أحمد مطر – سكرتير ثانٍ/ وزارة الخارجية العراقية
مقدمة:
من المقرر أن يزور نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية العراقي د. فؤاد حسين العاصمة الأمريكية واشنطن في شباط من العام الحالي؛ للمشاركة في أعمال اللجنة التنسيقية العليا لاتفاقية الإطار الإستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة.
وبوصفها الإطار الناظم للعلاقات بين واشنطن وبغداد ستحتل الاتفاقية الحيز الأكبر من الزيارة التي ستناقش قضايا أخرى ستسهم في تحديد طبيعة العلاقات بين بغداد وواشنطن في المرحلة الراهنة التي تتميز بأنَّها مرحلة حرجة تستدعي قدراً كبيراً من الواقعية والحذر في انتقاء الخيارات، لا سيَّما أنَّ العلاقات بين بغداد وواشنطن تتميَّز بثنائية يشوبها التناقض: التزام واضح وصريح من الجانب الأمريكي، يقابله عدم وضوح في الرؤية من الجانب العراقي، إلى الدرجة التي أصابت دوائر صنع القرار الأمريكي بالحيرة إزاء السلوك السياسي الخارجي العراقي في عديد من القضايا، التي تبدأ من تجنُّب البحث في اتفاقية الإطار الإستراتيجي، ولا تنتهي عند الامتناع عن التصويت في 2/3/2022، على القرار الأممي الذي أدان الغزو الروسي لأوكرانيا، ممَّا فسَّرته واشنطن على أنَّه تصويت لصالح موسكو، لا سيَّما أنَّه في اليوم نفسه الذي صُوِّتَ على القرار الأممي قام أشخاص مجهولين بتعليق (بوستر) يحمل صورة الرئيس الروسي في منطقة الجادرية في العاصمة بغداد مكتوباً عليها باللغة الإنكليزية (نحن ندعم روسيا)، وقامت السفارة الروسية في بغداد بنشرها بتغريدة على موقعها على تطبيق تويتر، في اليوم نفسه(1)، قبل أن تقوم القوات الأمنية العراقية بإزالتها.
إلا أنَّ واشنطن لن تنتظر إلى ما لا نهاية، لا سيَّما في ظل الاستقطاب الدولي الذي أفرزته الحرب في أوكرانيا، التي أصبحت حرباً شاملة بكل ما تحتويه الكلمة من معاني، وإن كانت بالنيابة بين معسكرين: فهناك المعسكر الذي تقوده الولايات المتحدة في مواجهة المحور الصيني-الروسي الذي بات واضحاً بفعل الحرب الأوكرانية التي بلغت من الشمول درجةً أنَّ الطاقة أصبحت أحد أقوى أسلحة الحرب الذي أفرز بدوره استقطاباً من نوع آخر يتكامل في أطرافه مع الاستقطاب الدولي الأشمل.
ويبرز سلاح العقوبات الاقتصادية والمالية من جهة أخرى كسلاح آخر في هذه المواجهة الدولية على الأراضي الأوكرانية ويتعداها في آثاره إلى تحديد وضع الدولار في الأسواق العالمية، ممَّا يشكِّل مسألة أمن قومي لواشنطن وأحد أهم أسباب مكانتها القيادية (أو المهيمنة إن شئت) في النظام الدولي.
لذا، يمكن القول إنَّ القضايا التي سيعرضها الجانب الأمريكي على طاولة البحث في زيارة وزير الخارجية العراقي د. فؤاد حسين إلى واشنطن هي:
أولاً: اتفاقية الإطار الإستراتيجي.
ثانياً: الطاقة إنتاجاً وتسويقاً.
ثالثاً: أزمة الدولار.
سنتناول في هذه الورقة تحليلاً لدوافع واشنطن وأهدافها من البحث في هذه القضايا الثلاث التي ستطغى على ملفات أخرى ستكون حاضرة في جدول أعمال الزيارة كالتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، والبيئة، والتعليم، والصحة، كما سنبحث في السبل الكفيلة بتعظيم مكاسب العراق من البحث في هذه الملفات، وبما يجعل مخرجات هذه الزيارة إيجابية للطرفين.
أولاً: اتفاقية الإطار الإستراتيجي.
ستكون اتفاقية الإطار الإستراتيجي على رأس جدول أعمال زيارة وزير الخارجية العراقي د. فؤاد حسين للمشاركة في أعمال اللجنة التنسيقية العليا لاتفاقية الإطار الإستراتيجي بمشاركة وزير الخارجية الأمريكي (أنتوني بلينكن)2.
قراءة دقيقة لنصوص اتفاقية الإطار الإستراتيجي -التي كتبت عام 2007 وتفاوض عليها الجانبان العراقي والأمريكي وصوَّت عليها البرلمان العراقي في تشرين الثاني 2008-3، نجد أنَّ الاتفاقية ترمي إلى شراكة طويلة الأمد، ممَّا أكدته ديباجة الاتفاقية بالقول «يؤكِّد الجانبان الرغبة الصادقة في تأسيس علاقة صداقة طويلة الأمد استناداً إلى مبدأ المساواة في السيادة والحقوق والمبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة». كما أنَّ أهم أهداف الاتفاقية هو تأسيس علاقة تحالف إستراتيجي يتجاوز في مداه القضايا التكتيكية (من دون أن يغفلها)، بل ترك للجانبين هامشاً للحركة مدعوماً بالحوار الكفيل بإزالة أي غموض قد يخص بعض المستجدات والضرورات التكتيكية التي ترقى أحياناً في أهميتها إلى مصاف القضايا الإستراتيجية. فعلى سبيل المثال، بعد سقوط الموصل عام 2014 بلغت درجة التنسيق بين بغداد وطهران حداً تجاوز حدود التنسيق بين بغداد وواشنطن، ولم تعترض واشنطن على ذلك التنسيق، مع أنَّه أكسب طهران أوراقاً وظَّفتها في المفاوضات النووية، وأثمرت عن توقيع الاتفاق النووي عام 2015.
لذا، جاءت صياغة اتفاقية الإطار الإستراتيجي4 التي سنعرض أهم بنودها بصيغة تحديد الخطوط العامة التي تجاوزت التفاصيل التي تركتها للجان المشتركة التي اتفق الجانبان على تأسيسها في القسم التاسع من الاتفاقية الذي حمل عنوان (اللجان المشتركة)، والتي تتفرَّع إلى لجنة تنسيق عليا أوكلت إليها مهمة الإشراف على التنفيذ العام للاتفاقية، فضلاً عن تسوية الخلافات التي قد تنشأ بمقتضى هذه الاتفاقية، وتجتمع بصفة دورية وتشتمل على ممثلين عن الوزارات والجهات ذات العلاقة، ولجان تنسيق إضافية مشتركة، وَفْق ما تقتضيه الحاجة، تتولى الإشراف على التنفيذ، وتتبع لجنة التنسيق العليا.
لقراءة المزيد اضغط هنا
.
رابط المصدر: