شون أوغرايدي
هل تتذكرون الشحنة الضخمة من معدات الوقاية الشخصية، وتحديداً الملابس الخارجية، التي نُقلت جواً من تركيا إلى “خدمة الصحة الوطنية” البريطانية؟ إنها عديمة الفائدة.
كانت تلك نهاية مناسبة، وإن كانت غير مساعدة، لأداء أصبح في الواقع مهزلة رمزية. ففي ذروة أزمة معدات الوقاية الشخصية قبل بضعة أسابيع، أعلن الوزراء باعتزاز عن رحلة جوية إنسانية مثيرة للغاية لسلاح الجو الملكي البريطاني، لجلب هذه المعدّات البالغة الأهمية من أقصى أوروبا إلى موظفي الخطوط الأمامية. ولم يسبق انتظار شحنة محمولة جواً بهذا القدر من الاهتمام منذ رحلة ( وزيرة الداخلية حاليا) بريتي باتيل من نيروبي، والتي تابعتها البلاد برمتها على الهواء مباشرةً، حتى وصلت بريطانيا وطردتها رئيسة الحكومة تيريزا ماي من منصبها (كوزيرة للتعاون الدولي في حينه) .
وبشأن رحلة الألبسة الخارجية الواقية من تركيا، كان هناك تأخير ثم إعلان آخر، فتأخير ثانٍ. كانت هناك إشاعات بأنها قد وصلت، لكنها أُجلت مرة أخرى. وفي نهاية المطاف ظهرت الشحنة، التي ضمت 400 ألف رداء خارجي واقٍ للمستشفيات. لكن اتضح لاحقاً أنها “لا ترقى إلى المعاير المطلوبة”.
بدا الأمر كما لو أن الأمة البريطانية اختُزلت بأكملها في عائلة تحت الحجر، تنتظر بفارغ الصبر مشتريات البقالة من محلات “موريسون” Morrissons، وتتلقى رسائل نصية متناقضة تجعلها في حالة نفسية مضطربة. وعندما تصل الصناديق في النهاية، تكتشف أن محتوياتها ليست تلك المواد التي طلبتها. لذا تحاول الحكومة البريطانية اليوم استرداد ما دفعته من أموال لقاء طلبها ذاك.
يعتبر ذلك حدثاً رمزياً يُعزى في جزء منه إلى غياب المهنية في تدبر الأمور والاعتقاد بأنها ستكون على ما يُرام، في تجلٍّ واضح لعادات التهاون وعدم الاستعداد المتأصلة في بريطانيا. وعلى سبيل المثال، لم يحدث الشيء ذاته في ألمانيا خلال هذه الأزمة، لأن تلك ببساطة ليست هي الطريقة الألمانية في تسيير الأمور. إن الألمان يخططون بشكل منهجي ويلتزمون بخططهم، أما البريطانيون فيرتجلون الخطط ويعملون على إصلاحها في الطريق، ولدى كل من الثقافتين نقاط قوة وضعف بمواجهة جائحة ما، وهذا ما نراه أمامنا. وقد وجد البلدان في بوريس جونسون وأنجيلا ميركل زعيميهما الوطنيين المثاليين اللذين يجسدان مزاجهما القومي.
لكن من وجهة نظر سياسية يرمز هذا الحدث إلى قصور في أداء الحكومة البريطانية.
فمن أسهل الأمور في عالم السياسة، كما في أي مجال آخر، الإقلال من إطلاق الوعود وتنفيذ أكثر مما تعد به. لكن الموهبة الفريدة لإدارة جونسون خلال تفشي فيروس كورونا تتمثل في قدرتها الواضحة على الإكثار من الوعود وتنفيذ أقل مما تعد به.
ربما كانت الأمور سيئة جداً، وكانت مستويات المعدات والتخطيط سيئة للغاية بحيث أصبح الوضع حتمياً. ولو وعد الوزراء بفعل أقل مما كانوا على يقين من إنجازه لكان ذلك يُعادل لا شيء تقريباً، ولوجدوا أنفسهم على الفور في موقف مخزٍ ولأُجبروا على الاستقالة. لذلك ربما كان من الأفضل بالنسبة إليهم أن يقدموا وعوداً مثيرة للإعجاب ثم يأملون في حدوث ما هو أفضل. وعندما لا يتحقق الهدف، كما يحصل دائماً، يمضون على عادتهم قدماً بإلحاح أكبر ويعملون فوراً على تشتيت الانتباه بطرح هدف أكثر طموحاً، ورقمٍ تتسابق عناوين الأخبار بشكل أكبر على إبرازه.
هذا هو بالطبع ما حدث مع هدف إجراء 100 ألف اختبار لفيروس كورونا يومياً، والذي جرى تجاوزه مرة واحدة فقط وبمساعدة بعض الخدع البيروقراطية. وكان الهدف الذي حلّ محله مباشرة والمتمثل في إجراء 200 ألف اختبار يومياً عشوائياً بالقدر نفسه، ويحجب التفكير في الاختبار كوسيلة لتحقيق غاية ما وليس كغاية في حد ذاته. لكنه بدا هدفاً طموحاً، والوزراء يحبون تصوير أنفسهم كشخصيات طموحة، تماماً كلاعب القفز التزلجي (الأولمبي البريطاني 1963) الملقب بـ “إيدي النسر” (جسدت الشخصية بفيلم Eddie the Eagle)، أو بمشاركة أغنية بريطانية في مسابقة يورو فيجن.
وقد حدث شيء مماثل مع نقص أجهزة التنفس الصناعية، إذ عمد مات هانكوك بصفته وزيراً للصحة، مجدداً، إلى رفع سقف التوقعات عالياً، عندما أطلق تحدي أجهزة التنفس الصناعية للصناعة البريطانية. وذُكرت أسماء شركات شهيرة مثل دايسون وميرسيديس وجي سي بي، وأجريت معها اتصالات من رئاسة الوزراء.
غير إن هدف إنتاج 30 ألف جهاز تنفس صناعي لم يتحقق، وحلّ محله رقم 18 ألفاً، لأن حالة الحجر قلّلت من أعداد المرضى الذين تقبلهم المستشفيات بما يكفي لتجنب الضغط على وحدات العناية المركزة. ومع ذلك، لا يزال هدف إنتاج 30 ألف جهاز من دون تحقيق.
واعتباراً من آخر تحديث رسمي (في 30 إبريل- نيسان)، أنتج تحدي أجهزة التنفس “أكثر من 250” جهازاً، مع رفض أربعة تصاميم. وهناك طلب على 15 ألف جهاز من نوع Penlon Prima ES02، إذ يفترض “تكثيف” الإنتاج، كما قد تتوقعون، خلال الأسابيع المقبلة. وتعتبر Penlon شركة بريطانية راسخة لصناعة المعدات الطبية
وكان مجلس الوزراء يقول لغاية 30 إبريل الفائت إن “لدى المملكة المتحدة الآن 10900 جهاز تنفس صناعي جراحي متاح لخدمة الصحة الوطنية بالإضافة إلى 4300 جهاز غير جراحي”.
لكن إذا حدثت موجة ثانية من المرض فقد يكون مخزون أجهزة التنفس غير كاف. وبالمناسبة، ما الذي حدث للحماسة التي كان البريطانيون يتمتعون بها بوفرة، إذ بلغ عدد المتطوعين الذين لبّوا نداء الأمة لمساعدة خدمة الصحة الوطنية 750 ألف شخص؟ لم يكن من المنتظر أن يصل عدد المتطوعين إلى أكثر 250 ألف شخص، وهو هدف جرى تجاوزه للمرة الأولى، ومع ذلك يبدو أن المتطوعين لم يُكلفوا بالكثير من المهام، بينما يُستقدم الرومانيون جواً لجمع المحاصيل.
لذا من المؤكد أن قراءة تقرير التحقيق العام في التعامل مع هذه الأزمة سيبعث في النفس شعوراً بالاكتئاب.
رابط لمصدر: