محمد عبد الجبار الشبوط
لا يهمني ما هو الاسم الذي يطلقه الناشطون والحزبيون على الدولة التي يطالبون باقامتها، هناك من يطالب بدولة مدنية، وهناك من يطالب بدولة اسلامية، وربما وجد من يطالب بدولة من اسم ثالث ورابع، حتى هناك من يطالب بدولة ملكية … الخ. وهذه مصطلحات ايديولوجية لا اعترض عليها ولا اناقش اصحابها بشأنها، رغم علمي انها ليس ذات معنى واحد حيث تتعدد الاجتهادات والتفسيرات بشأنها.
كمواطن، يمضي السنوات الاخيرة من عمره يترقب الافضل، يهمني ان تكون الدولة في العراق حضارية وحديثة. لاني، وايضا كمواطن فتح عينيه على المجتمع والدولة منذ عام ١٩٥٨، ادركت ان سبب معاناتنا نحن العراقيين هو التخلف، التخلف في كل شيء، في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والادارة والاجراءات والصناعة والزراعة والعلاقات الاجتماعية والتربية والتغذية ونظرتنا الى الاخر، وتعاملنا مع المرأة، وتعاملنا مع الاخبار والروايات والقصص، وممارستنا للدين، ونشاطنا الحزبي وغير ذلك.
وادركتُ، بعد مضي زمن، ان افضل النظريات لا تنجح في المجتمع المتخلف والدولة المتخلفة، وان المطلوب اولا ان نقضي على التخلف. ولهذا لم يعد يهمني ما هو الشعار السياسي او الايديولوجي او الديني الذي ترفعه، بقدر ما يهمنا ان لا يكون ذلك متخلفا. قد يؤمن الانسان بالشيوعية لكنه متخلف، وقد يؤمن بالاسلام ولكنه متخلف، وقد يؤمن بالعلمانية ولكنه متخلف، وقد يؤمن بالديمقراطية ولكنه متخلف، وقد يؤمن بالفيدرالية ولكنه متخلف، وقد يؤمن بالامة العربية ولكنه متخلف، وقد يؤمن بحق الشعب الكردي ولكنه متخلف. مشكلتنا ليست في هذه العناوين، ولا حلول مشكلتنا في هذه العناوين، انما مشكلتنا في التخلف، وحل مشكلتنا بالقضاء على التخلف.
لهذا لا يهمني ماذا تسمي دولتك، انما يهمني ان تكون دولة حضارية حديثة. والدولة الحضارية الحديثة ليست بديلا عن غيرها من عناوين الدول، انما هي بديل عن الدولة المتخلفة، مهما كان اسمها وعنوانها. والدولة الحضارية الحديثة هي تلك الدولة التي تتيح الفرصة للمركب الحضاري بالاشتغال بما يحقق التنمية المستدامة (وفرة الانتاج) والعدالة بالتوزيع، وبالتالي تحقيق السعادة للانسان، من خلال منظومة القيم العليا التي تحرك عناصر المركب الحضاري الخمسة وهي: الانسان والارض والزمن والعلم والعمل. الدولة الحضارية الحديثة ينطبق عليها المعنى الجوهري لهذه الاية:”مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”.
حيث الحياة الطيبة، والمساواة بين الرجل والمرأة، والعمل الصالح في استثمار الطبيعة، والايمان بالقيم العليا التي تمثل مؤشرات العمل الصالح المنتج للحياة الطيبة، ويكون الاجر على قدر العمل، حيث لا مجال للثراء عن غير هذا الطريق، وبذا ينقطع دابر الفساد المالي والطريق غير المشروع للثروة.
لا تدخل الدولة الحضارية الحديثة في سجال العلمانية والدينية وغير ذلك، لان سجالها الحقيقي هو بين التقدم والتأخر، الحضارة والتخلف، الحداثة وعكسها. الدولة الحضارية الحديثة تحترم الانسان. وكل الاديان وكل الفلسفات الانسانية تحترم الانسان وتحترم حقه في السعي نحو السعادة، كما تحترم حقه في الحرية والعدالة والمساواة والتعليم والرعاية الصحية والعمل والامن. وليس غير المواطنة يحفظ حقوق الانسان. فبالمواطنة ترتفع حاجة الانسان الى وسيط بينه وبين الدولة، ولا يعود بحاجة الى المكون والطائفة والعشيرة لحفظ حقوقه المدنية والسياسية.
الدولة الحضارية الحديثة تقوم على الديمقراطية وحكم القانون العادل والمنصف، والمؤسسات الفاعلة، والعلم الحديث، هذه هي الدولة التي احلم باقامتها في العراق، وكل الاهداف البعيدة تبدأ من الاحلام، والاحلام الواقعية تتحقق، اعملوا عملا صالحا يقود الى هذه النتيجة ولا تشغلوا انفسكم بغير ذلك.
رابط المصدر: