استبعد مشروع دعم إصلاح التعليم قبل الجامعي الأكاديمية المهنية للمعلمين من الترتيبات المؤسسية للتنفيذ، حيث تضمن ملحق ترتيبات التنفيذ بوثيقة البنك الدولي إنشاء وحدة مركزية للتطوير المهني المستمر بديوان وزارة التربية والتعليم بهدف إضفاء الطابع المؤسسي على تدخلات التطوير المهني المستمر المختلفة، لتصبح هذه الوحدة مسئولة عن تنفيذ مكون المعلمين الفاعلين وقادة التعليم، أحد مكونات مشروع الإصلاح الأربعة. وبغض النظر عن مدى فاعلية الترتيبات المقترحة للتطوير المهني للمعلمين، فإن تجاهل مشروع الإصلاح للأكاديمية المهنية للمعلمين ينم عن تقييم سلبي لأدائها. فما هي المشكلات التي تواجهها الأكاديمية وما التحديات التي كانت سببًا في استبعادها من مشروع إصلاح التعليم؟
نشأة الأكاديمية وأدوارها
تم إنشاء الأكاديمية المهنية للمعلمين بصدور القانون رقم (155) لعام 2007، كهيئة تتمتع بالشخصية الاعتبارية العامة، وتتبع وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، ولها فروع في مختلف أنحاء الجمهورية. ويتلخص دورها الرئيسي في كونها الكيان المسئول عن تصميم وتخطيط أنشطة التنمية المهنية للمعلمين والقيادات التربوية، وتنفيذها بما يضمن تطبيق “كادر المعلمين” كنظام مختص لمنح تراخيص أو شهادات صلاحية مزاولة المهنة، واعتماد معايير الترقي من مستوى لآخر، وقد حدد القرار الرئاسي (129) لعام 2008، اختصاصات الأكاديمية على النحو الآتي:
- تهدف الأكاديمية إلى التنمية المهنية لأعضاء هيئة التعليم، والارتقاء بقدراتهم ومهاراتهم بصورة مستمرة بما يؤدي إلى رفع مستوى العملية التعليمية.
- وضع الخطط والسياسات ومعايير الجودة لإعداد البرامج التدريبية اللازمة لتحقيق التنمية المهنية لأعضاء هيئة التعليم.
- اقتراح سياسات ونظم تقويم الأداء المهني وتطويرها، والمشاركة في وضع معايير جودة أداء أعضاء هيئة التعليم.
- دعم البحوث والدراسات في المجالات التربوية والتعليمية، ومتابعة التقدم العلمي والمهني والتربوي على المستوى الدولي.
- توفير الاستشارات المهنية للوزارة والمديريات والإدارات التابعة لها، ودعم وحدات التدريب والتقويم في المدارس والمعاهد الأزهرية.
- التعاون والشراكة الفاعلة مع كليات التربية، والمراكز البحثية والتدريبية وهيئات التنمية المهنية لإدارة البرامج التدريبية المتقدمة.
- منح شهادة الصلاحية المنصوص عليها في قانون التعليم، واعتماد مقدمي برامج التنمية المهنية، وإجراء الاختبارات اللازمة في هذا الشأن.
- توفير نظم وقواعد معلومات شاملة عن أعضاء هيئة التعليم، وإبداء الرأي بشأن إعداد بطاقات الوصف الوظيفي، واقتراح اشتراطات التأهيل التربوي، والاختبارات اللازمة لكل وظيفة على حدة.
- تحديد أنواع التدريب اللازم لأعضاء هيئة التعليم الذين نالوا تقارير أداء ضعيفة أو دون المتوسطة.
- تقديم الدعم الفني والاستشارات والدراسات الفنية للهيئات والمؤسسات والشركات والجمعيات المحلية والعربية والأجنبية وفقًا للمقابل الذي يحدده مجلس إدارة الأكاديمية.
وبالتمعن في هذه الاختصاصات يتضح أنها تفتقر لمواكبة الطفرة التكنولوجية التي شهدها التدريب في العالم أجمع، فعلى مدار الأعوام القليلة الماضية شهد مجال التنمية المهنية للمعلمين بزوغ اتجاهات حديثة في التدريب، منها على سبيل المثال لا الحصر:
- التنمية المهنية المخططة والمبرمجة مستقبلًا.
- تطبيق نظم التدريب من بعد والتدريب الإلكتروني.
- الاعتماد الأكاديمي الدولي لبعض برامج التنمية المهنية للمعلم وخاصة التي تتعلق بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM).
- التدريب على الأدوار الجديدة والمتغيرة للمعلم في ظل التعليم عن بعد والتعلم الإلكتروني.
- توظيف البحوث الإجرائية والميدانية كمُدخل للتنمية المهنية للمعلم.
السياسات التدريبية للمعلمين
ما زالت الأكاديمية المهنية للمعلمين حتى اليوم تنتهج أساليب وآليات تقليدية إزاء تدريب المعلمين تعتمد فيها على تطبيق حقائب تدريبية خاصة كلما دعت الحاجة لذلك، ويكون ذلك بشكل مركزي في العاصمة في أغلب الأحيان، الأمر الذي يعوق تحقيق تنمية مهنية حقيقية وفعالة، فقد كانت البرامج التدريبية حلًا بديلًا بعد إخفاق اختبارات كادر المعلمين في تنمية حقيقية للمهارات المهنية للمعلمين.
انقسمت البرامج التدريبية بحسب التخصص وبحسب المرحلة الدراسية وبحسب مكان تنفيذها إما مركزيًا في المقر الرئيسي للأكاديمية بالقاهرة الكبرى أو إقليميًا بالمقرات الفرعية بالمحافظات، وتصنف البرامج التدريبية إلى:
- برامج التأهيل التربوي لغير المؤهلين تربويًا وتتضمن دورات تدريبية في علم النفس التربوي وطرائق التدريس.
- البرامج التجديدية: وتضم ما يستجد من أساليب تدريسية في المناهج الدراسية العلمية والأدبية.
- برامج للتربويين حديثي التخرج: وتستهدف المعلمين المعينين حديثًا.
- برامج التوجيه الفني: وتستهدف المعلمين الحاصلين على ترقية إدارية كموجهين أو رؤساء أقسام أو مديرين، وتتضمن برامج تأهيل إداري بحسب نوع الوظيفة الإدارية.
- برامج إعداد القادة التربويين: تتضمن دورات عن القيادة والتخطيط وبناء الأهداف والخطط الاستراتيجية.
- برامج البعثات والمنح الداخلية: وعادة ما تتشابه في محتواها مع برامج التوجيه الفني.
- برامج البعثات والمنح الخارجية: وتضم كثيرًا من محتوى برامج إعداد القادة التربويين.
- برامج التدريب عن بعد: وتعتمد على شبكة “الفيديو كونفرانس”.
- منصة التدريب الإلكتروني: وقد تم تفعيلها أثناء جائحة كورونا، وبذات المحتوى التدريبي لكل برنامج من خلال منصة إلكترونية غير تفاعلية.
تختلف معايير اختيار المتدربين باختلاف البرامج التدريبية، لكن معظم البرامج التدريبية تكون شرطًا للحصول على الترقيات المالية وترتبط باشتراطات مرور فترة زمنية محددة على درجة وظيفية معينة، ويتم اختيار المتدربين لبرامج المنح والبعثات الداخلية أو الخارجية عن طريق الترشيح من المدير المباشر الأعلى دون إعلان أي معايير مسبقة للاختيار.
لا يوجد وثائق رسمية حديثة منشورة بإحصاء عدد البرامج التدريبية، فالخطة الاستراتيجية للوزارة والخطط التنفيذية وتقارير الإنجاز المعلنة تكتفي بحصر أعداد المتدربين من المعلمين والإداريين، دون تقييم لمحتوى التدريبات، وجدية تنفيذها، وآثارها على زيادة جودة وكفاءة العملية التعليمية عبر زيادة كفاءة المدرسين والإداريين، بما سمح بشيوع انطباع بالطبيعة الشكلية لخطط التدريب، واقتصار فائدتها على استيفاء متطلبات الترقي للمدرسين والإداريين.
