ان عالمنا اليوم يغص بالحروب بالوكالة، وأن تضارب المصالح، واللهاث وراء اكتناز الأموال والثروات، يجعل من القوى الكبرى في سعي مستمر لتأجيج الأوضاع العالمية، وجعل العالم كله في حالة لا استقرار، وزج بالدول الصغيرة لخوض هذه الصراعات بدلا منها، لذا لابد من تشكيل تحالفات فكرية تنظيمية بين الدول الصغيرة للعمل بالسبل التي تضع حدا للحروب بالوكالة…
(لابد من إيجاد الوعي عند الشعوب حتى لا تقع فريسة لجشع الرأسماليين)
الإمام الشيرازي
ماذا نعني بالحروب بالوكالة؟، سؤال يطرحه متسائلون، والإجابة عنه أن الحرب بالوكالة صراع تخوضه دولة صغرى نيابة عن دولة كبرى، وهنالك أسلوب آخر لخوض هذا النوع من الحروب، تقوم به جماعات وتنظيمات مرتزقة تقاتل مقابل ثمن معين، بدلا عن دولة أخرى وغالبا تورط الدول الكبيرة دولا أخرى أصغر لخوض هذا النوع من الحروب.
وبحسب المعنيين فالحرب بالوكالة تنشأ عندما تستخدم القوى المتحاربة أطرافا أخرى للقتال بدلا عنها بشكل مباشر. رغم أن القوى استخدمت حكومات أخرى كوكلاء للحرب، إلا أن المرتزقة والأطراف العنيفة غير القانونية وأطراف أخرى يتم استخدامها بشكل أكثر، حيث تأمل القوى أن تتمكن هذه الأطراف من ضرب أطراف أخرى دون الانجرار إلى حرب شاملة.
في مقال بمجلة ناشونال إنترست الأميركية عن سبب لجوء الدول إلى الحروب بالوكالة، يرى الباحث دانيال بايمان – وهو أستاذ بمركز بروكينغز لسياسة الشرق الأوسط- أنها غالبا ما تعد بالضرب على الوتر السياسي الحساس بين القيام بأقل التكاليف وأعلاها، لكن واقع الأمر أنها تُعدُّ شكلا منقوصا من الحروب.
و (ضرب الباحث مثلا بالحرب السورية بأنها أكثر الصراعات دموية وأن جل اللوم يمكن توجيهه إلى جيران سوريا والقوى الكبرى. وحتى الآن تدخلت فرنسا وإيران وإسرائيل والأردن وروسيا والسعودية وتركيا والإمارات وبريطانيا وبالطبع الولايات المتحدة، وهذه القائمة الطويلة تستثني العشرات من أعضاء التحالف الآخرين الداعمين لجهود واشنطن أو الذين لعبوا أدوارا أصغر بطريقة أخرى).
وهذا يعني فيما يعنيه أن على المعنيين بالسلام في العالم أن يتحركوا للقضاء أو الحد من الحروب بالوكالة، كونها قد تتحول إلى حروب مباشرة وطاحنة تشترك فيها قوى كبرى بدلا من الدول الصغير التي توكل إليها أدوار الحرب بالوكالة، وحين يصل الأمر إلى الحرب المباشرة بين الدول الكبرى هذا يعني تهديد الوجود الإنساني برمّته.
من هنا لابد من فضح هذا النوع من الحروب التي تنتشر بين دول العالم كالنار في الهشيم، وهذا يمكن أن يتم عن طريق فضح هذه الحروب ومن يقف وراءها ويغذي نيرانها بوقود الخبث وإثارة الفتن، لذا يجب فضح هذا النوع من الحروب كونه الطريق لنشر السلام العالمي.
فضح الدول التي تخطط الحروب بالوكالة
لذا فإن الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يرى في كتابه القيّم الموسوم بـ (الصياغة الجديدة):
إن (المطلوب منّا قبل الوصول إلى النتيجة النهائية في تحقيق السلام الشامل، أن نفضح الحروب بالوكالة والحيلولة دون وقوعها).
ونظرا للخطر الكبير الذي تشكله الحروب بالوكالة على الأمن العالمي، لذا لابد من اعتماد الوسائل المناسبة للقضاء على هذا النوع من الحروب، حتى يكون العالم كله بعيد عن العنف، ولا يتم استدراجه إلى حرب عالمية ثالثة تأكل الأخضر واليابس على حد سواء، وتدمّر كل ما توصلت له البشرية من تطور وتقدم في المجالات كافة.
من هذه الأساليب التي يقترحها الإمام الشيرازي لكبح الحروب هي تحجيم العلاقات بين الدول الكبرة و الدول الصغرى، لأن الطرف الأول (الدول الكبرى) تستغل الصغرى وتضغط عليها للدخول في صراعات بالوكالة لصالحها، وذلك عبر الضغط عليها بأساليب عديدة تجارية وسياسية وسواها، فمن الأفضل أن تحجّم الدول الصغيرة علاقاتها مع الدول الكبير.
يقول الإمام الشيرازي:
(يمكن القضاء على الحروب بالوكالة، والحد من تأثيراتها من خلال عدة وسائل منها: تحجيم العلاقات بين الدول الصغيرة والدول الكبيرة، حتى لا يتمكن الكبار من إيكال الصغار في الحروب كما هي العادة الآن).
وهناك أساليب أخرى يمكن اللجوء إليها لمحاصرة تأثيرات الحرب بالوكالة، ومنها العمل على فضح القواعد العسكرية للدول الكبيرة في أراضي الدول الصغيرة، فهذه القواعد غالبا ما تمثل مراكز تهديدات عسكرية ضد الدول الأخرى، حيث تقوم الدول الكبرى باستخدام أراضي الدول الصغير للاعتداء على دول أخرى.
هنا سوف تكون الخسائر أقل بكثير على الدولة الكبيرة، وجل الخسائر تقع على الدولة الصغيرة التي تضم في أراضيها قواعد الدولة الكبيرة، من هنا لابد من العمل بجدية لفضح مواقع هذه القواعد العسكرية، وأدوارها في إشعال الحروب والضغط عليها من أجل إغلاقها، حتى لا تكون محطة لنشوء الحرب بالوكالة بعيدا عن الإضرار بالدول الكبيرة.
لذا يؤكد الإمام الشيرازي على أنه: (من الوسائل الأخرى لكبح الحروب بالوكالة، فضح القواعد العسكرية للدول الكبيرة في أراضي الدول الصغيرة).
كذلك هناك أسلوب مهم آخر يمكن اعتماده للتقليل من مخاطر الحروب بالوكالة، وهو أسلوب فضح التحالفات العسكرية بين الدول الكبيرة والصغيرة، حيث تلجأ الأخيرة إلى عقد تحالفات مع دول كبيرة مقابل بعض المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية، بينما تقدم بالمقابل تسهيلات عسكرية أو غيرها للدول الكبيرة المنخرطة ضمن هذه التحالفات.
ولعل أخطر ما يهدد السلم العالمي هو سياسة المحاور العسكرية، ومن ثم إيكال مهمات الحروب بالوكالة إلى الدول الأقل قوة، فيما يبقى الكبار في منأى عن مخاطر الحروب، سواء من حيث الضحايا البشرية أو الخسائر المادية.
(فمن الأساليب التي تساعد في تحجيم الحروب بالوكالة فضح التحالفات العسكرية بين الدول الصغيرة التي تدور في فلك الدول الكبيرة، وبيان أن هذه الدول الصغيرة المتحالفة لا تريد بهذه الأحلاف إلا خدمة تلك الدول الكبيرة) كما يؤكدها الإمام الشيرازي.
تقوية العلاقات بين الدول المتجاورة
وهنا خطوة جديرة بالاهتمام، يمكنها الحد من آثار الحروب بالوكالة ومحاصرتها، وهي سعي الدول المتجاورة (الصغيرة) إلى تقوية العلاقات المختلفة فيما بينها، حتى تسهم هذه العلاقات بمنع الحروب فيما بينها، وهي غالبا ما تسعى إليها الدول الكبيرة.
حيث تثير الفتن والحروب بين الدول الصغيرة حتى تتمكن من السيطرة عليها، وإجبارها على الدخول في سياسات المحاور، ومن ثم الخضوع إلى إملاءات الدول الكبرى، لتحقيق مصالحها القومية السياسية والاقتصادية.
حيث يقول الإمام الشيرازي: (من الأساليب العاملة ضد الحروب بالوكالة تقوية العلاقات بين الدول المتجاورة حتى لا تتمكن الدول الكبيرة من إيقاع الحروب بينها).
أما الأسلوب الأهم والذي أثبت قوته في ردع الحروب بالوكالة هو نشر الوعي في شعوب الدول الصغيرة، فهذا النوع من الوعي يجعل الدول الصغرى في منأى عن هيمنة الدول الكبرى، وبالتالي لا تكون ألعوبة بأيدي الكبار.
إذ يقول الإمام الشيرازي: (وهناك طريقة لكبح الحروب بالوكالة وهي الأهم من بين كل الأساليب السابقة: إيجاد الوعي عند الشعوب الصغيرة حتى لا تكون ألعوبة بأيدي حكوماتها التي تنفذ أوامر الأسياد).
ويضيف الإمام الشيرازي في نفس هذا الاتجاه:
(كذلك لابد من إيجاد الوعي عند الشعوب حتى لا تقع فريسة لجشع الرأسماليين والحكام الدكتاتوريين، سواء كانوا دكتاتوريين صريحين، أو دكتاتوريين مغلَّفين بثوب مهلهل من الديمقراطية ـ كبريطانيا وفرنسا وأمريكا).
وأخيرا هناك طبقتان توظفان هذا النوع من الحروب لضمان المصالح المشتركة فيما بينهما، طبقة الحكام الرأسماليين، وهم اللذين يشعلون الحروب دائما، وطبقة العلماء وأصحاب الخبرات والشهادات المؤيدين لهذه الأنظمة المستبدة، فهؤلاء الحكام والأنظمة السياسية تسعى بمساعدة مؤيديها إلى تأجيج الحروب بالوكالة لضمان أرباحها ومصالحها.
يقول الإمام الشيرازي: (إن هاتين الطبقتين من الحكام الرأسماليين هم الذين يشعلون الحروب دائماً، وفي ركابهم بعض العلماء المنحرفين وبعض أصحاب الخبرات والشهادات. وصدق رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حيث روي عنه أنه قال: (صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي، وإذا فسدا فسدت أمتي، قيل: يا رسول الله ومن هما؟ قال: الفقهاء والأمراء).
الخلاصة أن عالمنا اليوم يغص بالحروب بالوكالة، وأن تضارب المصالح، واللهاث وراء اكتناز الأموال والثروات، يجعل من القوى الكبرى في سعي مستمر لتأجيج الأوضاع العالمية، وجعل العالم كله في حالة لا استقرار، وزج بالدول الصغيرة لخوض هذه الصراعات بدلا منها، لذا لابد من تشكيل تحالفات فكرية تنظيمية بين الدول الصغيرة للعمل بالسبل التي تضع حدا للحروب بالوكالة.
المصدر : https://annabaa.org/arabic/imamshirazi/38162