شراكةٌ مُثقَلةٌ بالتحديات: آفاق العلاقات الإيطالية-الليبية في ظل الديناميات الراهنة

شهدت العاصمة الليبية في يناير 2023 زيارة وفد إيطالي رفيع ضم رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، ووزير الخارجية أنتوني تاجاني، ووزير الداخلية ماتيو بيانتيدوسي، ورئيس مجلس إدارة شركة “إيني” للطاقة كلوديو ديسكالزي. والتقى الوفد الإيطالي خلال زيارته هذه رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة، ورئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة. وجاءت الزيارة بهدف التوقيع على اتفاق بقيمة 8 مليار دولار لتطوير حقلين بحريين للغاز يقعان على بعد 140 كيلومتر شمال غرب طرابلس. ويهدف هذا المشروع إلى زيادة إنتاج ليبيا من الغاز الطبيعي لتزويد السوقين الليبية والأوروبية.

 

تُحلِّل هذه الورقة سياسة إيطاليا تجاه ليبيا، مع التركيز على قضايا العلاقات الاقتصادية والهجرة والتنافس الجيوسياسي في ليبيا. كما تقدم الورقة بعض السيناريوهات المحتملة والخلاصات.

 

إيطاليا والأزمة الليبية

هناك ثلاثة أسباب رئيسة لعودة اهتمام إيطاليا في ليبيا:

 

أولاً، تُعَدُّ إيطاليا الشريك الاستراتيجي والاقتصادي الرئيس لليبيا، ما يعني أن إطالة أمد الحرب الأهلية في ليبيا، والنتائج غير المتوقعة لهذه الحرب قد تؤدي إلى زعزعة استقرار هذه العلاقة التاريخية. كما أن إطالة أمد هذا النزاع الذي اندلع قبل اثنتي عشرة سنة يؤدي إلى زيادة حدة التوترات العالمية، وقد ينطوي على عواقب على مصالح إيطاليا واستقرارها الداخلي.

 

ثانياً، تعيَّن على إيطاليا في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022 تنويع مصادر الطاقة. ونظراً للقُرب الجغرافي، وحقيقة أن ليبيا تُعَدُّ رابع أكبر منتج للنفط في أفريقيا، بدأت شركة “إيني” الإيطالية للطاقة بزيادة استثماراتها في قطاع النفط والغاز الليبي. وتسعى إيطاليا إلى زيادة قوتها الناعمة لدى دول شمال أفريقيا مثل الجزائر ومصر وتونس وليبيا من خلال اتفاقيات الطاقة. لهذا فإن انعدام الاستقرار السياسي والأمني في ليبيا يهدد إيطاليا ومصالحها في البحر الأبيض المتوسط.

 

ثالثاً، تُشَكِّلَ ليبيا نقطة عبور للمهاجرين غير الشرعيين من أفريقيا إلى أوروبا. وأصبحت قضية الهجرة تُشَكِّلَ أولوية قصوى في النقاش داخل إيطاليا والبرنامج السياسي وخطاب التحالف اليميني الذي تشكلت منه حكومة ميلوني، ووعد بالتعامل مع قضية الهجرة غير الشرعية والحد منها.

 

العلاقات الاقتصادية الليبية-الإيطالية

شَكَّلَت إيطاليا عام 2022 الشريك التجاري الأول لليبيا بنسبة 23.19% من حصة السوق الليبية، ما جعل إيطاليا في مراكز متقدمة على دول مثل الصين واليونان وإسبانيا وألمانيا وتركيا وهولندا من جهة حجم التجارة مع ليبيا. ووصل حجم التجارة هذا إلى 11 مليار يورو مؤخراً؛ أي أكثر من ضعف حجم التجارة خلال عام 2021.

 

ويأتي النفط الخام في مُقَدِّمَة المواد التي تصدرها ليبيا إلى إيطاليا والتي تقوم بتكريره وإعادة نصفه إلى ليبيا على شكل مشتقات نفطية. وتستورد ليبيا من إيطاليا الآلات والأجهزة المنزلية والمنتجات الغذائية. وارتفعت الصادرات الإيطالية إلى ليبيا خلال عامي 2021 و2022 بنسبة تزيد عن 73%. ويشَكَّلُ النفط نسبة 90% من عوائد الدولة الليبية، حيث تُعَدُّ شركة “إيني” الإيطالية أول شركة نفط تعمل في البلاد. كما أن ليبيا تُعَدُّ ثاني مُصَدِّرٍ للنفط إلى إيطاليا (19%)، حيث تأتي أذربيجان في المرتبة الأولى (23%)، في حين يأتي العراق في المرتبة الثالثة (14%). كما تُعَدُّ إيطاليا الوجهة الأولى للصادرات الليبية التي ارتفعت عام 2022 بنسبة 66% مقارنة مع عام 2021.

