من يرى الزيارة الكاظمية في 25 رجب من كل عام يستشعر هناك خصوصية لهذه الزيارة ولذلك المزار ، وقد يتساءل لماذا هذه الزيارة تكون أكبر حجماً وأكثر جماهيرية وأقوى زخماً من كثير من الزيارات المهمة للمعصومين عليهم السلام ، ويمكن القول أنها ثالث أكبر زيارة بعد زيارة الأربعين والزيارة الشعبانية ، إذ يتوافد الملايين في مدينة الملايين ، وكم تحتاج هذه الملايين الى ملايين من الإجراءات الخدمية والأمنية والسياحية والنقلية ووو .
إن الامام الكاظم عليه السلام جاء بعد فترة اتسمت بالهدوء والتقية ، فبعد استشهاد الامام الحسين عليه السلام (صاحب الزيارتين الأربعينية والشعبانية) في سنة 61 هجرية اتخذ الامام السجاد عليه السلام منهج التقية حفاظاً على إرث النبوة ، تلاه ولده الباقر سلام الله عليه الذي بدأ بتأسيس النواة الأولى لاستخراج الخزين العلمي لأهل بيت العصمة عليهم السلام ، حتى تبلورت وتشكلت بأكمل صورها في عهد صادق العترة عليه السلام الذي ركّز بصورة كبيرة على نشر علوم أهل البيت عليهم السلام وإيضاح معالم المدرسة العلوية وسماتها بعد أن كان يتصور البعض أن الشيعة عبارة عن مجموعة تحب علي بن أبي طالب عليه السلام وكفى .
هذه الفترة منذ شهادة الامام الحسين عليه واستشهاد الامام الصادق عليه السلام كان الأئمة عليهم السلام يؤدون تكليفهم كأئمة وأوصياء لنقل الدين ودفعه الى مئات السنين من بعدهم حتى يصل الى أخر رجل في أقصى بقاع الأرض في آخر لحظة من لحظات هذه الدار الدنيا ، وهذا النهج الهادئ لم يفهمه أتباعهم إلا الخلّص منهم فمالوا الى الدعة والراحة والخمول والجمود ، ورسّخ في نفوسهم هذه السلوكيات الوضيعة موت الأئمة الثلاثة السجاد والباقر والصادق عليهم السلام بشكل شبه طبيعي ، ولم يهَن منهم أحد ، ولم يقتل أحد منهم مثل الامام الحسين عليه السلام ولم يسجن منهم أحد أو يهجّر مثل الامام الكاظم عليه السلام إلا في بداية إمامة السجاد عليه السلام والتي تداخلت مع مصيبة شهادة الحسين عليه السلام وسبايا بنات الرسالة بحيث لم تبرز كقضية منفردة كما حصل للكاظم عليه السلام .
وقد دُفِن السجاد والباقر والصادق عليهم أفضل الصلاة والسلام في مدينة جدهم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وقرب مدفنه ، فكان الشيعة يومها لا يشعرون بالغربة والحنين كما يشعرونها للامام ذي المدفن البعيد ، فالإمام الغريب يكون الشوق إليه كبيراً وربما أكبر من الإمام ذي المدفن القريب ، وربما جرب ذلك بعضنا من كان يعيش في العراق مع الامام الرضا عليه السلام أو أئمة البقيع عليهم السلام .
فبعد هذا الركود الذي اعتاد عليه الشيعة منذ شهادة الامام الحسين عليه السلام وبدء معاناة الامام الكاظم عليه السلام مع السلطة العباسية الظالمة والذي استمر لأكثر من 90 عاماً صار تنقل الامام الكاظم عليه السلام من سجن الى سجن غريب عن أهله وشيعته أمراً صاعقاً للشيعة أيقظهم من الغفلة التي عمت السواد الأعظم منهم ، وأشعرهم بتقصيرهم أمام إمامهم الكاظم عليه السلام خصوصاً وأئمة أهل البيت عليهم السلام عموماً .
فأثّر هذا المصاب بالشيعة طيلة الـ(1250) عاماً الماضية فصار الامام الكاظم عليه السلام حسيناً ثانياً بلا سيف ولا دم وإنما بمظلومية وتهجد ومسجونية وسُمًّ ، وهذا ما يجعلنا أن نفهم ما ورد في الزيارة المخصوصة للأئمة الكاظم والرضا والجواد والهادي عليهم السلام يوم الأربعاء (جاهدتم في الله حق جهاده) فلم يكن جهادهم بالسيف ولا البندقية والمدفع والصاروخ ، وإنما اختط كل واحد منهم منهجاً وطريقاً جهادياً أعطى زخماً لهذا الدين كي يبقى حياً حتى يصلنا ويبقى الى ظهور الامام صاحب العصر والزمان عليه السلام .