ. وقالت: “إن واشنطن سترحب بمشاركة الصين في سبتمبر، في مؤتمر المانحين لصندوق الاستثمار الأخضر”.

عقبات في طريق تحقيق الأهداف

عبرت “يلين” في أكثر من مناسبة عن قلق واشنطن من سياسات بكين الجديدة الخاصة بتشديد القيود على الصادرات الصينية للولايات المتحدة من مادتي “الغاليوم” و”الجرمانيوم”، وهما معدنان يستخدمان بصورة رئيسية في صناعة أشباه الموصلات، والاتصالات، والطاقة الشمسية، وصناعات السيارات الكهربائية. وتعتبر هذه خطوة تصعيدية في “حرب الرقائق الإلكترونية” القائمة حاليًا بين الولايات المتحدة والصين، حيث تعد هذه القرارات بمثابة ردًا على إعلان واشنطن في أكتوبر 2022 فرض قيود تصدير مشددة، تجعل من المستحيل عمليًا على الشركات بيع الشرائح ومعدات تصنيع الرقائق والبرامج التي تحتوي على التكنولوجيا الأمريكية إلى الصين.

ويشير هذا القرار الصيني بعد زيارة “بلينكن” وفي ظل الاستعداد لاستقبال “يلين” إلى أن الصراع الاقتصادي والتجاري بين الولايات المتحدة والصين خاصة في ملف الرقائق الإلكترونية مازال بعيدًا تمامًا عن الهدوء والوصول لحلول تفيد الطرفين، بالرغم من وجود الرغبة في الوصول لذلك. ويعد السبب الرئيس في تعقيد الوضع هو وجود خلفية الصراعات الجيوسياسية، التي لا تعطي أي مؤشرات للتحسن، فبالرغم من تأكيد كل من المسؤولين الأمريكيين والصينيين على رغبتهم في تهدئة التوتر وزيادة التعاون والشراكة الاقتصادية بين البلدين، إلا أنهم لم يظهروا إلى الآن أي بوادر تهدئة للتوتر والصراع الجيوسياسي.

وأكد على استمرار هذا التوتر زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج مقر المسرح الشرقي لجيش التحرير الشعبي يوم الخميس الماضي قبل زيارة “يلين” بوقت قصير؛ إذ شدد خلالها على أهمية “تعزيز التخطيط للحرب والقتال وتكثيف التدريب في ظل ظروف قتالية حقيقية لرفع قدرات القوات على القتال والفوز”. هذا بالإضافة إلى إرسال جيش التحرير الشعبي الصيني 13 طائرة و6 سفن في المجال الجوي والمياه حول تايوان يوم الجمعة 7 يوليو بالتزامن مع زيارة جانيت يلين لبكين، في رسالة واضحة على أن رغبة الصين في تجاوز الصراعات الاقتصادية وتخفيف التوتر مع الولايات المتحدة لا يعني استعدادها للتنازل عن ملف تايوان.

وعلى الجانب الآخر لا تبدو واشنطن مستعدة للتنازل أيضًا ولا تخفيف حدة الخطاب السياسي، فأثناء زيارة “بلينكن” للصين وتأكيده على أهمية ألا تتحول المنافسة التجارية إلى صراع وحرب اقتصادية وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن نظيره الصيني شي جين بينغ بكونه “ديكتاتور” في تصريحاته. ولم يتوقف الأمر عند تصريح “بايدن” فقط، حيث تؤكد “يلين” في كل تصريحاتها سواء قبل زيارتها وحتى خلالها على رفض واشنطن للسياسات الاقتصادية “التعسفية وغير العادلة” لبكين.

ويظهر عدم تغير الاتجاه الأمريكي في عدم إلغاء حكومة “بايدن” للرسوم الجمركية الشديدة التي طبقتها حكومات “ترامب” على البضائع الصينية أو على الأقل تخفيفها، يأتي هذا بالإضافة إلى الإجراءات الإضافية التي اتخذتها حكومة بايدن للتضييق على تجارة السلع التي تحمل التكنولوجيا الأمريكية مع الصين من أي مكان في العالم، وهو الوضع الذي دفع وزارة المالية الصينية إلى الرد على تصريحات يلين بشأن قلق واشنطن من السياسات الاقتصادية الصينية، في تأكيد على أن التشديدات الصينية الأخيرة هي رد على التشديدات الأمريكية وتخفيفها مرهو بالتخفيف من الجانب الأمريكي.

ختامًا، إن الخطوات التي تتخذها كل من الولايات المتحدة والصين رغم أهميتها لتخفيف التوترات وبدء التعاون الاقتصادي فإنها لا تزال تواجه مجموعة كبيرة من العوائق. ويمكن أن تعد الزيارات المتبادلة لمسؤولي البلدين خطوات تمهيدية مهمة للقاء منتظر بين الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الصيني شي جين بينغ على هامش قمة مجموعة العشرين بنيودلهي في سبتمبر أو في اجتماع منظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي المقرر عقده في نوفمبر بسان فرانسيسكو.

وبالرغم من تصريحات وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين وقبلها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن خلال زيارتيهما إلى بكين بتفاؤلهما بالاجتماعات التي عقداها ووصفاها بالمثمرة، إلا أن الخلافات الجيوسياسية تشكل عائقًا ضخمًا في طريق تحسن العلاقات بين واشنطن وبكين، حيث أن كل من الطرفين غير مستعد لتقديم أي تنازلات في هذا النزاع، وبالتأكيد من غير الممكن الفصل بين الاقتصاد والسياسة، وبالتالي ينتج عن الخلاف والتوتر الجيوسياسي صراع وتوتر اقتصادي أيضًا. ويبقى من المحتمل توصل البلدين إلى تقدم مبدئي فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية وتهدئة توتراتها، لكن من غير المتوقع الوصول لأهداف الولايات المتحدة والصين الاقتصادية بشكل كامل وحقيقي بدون تخفيف التوتر في الملفات الجيوسياسية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/78390/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M