إن إزالة الكربون من إمدادات الكهرباء العالمية تحتاج إلى أكثر من الألواح الشمسية وتوربينات الرياح، التي تعتمد على أشعة الشمس والرياح المستمرة لتوليد الطاقة. بيد أن التخزين على نطاق الشبكات يوفر حلا لمشكلة التقطع في الطاقة، لكن توافره لا يزال محدودا. وتشير وكالة الطاقة الدولية، وهي جهة رسمية للتوقعات المستقبلية، إلى وجوب رفع السعة التخزينية العالمية المركبة للبطاريات من أقل من 200 غيغاواط في العام الماضي إلى أكثر من تيراواط في نهاية العقد الجاري، وإلى ما يقرب من 5 تيراواط بحلول سنة 2050، لكي يبقى العالم على المسار لتحقيق صافي انبعاثات صفري. لكن أعمال تخزين الطاقة على الشبكات أخذت تتسارع أخيرا.
البطاريات العملاقة
كان التخزين على نطاق الشبكات يعتمد تقليديا على الأنظمة الكهرمائية التي تنقل المياه بين الخزانات في أعلى منحدر وأسفله. لكن “البطاريات العملاقة” المكدسة في صفوف من الحظائر أصبحت الطريقة المفضلة على نحو متزايد في هذه الأيام. ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، تم تركيب 90 غيغاوات من بطاريات التخزين في أنحاء العالم في العام الماضي، أي ضعف المقدار الذي كانت عليه في سنة 2022، منها نحو الثلثين للشبكات، والبقية لتطبيقات أخرى مثل الطاقة الشمسية المنزلية.
وقد أخذت الأسعار في الانخفاض في حين يجري تطوير عمليات كيميائية جديدة. وتقدر شركة “باين” الاستشارية أن سوق تخزين الطاقة على نطاق الشبكات يمكن أن تتوسع من نحو 15 مليار دولار في سنة 2023 إلى ما بين 200 مليار دولار و700 مليار دولار في سنة 2030، وما بين تريليون و3 تريليونات دولار بحلول سنة 2040.
حفز انخفاض أسعار بطاريات الليثيوم اعتمادها في الشبكات، وتراجع متوسط سعر الثابتة منها لكل كيلوواط-ساعة من التخزين بنحو 40% بين 2019 و2023
حفز انخفاض أسعار بطاريات الليثيوم اعتمادها في الشبكات. ووفقا لمجموعة “بلومبرغ إي إن إف” البحثية، شهد متوسط سعر بطاريات الليثيوم الثابتة لكل كيلوواط-ساعة من التخزين انخفاضا بنحو 40 في المئة بين 2019 و2023. وأدى التباطؤ العالمي في اعتماد المركبات الكهربائية، التي تعمل بتكنولوجيا مماثلة، إلى زيادة اهتمام مصنعي البطاريات بالتخزين على الشبكات.
ففي سنة 2019، كانت بطاريات الليثيوم الثابتة أكثر تكلفة بنحو 50 في المئة من تلك المستخدمة في المركبات الكهربائية؛ وقد انخفض ذلك الفارق إلى ما دون 20 في المئة بتكاثر المنتجين.
موظف يعمل في مصنع لشركة تصنع بطاريات الليثيوم في هوايي في مقاطعة آنهوي شرق الصين، 14 نوفمبر 2020.
وتعتقد وكالة الطاقة الدولية أن الطاقة الشمسية المجتمعة مع البطاريات أصبحت الآن منافسة للطاقة التي تولد بالفحم في الهند، وهي في طريقها لأن تصبح أرخص ثمنا من الطاقة التي تولّد بالغاز في أميركا في غضون بضع سنوات.
الصين موطن تصنيع البطاريات
الصين مركز الإنتاج العالمي للبطاريات. فهي موطن ستّ من أكبر عشر شركات لتصنيعها في العالم، بما في ذلك “كاتل” و”بي واي دي”. وقد ارتفعت حصة إنتاج الصين من البطاريات المخصصة لشبكات الطاقة من صفر تقريبا في سنة 2020 إلى نحو الخمس في العام الماضي، متجاوزة الحصة المستخدمة في الإلكترونيات الاستهلاكية. ولقي هذا النمو دعما من السياسات المحلية التي تلزم مشاريع الطاقة الشمسية والرياح تركيب أنظمة تخزين أيضا.
