سلامٌ فوري أَم تسوية مؤجلة؟: الانعكاسات المحتملة لفوز ترمب بالرئاسة الأمريكية على المشهد اليمني

  • من المتوقع أن يتأثَّر المشهد اليمني بعودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، لكن هذا التأثُّر سيكون في الأغلب غير مباشر، وناتجاً عن التغيير الذي سيلحق بسياسة إدارة ترمب الخارجية تجاه القضايا والفاعلين الدوليين والإقليميين.
  • وقف الصراع اليمني سلمياً، ومن طريق المفاوضات، سيظل الخيار الأفضل لإدارة ترمب على الأرجح. وإذا لم تتقصد إدارته تحقيق توازن قوى مواتٍ بدلاً من السلام الفوري، فقد تُشجِّع في أحسن الأحوال إبرام صفقة سلام ولو بشروط أقل مما تطالب به إدارة بايدن اليوم.
  • إذا عاد ترمب للحكم في وقتٍ لا تزال المواجهة العسكرية مستمرة مع الحوثيين في البحر الأحمر، فإن إدارته ستحرص غالباً على تجنُّب توسيع المواجهة معهم، وستركز أكثر على دفع دول المنطقة، والشركاء الأوروبيين، للاضطلاع بدور أكبر في تأمين الملاحة الدولية.

 

من المتوقع أن يكون الملف اليمني من بين ملفات السياسة الخارجية التي ستتأثر بنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة. وإذا كان فوز المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، سيُرجِّح استمرارها في نهج إدارة بايدن تجاه هذا الملف، إلا أن فوز منافسها الجمهوري دونالد ترمب، وهو احتمالٌ أخذ يتزايد مؤخراً في ظل مساعيه للاستفادة من المحاولة الفاشلة لاغتياله وانسحاب جو بايدن من المنافسة؛ يطرح حالياً السؤال الأبرز حول مدى انعكاساته على المشهد اليمني، نظراً لطبيعة الشخصية الجدلية لترمب، وتبنّيه مواقفاً وسياساتٍ خارجيةٍ مُغايرةٍ، وأكثر تشدداً غالباً، تجاه جملة من الفاعلين، ومن القضايا التي لها علاقة بالمشهد اليمني وتؤثر فيه، بصورةٍ أو بآخرى.

 

ترمب وتغيُّرات السياسة الخارجية الأمريكية

يُشير معظمُ التوقعات إلى أن السياسة الخارجية الأمريكية ستشهد تغييراً ملموساً في حال فوز دونالد ترمب، وسيكون هذا التغيير مبنياً على مواقف ترمب وتصوراته، ورؤى المؤسسات التي يمثلها تجاه العديد من القضايا، وهي مختلفة كثيراً عما لدى إدارة بايدن اليوم. ومع أن ترمب يفكر بعقلية رجل الأعمال ويبدو أكثر اهتماماً بالنتائج، إلا أنه ليس صاحب استراتيجية، ويتصرف بشكل غريزي، ويُفضِّل العمل على نحو فردي، الأمر الذي يعني أن الكثير يتوقف على مزاجه وتقديره الشخصي. كما أنّه معروف بتقلباته، وبالتزامه الهشّ بالتحالفات. ومما يزيد من فرص التغيير، ومن مفاعيل هذه المواقف والسياسات، أن الرؤساء الأمريكيين يصبحون عادةً أكثر جرأة في اتخاذ القرارات أثناء ولاية حكمهم الثانية والأخيرة، وذلك بحكم تخفُّفهم من الاعتبارات والقيود التي يفرضها السعي لإعادة انتخابهم.

 

ومع أنّ ترمب لم يُقدِّم تفصيلاً حول نهجه في الشرق الأوسط وتجاه قضاياه، ولم يَقُل الكثير عما سيفعله بشكل مختلف، إلا أن هذا النهج الذي يتقصَّد في غايته الوصول إلى شرق أوسط أكثر هدوءاً، يدور حول تعزيز المصالح الاستراتيجية الأمريكية، والتصدي للتهديدات التي تواجها هذه المصالح (مواجهة إيران ووكلائها، والجماعات الإرهابية، ومحاصرة أدوار الصين وروسيا ونفوذهما). وتعتمد مقاربته الرئيسة في كل ذلك على تعزيز التحالفات الأمريكية لما فيه خدمة المصالح الوطنية، ودعم الحلفاء الذين يُقاسِمون الولايات المتحدة الأعباء، وتعزيز العلاقات مع الشركاء الإقليميين.

 

وترمب أكثر غموضاً عندما يتعلق الأمر بسياسته تجاه اليمن والملف اليمني، لكن مواقفه وسياساته تجاه العديد من القضايا والفاعلين على المستويين الإقليمي والدولي ستعكس نفسها على الأوضاع في اليمن، بطرائق شتى. ويمكن التعرف على هذه الانعكاسات بتتبع مواقفه وسياساته المتوقعة تجاه قضية الحرب والتسوية، والأزمة الإنسانية، وتجاه أطراف الصراع الرئيسين، والفاعلين الخارجيين المؤثرين، مثل إيران وإسرائيل والصين وروسيا، ناهيك بالقضايا الدولية والإقليمية المؤثرة في هذا الملف، بشكل أو بآخر، من قبيل الحرب في غزة وأوكرانيا. إن مواقف وسياسات ترمب تجاه هذه القضايا، وهؤلاء الفاعلين على وجه الخصوص، يمكن أن تخلق ديناميكيات جديدة أو تُلحِق تعديلاً في توازنات القوة القائمة في المشهد اليمني بالقدر الذي يؤثر في مواقف أطراف الصراع، ومساري الحرب والسلام.

 

يتوقع أن يكون لسياسات إدارة ترمب انعكاسات متفاوتة على المشهد اليمني (Shutterstock)

 

وعلى وجه العموم، يتوقع أن يكون لسياسات إدارة ترمب انعكاسات متفاوتة على المشهد اليمني، وهذا شأن التوجه نحو إصلاح العلاقة بالسعودية ودول الخليج، وشأن سياساته تجاه إيران، وهي سياسات قد تعمل على تحريك موقف الإيرانيين وحلفائهم الحوثيين في اتجاه يزيد من فرص التوصل إلى سلام متوازن. غير أن تحمُّس ترمب لسياسة تخفيف الأحمال، والتي من مقتضياتها تقليص الالتزامات المالية الخارجية، قد يضع حدوداً على فرص الاستثمار في استقرار الأوضاع في اليمن (الدعم والتحفيز المالي والاقتصادي)، مثلاً. ومع هذا، فإن وقف الصراع اليمني سلمياً، ومن طريق المفاوضات، سيظل الخيار الأفضل لإدارته على الأرجح.

 

أخيراً، لا بد من التأكيد على أن قناعات شاغل البيت الأبيض وتفضيلاته ليست وحدها ما يُقرر وجهة الأمور، فما زالت المؤسسات السياسية الرسمية والحزبية تؤدي دوراً في تقرير السياسات والمواقف النهائية للسياسة الأمريكية، وكثيراً ما تفرض على صانع القرار في البيت الأبيض الاهتمام بقضايا لا يتفق معها أو لا تشكل أولوية لديه. يُضاف إلى ذلك، أن ما يجري في المشهد الدولي، وتقلبات الظروف والتطورات السياسة غير المتوقعة دائماً ما تفرض نفسها على السياسة الخارجية، وتجعل قناعات ومواقف صانعي القرار في البيت الأبيض والمؤسسات السياسة الأمريكية عُرضَةً للتعديل. فبالضد من حماس الأمريكيين عموماً لسياسة تجنُّب الصراع وتخفيف الأعباء -مثلاً- هناك صعوبة في فك التشابك الأمريكي مع الشرق الأوسط. وهكذا، فإن السياسات النهائية هي محصلة التفاعل بين سياسات ومواقف شاغل البيت الأبيض، وأولويات المؤسسات والسياسة الأمريكية، وما يجري في المشهد الدولي.

 

مواقف ترمب وسياسات إدارته يمكن أن تخلق ديناميكيات جديدة أو تُلحِق تعديلاً في توازنات القوة القائمة في المشهد اليمني بالقدر الذي يؤثر في مواقف أطراف الصراع، ومساري الحرب والسلام

 