 

وتجعل هذه الحقائق ليبيا شريكاً استراتيجياً لإيطاليا، خاصة مع استمرار معاناة الاقتصاد الإيطالي من الركود المزمن وضعف القدرة على التكيف مع البيئة العالمية التي تزداد تنافساً، وصعود الصين وتركيا بوصفهما دولتين رئيستين في مجال تصدير السلع إلى المنطقة. لذلك تُعَدُّ مهمة الحفاظ على السوق الليبية وتوسيعها في الوقت الذي تسعى فيه إيطاليا لاستدامة ميزة وصولها إلى النفط والغاز الليبي المحرك الرئيس لسياسة إيطاليا في ليبيا.

 

النزاع الليبي والتنافس الجيوسياسي في البحر المتوسط

تدعم إيطاليا حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس بقيادة رئيس الوزراء المعترف به من الأمم المتحدة عبدالحميد الدبيبة، والذي يحظى أيضاً بدعم كل من تركيا وقطر وألمانيا وبريطانيا. وعلى الجانب الآخر تحظى حكومة الاستقرار الوطني في سرت بقيادة رئيس الوزراء فتحي باشآغا بدعم كل من فرنسا وروسيا والسعودية ومصر.

 

وأدى غياب الولايات المتحدة عن أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتوترات بين واشنطن من جهة وكل من تركيا وروسيا والصين من جهة أخرى إلى تشكيل دينامية جيوسياسية جديدة غير متوقعة تتسم بالسيولة في البحر المتوسط. وحمل غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022 أثراً قوياً في ليبيا، من حيث:

 

أولاً، تكثيف تدويل النزاع في ليبيا، عبر تعددية رسمية وغير رسمية للمساعدات العسكرية الخارجية لطرفي النزاع في البلاد.

ثانياً، تضمنت المجموعات الخارجية المنتشرة في ليبيا مرتزقة من سوريا والسودان وروسيا وغيرها.

وأخيراً، أدى مثل هذا المشهد المعقد إلى تراجع احتمالات نجاح عملية الوساطة الأممية في ليبيا.

 

وفي الوقت الذي تستند فيه استراتيجية الصين في أفريقيا على تطوير البُنْيَة التحتية، غير أن صعود روسيا وتركيا فاعلين إقليميين مهمين يرتبط بإمكاناتهما العسكرية البحرية ونطاقهما الجغرافي المتزايدين، واستخدامهما للقوة الصلبة للدفاع عن مصالحهما. لكنَّ اللافت أنه في حين أن روسيا وتركيا تدعمان طرفين متعارضين غير أن موسكو وأنقرة تتعاونان لتوسيع مجالي نفوذهما في سوريا وليبيا، وتجنُّب المواجهة المباشرة، والعمل بشكل ثنائي على تشكيل الأنظمة الإقليمية بغض النظر عن المفاوضات الرسمية المتعددة الأطراف.

 

وضمن هذا السياق تركز السياسة الخارجية الإيطالية في البحر المتوسط وليبيا على الدبلوماسية والتجارة، غير أن هذه السياسة مثقلة بأربعة عناصر:

 

أولاً، النفوذ الروسي المتزايد في “الجنوب” التقليدي لـ “حلف شمال الأطلسي” (الناتو). وتعمل موسكو في الحقيقة من خلال تعاونها العسكري مع الجنرال خليفة حفتر على توسيع نفوذها الاستراتيجي على مينائي بنغازي وطبرق، الأمر الذي – بحسب بعض المحللين – قد يُهدد الأمن الأوروبي-الأطلسي على جبهة ثانية بعد أوكرانيا. لذلك فإن قرار الولايات المتحدة لدعم حكومة الدبيبة يمكن تفسيره بشكل رئيس باعتباره موقفاً مُناهضاً لروسيا.

 

ثانياً، تدعم إيطاليا “بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا” بالرغم من القدرات المحدودة لهذه البعثة في التأثير على الديناميات الميدانية، خاصة فرض حظر الأمم المتحدة على الأسلحة. ويعود هذا إلى حقيقة سهولة اختراق الحدود الليبية-المصرية وحدود ليبيا مع كل من تشاد والنيجر لتهريب البضائع والأسلحة والبشر. كما يصعب على بعثة الأمم المتحدة تنظيم الانتخابات وتطبيق الدستور أو إصلاح قطاع الأمن ونزع السلاح وتسريح المسلحين وإعادة دمجهم وانسحاب القوات الأجنبية (مثل القوات التركية) والمرتزقة الأجانب في غياب الاتفاق بين الزعماء السياسيين الليبيين والفاعلين الدوليين المنخرطين في الأزمة الليبية.

 

ثالثاً، مقارنة للكثير من القوى الأخرى اتسمت إيطاليا بالبطء النسبي في وضع استراتيجية لإقامة منطقتها الاقتصادية الخالصة في البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي تقويض نفوذها الجيوسياسي. كما تعاني إيطاليا بسبب الافتقار إلى سياسة متناغمة مع الحلفاء، خاصة فرنسا وتركيا: فمن جهة اختلفت سياسات إيطاليا وفرنسا منذ عهد القذافي. وتدهورت العلاقات بين ليبيا وفرنسا منذ النزاع بين تشاد وليبيا (1978-1987) والذي دعمت خلاله فرنسا والولايات المتحدة ودول أخرى فصائل تعارض القذافي والاتحاد السوفيتي السابق وألمانيا الشرقية سابقاً. وتعزز هذا الخلاف سنة 1989 في أعقاب الهجوم الإرهابي ضد الرحلة رقم 772 التابعة لشركة “يو تي أيه”. وتعاملت إيطاليا على مدى 4 عقود مع القذافي بشكل براغماتي، غير أن فرنسا دعمت تغيير النظام خلال انتفاضة 2011 ضد حكم القذافي. وتتبنى إيطاليا وفرنسا حالياً سياسات متباعدة في ليبيا مدفوعة بالتنافس على النفوذ الاقتصادي والسياسي، ودعم كل من روما وباريس لفصائل متعارضة. وفي الوقت الذي يدعم فيه الاتحاد الأوروبي رسمياً، بما في ذلك إيطاليا، حكومة طرابلس، غير أن فرنسا تدعم بشكل غير رسمي قوات غرب ليبيا بقيادة الجنرال حفتر بسبب العمليات التي ينفذها حفتر في مجال مكافحة الإرهاب. وتجد فرنسا وإيطاليا لغاية الآن صعوبة في التفاوض بشكل مباشر حول ملفي أوكرانيا وليبيا مقارنة مع عهد رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي.

 

وعلى الجانب الآخر وفي حين أن إيطاليا وتركيا حليفتان للدبيبة، غير أن طموحات أنقرة في ليبيا قد تُمَثِّلُ تهديداً لمصالح إيطاليا الاقتصادية. وشَكَّلَ تدخل تركيا العسكري للدفاع عن حكومة الوفاق الوطني بداية نفوذ أنقرة القوي في ليبيا عندما تعرضت قوات هذه الحكومة بزعامة فايز السراج سنة 2019 للتهديد من جانب قوات شرق ليبيا بقيادة الجنرال حفتر. وتعارض تركيا انسحاب قواتها من ليبيا إلّا بطلب من حكومة الوفاق الوطني. وقد تؤدي الاتفاقيات الاقتصادية بين أنقرة وطرابلس إلى زيادة التوترات الجيوسياسية في البحر المتوسط. على سبيل المثال رفض الاتحاد الأوروبي اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التركية-الليبية لإقامة الممر التركي-الليبي والذي يستبعد اليونان وقبرص ومصر وإسرائيل. كما اشتملت اتفاقية الطاقة التي وقعتها تركيا وليبيا في أكتوبر 2022 على عمليات استكشاف للنفط والغاز في المياه التي تطالب بها اليونان ومصر.

 

وفي الوقت نفسه يخطط رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة لتنفيذ مشروع خط أنابيب للغاز يربط مع مصر واليونان، الأمر الذي قد يعمل على تهميش تركيا.

 

قضية الهجرة من ليبيا إلى إيطاليا

تسبب عدم الاستقرار، وغياب حكومة مركزية قوية في ليبيا بزيادة كبيرة في أعداد المهاجرين غير الشرعيين إلى إيطاليا. وأصبحت هذه القضية مسألة مركزية في النقاش السياسي داخل إيطاليا، حيث تدعم ميلوني وتحالفها اليميني مقاربة صارمة تحد من هذه الهجرة بشكل كبير. كما ازدادت عمليات تهريب البشر لعوامل كثيرة من بينها فقدان الدولة الليبية السيطرة على مساحات شاسعة من أراضيها منذ عام 2011، وزيادة حدة الصراعات المسلحة والأزمات الاجتماعية-البيئية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأوسع مثل سوريا واليمن والقرن الأفريقي.