تتميز شركات تصنيع البطاريات في الصين بالابتكار المتقدم. فيما شركة “بي. واي. دي.”، التي تضخ استثمارات كبيرة في الروبوتات والذكاء الاصطناعي، أنشأت مصنعا للبطاريات مؤتمتا تماما
تتميز شركات تصنيع البطاريات في الصين بالابتكار المتقدم. فقد ضاعفت شركة “كاتل” إنفاقها على البحث والتطوير ثماني مرات منذ سنة 2018، لتصل إلى 2.5 مليار دولار في العام الماضي. أما شركة “بي واي دي”، التي تضخ استثمارات كبيرة في الروبوتات والذكاء الاصطناعي، فقد أنشأت مصنعا للبطاريات مؤتمتا تماما تقريبا في مدينة هافاي.
ولكن الصناعة غارقة أيضا في فائض السعة الإنتاجية. ووفقا لتقديرات “بلومبرغ إي إن إف”، تنتج الصين وحدها ما يكفي من بطاريات الليثيوم لتلبية الطلب العالمي على جميع الأصناف. وأعلنت صناعتها خططا لإضافة 5.8 تيراواط/ساعة إضافية من السعة الإنتاجية بحلول سنة 2025، وهو ما يزيد على ضعف السعة الإنتاجية العالمية القائمة حاليا التي تبلغ 2.6 تيراواط/ساعة.
شركات التعدين والتكرير في #الصين تعمل على تعزيز إنتاج الليثيوم في #أفريقيا، متجاهلة المخاوف بشأن فائض المعروض في الأسواق لضمان تأمين إمدادات مستقبلية من المعدن المستخدم في صناعة البطاريات
التفاصيل: https://t.co/4ilYXCXuyv#اقتصاد_الشرق pic.twitter.com/zzBvHI58IG
— Asharq Business اقتصاد الشرق (@AsharqBusiness) August 12, 2024
ذلك، سيُلحق كارثة بالعديد من شركات صناعة البطاريات، بما فيها تلك التي تنتج بطاريات للشبكات. ووفقا لمؤسسة “بِنش مارك مِنرال إنتلجنس” البحثية، فقد ألغي أو تأجل بناء 19 مصنعا للبطاريات في الصين في الأشهر السبعة الأولى من سنة 2024.
وأدى انهيار الأسعار أيضا إلى إلحاق أضرار بالعديد من الشركات الناشئة في الغرب. ومن الأمثلة على ذلك شركة “نورثفولت” السويدية، التي تُعد الرد الأوروبي على الشركات الصينية الكبرى. فقد أعلنت خسارة بقيمة 1.2 مليار دولار في العام الماضي، بعدما خسرت 285 مليون دولار في سنة 2022. ومن المرجح أن تترتب على ذلك موجة من الاندماجات، كما توقع روبن زنغ، رئيس شركة “كاتل” في وقت سابق من هذا العام.
تستثمر شركة “ناترون” الأميركية، التي تدعمها شركة “شيفرون” النفطية العملاقة، 1.4 مليار دولار لبناء مصنع لبطاريات أيونات الصوديوم
ومع ذلك، قد تساعد الأضرار الشديدة التي لحقت بمصنعي البطاريات في اعتماد التخزين بالبطاريات بدلا من الإضرار به. وربما تشهد الأسعار انخفاضا أكبر باستحواذ الشركات الأكثر إنتاجية على حصة أكبر من السوق. والمنافسة الشديدة تحفز الابتكار، إذ تسعى الشركات لاكتشاف تقنيات جديدة تساعدها في المنافسة. ومن البدائل الواعدة بطاريات أيونات الصوديوم. فهي لا تحتاج إلى الليثيوم الباهظ الثمن، ومع أن الطاقة التي تنتجها أقل كثافة، فإن المشكلة التي يطرحها ذلك قليلة بالنسبة الى البطاريات الثابتة مقارنة بالبطاريات التي تزود المركبات الكهربائية الطاقة.
تحث الشركات القائمة حاليا الخطى لتطوير التكنولوجيا الخاصة بالشبكات، ويراهن عدد من الشركات الناشئة على هذه التكنولوجيا كثيرا أيضا. وهكذا فإن شركة “ناترون” الأميركية، التي تدعمها شركة “شيفرون” النفطية العملاقة، تستثمر 1.4 مليار دولار لبناء مصنع لبطاريات أيونات الصوديوم في ولاية نورث كارولينا، ومن المقرر افتتاحه في سنة 2027. ويقول لاندون موسبرغ، الرئيس التنفيذي لشركة “بيك إنرجي”، وهي شركة ناشئة أخرى لإنتاج بطاريات أيونات الصوديوم، إنه يريد أن تكون شركته المماثل الأميركي لشركة “كاتل” الصينية.
ويعتقد الرئيس التنفيذي لشركة “فريَر باتري” طوم جنسن، وهي شركة ناشئة أخرى، أن التقنيات الجديدة هي الطريقة الوحيدة التي تستطيع شركات البطاريات الغربية أن تنافس بها. لذا تتزايد قائمة النهُج المبتكرة. وتعمل شركة “إنرفنيو” الناشئة على تسويق بطارية النيكل – الهيدروجين. وقد جمعت الشركة ما يزيد على 400 مليون دولار وستبني مصنعا في كنتاكي تأمل أن ينتج بطاريات رخيصة الثمن يمكنها تخزين الطاقة مدة طويلة.
بطاريات أيونات الصوديوم أقل عرضة للاشتعال من بطاريات الليثيوم، مما يجعلها جذابة جدا لشركات التكنولوجيا
ومن المفيد أن هذه التقنيات الجديدة ملائمة لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة من مراكز البيانات، التي تسعى شركات التكنولوجيا العملاقة إلى تشغيلها باستخدام الطاقة المتجددة. وبما أن بطاريات أيونات الصوديوم أقل عرضة للاشتعال من بطاريات الليثيوم، فإن ذلك يجعلها جذابة جدا لشركات التكنولوجيا، لا سيما لأنها تقلل تكلفة التأمين، كما أشار جف تشامبرلين، رئيس شركة “فولتا إنرجي تكنولوجيز” الاستثمارية التي تركز على تخزين الطاقة. ولفت كولن وسلز، الرئيس المشارك لشركة “ناترون”، إلى أن شركته الناشئة تعتزم تزويد مراكز البيانات بالبطاريات على العموم.
مجموعة بطاريات في محطة لتخزين الطاقة في صحراء بالقرب من بالم سبرينغر في كاليفورنيا.
إن الانتشار السريع لمراكز البيانات يقود أيضا إلى فجوات في البنية التحتية المستخدمة لتوليد الطاقة ونقلها، ويمكن سد تلك الفجوات بالبطاريات الطويلة الأمد من النوع الذي تأمل شركة “إنرفنيو” في إنتاجه. ويتوقع آرون زوباتي، الرئيس التنفيذي لشركة “إيوليان” التي تطور الطاقة المتجددة، حدوث طفرة في حلول التخزين التي تدوم ما بين أربع وثماني ساعات للتعامل مع الطلب المتزايد على شبكات الطاقة في العقد المقبل.
وهكذا يحرز التخزين على نطاق الشبكات تقدما سريعا. ويلاحظ محلل مخضرم لظاهرة ازدهار الطاقة الشمسية يعمل حاليا في تغطية هذه الصناعة، أن “البطاريات أنجزت في خمس سنوات ما استغرقت الطاقة الشمسية 15 عاما لإنجازه. ويوجز فاتح بيرول، رئيس وكالة الطاقة الدولية، ذلك بقوله: “البطاريات تغير قواعد اللعبة أمام أعيننا”.
المصدر : https://www.majalla.com/node/322101/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D8%B3%D9%88%D9%82-%D8%AA%D8%AE%D8%B2%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AB%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%A8%D8%AA%D8%B1%D9%8A%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%86%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA