ساحة مفتوحة للمواجهة: التوتر الإقليمي وآفاق التصعيد في البحر الأحمر

  • على رغم أن الحوثيين سوَّغوا هجماتهم المُكثَّفة على ممرات الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فإنّ فرص توقف تلك الهجمات بعد انتهاء هذه الحرب، أو في حال التوصل إلى هدنة طويلة، ليست مؤكدة، بل إن احتمالات استمرارها تتزايد بمرور الوقت.
  • عودة استخدام الحوثيين لورقة تهديد الملاحة البحرية في سياقات سياسية وعملياتية مختلفة، ستظل قائمة كلما اقتضت الحاجة، على الأرجح. وهذا الأمر سيُشكِّل في منظور العديد من القوى الإقليمية والدولية، تحدياً طويل الأمد للأمن الإقليمي، وقد يُسهِم في تعطيل سلاسل التوريد العالمية أو إرباكها لأجل غير معلوم.
  • سيعتمد أمن الشحن في البحر الأحمر مستقبلاً على تبنّي استراتيجية جديدة أكثر شمولاً للتعامل مع التهديدات المتأصلة في التوترات الإقليمية، بما فيها الصراع الدائر حالياً بين إسرائيل وحلفائها الغربيين وبين إيران ومحورها الإقليمي. 

 

مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تواصل جماعة “أنصار الله” الحوثية في اليمن استهدافها للملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن، ويأتي التوتر الإقليمي المتصاعد بين إسرائيل و”محور المقاومة” بقيادة إيران باعتباره متغيراً جديداً ومهماً يُثير التساؤلات حول مستقبل هذه المواجهات في ساحة بحرية تتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة.

 

تُحلِّل هذه الورقة سيناريوهات التصعيد في مواجهات البحر الأحمر وخليج عدن، في ضوء التوتر المتصاعد بين إسرائيل وبين إيران وحلفائها في “محور المقاومة”، وانعكاساتها المحتملة على أمن البحر الأحمر، في مرحلة ما بعد حرب غزة.

 

مواجهات البحر الأحمر في سياق التوتر الإقليمي

مع أن تقديرات رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال سي. كيو. براون، أشارت إلى أن المخاطر لاتساع رقعة الحرب في الشرق الأوسط قد “انحسرت إلى حد ما”، على المدى القريب، بعد تبادل إسرائيل و”حزب الله” في لبنان إطلاق النار مؤخراً دون حدوث مزيد من التصعيد، إلا أن سياق التوتر الإقليمي لا يزال يدفع نحو استمرار المواجهات في البحر الأحمر؛ فالحرب الدائرة في غزة، التي تؤطر سردية الحوثيين لشن هجماتهم على السفن، لا تزال مُستعرة دون تحقيق أهدافها، مما يعزز من إصرار الجماعة على مواصلة نهجها التصعيدي، والذي تجلى مؤخراً في إطلاق ما أسمته بـ “المرحلة الخامسة من التصعيد”.

 

من جهة أخرى، يتسم سلوك الحوثيين بالاندفاع والمغامرة، واتباع سياسة “حافة الهاوية”، بغض النظر عن النتائج وردود الفعل الدولية. وقد أكد زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، في أكثر من مناسبة، أنه ليس لديهم ما يخسرونه من خوض مواجهات جديدة، سواء مع الولايات المتحدة وبريطانيا، أو مع إسرائيل، ولا يزالون يتوعدون بالرد “الحتمي” على قصف الأخيرة لميناء الحديدة اليمني، في 20 يوليو الماضي. وحتى الآن، يبدو أن المواجهة في البحر الأحمر ما زالت غير مكلفة بالنسبة للحوثيين، ولا يزال هؤلاء محتفظين بقدراتهم العسكرية الأساسية، ولم تنجح جهود ردعهم، سواءً من طريق تحالف “حارس الازدهار” بقيادة الولايات المتحدة، أو من طريق الضغوط السياسية والمساعي الدبلوماسية.

 

سياق التوتر الإقليمي لا يزال يدفع نحو استمرار المواجهات في البحر الأحمر (Shutterstock)

 

علاوة على ذلك، لا يزال التوتر يسود المشهد الإقليمي اليوم بعد سلسلة من الأحداث والتطورات التي وقفت خلفها إسرائيل على وجه الخصوص، وبدأتها بهجوم مدمر على ميناء الحديدة في اليمن، ثم بإقدامها على اغتيال فؤاد شكر، القائد العسكري الرفيع في “حزب الله” اللبناني، بهجوم نفذته في الضاحية الجنوبية لبيروت، وأعقبته باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران. هذه الأحداث أشعلت فتيل التوتر الإقليمي، وتهدد بانفجار مواجهة واسعة النطاق بين إسرائيل و”محور المقاومة”، الأمر الذي سينعكس لا محالة على مسار المواجهات في البحر الأحمر. وعلى الأرجح فإن هذه التطورات ستوفر للحوثيين مسوغات جديدة لتصعيد هجماتهم على الملاحة البحرية. وبعد أن كانوا يسوغون هجماتهم بالرغبة في الضغط على إسرائيل لوقف الحرب على غزة ورفع الحصار عنها، أصبح لديهم دوافع أخرى من قبيل دعم الحلفاء في “محور المقاومة”، والانتقام من إسرائيل على خلفية هجومها الدامي على ميناء الحديدة.

 

وسيضع هذا التصعيد الجماعة أمام اختبار لقدراتها العسكرية والتزامها بأهدافها السياسية والعملياتية، وسيفرض عليها التنسيق بصورة أكبر مع بقية الحلفاء في “محور المقاومة”، الأمر الذي قد يُسهِم شيئاً فشيئاً في معايرة حسابات الحوثيين الاستراتيجية في خضم المواجهة المستمرة التي يخوضونها في البحر الأحمر وخليج عدن، والأخذ في الاعتبار حسابات وظروف حلفائهم الإقليميين قبل الإقدام على أيّ تصرف له انعكاسات أمنية وسياسية أوسع. وربما يدفع هذا التصعيد الحوثيين إلى مراجعة استراتيجيتهم في البحر الأحمر، بحيث يتم إعطاء الأولوية للمواجهة المباشرة مع إسرائيل، مع تجنُّب التصعيد مع الولايات المتحدة وبريطانيا وبقية الدول الأوروبية قدر الإمكان.

 

سيناريوهات التصعيد في البحر الأحمر

في ظل هذه البيئة الجيوسياسية المتوترة، تتجه المواجهات في البحر الأحمر نحو ثلاثة سيناريوهات محتملة:

 

السيناريو الأول: التصعيد الواسع. يفترض هذا السيناريو قيام الحوثيين بتصعيد عملياتهم العسكرية ضد السفن التجارية والعسكرية على نطاق واسع، مستخدمين المزيد من الصواريخ والقوارب المتفجرة والطائرات المسيرة، ويمكن تصور استخدام أسلحة جديدة وأكثر كفاءة، وتبني تكتيكات عسكرية مختلفة عما شهدته الفترة الماضية، بما في ذلك استخدام صواريخ جديدة، من قبيل الصواريخ الفرط صوتية التي زعم الحوثيون امتلاكهم وتجريبهم لها، إلى جانب احتمال استخدامهم أجهزة متفجرة مرتجلة محمولة بالماء، وزراعة الألغام البحرية بصورة واسعة، وتنفيذ عمليات نوعية تستهدف سفن راسية في موانئ غير يمنية، علاوة على استمرار محاولات الاستيلاء على السفن وأسر طواقمها. وضمن هذا السيناريو، سيلجأ الحوثيون إلى توسيع عملياتهم إلى ما بعد البحر الأحمر وخليج عدن، واستهداف أي مصالح إسرائيلية وأمريكية وبريطانية يمكن الوصول إليها.

 

وفي النتيجة، سيؤدي تصعيد الحوثيين إلى زيادة المواجهات مع عملية “حارس الازدهار”، وعملية “أسبيدس” التابعة للاتحاد الأوروبي. ولأن التصعيد الحوثي، في هذا السيناريو، سيكون واسعاً فمن شأنه أن يفرض قواعد اشتباك جديدة، حيث قد تعمد الولايات المتحدة وبريطانيا إلى تكثيف ضرباتهما التي تستهدف الحوثيين، لإلحاق أكبر ضرر بالبنية العسكرية ومراكز القيادة. ويتضمن هذا السيناريو إمكانية انخراط أطراف أخرى في هذه المواجهات، فالحوثيون سيتعاونون، كما باتوا يعلنون صراحةً، مع بقية الحلفاء في “محور المقاومة” وينسقون معهم، وقد يتعاونون مع فصائل أو جماعات مسلحة لها نفس الأهداف في سواحل شرق أفريقيا، بما فيها حركة ” الشباب المجاهدين” الصومالية على سبيل المثال.

 

تعزيز الوجود العسكري الغربي في البحر الأحمر إحدى نتائج زيادة العمليات الحوثية وتوسُّع نطاقها (AFP)

 

إن تعزيز الوجود العسكري الغربي في المنطقة قد لا يكون هو النتيجة الوحيدة لزيادة العمليات الحوثية وتوسُّع نطاقها، إذ من المحتمل أن تدخل إسرائيل على خط المواجهة المباشرة، وقد تتبنى هجمات انتقامية أكثر حدة ضد الحوثيين. وسينتهي الأمر، تبعاً لذلك، بتوسيع العمليات العسكرية المتبادلة في البحر الأحمر وخليج عدن. لكن هذا السيناريو يشترط امتلاك جماعة “أنصار الله” الحوثية أسلحة أكثر كفاءة ودقة، والقدرة على الوصول إلى مناطق أبعد من مسرح المواجهات الحالية، وهذا قد يتطلب تعزيز التعاون والتنسيق في المجالين العسكري واللوجيستي مع بقية الحلفاء في “محور المقاومة”.

 

وعلى الرغم من أن هذا السيناريو يضمن أعلى قدر من الردع المطلوب، إلا أن تحقق السيناريو ينبني على فرضية خروج الأمور عن السيطرة واشتعال حرب واسعة بين “محور المقاومة” وإسرائيل. ويُشير تحليل العوامل المختلفة إلى أن فرص اندلاع حرب واسعة لا تزال محدودة حتى الآن. فجميع الأطراف، بما في ذلك قوى “محور المقاومة”، تُدرك جيدًا المخاطر الكارثية لمثل هذا السيناريو وتسعى إلى تجنُّبه، وهذا ما أكد عليه زعيم “حزب الله” اللبناني، حسن نصر الله، في خطاباته الأخيرة. وتعكس الجهود الدبلوماسية المكثفة على الصعيدين الإقليمي والدولي هذا الحرص على احتواء الموقف ومنع انفلاته.

 

السيناريو الـثاني: التصعيد المنضبط. يفترض هذا السيناريو أن الحوثيين سيعمدون إلى تصعيد هجماتهم وتوسيع نطاقها، مع فارق أنهم سيقومون بذلك على نحو مدروس، ومع الحرص على أن يكون تصعيدهم محدوداً ومؤثراً، وبحيث يكون التركيز على الأهداف الإسرائيلية عالياً. يشترط هذا السيناريو عدم تطور التصعيد بين إسرائيل و”محور المقاومة” الإقليمي إلى حرب واسعة، وتجنُّب أي تصعيد كبير مع الدول الغربية. يُعدّ هذا السيناريو أكثر انضباطًا، ولكنه يظلّ يحمل في طياته مخاطر التصعيد.

 

اقرأ أيضاً:

 

السيناريو الثالث: استمرار الوضع الراهن. في هذا السيناريو، ستستمر الهجمات الحوثية المتقطعة التي تستهدف ممرات الملاحة البحرية على وتيرتها ودون تصعيد كبير، لتستمر المواجهات عند مستواها الراهن. ومن العوامل التي تدفع باتجاه هذا السيناريو، الرغبة التكتيكية في تجنب التصعيد والمواجهة مع الدول الغربية بغرض التفرغ لأي مواجهة مباشرة مع إسرائيل، وتراجُع عدد السفن الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية التي تمر في البحر الأحمر، وهذا ما سوَّغ به أحد المسؤولين الحوثيين غياب العمليات الحوثية خلال الثلث الأخير من شهر يوليو الماضي. وبالتأكيد سيدفع التصعيد الراهن في الإقليم المزيد من السفن إلى تجنُّب المرور بمحاذاة سواحل اليمن. ومع أن ذلك مدعاة لتوسيع نطاق العمليات في المناطق البعيدة، وإن في شكل تدريجي، غير أن الفوارق بين مراحل التصعيد المتدرجة التي يعلنها الحوثيون تكاد تكون معدومة. فعلى سبيل المثال، وعلى رغم إعلان الجماعة سابقاً عن توسيع نطاق عملياتها لتشمل المحيط الهندي، إلا أن هناك عملية واحدة فقط معترف بها نُفِّذَت هناك، وهذا يثير الشكوك حول قدرتها على تنفيذ عمليات عسكرية في مناطق بعيدة.

 

من جهة أخرى، لم يَثبُت أن الحوثيين نجحوا في إصابة أي قطعة عسكرية تابعة للقوى الغربية حتى الآن، وهو ما قد يجعل الاستمرار في مهاجمتها مسألة غير مجدية أيضاً. يضاف إلى ذلك، أن هذا السيناريو غير مكلف وقليل المخاطر، ويُبقي على قائمة قصيرة من الخصوم في البحر. وعليه، فإنه يبدو أكثر السيناريوهات ترجيحاً. ومع أن سيناريو كهذا سيُحافِظ على مناخ التوتر السائد في الإقليم عموماً، إلا أن هذا التوتر سيظل قابلاً للإدارة والتطويق من قبل القوى الإقليمية والدولية الرئيسة، ومن ثمَّ كبح إمكانية تحوله إلى صراع أوسع نطاقاً.

 

اكتسبت هجمات البحر الأحمر بمرور الوقت ديناميتها الخاصة (AFP)

 

أمن البحر الأحمر وآفاق ما بعد حرب غزة

مع أن الهجمات الحوثية على ممرات الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن ارتبطت وسوَّغت نفسها بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إلا أن فرص توقفها بعد انتهاء هذه الحرب، أو بعد التوصل إلى هدنة طويلة على الأقل، ليست مؤكدة، بل إن العديد من الجهات الدولية تعتقد أن احتمالات استمرارها تتزايد مع الوقت. ويبدو أن هذه الهجمات أخذت تكتسب مع الوقت ديناميتها الخاصة، واكتشف الحوثيون وحلفاؤهم أهميتها وقدرتهم على إثبات وتحقيق أشياء كثيرة من طريق التلويح بـ”سياسة العصا”، واستخدامها بالفعل. ولهذا، من المتوقع أن يلجأ هؤلاء إلى استخدام ورقة البحر الأحمر مستقبلاً، لخدمة أجندتهم الإقليمية، أو لغرض تحقيق مكاسب إضافية، في حال وُجِدَت ظروف ملائمة ومُشجِّعة على توظيف ورقة كهذه، لاسيما أن الحوثيين يتمتعون بثقةٍ مُفرطة بقدراتهم الذاتية وبتحالفاتهم الإقليمية، ويعتقدون أن هجماتهم مُنخفضة التكلفة بالنسبة لهم في حين أنّ التصدي لها مُكلِفٌ جداً لدول المنطقة وللقوى الدولية المؤثرة، خاصة الغربية منها.

 

كما أن انتماء الحوثيين لـ”محور المقاومة” الإقليمي بقيادة إيران يُحتِّم عليهم التحرّك وفقًا لأجندته، ويفرض عليهم التصرف بما تقتضيه التزاماتهم تجاه المحور، وتقتضيه خدمة أعضائه وقضاياه. ولعلّ أبرز دروس المواجهات الأخيرة في البحر الأحمر هو استعداد الحوثيين الدائم للتدخّل في أيّ تطوراتٍ إقليميةٍ تخصّ هذا المحور أو لها علاقة به. ولذا، فليس من المستبعد أن يُصعّد الحوثيون هجماتهم التي تستهدف الأمن البحري لعرقلة أيّ اتفاقٍ للتطبيع بين السعودية وإسرائيل، على سبيل المثال. وسيبقى الصراع مع إسرائيل واحداً من أبرز المحفزات التي ستظل تدفع الحوثيين إلى تهديد الملاحة الدولية في الممرات البحرية المحاذية لليمن، وسيحافظ هؤلاء على ربط هجماتهم بمستقبل هذا الصراع وسيناريوهاته. وقد خلقت هجماتهم البحرية الأخيرة فلسفة عملياتية للمواجهة مع إسرائيل، وإن لم تعكس هذه الهجمات تحولاً في استراتيجية “محور المقاومة” في الصراع مع إسرائيل ومواجهة “قوى الهيمنة”. ومن المحتمل أيضاً أن يُشجِّع هذا النهج غيرهم، وأن يفتح نافذةً لتعاون الحوثيين مع أطراف جديدة تشاطرهم أهدافهم مستقبلاً.

 

وما قد يُعزز هذا النزوع، استمرار الانقسام الدولي إزاء هجمات الحوثيين، وعدم تبلور موقف دولي موحّد تجاهها. فالصين وروسيا، مثلاً، ستواصلان على الأرجح معارضتهما لأي توجهات دولية تستهدف وقف هجمات الحوثيين، لاسيما إذا استمرت المواجهة بين هؤلاء وبين التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا. والأسباب وراء موقفي موسكو وبيجين عديدة، فبالإضافة إلى رغبتهما في إشغال الولايات المتحدة والغرب وتوريط هؤلاء في صراع عسكري طويل بالمنطقة، فإن السفن والقطع البحرية التابعة لهما ستظل تتمتع بالوصول التفضيلي إلى البحر الأحمر، والعبور فيه، والمُتأتيينِ من ضمانات العبور الآمِن التي قيل إن الحوثيين منحوها للشركات الصينية والروسية، وهي ضمانات تؤسس لحالة من المنافسة غير العادلة، وتعطي الدولتين مزية نسبية ستحرصان على الحفاظ عليها، مادامت المواجهة العسكرية في البحر الأحمر والممرات القريبة منه مستمرة.

 

استخدام الحوثيين ورقة تهديد الملاحة البحرية في سياقات سياسية وعملياتية مختلفة، يظل احتمالاً قائماً (AFP)

 

وهكذا، فإن عودة استخدام الحوثيين لورقة تهديد الملاحة البحرية في سياقات سياسية وعملياتية مختلفة، ستظل قائمة كلما اقتضت الحاجة. وهذا الأمر سيُشكِّل في منظور العديد من القوى الإقليمية والدولية، تحدياً طويل الأمد للأمن الإقليمي، وسيضر استمرار التوترات الناتجة عنه باقتصادات دول المنطقة، وقد يُعيق طموحات بعضها للتحوّل إلى مراكز لوجستية عالمية، ويحرم بعضها، على غرار مصر، من إيرادات مهمة نتيجة تراجع رسوم عبور قناة السويس، مما يثبط آفاق النمو الاقتصادي في دولة ما انفكت تُعاني من ضائقة اقتصادية شديدة. وإذا كان للاضطراب في الممرات المائية حول اليمن تأثير سلبي على الاقتصاد العالمي، فإن هذا التأثير سيتزايد على المدى الطويل، مُلقياً بظلاله على سلاسل التوريد العالمية، لاسيما إذا أصبح استهداف الممرات البحرية سمة ملازمة للصراعات الإقليمية/الدولية القريبة من المسطحات المائية ونقاط الاختناق المهمة.

 

ومن المتوقع أن بقاء الأمن البحري مُهدَّداً من قبل الحوثيين وغيرهم من قوى “محور المقاومة” الإيراني سيعكس نفسه في خطط واستراتيجيات القوى الدولية والإقليمية، وسيُعبِّر عن نفسه في زيادة أصولها العسكرية البحرية، وسيحافظ تالياً على درجة من التوتر مع قوى “المحور”، بمن فيهم الحوثيين. وفي نهاية الأمر سيعتمد أمن الشحن في البحر الأحمر مستقبلاً على تبنّي استراتيجية جديدة أكثر شمولاً للتعامل مع التهديدات المتأصلة في التوترات الإقليمية. ويصح الافتراض عموماً أن مستقبل المواجهات القائمة اليوم سيتوقف إلى حد كبير على نتائج التصعيد الحاصل في المنطقة بين إسرائيل وحلفائها الغربيين وبين إيران ومحورها الإقليمي، ولا شك أن حرباً واسعة بين الطرفين لن تؤثر فقط على ما يجري في البحر الأحمر، إذ بإمكانها إعادة تشكيل ملامح المنطقة وموازين القوى فيها، سواء لحقت الهزيمة في هذه المواجهة بالمحور الإيراني، أو العكس. وهذا يعني أن تجاوز التصعيد الحالي بسلام هو ما قد يحافظ على الوضع الراهن، ويَحِدَّ من تفاقم تداعياته في المدى المنظور.

 

المصدر : https://epc.ae/ar/details/featured/altawatur-al-iqlimi-wafaq-altaseid-fi-albahr-alahmar

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M