 

وهناك ثلاثة ممرات رئيسة للهجرة تلتقي في ليبيا وتتجه نحو سواحل إيطاليا الجنوبية:

  • الممر الغربي من السنغال وساحل العاج،
  • الممر الأوسط من نيجيريا،
  • الممر الشرقي من اليمن والصومال.

 

ويؤكد العديد من الخبراء الحاجة إلى حماية الحق في طلب اللجوء، وتوفير ممرات قانونية وآمنة للعمال المهاجرين الذين يعتزمون الوصول إلى أوروبا. ومع ذلك، فقد كان التوجُّه هو أن يؤجّل الاتحاد الأوروبي وضع سياسة مُشتركة بشأن الهجرة بسبب الخلافات بين الدول الأعضاء بهذا الخصوص، وأن يُعطي الأولوية بدلاً من ذلك للمُفاوضات الثنائية مع بلدان المنشأ والعبور بهدف منع وصول المُهاجرين، أو ببساطة نقل ضوابط الهجرة إلى الخارج. والمثالان على ذلك هما اتفاقية بنغازي لعام 2008 بين رئيس الوزراء الإيطالي آنذاك، سيلفيو برلسكوني، والرئيس الليبي السابق، القذافي، واتفاقية 2016 بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.

 

ومع ذلك، كان لهذه الحلول قصيرة المدى آثار وخيمة على العديد من المستويات؛ فمن الناحية القانونية، تُعتبر مراكز الاحتجاز الليبية للمهاجرين سيئة السمعة بسبب سوء المعاملة وانتهاكات حقوق الإنسان. ومن الناحية السياسية، ثَبُتَ أن تسريح الميليشيات التي تستفيد من اقتصادات الحرب مثل إدارة هذه المراكز والسجون والاتجار بالبشر والتهريب أمر مُعقّد. وفي نهاية المطاف، لا يمنع إغلاق أحد طرق الهجرة مُهربي البشر من العثور على طرق أخرى، كما تبيّن ذلك من خلال استمرار تحطّم السفن على الشواطئ الإيطالية. لقد حدّت جائحة كوفيد 19 من وصول المُهاجرين، لكن الاتجاه الحالي يُشير إلى أن أعداد المهاجرين تتضاعف كل عام، مع وصول أكثر من 100,000 مهاجر إلى القارة الأوروبية في عام 2022. وتُشير التوقّعات المُستقبليّة إلى أن ضغوط الهجرة عبر ليبيا ستزداد أكثر، بسبب تأثير النمو الديموغرافي الذي يزيد الطلب على الموارد والوظائف في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وعلى سبيل المثال، ستُصبح نيجيريا ثالث أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان في عام 2050، إذ سيبلغ عدد سكانها 400 مليون نسمة.

 

تتمتّع ميلوني بميزة كونها مُنتخبة حديثاً كرئيسة للوزراء وزعيمة الحزب الأكثر شعبية حالياً في البلاد والذي حصل على أكثر من 31% من أصوات الناخبين. ومع ذلك، لديها خياران في التعامل مع قضية الهجرة، أولاهما تبنّي نهج قومي وشعبوي ، يعد بتخفيض الهجرة إلى النصف بما يتماشى مع الأهداف المُعلنة لحليفها ماتيو سالفيني ، زعيم حزب الرابطة. وسيؤدّي هذا النهج إلى زيادة التوتّرات مع الاتحاد الأوروبي، لأنه سيحرم المهاجرين حق اللجوء، وهو التزام قانوني للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والمنصوص عليه في المادة 18 من ميثاق الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية. أمّا خيارها البديل فسيتمثّل في تبنّي سياسة أكثر اعتدالاً تجاه الهجرة والدفع في الوقت نفسه من أجل وضع سياسة جماعية للاتحاد الأوروبي؛ وبالتالي، تأمين الدعم المُستمر من الاتحاد الأوروبي الذي تعتمد عليه إيطاليا في انتعاشها الاقتصادي.

 

السيناريوهات

بناءً على ذلك، يُمكننا التفكير في سيناريوهين رئيسين بشأن توجّهات السياسة الإيطالية وتبعاتها في ليبيا، وذلك على النحو الآتي:

 

1. استمرار الوضع الحالي 

إن إطالة أمد الصراع في ليبيا من شأنه أن يؤدّي إلى تبعات على مستويات مُتعدّدة. فعلى الصعيد الاقتصادي، لن تُحقّق إيطاليا إمكانات التصدير لديها بشكل كامل، ما يؤثّر سلباً في العلاقات التجارية مع ليبيا، وقد يكون لذلك تأثير وخيم على الاقتصاد الليبي أيضاً. ومن الناحية الجيوسياسية، فإن استمرار الوضع الحالي من شأنه أن يُعزّز نفوذ تركيا وروسيا في ليبيا، على نحو يشبه الحالة السورية. وعلى المستوى المحلّي، قد يؤدّي التدفق المُتوقّع للهجرة غير المُصرّح بها إلى إيطاليا من ليبيا ، إلى جانب عدم وجود دولة للتفاوض معها ، إلى زيادة الضغط على إيطاليا وتقوية السياسيين الشعبويين داخل إيطاليا ، ما يجعل الأمر أكثر صعوبة على ميلوني لتحقيق التوازن بين مطالب القاعدة اليمينية والحاجة إلى الحفاظ على علاقات فعاّلة مع الاتحاد الأوروبي.

 

2. عملية سلام في ليبيا بمُشاركة الفاعلين الإقليميين، وتنسيق سياسة الهجرة في الاتحاد الأوروبي 

بالرغم من أن الاتحاد الأوروبي متوحّد في دعم المجهود الحربي في أوكرانيا ضد روسيا لكنه لا يزال لا يتعامل مع ضرورة وجود سياسات مُشتركة أخرى؛ لذا، يُمكن أن تحاول ميلوني أن يكون لها دور رئيس بهذا الخصوص، إذ إن إحدى هذه السياسات هي دعم اتفاق سلام في ليبيا. علاوة على ذلك، يُمكنها أيضاً محاولة الترويج لسياسة هجرة مُشتركة في الاتحاد الأوروبي من خلال وساطة رئيسة المفوضية الأوروبية، فون دير لاين، ورئيسة البرلمان الأوروبي، روبرتا ميتسولا ، اللتان تضغطان من أجل تجديد الجهود بشأن ميثاق الهجرة واللجوء بين الدول الـ 27 في الاتحاد الأوروبي. ويشمل ذلك تعزيز الضرورة الإنسانية للتنسيق من أجل إنقاذ الأرواح في البحر. وعلى المستوى القانوني، فإن تنظيم تدفّق المهاجرين الشرعيين عن طريق زيادة تأشيرات العمل، وكذلك حماية حقوق اللاجئين هو أمر أكثر إنسانية واستدامة من السماح للهجرة بأن تُصبح صناعة شريرة تُديرها المُنظّمات الإجرامية.

 

وعلى المستوى السياسي، سيكون من الضروري التوصّل إلى اتفاق حول حصة كل دولة من المُهاجرين التي هي على استعداد لاستقبالهم. والأهم من ذلك، يتعيّن على سياسة الهجرة المُشتركة في الاتحاد الأوروبي مُعالجة دوافع الهجرة (الحروب والبطالة وانعدام الأمن والإرهاب والكوارث المُرتبطة بتغيّر المناخ) في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والساحل والقرن الأفريقي. وقد تكون هذه المُحاولة مُفيدة للغاية بالنسبة لها بمعنى أنه لم تُنفّذ أية حكومة قبلها مثل هذه الأجندة المُشتركة. ومع ذلك، سيتطلّب الأمر من ميلوني أيضاً تعديل سردية حزبها عن المُهاجرين، الأمر الذي قد يُفقدها شعبيتها بين بعض المُتشدّدين اليمينيين، ولكنها ستُعوّض ذلك بالمكانة دولية التي ستحظى بها نتيجةً لذلك.

 

استنتاجات

تُبدي إيطاليا اهتماماً كبيراً بتقوية علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع دول شمال أفريقيا مثل الجزائر وليبيا من أجل تنويع مصادر الطاقة لديها لتُصبح مركزاً للطاقة في أوروبا، ولتعزيز الطلب على الصادرات الإيطالية من السلع المُصنّعة. كما تهدف روما إلى احتواء وجود روسيا والصين في المنطقة. وتُعطي ميلوني الأولوية الآن لتنظيم تدفّق الهجرة من ليبيا إلى الشواطئ الإيطالية باعتباره أمراً محورياً لسياستها الأمنية. مع ذلك، ولكي تنجح مثل هذه السياسة، ينبغي أن يكون هناك تنسيق بين الدولتين، وهو أمر غير مُمكن في الظروف الحالية في ليبيا المُنقسمة بوجود حكومتين مُتنافستين. وقد يكون اتفاق السلام شرطاً مُسبقاً لذلك، لكن الصراع على السلطة لغاية الآن يُعيق مفاوضات السلام، ويجعل الحل السلمي المُستدام هدفاً صعباً.

 

.

رابط المصدر:

https://epc.ae/ar/details/scenario/afaq-alalaqat-al-iitalia-alliybia-fi-zil-aldiynamiat-alrahina

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M