سياسات إدارة ترمب المتوقعة وانعكاساتها اليمنية

أولاً، الموقف من الصراع والأزمة الإنسانية في اليمن

يتعامل ترمب مع الصراع في اليمن، بصفة عامة، باعتباره أحد أعراض السياسات الإيرانية في المنطقة، التي يتطلب التعاطي معها تبنّي نهج احتواء أوسع نطاقاً، دون الانجرار نحو خوض مواجهة عسكرية شاملة مع إيران. وستواصل إدارته دعم جهود السلام التي ترعاها الأمم المتحدة في اليمن، مع أخذ المُعطى الإيراني في الاعتبار. وسيُبقي ترمب، على الأرجح، على موقع ودور مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى اليمن، على الرغم من أن ترمب لم يكن داعماً نشطًا لمساعي السلام خلال فترة رئاسته الأولى. وإذا لم تتقصد إدارته تحقيق توازن قوى مواتٍ بدلاً من السلام الفوري، فقد تُشجِّع في أحسن الأحوال إبرام صفقة سلام ولو بشروط أقل مما تطالب به إدارة بايدن اليوم. وصفقة كهذه من الصعب أن تؤسس سلاماً مستداماً، أو استقراراً طويل الأمد. وكما كان عليه الحال في ولايته الأولى، لن يُعطي ترمب أولوية للمساعدات الإنسانية في اليمن، وقد تنخفض المعونات الأمريكية المقدَّمة لهذا البلد، مما يؤدي إلى تفاقُم الأزمة الإنسانية فيه.

 

ثانياً، العلاقة بأطراف الصراع

1. التحالف العربي والحكومة اليمنية: يُعطي ترمب والجمهوريون عموماً أهمية لاستعادة بناء شبكة التحالفات الأمريكية في المنطقة، ويُفترَض تبعاً لهذا أن تتعزز العلاقات والشراكة الاستراتيجية مع السعودية ومعظم دول الخليج بشكل كبير. ومع أن موقف ترمب تجاه مسألة التعاون الأمني والعسكري مع الرياض لا يزال غامضاً، إلا أن من المرجح أن تواصل إدارته جهود التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وقد يكون ذلك بالعودة إلى مبادرته التي قادت إلى توقيع الاتفاقات الإبراهيمية، أو بالبناء على مبادرة الرئيس بايدن. فهذا التطبيع سيكون صعباً دون تلبية الشروط السعودية، وعلى رأسها إبرام اتفاق دفاعي مع الولايات المتحدة. ومن المحتمل أن تعمل إيران وحلفاؤها على إعاقة إتمام صفقة التطبيع هذه من طريق محاولة تفجير الأوضاع هنا أو هناك، ما سينعكس سلباً على جهود السلام في اليمن. ولأنها تشمل على توقيع اتفاق دفاعي بين الرياض وواشنطن، فإن خروج هذه الصفقة إلى النور سيضع الأولى وحلفائها في موقف سياسي وعسكري أفضل، ويجعلهم في وضع تفاوضي أقوى. ومع أن كل ذلك سيسلب الحوثيين والمحور الإيراني العديد من أوراق القوة، ويُضعِف موقفهم في الصراع، غير أنه لن يكون لديهم حينها الكثير للقيام به. وسيفرض تعديل ميزان القوى الناتج عن نجاح هذه الصفقة إعادة التفاوض على خريطة الطريق التي سبق الاتفاق على خطوطها العريضة، والتفاوض على مسائل أخرى كثيرة، ومع أن ذلك سيثير حنق الحوثيين وإيران ويتسبَّب من ثمَ ببعض التوتر، إلا أنَّه قد يُسهِم في نهاية المطاف في التوصل إلى اتفاق سلام يمني متوازن. أما الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، فإن من المتوقع ألا تجد تحمُّساً كبيراً من إدارة ترمب لتعميق التعاون معها، وقد يشهد الدعم الأمريكي لها تراجعاً عما هو عليه اليوم.

 

سيتبنى ترمب على الأرجح مقاربة أكثر صرامة تجاه جماعة “أنصار الله” الحوثية (AFP)

 

2. الحوثيون وإيران: وفقاً لسلوك إدارته في ولايتها الأولى، سيتبنى ترمب على الأرجح مقاربة أكثر صرامة تجاه جماعة “أنصار الله” الحوثية، ومن المتوقع أن يفرض عليها وعلى داعميها المزيد من العقوبات، وقد يرفع من مستوى تصنيفها الحالي ضمن لوائح التنظيمات الإرهابية الأجنبية، وسيحرص على دفعها للتفاوض بشروط أقل تفضيلاً. وإذا عاد ترمب للحكم في وقت لا تزال المواجهة العسكرية مستمرة مع الحوثيين في البحر الأحمر، فإن إدارته ستحرص على تجنُّب توسيع المواجهة معهم، وستركز ربما أكثر على دفع دول المنطقة، والدول الأوروبية، للاضطلاع بدور أكبر لتأمين الملاحة وحماية سفنهم، باعتبار أن ذلك ليس مسؤولية الولايات المتحدة وحدها.