نحو أدوار أكثر فاعلية
تقتصر أدوار الأكاديمية المهنية للمعلمين على ترقب وتتبع التطور المهني للمعلمين، وتعتمد في ذلك على تحقيق أهداف برامج الترقي الوظيفي دون النظر إلى الأهداف المتعلقة بوضع معايير جودة الأداء المهني، وسياسات ونظم تقويمه، وترجمتها إلى خطط يمكن تطبيقها بشكل غير مركزي خاصة أن الأكاديمية تمتلك فروعًا لها في معظم المحافظات.
تفرض التطورات الراهنة، والتي فرضتها جائحة كورونا إعادة تشكيل التعليم والتدريب، وتقتضي أدوارًا جديدة نحو تدريب مهني مستمر للمعلمين منها:
- ضرورة تحديد الاحتياجات التدريبية للمعلمين وفق المتغيرات المتعلقة بالتوزيع الجغرافي والخصائص السكانية لكل منطقة ومحافظة وما يترتب عليها من خصائص اجتماعية واقتصادية، وكذلك مراعاة نوع المدرسة، ومؤهلات المعلمين، والتخصص العام والدقيق بحيث يتم إعداد البرامج التدريبية لتلبي تلك الاحتياجات.
- مراعاة الاحتياجات التدريبية وتصنيفها يستدعي وجود قاعدة بيانات محدثة تخدم هذا الغرض ولا تقتصر على المعلومات الواردة ببيان الحالة الوظيفية للمعلم، وعليه يجب تفعيل شبكة تفاعل إلكتروني عن بعد فيما بين المعلمين وبعضهم بعضًا، سواء في ذات التخصص العلمي أو بحسب الدرجة الوظيفية، وهنا يمكن تحديث منصة المعلم الإلكتروني لتصبح منتدى لتبادل الخبرات ولا تقتصر على التواصل الفردي فيما بين المعلم والوزارة.
- وضع خطة استراتيجية (سنوية أو دورية) لنماذج البرامج التدريبية المقترحة ضمن الإطار العام للتنمية المهنية المستمرة للمعلمين، على أن تتمتع بالمرونة الكافية لتعديلها إذا ما اقتضت الحاجة لذلك بما يحقق تلبية الاحتياجات التدريبية الحقيقية لدى المعلمين والقيادات التربوية على حد سواء.
- مراجعة الخطط والبرامج التدريبية وفق أساليب تعكس مدى صدق النتائج باستخدام الاستبيانات والمقابلات ومجموعات وورش العمل، مع طرح خطط بديلة تصحيحية أو علاجية بحسب نتائج تقويم ومراجعة الخطط الأساسية.
- ضرورة نمذجة التخطيط وتجريب الخطط التنفيذية في بعض المحافظات وفق معايير محددة قبل تعميمها على كافة فروع الأكاديمية المهنية بالجمهورية، وذلك بهدف التوصل إلى أدلة سياسات وممارسات تدريبية يمكن تنفيذها على أرض الواقع وليست مجرد رؤى طموحة صعبة المنال.
- تخصيص برامج تدريبية لأغراض أنشطة البحث التربوي وخاصة فيما يتعلق بطرائق التدريس المستحدثة كتلك التي أعلن عنها وزير التربية والتعليم قبيل جائحة كورونا ومنها (الفصل المقلوب)، فنتائج الأبحاث التربوية التجريبية (ذات التطبيق الميداني) ستثبت فرضية تفضيل طرق تدريس محددة عن نظائرها بما يسهم في تطوير العملية التعليمية.
مجمل القول، إن التدريب المهني للمعلمين يعتمد على توفير برامج تدريبية يتم تصميمها بشكل جيد، ويراعي في المقام الأول تلبية الاحتياجات التدريبية للفئات المستهدفة من المعلمين، ويتضح من العرض السابق أن الأكاديمية المهنية للمعلمين تواجه تحديات حالت دون تفعيل دورها، فهي تتطور بشكل بطيء جدًا لا يتناسب وسرعة التطور العلمي وإصلاحات نظام التعليم، بما يجعلها تمثل طاقة مهدرة بالكاد تحقق أهدافًا محدودة تكاد تقتصر على استيفاء متطلبات ترقيات المعلمين.
.
رابط المصدر: