سياسات أوروبا تجاه اللاجئين.. بين التشدد والانتقائية

محمود سلامة

 

مثّلت أزمة اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا أحد عوامل الضغط على قادة دول القارة العجوز منذ عام 2015، الأمر الذي دفعهم للاتفاق على تبني مجموعة من السياسات والإجراءات التي من شأنها أن تحد من تدفقات اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين إلى دول الاتحاد الأوروبي في المقام الأول، بالإضافة إلى وضع خطط العمل الخاصة بالتكامل فيما بينهم لدمج أعداد محدودة من اللاجئين في مجتمعاتهم؛ ولكن يبدو أن الحرب الروسية بما فرضته من موجة نزوح ضخمة من الأوكرانيين نحو دول الجوار كان لها تأثير كبير على تغيير السياسات الأوروبية تجاه اللاجئين.

الواقع يعكس حجم الإسهامات الأوروبية

تشير بيانات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إلى أن عدد اللاجئين والمهجرين جراء الحروب والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان الذين تعنى بهم بنهاية عام 2020 بلغ 82.4 مليون شخص حول العالم، إلا أن نصيب أوروبا بالكامل من هذا العدد لم يتجاوز 12 مليون شخص. وبنهاية 2021، ارتفع العدد إلى 89.3 مليون شخص، يعيش 83% منهم في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، وساهمت أوروبا بدولتين فقط من بين أكثر 10 دول في العالم استضافةً للاجئين والمهجرين، هما تركيا وألمانيا.

الدول المضيفة لأكبر عدد من اللاجئين بنهاية 2021

المصدر: المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، 2022.

يتضح من توزيع اللاجئين السابق أن الأزمة السورية كانت صاحبة التأثير الأكبر على أوروبا، أو على تركيا وألمانيا على وجه التحديد، حيث ارتفع عدد اللاجئين إلى 3.8 ملايين لاجئ مسجلين في تركيا، في حين وصل العدد في ألمانيا إلى 1.3 مليون لاجئ تقريبًا، كما أثرت تلك الأزمة على لبنان التي استضافت حوالي 850 ألف لاجئ على الرغم من ضعف قدرتها على استيعاب كل هذا العدد إذا ما قورنت بدول أوروبا.

نفس الأمر ينطبق على الأزمة الأفغانية التي خلفت أكثر من 3 ملايين لاجئ في دول الجوار، حيث بلغ عدد اللاجئين في باكستان وحدها 1.5 مليون لاجئ على الرغم من الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعيشها الباكستانيون أنفسهم، كما أضافت أفغانستان حوالي 800 ألف لاجئ إلى اللاجئين المسجلين في إيران، بالإضافة إلى ثلاثة أضعاف هذا العدد غير مسجلين في قواعد بيانات مفوضية شؤون اللاجئين.

أما في إفريقيا، فتستحوذ أوغندا على النصيب الأكبر من اللاجئين بعدد يتجاوز 1.5 مليون لاجئ، كما تستضيف السودان 1.1 مليون لاجئ، ثم إثيوبيا برصيد يتجاوز 800 ألف لاجئ. وترجع زيادة الأعداد في الدول الثلاث إلى عدم استقرار الأوضاع السياسية والصراعات في دول الجوار، حيث تشير أحدث بيانات مفوضية شؤون اللاجئين الصادرة منتصف يونيو 2022 إلى أن عدد اللاجئين وطالبي اللجوء من جنوب السودان وحدها بلغ أكثر من 2.3 مليون شخص.

اللاجئون وطالبو اللجوء حتى منتصف 2022 وفقًا لبيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين

من البيانات السابقة، يتضح أن أوروبا لم ولن تتبع سياسة الباب المفتوح في استقبال اللاجئين القادمين من دول غير مستقرة سياسيًا أو تعاني من العنف والصراع الداخلي، ولكن تتبع سياسة انتقائية قائمة على استقبال أعداد محدودة والإبقاء على معظم اللاجئين أو المهجرين أو النازحين داخل بلدانهم أو دول الجوار مع التعهد بتقديم مساعدات مالية وإنسانية لهم، والعمل على إعادة دمجهم في مجتمعاتهم الأصلية مرة أخرى.

الأزمة الأوكرانية تكشف ازدواجية معايير أوروبا

بالتزامن مع الهجوم الروسي على الأراضي الأوكرانية، ووفقًا  لبيانات مفوضية شؤون اللاجئين، ارتفع عدد اللاجئين وطالبو اللجوء والمهجرين من 89 مليونًا إلى أكثر من 100 مليون شخص حول العالم، وشهدت أوروبا موجة نزوح كبيرة من مناطق الحرب إلى دول جوار أوكرانيا، فاستقبلت بولندا وحدها 1.85 مليون أوكراني بعد أقل من شهر على الحرب، تلتها رومانيا (467 ألف لاجئ)، ثم مولدوفا (344 ألف لاجئ)، ثم المجر (272 ألف لاجئ)، وسلوفاكيا (220 ألف لاجئ)، وبلغ العدد الإجمالي للاجئين الأوكرانيين في كل دول أوروبا بنهاية نوفمبر 2022 أكثر من 7.8 ملايين لاجئ، منهم 2.8 مليون لاجئ في روسيا.

5 مخاطر تهدد أوروبا حال الفشل فى التعامل مع أزمة اللاجئين - جريدة المال

وعلى النقيض تمامًا من موقف قادة أوروبا من استضافة لاجئين جدد، بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، وتحديد العدد المسموح به بحوالي 40 ألف لاجئ فقط، وتأكيدها على ضرورة إبقاء اللاجئين داخل بلدانهم، فقد رحب الاتحاد الأوروبي بتوفير الحماية للاجئين الأوكرانيين الفارين من الحرب والسماح لهم بالبقاء والعمل داخل دول الاتحاد لمدة تصل لثلاث سنوات، لتستقبل بولندا وحدها بنهاية نوفمبر 2022 ما يزيد عن 1.5 مليون لاجئ أوكراني بعد أن كانت رافضةً لدخول 2000 لاجئ فقط من الشرق الأوسط وآسيا أراضيها، وتسببت قواتها الحدودية والشرطية في وفاة عدد منهم قبل أشهر قليلة من الأزمة الروسية الأوكرانية. علاوةً على ذلك، فقد صعدت ألمانيا إلى المركز الثالث في قائمة أكثر الدول استضافةً للاجئين بعد إضافة أكثر من مليون لاجئ أوكراني إلى قائمة اللاجئين المسجلين فيها.

الدول المستضيفة لأكبر عدد من اللاجئين في 2022

الجدير بالذكر أن دول الاتحاد الأوروبي كانت قد وضعت جملة من المعايير لقبول أو رفض طلبات اللجوء؛ ففي دول مثل ألمانيا وفرنسا، يعد رفض طلب اللجوء يعني أن هناك بلدًا آخر مسؤولًا عن تقديم المساعدة لصاحب الطلب، أو ما يسمى بالدولة الثالثة الآمنة التي لا يكون فيها الشخص معرضًا للخطر، وتضع كل دولة من دول الاتحاد الأوروبي قائمة “بالدولة الثالثة الآمنة” الخاصة بها، والتي يحق لها ترحيل اللاجئين إليها. ويعد أبرز مثالًا على ذلك ما حدث في اليونان في 2021، حيث تم رفض معظم طلبات اللجوء لمواطني سوريا وأفغانستان وباكستان وبنجلاديش والصومال، واعتبرت أن تركيا هي الوجهة الأنسب لمواطني تلك الدول استنادًا لمبدأ “الدولة الثالثة الآمنة”.

خطة جديدة للمفوضية الأوروبية استجابةً لتشدد اليمينيين

من أين تأتي قوارب اللاجئين ومن يشتريها وكيف؟ - Daily Sabah Arabic

على الرغم من إصدار المفوضية الأوروبية خطة عمل للتكامل بين دول الاتحاد الأوروبي والعمل من أجل دمج اللاجئين في نوفمبر 2020 استكمالًا لما حققته خطة العمل الصادرة في 2016، إلا أن هذه الخطة لم تؤتِ ثمارها المرجوة بعد حوالي عامين من إقرارها، فلم تنفذ بعض دول الاتحاد التزاماتها بدمج 8 آلاف لاجئ ضمن مجتمعاتها المحلية؛ ولعل فشل المفوضية في إلزام الدول بالوفاء بالتزاماتها في هذا الشأن هو ما دفعها لإصدار خطة عمل جديدة في نوفمبر 2022 تقوم على ثلاث ركائز أساسية، هي:

  • الاتفاق مع المنظمة البحرية الدولية لوضع إطار قانوني واضح لتنظيم عمل سفن الإغاثة التي تعمل في البحر المتوسط لإنقاذ اللاجئين أو المهاجرين غير الشرعيين من سواحل شمال إفريقيا إلى أوروبا.
  • تعزيز الآلية الطوعية للتكامل والتضامن التي وافقت عليها 21 دولة من دول الاتحاد لتوزيع طالبي اللجوء عليها وتحمل الأعباء المالية الناجمة عن تلك الخطوة دون إلقاء العبء على دول بعينها.
  • الحد من مغادرة المهاجرين غير المستوفيين لشروط اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي بلدانهم أو البلدان التي تبحر منها مراكب الهجرة غير الشرعية، خاصةً ليبيا وتونس.

ويعد السبب الرئيس وراء تبني هذه الخطة هو صعود اليمين المتطرف إلى سُدة الحكم في بعض دول أوروبا، وتعهد قيادات تلك الدول بالتشدد فيما يتعلق بسياسة قبول المهاجرين، وقد أعلنت الحكومة السويدية ذلك صراحةً، فيما اتخذت الحكومة الإيطالية بقيادة جورجيا ميلوني خطوات فعلية تظهر مدى التشدد الذي تنوي إيطاليا الالتزام به تجاه المهاجرين، حيث منعت السلطات الإيطالية أربع سفن تقل مهاجرين من الرسو في موانئها، وقامت بتوجيهها للسواحل الفرنسية، الأمر الذي أدى إلى تزايد حالة الاحتقان بين حكومات البلدين بعد  اعتراض اليمين المتطرف في فرنسا على مثل هذه الإجراءات واعتبارها رضوخًا  للرغبات الإيطالية.

من خلال ما سبق، يتضح أننا أمام موقف أوروبي جديد تمامًا  فيما يتعلق بالمهاجرين واللاجئين بسبب الأزمة الحالية التي خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية وصعود اليمين المتطرف الذي ينوي قادته غلق جميع الأبواب في وجه المهاجرين واللاجئين، ولم يعد الأمر يتوقف عند اتباع سياسة انتقائية لاختيار أفضل المتقدمين بطلبات اللجوء وفق خطة مسبقة تحدد الأعداد التي يمكن قبولها سنويًا ، وإنما تحول الموقف إلى البحث عن إطار قانوني ملزم يمنع السفن من إنقاذ المهاجرين عبر البحر المتوسط، والعمل مع دول شمال إفريقيا لمنع خروج المهاجرين من شواطئهم إلى أوروبا من خلال بناء قدرات السلطات في دول مثل ليبيا وتونس للوصول بالمهاجرين غير الشرعيين عبر المتوسط إلى مستويات صفرية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/74269/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M