أسماء رفعت
التطورات العالمية خلال عام 2021
شهد عام 2021 تتابع عدد من الأحداث والتطورات المتباينة، التي كان لها تأثيرات مختلفة على الأوضاع الاقتصادية العالمية والمحلية؛ فقد شهدت بدايات العام استمرار تراجع النشاط الاقتصادي العالمي نتيجة استمرار تداعيات أزمة جائحة كورونا وتطوراتها، وتطبيق الإجراءات الاحترازية المصاحبة لها، الأمر الذي انعكس على عدد كبير من القطاعات الاقتصادية، فتراجعت معدلات الإنتاج بكافة القطاعات وخلق ذلك موجه تضخمية عالية. ومع توافر اللقاحات الخاصة بفيروس كورونا وبدء توزيعها على المواطنين بكافة دول العالم، بدأ الاقتصاد العالمي مرحلة التعافي وسادت نظرة إيجابية بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي، وتراجعت حالة عدم اليقين التي كانت سائدة من قبل. وقد أدت تلك النظرة التفاؤلية إلى ارتفاع معدلات الطلب بصورة كبيرة مما أدى إلى الضغط على المخزون السلعي، ومع اضطراب الظروف الجوية تراجعت إنتاجية القطاع الزراعي العالمي، وتزامن ذلك مع حذر منتجي الطاقة فاستمر إنتاج الطاقة منخفضًا مقارنة بمعدلات الطلب، وقد ساعدت كافة تلك العوامل على تراجع معدلات العرض، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار العالمية، وانعكس ذلك على الاقتصادات المحلية. وفي أثناء محاولة إعادة ضبط الاقتصاد العالمي واحتواء صدمتي العرض والطلب لتحقيق استقرار معدلات التضخم العالمي، ظهرت سلالة جديدة من فيروس كورونا المعروفة باسم متحور “أوميكرون” في أواخر عام 2021 أدت إلى إعادة فرض حالة عدم اليقين بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي.
إدارة السياسة النقدية في مصر خلال عام 2021
يستهدف البنك المركزي بشكل أساسي تحقيق استقرار المستوى العام للأسعار، ودعم تعافي النشاط الاقتصادي بشرط احتواء الضغوط التضخمية؛ ويبلغ معدل التضخم المستهدف 7% (+/- 2%) في المتوسط، ولتحقيق ذلك تنعقد لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي لتحديد معدلات الفائدة التي من شأنها تحقيق الأهداف النقدية. وقد شهد عام 2021 انعقاد ثمانية اجتماعات للجنة السياسة النقدية أقرت جميعها بالإبقاء على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند مستوى 8.25%، و9.25%، و8.75% على الترتيب، وكذلك الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند مستوى 8.75%. وباستعراض معدلات التضخم الفعلية خلال العام، يتبين أنها لم تتجاوز المعدل المستهدف والمعلن من البنك المركزي.
معدل التضخم العام في الحضر
ويتبين من الشكل السابق اتجاه معدلات التضخم للانخفاض منذ أواخر عام 2020 وحتى أبريل 2021؛ ويمكن إرجاع ذلك إلى بدء حالة التعافي الاقتصادي وعودة الحياة الاقتصادية لمسارها الطبيعي تدريجيًا، ودفع معدلات الناتج الاقتصادي في عدد من القطاعات، بالإضافة إلى اتخاذ الدولة عددًا من الإجراءات لتجنب نقص السلع الأساسية في الأسواق. وبدءًا من مايو 2021 اتخذ معدل التضخم اتجاهًا تصاعديًا على إثر تعافي الاقتصاد العالمي وارتفاع معدلات الطلب العالمي، فاتجهت معدلات العرض للارتفاع وزاد الطلب على مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية. وقد أدى ضغط كل من معدلات العرض من جهة، ومعدلات الطلب من جهة أخرى، إلى اضطرابات سلاسل الإمداد والتوريد العالمية، فارتفعت الأسعار العالمية للنفط والمواد الغذائية وعدد من السلع الأولية. وانعكست تلك التطورات على الأسعار المحلية في مصر، فارتفعت أسعار السلع الغذائية، إلا أن تراجع معدل التضخم للسلع غير الغذائية حد من ارتفاع معدل التضخم جزئيًا.
معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي
وفي ظل دور السياسة النقدية في دعم تعافي النشاط الاقتصادي، يلاحظ من الشكل السابق التأثير الإيجابي لقرارات البنك المركزي على معدلات النمو الاقتصادي في مصر؛ إذ شهد عام 2021 ارتفاعًا ملحوظًا لمعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، فبعد أن سجل 2% خلال الربع الأخير من عام 2020، ارتفع حتى 9.8% خلال الربع الثالث من عام 2021. وقد ساهم الاستهلاك المحلي بالدور الأكبر في دفع معدلات النمو الاقتصادي، مقابل مساهمة سالبة لمعدلات الاستثمار المحلي وصافي الصادرات. وقد جاء في مقدمة القطاعات الاقتصادية التي قادت عملية النمو الاقتصادي قطاعات التجارة، والتشييد والبناء والاتصالات وقطاع استخراجات الغاز الطبيعي، في مقابل تراجع معدل نمو قطاعات السياحة والصناعات التحويلية غير البترولية حتى منتصف عام 2021 ثم اتجاهها للارتفاع فيما بعد. وقد حفزت الأسعار العالمية المرتفعة دفع عمليات الإنتاج المحلية، وانعكست معدلات الناتج على استقرار معدلات البطالة التي بلغت 7.3% في المتوسط.
معدل البطالة
وبشكل عام، لم يتوقف دور البنك المركزي على تحديد أسعار الفائدة، بل اتخذ عددًا من السياسات التي من شأنها الحدّ من التداعيات السلبية لفيروس كورونا على الاقتصاد المحلي؛ جاء من أبرزها تأجيل كافة الاستحقاقات الائتمانية للعملاء من المؤسسات والشركات الصغيرة والمتوسطة والأفراد لتوفير السيولة ودعم الاستهلاك. كما تم تفعيل العديد من الإجراءات للحد من التعاملات النقدية وتيسير استخدام وسائل وأدوات الدفع الإلكتروني، وتم إطلاق مبادرة السداد الإلكتروني، ونشر 6500 ماكينة صرف آلي، كما تم العمل على إتاحة التمويل اللازم لاستيراد السلع الاستراتيجية. وقام البنك المركزي بإطلاق العديد من المبادرات لدعم القطاعات الأكثر تأثرًا بالأزمة، من بينها مبادرات دعم القطاع السياحي، ومبادرة دعم القطاع الخاص الصناعي والزراعي وقطاع المقاولات، ومبادرة التمويل العقاري. وتم تعديل سعر العائد على تلك المبادرات، إذ انخفض من 10% إلى 8%. بالإضافة إلى تبني مبادرة العملاء غير المنتظمين من الأشخاص الطبيعية (الأفراد) والاعتبارية (الشركات) لجميع القطاعات. كما تم السماح بالمشاركة في اجتماعات مجلس إدارات البنوك عبر الفيديو أو الهاتف حتى نهاية عام 2021، وتم إصدار تعليمات بشأن تعديل بعض القواعد المنظمة لنظام تسجيل الائتمان بالبنك المركزي. وتم مد فترة إعفاء البنوك من احتساب متطلب زيادة في رأس المال الرقابي لمقابلة مخاطر التركيز الائتماني لأكبر 50 عميلًا حتى نهاية ديسمبر 2021. وتم تطبيق المعيار الدولي للتقارير المالية (IFRS9). فضلًا عن تفعيل دور شركة ضمان مخاطر الائتمان في مبادرات دعم قطاعات السياحة والصناعة والزراعة والمقاولات، وأخيرًا تعديل بعض القواعد المنظمة الخاصة بالشمول المالي.
الاتجاهات المستقبلية المتوقعة للمؤشرات الاقتصادية الكلية خلال 2022
يُتوقع استمرار احتواء البنك المركزي لمعدلات التضخم المستقبلية في مصر خلال عام 2022، وإن كان من المتوقع ارتفاعها نتيجة التأثر بأزمة سلاسل الإمداد العالمية، والارتفاع المتوقع في الأسعار العالمية، وتزايد حالات الإصابة بمتحور أوميكرون، إلا أنها تظل في نطاق المعدل المستهدف البالغ 7% (+/- 2%) في المتوسط. وتستهدف الحكومة المصرية استقرار معدلات التضخم عند 6%، والحفاظ على معدل البطالة عند 7.3% حتى نهاية العام المالي 2021/2022. أما عن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي فمن المتوقع أن يسجل 5.6% خلال عام 2021/2022، وفقًا لتوقعات صندوق النقد الدولي الصادرة في يناير 2022.
وختامًا، يُلاحَظ أنه كان لمجمل سياسات البنك المركزي تأثير كبير على تحقيق الأهداف الاقتصادية المحلية من احتواء الضغوط التضخمية، واستقرار معدلات البطالة، ورفع معدلات الناتج المحلي الإجمالي. ومن جهة أخرى، فقد انعكس استقرار أسعار الفائدة مع احتواء الضغوط التضخمية على الحفاظ على القيمة الحقيقية للمدخرات بالعملة المحلية، الأمر الذي ساهم في استقرار الأوضاع الاقتصادية بشكل عام في ظل صدمات العرض والطلب التي واجهت الاقتصاد العالمي.
.
رابط المصدر: