دلال العكيلي
استنكر سياسيون باكستانيون وممثلون عن منظمات غير حكومية ومواطنون، الخطوات التي اتخذتها بعض الدول العربية والإفريقية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وقد عبر الباكستانيون عن استيائهم تجاه اعلان بعض الدول العربية رسميا تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وقال السياسي عن حزب الجماعة الإسلامية، مشتاق أحمد خان، عضو مجلس الشيوخ الباكستاني، عن تطبيع كل من البحرين والإمارات والسودان العلاقات مع إسرائيل: ” أعتقد أن هذا ليس تطبيعًا، إنه احتلال”.
وأضاف أن إدارة واشنطن ساعدت إسرائيل على تحقيق “أهدافها الاستراتيجية اليهودية”، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تريد أن تجعل إسرائيل “دولة قوية وشرطة المنطقة”، وأردف: “إسرائيل دولة غير مشروعة، احتلت أراضي الفلسطينيين الأبرياء، وانخرطت في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وانتهكت جميع الأعراف والقواعد والأنظمة الدولية، إسرائيل تمثل تهديدا للشرق الأوسط، والسلام، ومستقبل شعوب المنطقة” وقال الأمين العام لحزب الرابطة الإسلامية الباكستانية، إحسان إقبال، إن تطبيع العلاقات مرتبط بحل المشكلة الفلسطينية و”لا ينبغي المساومة بحقوق الفلسطينيين حتى يتم الاعتراف بالحقوق مثل ما ينبغي”، وقال الأمين العام للوقف الباكستاني الفلسطيني، شبير أبو مريم، إن اعتراف الدول العربية بإسرائيل هو جزء من ما يسمى بخطة السلام في الشرق الأوسط والتي أطلق عليها الرئيس الأمريكي ترامب اسم “صفقة القرن”.
وأشار أبو مريم أن هذه الخطة تهدف إلى القضاء التام على القضية الفلسطينية وإضعاف الفلسطينيين على صعيد محاربة إسرائيل، وقال عرفان خان، المواطن الباكستاني، إن إسرائيل “تضطهد الفلسطينيين ولا ينبغي للعرب إقامة علاقات معها”، أما التاجر الباكستاني في إسلام أباد، عمر أحمد، فأكد أن “خطوات الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل خاطئة” وأن ما تفعله سيؤثر على مستقبل المسلمين، بحسب وكالة الأناضول.
هل ستعترف باكستان بإسرائيل؟
رفضها اغتصاب حقوق الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدسات المسلمين، موقفها من الهند التي تخترقها “إسرائيل” في قضيّة كشمير، وإصرارها على منع حصول الاحتلال الإسرائيلي على أيّ نفوذ في جنوب شرق آسيا، كلها عوامل تدفع باكستان إلى رفض التطبيع عكس الإمارات والبحرين، أكد رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان ألا جدوى من الاعتراف بـ”إسرائيل” أو التطبيع معها، لأن “أصحاب القضية يرفضون ذلك”.
وأشار خان إلى أنّ “الفلسطينيين أصحاب قضية ظُلموا وحُرموا من حقوقهم واغتصبت أراضيهم”، وكان خان أكد وصيّة القائد محمد علي جناح، مؤسس جمهورية باكستان، التي تشددُ على أن باكستان “لن تعترف بإسرائيل حتى إعطاء الفلسطينيين حقهم بتسويةٍ عادلة”، مشدداً على أن موقف بلاده واضحٌ جداً: “ليعترف من يعترف بإسرائيل، إلا أن باكستان لا يمكنها الاعتراف بها مطلقاً”.
كما يرفض الشعب الباكستاني أيضاً التطبيع مع “إسرائيل”، حيث جابت مسيرة شوارع العاصمة إسلام اباد في آب/أغسطس الماضي بعد إعلان التطبيع الإماراتي-الإسرائيلي، ردّد خلاله المشاركون شعارات مناهضةً للتطبيع ولتل أبيب، وأحرقوا العلمين الإسرائيلي والأميركي، كما حملوا صور شهداء المقاومة ولافتات مؤيّدةً لفلسطين والمقاومة.
مع تسارع وتيرة الأحداث، تبقى باكستان مصمّمة على موقفها الرافض للتطبيع مع “إسرائيل”، كما ترى أن قضيّتي كشمير وفلسطين متشابهتان، وأنّ على المجتمع الدوليّ إيجاد حلّ عادل للقضيتين من دون التنازل عن حقوق الشعبين الفلسطينيّ والكشميري، كما تشدد باكستان على أنّ التطبيع والاعتراف بكيانٍ اغتصب أرض فلسطين على مستوى صانعي القرار السياسيّ، لا يمكن القبول بهما، وإن قبلت بهما دول أخرى، مع استعدادها لتحمّل تبعات هذا الموقف من ضغوط دوليّة وإقليميّة.
باكستان تواجه اليوم عداءين، عداء هنديّ وآخر إسرائيلياً ولذلك، ترفض الاعتراف بـ”دولة إسرائيل” القائمة على اغتصاب أرض فلسطين واغتصاب المسجد الأقصى الذي له أولويّة وقداسة لدى المسلمين، ولم ترضخ باكستان حتى الآن لأيّ ضغوطات للتطبيع، فهي تعتبر أنّه لن يُفيد الدولة المطبعة، بل سيفيد فقط “إسرائيل”، التي تسعى إلى توسيع نفوذها من خلال “السلام” مع بعض الدول العربيّة، وإسلام أباد ترفض أن تساعد الاحتلال الإسرائيلي على الحصول على أيّ نفوذ، وخصوصاً في منطقة جنوب شرق آسيا.
كما تخترق “إسرائيل” الهند من خلال موقفها السياسي، ومن خلال تجارة الأسلحة ومناصبة العداء للقضيّة الفلسطينيّة، حتى في التصويت للأمم المتحدة، وباكستان لم ولن تقبل ذلك، العلاقات بين باكستان وكل من الإمارات والبحرين المطبعتين مع الاحتلال قويّة، ومن الواضح أنّ الإمارات ستسعى إلى الضغط على إسلام أباد من بوابة ميناء “جوادر” الباكستاني المنافس لميناء “دبي”، للقبول بالتطبيع مع “إسرائيل”، لكن رغم ذلك ترفض باكستان ذلك بشكل قاطع، وخصوصاً في ظل الظروف الظالمة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، بحسب الميادين.
ضغط سعودي
يقول التحليل: يجب أن يكون واضحًا أن “الدولة الإسلامية الشقيقة” التي لم يرغب خان بتسميتها في المقابلة هي السعودية كانت الموافقة الضمنية للرياض عاملًا رئيسًا في اتفاقات التطبيع بين إسرائيل، والإمارات، والبحرين أكد دبلوماسي باكستاني ومسؤول عسكري كبير للكاتب أن المملكة هي المصدر الرئيس الآخر للضغط على باكستان، تقوم الرياض بلي ذراع إسلام أباد منذ شهور؛ لأن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يريد “تطبيع التطبيع”، قبل أن تتخذ السعودية خطوة رسمية تجاه إسرائيل. باكستان، ثاني أكبر دولة ذات أغلبية مسلمة من حيث عدد السكان، والدولة الوحيدة المسلحة نوويًا ستوفر سبقًا جيدًا للتطبيع، وتوسع الجغرافيا السياسية الجديدة في جنوب آسيا.
والرياض لديها بطاقة قوية: قرض بقيمة ملياري دولار يبقي باكستان واقفة على قدميها، لكن تمديده موضع شك – وهو موضوع يثير الكثير من القلق في إسلام أباد ولما سئل خان في المقابلة ما هي الخيارات المتاحة أمامه إذا رفضت السعودية تجديد القرض، كما تردد شائعات، قال “لن يحدث علاقاتنا مع السعودية جيدة تمامًا”، ويؤكد شاهد أن الجيش هو الذي يدير فعليًا الدبلوماسية في باكستان، ودعم صعود خان إلى السلطة باعتباره خطوة أخيرة للحفاظ على هيمنته. إن الجيش الباكستاني، الذي طور تجارة مربحة من خوض حروب بالوكالة في الشرق الأوسط، سيتبنى في الواقع إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع تل أبيب؛ فهذا سيساعد إسلام أباد على موازنة الصفقات الدفاعية واسعة النطاق بين الهند وإسرائيل.
في الواقع يشجع الجيش الصحافيين المفضلين لديه للظهور على القنوات الإخبارية الإسرائيلية لعرض القضية قبل 15 شهرًا، جرى تشجيع الصحافيين المؤيدين للمؤسسة على طرح فكرة إقامة علاقات مع إسرائيل كبالون اختبار لرد الفعل الشعبي ولما كانت هناك رقابة شديدة على وسائل الإعلام المحلية، فلا بد أن لهذه الجهود رعاة مهمين.
محاولات لتحقيق أقصى استفادة
ولكن مع يقين خان من أن السعوديين سيواصلون المساعدة المالية لباكستان، وإشاراته العريضة إلى أن التسوية المؤلمة بشأن إسرائيل قد تكون ضرورية، يبدو أن رئيس الوزراء مستعد لمجاراة الرياض وواشنطن، بحسب ما يرى الكاتب، أحد الملفات الهامة التي سيتعين على خان التفاوض عليها هي السياسات التي ستتبعها إدارة بايدن في المنطقة. ألمح خان إلى “التأثير الاستثنائي” لإسرائيل على نظام ترامب في مقابلته – يؤكد شاهد – لكن إسلام أباد ستكون أكثر اهتمامًا بسياسة بايدن في أفغانستان، حيث كانت باكستان وسيطًا بين الولايات المتحدة وطالبان.
لم يزل لدى باكستان مجال للمناورة: فمع الحوافز المالية التي تعرضها الصين، قد تضطر الولايات المتحدة إلى مواجهة هذه العروض، كجزء من الحرب الباردة الجديدة التي تختمر بين البلدين. ربما يسمح اللعب على كل جانب لخان بتخفيف الضغط من البيت الأبيض للتطبيع، لكن خان يواجه معضلة داخلية – يستدرك شاهد. هذا الأسبوع حصل خان على لمحة لما قد يحدث إذا تم إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع إسرائيل تحت ولايته من صفوف الأحزاب والنشطاء الإسلاميين.
أدت احتجاجات 5 آلاف عضو فقط من إحدى هذه الجماعات إلى إغلاق العاصمة فعليًا؛ إذ أغلقت الأجهزة الأمنية الطرق السريعة المؤدية إلى المدينة، وقطعت الاتصالات، وردت على المتظاهرين المسلحين، بحسب التحليل، بآلاف طلقات الغاز المسيل للدموع، وقد احتجت نفس الجماعة للتعبير عن الغضب من إعادة نشر “شارلي إبدو” الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد. ولم تتوقف الاحتجاجات إلا بعد أن وافقت الحكومة على مجموعة مطالبهم الغريبة، بما في ذلك “طرد السفير الفرنسي” و”مقاطعة المنتجات الفرنسية” ولأن باكستان تعتمد، من بين أمور أخرى، على المساعدة المالية الفرنسية، فليس هناك فرصة للوفاء بهذه الاتفاقات بالفعل.
وتعتبر وسائل الإعلام الاعتراف بإسرائيل بمنزلة الخيانة لا مفر عن رد الفعل الإسلامي العنيف بالنظر إلى أن عشرات الآلاف من أعضاء الجماعة الإسلامية احتشدوا الشهر الماضي ضد اتفاق إسرائيل مع الإمارات. لسوء حظ خان – يقول شاهد – فهو متهم في نفس الوقت بالخيانة بسبب كشمير، القضية الوجودية الأخرى بالنسبة لباكستان، مع سريان شائعات عن تفاهم سري بين إسلام أباد ونيودلهي. قد يؤدي الاتفاق على حل وسط بشأن كشمير، مع احتمال التطبيع مع إسرائيل، إلى إثارة هيجان في بلد يشتهر بعنف الشوارع.
لكن تبقى علامة استفهام كبيرة حول مصير رئيس الوزراء سيحتاج على الأرجح إلى دعم عسكري شامل لتفادي رصاصة التطبيع الإسرائيلية وخيانة فلسطين. لكن قد يرى الجيش أنه لتحقيق هدف التطبيع، دون الاضطرار إلى تحمل اللوم المباشر، ربما يكون من الأنسب أن يكون عمران خان كبش فداء، في الوقت الحالي يتنافس قادة المعارضة، بمن فيهم حتى أشد منتقدي الهيمنة السياسية للجيش، على استبدال خان باعتباره الدمية التالية للجيش الباكستاني، بحسب ساسة بوست.
موقف الجيش
ولفتت إلى أن الجيش الباكستاني يحاول تشجيع صحفيي بلاده للظهور على القنوات الإسرائيلية لعرض القضية، إلى جانب محاولة اختبار رد الفعل الشعبي، منوهة إلى أن تاريخ العلاقات غير الرسمية بين تل أبيب وإسلام أباد يمتد لعقود، ويوجد تعاون بين الموساد والمخابرات الداخلية الباكستانية، وقالت: “تبدو تصريحات خان مخالفة لما يتم طهيه بالتعاون مع الجيش الباكستاني، وإذا كان الأخير متواطئا مع الضغوط السعودية، لأجل التطبيع مع إسرائيل، فإن رئيس الوزراء يواجه تحديات هائلة في هذا الصدد”.
وأشارت إلى أن يقين خان الواضح من أن السعوديين سيواصلون الآن المساعدة المالية لباكستان، وتلميحاته العريضة إلى أن التسوية المؤلمة والمربحة بشأن إسرائيل قد تكون ضرورية، يبدو أن رئيس الوزراء مستعد للانضمام إلى الرياض وواشنطن، بحسب زعم “هآرتس”، ورجحت الصحيفة الإسرائيلية أن رئيس الوزراء الباكستاني بحاجة إلى دعم عسكري شامل، لتفادي رصاصة التطبيع الإسرائيلية وخيانة فلسطين، مستدركة: “ربما يلجأ الجيش للتضحية به وجعله كبش الفداء بهذه المرحلة”، بحسب عربي 21.