 

وستظل مواجهة إيران وإضعاف نفوذها أولوية في سياسة ترمب تجاه المنطقة، والأرجح أنَّه سيُحافِظ على نهجه المتشدد تجاهها، مع احتمالية العودة إلى ممارسة سياسة “الضغوط الأقصى” عليها. وثمة أسباب وحوافز إضافية تدفع ترمب لتبني هذا النهج، إذ إن إيران تبدو اليوم أقرب إلى إنتاج أسلحة نووية من أي وقت مضى كما تُشير التقديرات، كما أن أوضاعها الداخلية المتردية، وكُبْر سن المرشد الأعلى ومرضه واحتمالات نشوب صراع على خلافته؛ كلها أمورٌ تشجع إدارة ترمب على ممارسة المزيد من الضغط على أمل زيادة السخط الشعبي، وإثارة المزيد من الانقسامات داخل إيران. ويُرجَّح أيضاً أن يكون ترمب، الذي طالما اتهم بايدن بالضعف في التصدي للاعتداءات الإيرانية على القوات الأمريكية، أكثر حزماً وأكثر صرامة مع طهران ووكلائها الإقليميين، ولا يُستبعد أن تلجأ إدارته إلى عمل عسكري مباشر ضدها في حال صعَّدت هجماتها ضد إسرائيل، أو إذا استمرت الفصائل والمجموعات المسلحة المدعومة من طهران في تهديد المصالح الأمريكية، لكن دون المجازفة بإشعال حرب إقليمية شاملة.

 

إن سياسات مُتشددة كهذه ستُضعِف، على الأغلب، موقف الإيرانيين والحوثيين، ومع أنها قد تؤدي إلى تصعيد التوتر مع الطرفين إلا أن المخاوف من الصدام مع الولايات المتحدة وكلفته العالية، والصدمة الاقتصادية الناتجة عن سياسة الضغوط القصوى التي ستُقوِّض التجارة والاقتصاد الإيرانيين، قد تَحدُّ من فرص لجوء إيران إلى التوسُع في خيارات التصعيد، ويجعلها تفضل المناورة والجنوح إلى تكتيك التراجع الاستراتيجي الذي يقضي بضبط ردود الفعل وفرملة سياسة المواجهة والاندفاع. وللالتفاف على السياسة الأمريكية ومفاعيلها، قد تلجأ إيران إلى تكثيف مساعي التقارب مع السعودية ودول الخليج المجاورة، وحتى يكون هذا التقارب مجدياً وفعالاً سيكون عليها تقديم شيء في المقابل، وتعديل سياستها في ملف اليمن، من طريق حثّ حلفائها الحوثيين ليكونوا أكثر تفاعلاً وتجاوباً مع مساعي السلام في هذا البلد، باعتبار أن تعزيز مسار الحل السياسي سيُسهِم في تهدئة مظاهر التوتر في المنطقة.

 

من المحتمل أن يكون لزيادة حدة التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين، في ظل ولاية ترمب الثانية، انعكاسات مختلطة على الملفات الإقليمية، بما فيها الملف اليمني

 

ثالثاً، الفاعلون والقضايا الإقليمية والدولية

أ.  إسرائيل والحرب في غزة: يضع ترمب، ومن خلفه الحزب الجمهوري، دعم إسرائيل في مقدمة اهتماماتهما، وقد وعد ترمب أكثر من مرة بإنهاء الحرب في غزة، مُطالباً إسرائيل بتسريع إنهاء عملياتها هناك. وقد ذكر السفير الأمريكي السابق في إسرائيل، ديفيد فريدمان، في مقابلة مع القناة الـ12 الإسرائيلية، بأن ترمب يؤيد “انتصاراً سريعاً وحاسماً لإسرائيل.. ويعتقد أن الحرب يجب أن تنتهي عندما تنتصر تل أبيب، وليس قبل ذلك”. وبحكم مواقفه المعلنة، والمخاطر والتكاليف الكبيرة التي سيحاول تجنُّبها، يمكن الافتراض أن وقف الحرب في غزة، بما يُعزز وضع إسرائيل الإقليمي، سيمثل أولوية لإدارته، باعتبار أن إنهاء هذه الحرب، تبعاً لهذه النتيجة، سيُفضي إلى تهدئة الأوضاع في المنطقة ويفتح الباب للمفاوضات الإقليمية حول الملفات العالقة، بما فيها ملف اليمن.

 

2. روسيا والحرب الأوكرانية: يتبنَّى ترمب موقفاً تصالحياً مع روسيا ومُعارِضاً للعقوبات عليها، وتعهَّد أيضاً بوقف الحرب في أوكرانيا. ومن شأن وفائه بهذا التعهُّد أن يُعيد ملف اليمن إلى دائرة الاهتمام الدولي، بما يُسهِم في تخصيص موارد سياسية ومالية أكبر لهذا الملف. ومن شأن ذلك أيضاً أن يجعل روسيا أقل حاجة للاندفاع نحو إيران، ما يعني أنه موسكو قد تدفع باتجاه تسوية سياسية أكثر توازناً للأزمة اليمنية.

 

على الأغلب، فإن إدارة ترمب ستعمل على تجنُّب توسيع المواجهة مع الحوثيين في البحر الأحمر  (AFP)

 

3. الصين: من المُرجَّح أن يُصعِّد ترمب الحرب الاقتصادية مع بيجين، وسبق أن هدد مراراً -مثلاً- بفرض تعريفات جمركية باهظة على الواردات الصينية. وفي ضوء المخاوف من توسُّع نفوذها العالمي، بما في ذلك في الشرق الأوسط الذي أصبح مسرحاً رئيساً لهذا النفوذ وللتنافس مع الغرب، فإن إِبعاد دول المنطقة عن دائرة النفوذ الصيني سيشكل أولوية لإدارة ترمب في سياق الحد من هذا النفوذ الذي يُنظَر إليه بوصفه “تهديداً جيوستراتيجياً”، وهذا يقتضي تقديم تفضيلات ومحفزات لهذه الدول، من قبيل زيادة بيع الأسلحة والتعاون الدفاعي. ومن المحتمل أن يكون لزيادة حدة التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين انعكاسات مختلطة على الملفات الإقليمية، بما فيها الملف اليمني، إذ قد تدفع بيجين إلى تبني مواقف وسياسات متضاربة النتائج، فقد تنخرط -مثلاً- في منافسة دبلوماسية للتوسط لإحلال السلام في اليمن، عطفاً على مساعيها الأخيرة، من طريق زيادة الضغط على إيران، وتعزيز تدخلاتها ومساعداتها الإنسانية والإغاثية للشعب اليمني. لكنها، في الوقت نفسه، وعلى الرغم من حرصها على تقوية العلاقة مع دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، فإن الصين ستجد نفسها مُضطرة أيضاً إلى تعزيز التحالف مع إيران وروسيا، مع ما سينتج عن هذا الأمر من تكريس لسياسات الاصطفاف القائمة في المنطقة.

 

خلاصة

من المتوقع أن يتأثر المشهد اليمني بعودة ترمب إلى البيت الأبيض، لكن هذا التأثُّر سيكون في الأغلب غير مباشر، وناتجاً عن التغيير الذي سيلحق بسياسة إدارة ترمب الخارجية تجاه القضايا والفاعلين الدوليين والإقليميين. وفي المجمل، من المُرجَّح أن تخلق هذه العودة سياقاً سياسياً مغايراً ينطوي على العديد من الفرص والتحديات، لكن هذا السياق قد يكون مُربكاً ونتائجه النهائية غير حاسمة، إذ إن سياسات إدارة ترمب، ومواقفها المتوقعة تجاه القضايا المختلفة، لن تكون مُتَّسقة بالضرورة، وسيخلق التفاعل المعقد بينها حالة من الإرباك وبعض التداعيات المختلطة، فبينما يدفع بعض تلك السياسات والمواقف باتجاه تعديل أو إعادة تشكيل توازنات القوة في المشهد اليمني، وعلى نحوٍ يخدم عملية التسوية في نهاية المطاف، فإن بعضها الآخر قد ينشط في الاتجاه المعاكس، ويؤدي إلى زيادة التوتر وتعقيد المشهد بصورة تجعل التوصُّل إلى تسوية شاملة أكثر صعوبة.

 

المصدر : https://epc.ae/ar/details/featured/alaineikasat-almuhtamala-lifawz-donald-trump-ala-almashhad-alyamani

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M